RSS

Frost / Nixon - 2008


رون هاورد قدم عام 2008 أحد أفضل الأفلام السياسية وأكثرها قيمة على الإطلاق، فيلم جاء عرضه بالتوقيت المناسب مع مناسبة خروج جورج بوش من البيت الأبيض بعد عهد امتلأ بالأخطاء والكوارث بحق أمريكا قبل غيرها دون أن يجد بوش من يحاسبه عنها أو يحاكمه، هنا رون هاورد وبيتر مورغان يستعيدان المحاكمة غير الرسمية لأحد أكثر الرؤساء غير الشعبيين وأكثرهم عثرات (ريتشارد نيكسون) ويحاولان ليس فقط إعادة محاكمته أو صنع إسقاط سياسي على الفترة المعاصرة بل إنها يعملان في بنفس الوقت على التحري عن العوالم النفسية لريتشارد نيكسون وتقديم قراءة لنفسيته لبحث الأسباب التي تجعل شخص مثله يفعل ما يفعله ولكن دون أن يدينه أو يهاجمه أو يحط من قدره أو يسخر منه فهذا العمل لا يهاجم نيكسون بل يبحث عن الإنسان داخل نيكسون ويحاول تقديم دراسة عن طبيعة الصراع الذي يعيشه الإنسان بين الندم وتأنيب الضمير وبين كرامته وقوة شخصيته التي تمنعه من الاعتراف بالذنب.
 
قضية واترغيت وعهد ريتشارد نيكسون كانت دوماً مصدر إلهام العديد من المخرجين أهم ما تم تقديمه بهذا المجال هما فيلما كل رجال الرئيس لآلان باركر عام 1976 و فيلم نيكسون عام 1995 لأوليفر ستون بل حتى إن روبيرت زيميكس في فيلم فورست غومب تطرق إلى قضية واترغيت بشكل ساخر ولكن ولا فيلم من هذه الأفلام أقترب إلى الجانب الإنساني في نيكسون وحاول تناول قضية واترغيت من بعد بعيد عن السياسة والنقض وتحويلها إلى شيء أكثر إنسانية كما حصل في تحفة هذا العام (فروست / نيكسون) وهذا أمر ليس مستغرب إن علمنا إن الفيلم مقتبس عن مسرحية شهيرة لبيتر مورغان الذي وضع النص السينمائي للفيلم وهو الذي سبق له وأن كتب نصا فيلما الملكة وأخر ملوك أسكتلندا عام 2006 حيث أبهر الجمهور السينمائي بقدرته على تناول الجوانب الإنسانية من وراء حوادث سياسية خطيرة لشخصيات يظن الجمهور إنها أبعد ما تكون عن الإنسانية ولكن مورغان يذكرنا إن أبطاله بشر أيضاً ولهم أخطاؤهم ولهم معاناتهم النفسية مثل أي إنسان عادي والأروع إن بحث مورغان عن الجوانب الإنسانية لأبطال أفلامه يظهر دوماً مقنعاً وناجحاً، هذا الفيلم لا يحوي فقط قضية بحث إنسانية من وراء شخصية سياسية مكروها أو صلبة بل هو أيضاً قصة بطولة ونجاح من نوع خاص وهذا الجانب ما كان من الممكن أن يظهر عادةً في أفلام مورغان لو كان المخرج   غير رون هاورد المبدع وراء العديد من قصص البطولة الإنسانية الحقيقة المبهرة كأبولو 13 عام 1995 وعقل رائع عام 2001 الذي أكسبه أوسكار أفضل مخرج فكان اجتماع بيتر مورغان مع نصه السياسي العميق الممزوج بجوانب إنسانية نفسية مع نظرة رون هاورد البطولية الإنسانية نتيجته هذه التحفة المبهرة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
فيلم فروست نيكسون يشبه العديد من الأفلام التي شاهدناها في السنوات السابقة ففيه التعمق في نفسية الحاكم من (الملكة) و فيه طموح المبدع لصنع أهم إنجازات حياته من (كابوتي) وفيه تسليط الدور على أهمية دور الإعلام في الحياة السياسية من (ليلة سعيدة وحظاً موفقاً) ولكن الفيلم بقدرته على المزج بين هذه المحاور جميعها نجح بأن يكون أفضل منها جميعاً، الفيلم الذي كان مسرحية ناجحة في بردواي تسابق المخرجون لنيل حقوق تحويلها لفيلم جورج كلوني مخرج ليلة سعيدة وحظاً موفقاً كان أبرز المتوقعين ليكون هو الفائز بحقوق الفيلم بالأخص إنه صنع فيلماً شبيهاً هو أهم إنجازاته بحياته الفنية ولكن مورغان فاجأ الجميع بمنحه نصه إلى مخرج بعيد كل البعد عن هذا النوع من الأفلام وهو رون هاورد وهنا كان يكمن ذكاء مورغان فهو كان يخشى من أن احتمال الخلط بين فيلمه وفيلم كلوني السابق ليس فقط من قبل الجمهور بل أيضاً من قبل المخرج الذي ربما لا يستطيع التحرر من فيلمه السابق وهو يصنع فيلمه الجديد المشابه بنوعيته لمسرحيته مما قد يجعل فروست نسخة مكررة عن ليلة سعيدة فكان منحه لهاورد فيه ذكاء كبير – ومخاطرة كبيرة – فهاورد الجديد في مجال الأفلام السياسية والمحترف في أفلام قصص البطولة الحقيقية لا بد أنه يحمل في جعبته العديد من الأفكار التي يريد تقديمها وقد فاز مورغان في الرهان ونجح هاورد في الامتحان.
