RSS

Sideways - 2004


في عام 2004 لم تعرف قوائم النقاد سوى فيلماً واحداَ لتضعه بمقدمة أفضلية أعمال العام، وذاك العمل هو الرائعة الكوميدية السوداء (Sideways – طرقات جانبية)، لم يغرهم بذخ سكورسيزي بتحفته الطائرة ولا شاعرية إيستوود مع ملاكمته الحبيبية ولا اعترافات بيل قبل قتله، لم تطربهم أغاني راي تشارلز ولا خيال عالم نيفرلاند ولا قفزات العنكبوت وخيال كوفمان المجنون، أعجبوا بتلك الأعمال صحيح ولكن ما أسرهم هي قصة كوميدية رومانسية بسيطة عن رجلين يدوران كاليفورنيا ويختبران خيارات الحياة المتاحة أمامهما ..
الفيلم صنعه ألكساندر بين بالكامل انتجه وكتب نصه وأخرجه ونال عنه أوسكار أفضل سيناريو مقتبس وجائزة نقابة الكتاب ونقابة الممثلين وغولدن غلوب أفضل فيلم كوميدي ، لم يفز بأوسكار أفضل فيلم ومخرج حيث استحوذت رائعة إيستوود عليها وهذا لا يشكل مشكلة ففي عام سينمائي صعب ومذهل كـ 2004 تواجدت فيه تحف بالجملة متقاربة المستوى فإن فوز أي منها هو فوز للجميع ..
هذا العمل هو التجربة السينمائية الطويلة الثالثة لألكساندر باين فبعد أول أفلامه الرائعة (انتخاب) عام 1999 بطولة ريز ويذرسبون المرشح لأوسكار أفضل سيناريو ثم (حول شميدت) من بطولة الرائع جاك نيكلسون بدور اكسبه أخر ترشيحاته للأوسكار عام 2002 كان باين قد بدأ يشكل لنفسه هوية سينمائية خاصة مزج بها بين الأسلوب الأوروبي الهادئ الشاعري مع روح الفكاهة والواقعية الأمريكية الصرفة ومستعملاً كل تلك الأساليب كوسيلة للغوص بعمق شخصياته والتبحر بها وبعوالمها وتقديم معانتها ونفسيتها ..
فيلم طرقات جانبية يدور عن رحلة يقوم بها صديقين (مايلز وجاك) في مزارع النبيذ في كالفورنيا قبل أسبوع من زواج جاك (توماس هيدين تشيرش) الممثل محدود التفكير الذي يعيش مرحلة ركود فنية بعد أن كان ممثلاً تلفزيونياً معروفاً، بينما صديقه مايلز (بول جيماتي) على النقيض منه شخص راقي ذواق للنبيذ والفن والآدب مدرس لغة إنكليزية للمرحلة الإبتدائية ويحاول أن يكتب روايته الأولى ولكنها – ورغم ما تناله من مديح – لا تعثر على ناشر يسوق لها، وفي تلك الرحلة التي يتشارك بها الصديقان القديمان سندخل نحن أيضاً برحلة تشريح نفسية مبهرة واستثنائية لشخصيتين من الواقع لا تختلفان عن أي شخصية نعرفها وتحمل كل التعقيدات التي تحملها النفس البشرية فمايلز يمر بحالة اكتئاب خطيرة بعد طلاقه من زوجته ويؤلمه إنه وصل إلى هذا السن ولم يستطيع أن يصنع لنفسه مصير جيد ويتمسك بنشر روايته لأنها الأمل الأخير له ويوشك أن يدمن على الخمر من شدة إحباطه ويداوم على تذوق النبيذ لأن موهبته تلك تشعره بالقيمة، أما جاك فهو كمايلز يعيش حالة الحسرة على ضياع حياته ولكنه لا يواجه الأمور مثله بسلبية وإحباط يحاول أن يواجه الأمور بإجابية فيقرر الزواج من فتاة من عائلة ثرية لينجح بتأمين مستقبل جيد له ولكنه وقبل الزواج ينتابه شعور هل هو فعلاً يقدم على الخيار الصحيح؟، هل هو يحب خطيبته فعلاً؟، هل هو مستعد ليتخلى عن حياته الماجنة ليرتبط بمرأة واحدة؟، جاك لا يريد أن يجاوب لذلك فهو يتخذ قراراً أن تكون حفلة وداع العزوبية هذه حفلة وداع عزوبية حقيقية فسيقضيها بالجنس والعبث ويعلن هدفه هذا لمايلز في بداية رحلتهما ناسفاً طموحات ذاك الأخير برحلة هادئة يقضينها بالغولف وتذوق النبيذ بل يصدمه حين يطلب منه أن يسايره ويجاريه بهدفه حتى يتخلص من حالة الاكتئاب التي يعيشها .