يبدأ الفيلم بعرض وثائقي سريع لقضية واترغيت واستقالة نيكسون (فرانك لينجيلا) ثم ينتقل إلى إستراليا إلى ديفيد فروست (مايكل شين) المذيع الأول هناك والذي يقدم برنامجه الترفيهي الشهير، و يتنقل الفيلم بين عرض لوجهات النظر الشارع الأمريكي الذي شعر بأن نيكسون لم يهزم وأنه ما زال رئيساً رغم استقالته وإنه يجب محاكمته وإدانته أو على الأقل هو يدين باعتذار للشعب الأمريكي واعتراف حقيقي بجرائمه ويصور لنا في نفس حياة ديفيد فروست المذيع اللعوب العالق في برنامجه الترفيهي والذي صنع له سمعة غير محترمة في الأوساط الصحفية والإعلامية ولم يتم التعامل معه على أنه مقدم برامج جاد رغم الشعبية الكبيرة التي حاز عليها والموهبة الكبيرة التي يملكها مما يثير آلم فروست ويولد لديه رغبة جامحة ليصنع لنفسه اسم إعلامي مهم ويثبت ذاته وأهميته بين الإعلاميين فيقرر استغلال الأوضاع السياسية الحالية والسفر إلى أمريكا ليظفر بلقاء حصري مع ريتشارد نيكسون لأول مرة منذ استقالته ويقنع بذلك مخرج برنامجه جون بيرت وفي أمريكا يعاني فروست من العثور على مول لبرنامجه حتى يلتقي جيمس روستين المنتج الشاب المتحمس المعادي لنيكسون والذي يوافق على إنتاجه هذا المقابلة مقابل أن لا يجعلها فروست مقابلة عادية بل أن يحولها إلى محاكمة غير رسمية لنيكسون ليجبره بها على الاعتذار للشعب الأمريكي والاعتراف بجرائمه التي ارتكبها ، في هذا الوقت نرى نيكسون بعد الرئاسة وقد أصبحت حياته بنظره خالية من الأهمية وأصبح يشعر بفقدان لقيمته وأنه تحول إلى ألعوبة فلم يعد يظهر إلا بالحفلات الرسمية حيث يلقي كلمة ترفيهية تجعله يشعر أنه أصبح مهرج مما يثير جنونه ويولد لديه رغبة شديدة للقيام بأمر يجعله يشعر بأهميته وقيمته فتعرض عليه المقابلة مع فروست فيوافق عليها باقتراح من مدير أعماله للحصول على مبلغ جيد من المال ولكن وباقتراح من حارسه الشخصي الأمين جاك بيرنان (كيفن بيكون) فإن نيكسون يقرر استغلال هذه المقابلة لتكون فرصة لتبرئة نفسه من كل ما نسب إليه وتزين صورته بين الشعب استعداداً لكي يعود مجدداً إلى عالم السياسة التي أفتقدها والتي كانت تشعره بقيمته وأهميته، وهكذا وبين طموح فروست ليحقق لنفسه قيمة وأهمية ويصنع إنجازاً مهماً في حياته وبين رغبة روستين ليحقق العدالة للشعب الأمريكي ويحاكم نيكسون ويدينه وبين سعي نيكسون ليبرأ نفسه ويجعل من اللقاء محطة أولى للعودة إلى عالم السياسة والسلطة يدخل المشاهد إلى كواليس وتفاصيل المقابلة الصحفية الأهم والأشهر والأطول في التاريخ ، لقاء ليس كأي لقاء هو ساحة قتال حقيقية بل معركة ضروس معركة أكتشف فيها فروست إن خصمه ليس بالشخص وهو – كمقدم برامج ترفيهية – ليس مستعداً له فنيكسون رجل في غاية الدهاء والقوة ذكي إلى أبعد ما يمكن تخيله متحدث ماهر و صاحب حجة دامغة، شخصيته قوية وصلبة تفرض احترامها بشكل عفوي على كل من يقابله، هو كالدب الأسمر ضخم ومخيف وموحش يضعف فروست ويحصره في زاوية ضيقة ويصبح ذاك يفكر بوسيلة للهرب من ذلك الوحش بعد أن كان قد قرر مهاجمته واضعاً مستقبله المهني بخطر