عبقرية باين خلال صنعه عمله إنه ينجح بالخوض بأعماق الشخصيات وتقديمها للمشاهد بأقل قدر ممكن من الحوارات اعتماداً على أداء ممثليه الراقي والبناء الدرامي المبهر للعمل فسنرى كيف جاك يحاول الهروب من واقعه ويريد الحفاظ على حياته الماجنة ولكن مع تأمين مستقبل جيد له بينما مايلز تنتابه الحيرة اتجاه جاك فهو يرى الأمور من منطلق الأخر يرى إن جاك قد حظي بكل ما يحلم به من فتاة تحبه وتحترمه وعائلة تتقبله و عمل جيد ووسامة شكل ولكنه يضيع كل ذلك في سبيل نزاوته دون أن يتمكن من تفهمه وتفهم طبيعته وعقليته في حين إن جاك يتفهمه جيداً ويتفهم ما يفكر به ولكنه لا يستطيع التخلي عن أسلوب حياته هذا لأن طبيعته تمنعه من أن يكون منضبطاً حتى يدرك لوحده الحقيقية ويدرك حقيقة مشاعره اتجاه خطيبته، إلا إنه على صعيد آخر فإن جاك يفهم جيداً معاناة مايلز ويريد مساعدته وتخليصه من وحدته وكآبته وتعريفه على فتاة يبدأ معها حياة جديدة وأن يأخذ زمام المبادرة في حياته والتخلص من الجبن والتردد والضعف الذي يمنعه من اتخاذ أي خطوة للأمام لتخليص نفسه من الوحشة التي يعيشها..
الفيلم ليس كأفلام الطرقات التقليدية بطلا العمل لا يمران بمواقف غريبة ولا يوجد أي تحولات مفاجأة بالعمل أو يلتقيا بعدة أشخاص مختلفين يقومون بإلهام حياتهم ، هو عمل واقعي بحت بأدق تفاصيله حتى بأجوائه فخلال العمل لا يلتقي مايلز و جاك سوى بمايا (فيرجينا مديسن) وستيفاني (ساندرا أوه) وكلاهما يمران بمشاكل أيضاً فمايا المطلقة المشتاقة للحب والباحثة عن تطور بحياتها وستيفاني الأم العزاب الباحثة عن رجل يساعدها بحياتها، ثم يتعرفان على نادلة المطعم وزوجها اللذين يستجران المسافرين لسرقتهم، ولقاء تلك الشخصيات يساعد أبطال العمل على اكتشاف خيارات عديدة لهما في الحياة لم تكن موجودة، ورغم قلة الأحداث والتطورات وضئلة تنوع الشخصيات ولكن باين يصنع عمله بأسلوب يجعلنا من الصعب ألا نتفاعل معه ومن الصعب أن نرفع معه عينانا عن متابعته، فالحوارات الرائعة القليلة التي تدور بين مايلز و جاك عن النبيذ تقدم وجبة دسمة من الذكاء الحواري من حيث أنسياب المعلومات ثم تحول الحوار بطريقة منطقية إلى محاور أخرى نكشف معها مجاهل شخصيات البطلين، العمل حوى موهبة بنسج حوارات شخصياته فكل شخصية لها حواراتها المميزة عن الأخرى فيصنع شخصية مستقلة للمثقف والممثل الماجن والمرأة الشهوانية والمرأة الرومانسية بأسلوب مشوق وواقعي جداً، وتفاصيل العمل الواقعية الدقيقة هي التي تصنع جماله، فشكل المنازل والشخصيات تبدو هاربة من هوليوود لتدخل بحياة الناس الطبيعين في كل مكان من العالم والديكورات منسجمة مع العمل بجوه بشكل رهيب بالأخص مع التركيز على اللونين الأخضر والأحمر (لون النبيذ) وهذا ما نجح التصوير الكلاسيكي البسيط بإبرازه مع تقديمه مشاهد طبيعية خلابة وآسرة ...
ألكساندر باين مبدع بنقل الصورة الواقعية للسينما وهنا قدم أفضل إنجازاته بهذا المجال ضمن مجموعة من المشاهد الأسرة ومشهد المطعم هو أجملها وأحد أجمل المشاهد بالتاريخ فتصويره لشخصيات العمل وهم يجلسون على طاولة واحدة يتناقشون ويتحدثون ويضحكون وقطع الصوت والإبقاء على الموسيقى الرائعة وتداخلها مع صوت الضحكات والهمسات وقرقعة الكؤوس والأطباق وقطع الصور بين الشخصيات كلها أمور تجعلنا نشعر للحظات إننا نشاهد شخصيات طبيعية حقيقية لا مجرد ممثلين، وبهذا المشهد بالذات يكون للمونتاج دور قوي بربط الأحداث وإجمالاً كان المونتاج ممتاز بهذا العمل فطريقة ربط الأحداث والشخصيات وتصوير إنفعالاتها وتفاعلاتها مع بعضها ثم طريقة قطع الصورة وتقسيم الشاشة إلى أربع صور وقيادتنا إلى مشهد محوري كانت مبتكرة وحيوية والأهم إنه لم يتم المبالغة فيها ..
أحد أهم جوانب ذكاي باين في عمله إنه مزج بين الكوميدية الصرفة والكآبة المستفحلة بأسلوب واقعي بعيد عن الابتذال صانعاً كوميدية سوداء حقيقية تظهر فيه من خلال ردّات الفعل التي تولدها تضارب عقليتي مايلز وجاك المتناقضتين والتي تم تصويرها بأسلوب واقعي بحت بالاخص مع أداء توماس هيدين تشيرش الممتاز جداً والذي نجح لوحده بصنع كوميدية راقية بالعمل، كلما شاهدت توماس هيدين تشيرش بدور جاك أقول هذا أحد أفضل الأدوار الثانوية لهذه المرحلة وكان يستحق الأوسكار عنه فتعبيره عن تلك الشخصية السطحية الماجنة بأسلوب واقعي سلس وتقديمها ضمن كوميدية مقبولة بعيدة عن الإبتذال أمر يستحق كل تقدير بالأخص وإن شخصية جاك تتقاطع مع شخصية شهيرة في أمريكا هي شخصية جوي في مسلسل (Friends) والتي صنع لها مات لي بلانس جاذبية وهوية خاصة تجعل من أي من سيؤديها بعده تحدي خاص ولكن تشيرش تجاوز ذلك التحدي بأدائه المتقن الذي صنع من الشخصية طابع خاص مع إظهار لحظات صدق حقيقية رائعة بأدائه كحديثه عن فكره وحديثه عن حبه لخطيبته ..
باعتقادي دوماً إنه كن يجب في عام 2004 أن ينافس 10 ممثلين على جائزة أحسن ممثل فإلى جانب كل من فوكس وإيستوود ودي كابريو وجيماتي وديب كان يجب أن نشاهد بارديم وكروز وواشنطن وبيل وبول جيماتي عن دوره في هذا العمل، فجيماتي الممثل المغمور لسنوات طويلة والذي نقله هذا العمل إلى خانة ممثلي الصف الأول واتبعه بأداء نال عنه ترشيح للأوسكار في رجل الساندرلا قدم بهذا العمل دور من أصعب الأدوار وأكثرها تعقيداً، قوة أداء جيماتي وجاذبيته إنه لا يعبر عن الشخصية بالكلمات الكثيرة والحوارات ولا بالإنفعالات الصاخبة والصراخ، هو يهتم أكثر بالإنفعالات الداخلية ونظرات العيون التي نجحت بجعل الشخصية تتواصل مع الجمهور وتأثر فيها بشكل عالي ..
في العمل يوجد أيضاً فيرجينا مديسن بأداء راقي نالت عنه ترشيح للأوسكار فهي تنجح بصنع شفافية ورومانسية رائعة بالعمل تخرج العمل من جوه الممزوج بين الكآبة والكوميدية إلى جو أكثر رومانسية وشاعرية ومعها يوجد ساندرا أوه بأداء جيد لدور ستيفاني ..
يعجبني مشهد النهاية بالعمل والحكمة الذي يقدمها فلا يهم أن تنشر الرواية وتحقق صدى يكفي أن يقرأها أحد ويعجب بها، يكفي إنك أسمعت صوتك للعالم وجعلت الآخرين يتأثرون بك حتى ولو كان شخصاً واحداً، فما فائدة أن يقرأ الرواية المئات دون أن تحرك بهم شيء..
Best 10 Movies – 2004
Sidewise
Million Dollar Baby
The Aviator  
ETERNAL SUNSHINE OF THE SPOTLESS MIND
Sea Inside
 Ray
Howl's Moving Castle
Kill Bill Vol 2
 
 

0 التعليقات:

إرسال تعليق