ومضحياً بإنجازه الذي يصبو إليه، في هذا اللقاء فروست مقدم البرامج الشهير سينال أهم درس في عالم الصحافة والإعلام سيصبح بالنسبة لديه التحدي أكثر خطورة ولكن النتيجة هي الأعظم حيث سيفرض شخصيته واسمه كأحد أهم الصحفيين في التاريخ مما يجعله فيما بعد يعيش الصراع الأهم في حياته بين تحديه لخوفه ورهبته من نيكسون ومن ذكائه وقوة شخصية الكبيرتين وبين طموحه لتحقيق إنجاز واستغلال فرصة العمر التي تكشفت أمامه .
الفيلم في غاية الإمتاع والروعة رغم إنه ليس قصة تحقيق في جريمة أو فيلم أكشن مليء بالمواجهات والحركة ولكنه في غاية الإثارة تجعل المشاهد يتصلب أمام الشاشة وهو يشاهده فهنا الإثارة مصدرها معركة الذكاء والعقل بين هذين الشخصين وعلى طاولة الحوار بين نيكسون الداهية وفروست الطموح المصدوم بعبقرية وقوة محاوره والذي يعمل على تفجير كافة مواهبه واستعمال كامل قدراته للوصول إلى ذكاء نيكسون ومواجهته، النص السينمائي الذي شاهدناه في العمل والذي حمل توقيع مورغان يجعلني استغرب كيف كان مسرحية إنه بالتأكيد أحد أفضل اقتباسات هذه الحقبة فلا يوجد تحويل تقليدي من صيغة سينمائية لمسرحية بل يوجد إعادة بناء أصلية من نقطة الصفر للحادثة إنجاز مورغان يذكرني بإنجاز وليام مونهان العبقري في السيناريو الآسيوي لفيلم الراحل والذي أعاد بنائه من الصفر ليصبح بشكل جديد ومنحىً جديد، في عمل مورغان هناك بناء متكامل لجميع الشخصيات بناء لا يحمل ثغرات أو عثرات بناء منطقي وتصاعد تدريجي مدروس  للأحداث نحو نقطة الذروة التي جاءت كنتيجة مناسبة للتمهيد السابق فلحظة اعتراف نيكسون بأخطائه لا تبدو دخيلة أو مفتعلة بل نتيجة منطقية للتمهيد الرائع والبناء الواثق الذي سلكه مورغان والذي عمد فيه على التركيز على الصراعات النفسية للشخصيات لا على الشكل الخارجي للأحداث، مورغان وكما أبهرنا سابقاً بقدرته على ملء الثغرات والنقاط الغامضة في حوادث سياسية مهمة في فيلم الملكة فإنه هنا يبرز إن ذلك ليس مجرد طفرة أو حالة استثنائية بل هي حرفة يبدع بها مورغان الذي ملء فيلمه بالعديد والعديد من التفاصيل المتخيلة النفسية والإنسانية والمتناسبة مع طبيعة الشخصيات والتي أدى دمجها إلى صنع ذلك البناء المبهر للشخصيات وبالأخص شخصية نيكسون التي لم يجعلها تقتصر على المحور المعروف الظاهر للعموم ولم يكتفي بالتصوير البسيط – الصعب الذي تحدثت عنه في الأعلى في حين رمى كل حمل الدراما على شخصية فروست بل إنه وبين ثنايا العمل ووراء كواليس المقابلة التلفزيونية الصعبة يقوم بالتبحر بعمق بشخصية نيكسون وعوالمها النفسية بطريقة مذهلة، مورغان كان رائعاً حين لم يكتفي فقط بالرسم المذهل للشكل الخارجي لنيكسون حيث بناه شخصية في غاية القوة والذكاء والتحكم بل عمل من وراء ذلك الغطاء الخارجي المخيف لنيكسون على أن يصور لنا الصراع النفسي الداخلي الذي يعيشه هذا الشخص الذي كانت السلطة الرئاسية شغفه والشيء الذي يشعره بقيمته وذاته وبعد أن ناضل للوصول إليها أجبر على تركها، مورغان يبدع حين يصور لنا شخص كانت لديه طموحات ومشاريع يريد تقديمها وحاول أن يحققها، كان مؤمناً بكل ما قام به خلال رئاسته ويعتقد أنه الأفضل للشعب ولكن طموحاته التي كانت نبيلة اصطدمت بأخطائه التي منعته من تحقيقها وأزداد الأمر سوءً حين منعته عزّة نفسه وكرامته من الاعتراف بعثراته والسعي لإصلاحها مما جرّه إلى أخطاء أكبر في سبيل المحافظة على حكمه جعلت طموحاته النبيلة كلّها وراء ظهره بينما بقي شغفه بالرئاسة والسلطة هو المتسلط عليه وهو الذي حطم كلّ المشاريع التي بناها أو ولكن ورغم إن كل ما جرى له وخروجه من الرئاسة كان بسبب أخطائه ولكن نيكسون يرفض الاعتراف بأنه أخطأ ويعيش حالة صراع داخلية بين الندم الذي يأكله وغروره الذي يمنعه باستمرار من الاعتراف بأخطائه حتى لنفسه، هذه التركيبة المبهرة التي نسج بها مورغان شخصية بطله حركت إبداعات ومكامن موهبة فرانك لينجيلا ليقدم أداء في غاية الإبهار لشخصية ريتشارد نيكسون، فرانك لينجيلا النجم التلفزيوني الشهير لم يكترث لكون الشخصية قد سبق وأن قدمها أسطورة تمثيلية هو أنتوني هوبكنز بأداء مبهر أكسبه ترشيحه الثالث للأوسكار فأدائها بشكل عظيم تفوق بها حتى على هوبكنز، كان رائعاً بتجسيده لقوة نيكسون وذكائه وسيطرته وتحكمه بمن حوله وتجسيد الصراعات الداخلية التي يعيشها بين قوته وكبريائه وبين ندمه، لينجيلا تميز بأداء داخلي متحكم متناسب مع مكانة الشخصية لم يقدم ثورات غضب أو انهيارات نفسية ولكنه عبّر عن هذه الشخصية وصراعاتها بإبداع مستغلاً صوته وملامح وجهه ونظرات عينيه بإبداع جعلت دوره هذا من أفضل الأدوار في هذه المرحلة.
مايكل شين الذي جسد دور خصم نيكسون ديفيد فروست كان هو الآخر متألقاً الممثل الإنكليزي الشاب الذي حقق شهرة عالمية بفيلم UnderWorld   عام 2003 و نال احترام النقاد وجماهير السينما بتجسيده لشخصية توني بلير في رائعة ستيفن فيراريس الملكة عام 2006 الذي أكسبه ترشيح بافتا أفضل ممثل مساعد كان على مستوى خصمه بالعمل فانتقلت المبارزة من بين الشخصيات إلى مبارزة أدائية مذهلة فشين عرف كيف يمسك بالشخصية جيداً تحكم ببراعة بكافة انفعالاتها وصراعاتها نجح بتجسيد صراع ذلك الشاب لإثبات ذاته وتحقيق إنجاز مهم في حياته ومزجه بخوف وهيبة شديدتين من نيكسون وضعف عميق أمامه حوله في اللحظة المناسبة إلى ثورة وانتفاضة متهورة وغير محسوبة ولكن ناجحة ، شين كان يستحق المزيد من التقدير عن أدائه ولكن تم إغفاله بشكل غريب كما تم إغفاله سابقاً في الملكة، وبين لينجيلا وشين كان كيفن بيكون يقدم أحد أفضل أدواره على الإطلاق فأبدع بتقديم بيرنان ذلك الشخص العاشق لنيكسون والذي يعتبره قدوته ومثله الأعلى أبدع بتجسيد حالة الحزن والألم الذي يعيشها على مصير نيكسون وبتجسيد خوفه عليه وعمله على إنقاذه ومساعدته مهما كانت الضريبة نجح بالنجاح بالتعبير صدمته بزعيمه بعد الحقائق التي تظهر وكيف إنه يبقى مصراً على احترامه وتقديسه رغم كل ذلك أداؤه هو الآخر يستحق التقدير والتقدير الشديد، بالإضافة إلى أولئك هناك سام روكيل بدور المنتج و ماثيو ماكفاداين بدور المخرج  و ربيكا هال بدور كارولين قدموا حضور جيد في العمل .
رون هاورد يقدم أحد أكثر إنجازاته الإخراجية تميزاً فهذا المخرج الموهوب الذي يعتبر من جيل كبار المخرجين المعاصرين وهو الجيل الذي يضمن أسماء كبيرة كسودربيرغ وديفيد فينشر والكوينز وتارانتينو وجاكسون كان مبهراً بقراءته الممتازة لنص مورغان فلم يجعل عمله يقتصر على الطابع السياسي والتاريخي بل تعمق في الجانب النفسي للشخصيات وحاول بجهد شديد الإحاطة بكافة التفاصيل الإنسانية لها، هاورد أثبت ذكاء عالي بمعاملته لشخصية نيكسون بإنسانية عالية لم يهاجمه أو يحط من شأنه بل أعطاه فرصته الكافية بالدفاع عن نفسه وبنهاية الأمر لن يستطيع المشاهد سوى أن يحترم شخصية نيكسون رغم كل شيء ، أثارني في إنجاز هاورد قدرته على الإحاطة بتفاصيل عمله الكثيرة والموازنة الدقيقة بين المحاور الدرامية المختلفة له حتى إننا لم نشعر بطغيان أي محور على آخر فلم يهمل الجانب الإنساني أو الجانب السياسي للعمل كان هناك توازن رهيب بين هذه المحاور والأروع إن هاورد تمكن من مزج هذه المحاور بأسلوبه الخاص عن تصوير البطولة فصور إن الإنجاز الذي حققه فروست بطولة وإن اعتراف نيكسون بذنبه كان أيضاً بطولة، هناك مشاهد دقيقة جداً قدمها هاورد منحت عمله رونقاً شديد الجمال واجتماعها رفع من قيمة الفيلم الفنية كمشهد مراقبة فروست لنيكسون وهو يغادر البيت الأبيض، المشهد عندما يمد نيكسون يده ليصافح المنتج، مشهد مشاهدة نيكسون للتقارير الإخبارية عن كمبوديا، مشهد مراقبة بيرنان لنيكسون وهو يعزف على البيانو، مشهد تصوير دخول فريق فروست وفريق نيكسون على مكان المقابلة بطريقة تشبه دخول الفريقان المتنافسان ومشهد ممارسة نيكسون لتمارينه الرياضية قبل المقابلة الأخيرة حيث ظهر كملاكم يستعد لجولته الأخيرة وطبعاً مشهد نيكسون مع الكلب والذي ذكرني بمشهد الملكة مع الغزلان في رائعة فيراريس السابقة.
هاورد صنع عمله وكأنه فيلم وثائقي عن مقابلة فروست ونيكسون ولكنه لم يتبع الطرق التقليدية بصناعة الأفلام الروائية التي تأخذ الشكل الوثائقية فلم يكثر من حركة الكاميرا المحمولة ويجعلها مزعجة وتبعث على الدوار كما في الأفلام الأخرى كانت حركة الكاميرا مدروسة ومتوازنة وأعطت مع المونتاج الأنيق حرارة عالية للعمل وشكل أكثر إثارة، هاورد سعى من أجل تأكيد الشكل الوثائقي إلى تصوير مقابلات مع أبطال العمل وهم يجسدون شخصيات الفيلم وأخذ انطباعاتهم ونظرتهم إلى الأحداث والحديث عن أحداث لم يصورها العمل واستفاد من مونتاجه الممتاز بإدخالها في المواقع المناسبة، وأكثر ما ساعد على صنع المنحى الوثائقي في العمل هو نجاحه باستعادة تفاصيل حقبة السبعينات في كل شيء في الإخراج الفني والأزياء والمكياج التي كانت كلها عناصر متفوقة في العمل .

0 التعليقات:

إرسال تعليق