RSS

مشاهدات سينمائية (1) The Great Escape - Dial M for Murder - Judgment at Nuremberg - Enemy - Bronson - Snowpiercer -John Wick: Chapter 2


The Great Escape -1963


اتصور إن الجمهور عامل رائعة جون ستورجيس هذه زمن عرضها كما عاملنا نحن mad max قبل سنتين، عمل هو ذروة الترفيه والإمتاع السينمائي الأصيل بلا ابتذال والذي يبقى قادرا" على التأثير حتى اليوم، قصة رائعة عن هروب خمسين أسير من الحلفاء من أخطر معتقلات النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، عن حرب خفية ضمن المعتقلات لا تقل خطورة عن الحرب على الجبهات ولا تنقصها البطولة، ليست فقط عن الهرب لمجرد الهرب بل الهرب ليكون بداية لمعركة أكبر.

القصة ربما يكون بها مبالغة وربما ليست صحيحة بالكامل ولكن ستورجيس - وهو أحد أسياد الترفيه في هوليوود وقد سبق له واقتبس ملحمة كوروساوا الساموراي السبعة إلى واحدة من أشهر كلاسيكيات الوسترن العظماء السبعة - ينجح بجعل القصة منطقية جدا" ويملء كل الثغرات التي يمكن أن تكون موجودة ويتحدى المشاهد بأن يطلعه على حلول لمشاكل وتفاصيل وتحديات لا يمكن أن تخطر عباله.
الفيلم مشوق جدا" وممتع ويعتبر مرجع لكل أفلام ومسلسلات السجون ، تأثيره واضح حين نرى إصلاحية شوشنك و مسلسل بريزون بريك، الشخصيات فيه ممتازة الرسم والتقديم، يحوي مجموعة من أكثر نجوم الستينات شعبية (ستيف مكوين وتشارلز برونسون و جيمس غارنر) والممثل والمخرج البريطاني القدير (ريتشارد اتينبوروغ - مخرج فيلم غاندي) .
رغم طول مدة الفيلم -3 ساعات تقريبا"- ولكن لا تشعر بوقته أبدا"، إيقاعه متصاعد لا يهدء ولا يفتر وقادر على احتواء شخصياته العديدة وأن يجعل لكل واحدة خط درامي خاص ويوازن بين الخطوط بحرفية ويجعل كل شخصية مهمة للمشاهد بصفة خاصة، ربما يعيب الفيلم أن جانب الترفيه يطغى فيه على خطورة الموقف لدرجة أنك أحيانا" تشعر أن الألمان ليس لهم وجود، وأن الموضوع لعبة أكثر منه قضية حياة وموت، ولكن حتى هذه الثغرة استطاع تجاوزها بكثير من الأحيان وإظهار خطورة الألمان بالوقت المناسب.
هو فيلم مذهل جدا" حتى بمواصفات اليوم يوجد به تقنيات ممتازة على صعيد المونتاج والتصوير ومشاهد الحركة والمطاردات والموسيقى، هو لا يقل ثورية عن فيلم بن هور وأرجو ألا يأتي منتج متحامق ويحاول أن يصنع له ريميك كما فعلوا مع بن هور.
9/10


Dial M for Murder -1954

من متعي السينمائية الخاصة العودة كل فترة لمشاهدة فيلم لهيتشكوك، شيء بالنسبة لي كالعطلة التي تعيد انعاش الروح الذابلة، ولحسن الحظ أن الإنكليزي المصنف بالنسبة للكثير كأفضل مخرج في التاريخ كان انتاجه غزيرا" خصبا" دون أن يؤثر ذاك على جودة أغلب أعماله.
فيلمه الشهير هذا قدمه بنفس العام التي قدم بها تحفته النافذة الخلفية (كلاهما مع الأميرة غريس كيلي) وهو كما كل أفلامه السابقة التي شاهدتها يعزز لدي قناعة أن المتابعة المتأنية لأفلام هيتشكوك تغني عن دراسة السيناريو والإخراج في أي أكاديمية سينمائية، هنا يمارس علينا هيتشكوك لعبة مكشوفة، يبتعد بنا عن الأحكام الأخلاقية حول الجاني والضحية ، يحيد عواطفنا ، ويجعلنا في صميم اللعبة، ليست لعبة بوليسية عن من هو المجرم؟ وهل ستنجو الضحية؟ نحن نعرف الجاني الحقيقي ولدينا احساس ضمني منذ البداية أن الخطة ستتعثر (هيتشكوك نفسه بالعمل من خلال أحد الشخصيات يصرح أنه لا يوجد جريمة كاملة ودوما" هناك خطأ خفي سيدمر كل الخطة) لذلك فاللعبة التي يدخلنا بها هي البحث عن الثغرة التي ستحبط الخطة المحكمة، وطوال العمل يتلاعب بالمشاهدين و يقود اللعبة كل مرة على جرف الانهيار ليقول المشاهد هنا ستكشف الحيلة ثم يرمي هيتشكوك حبل النجاة لشخصياته ويعيد اللعبة مجددا" إلى الصفر، حتى يكشف اللغز بطريقة ذكية فعلا" - وهي فعلا" كانت واضحة منذ البداية ولكن هيتشكوك أخفاها عن الجميع بدهاء- يحافظ على التشويق وتوتر الموقف حتى اللحظة الأخيرة.
مما شدني هو أسلوب هيتشكوك الخبيث المعتاد بجعلنا نصير للمجرم ، الثلث الأول تكثيف كامل على شخصية الزوج توني وتصويره على مستويين الأول أنه ضحية فهو الزوج الذي خانته زوجته لأنغماسه بشيء يحبه وهو هووسه بتحقيق المجد كلاعب تنس - ليس خائنا" أو مقامرا" أو سكيرا"- ثم ترك طموحه من أجل إنجاح زواجه، والمستوى الثاني هو جعله جذابا" ومحبوبا" للمشاهد بفضل ذكاءه وكاريزماه الخاصة والأداء الممتاز من القدير راي ميلاند - الحائز على الأوسكار عن رائعة وايلدر عطلة الأسبوع الضائعة - ينجح بصنع جاذب خاص للشخصية، وفي المقابل بالثلث الأول هناك تهميش متعمد لشخصية مارغو الزوجة (غريس كيللي) حتى لا تتشتت مشاعرالمشاهد بين الشخصيتين، ثم يأتي مشهد الجريمة الوحشي وينتقل التكثيف على شخصية مارغو مع عدم إهمال لشخصية توني التي تبقى بنفس الذكاء والكارزماتية والجاذبية، ولكن العامل الإنساني يجعلنا ننحاز لها - مشهد الجريمة الوحشي وما بعده من انهيار وأداء صلب من غريس كيللي يجعلاننا ننحاز بعواطفنا نحوها - لكن مع ذلك لا يجعلنا هيتشكوك أنصار أي شخصية يتركنا على الحياد ويجعلنا نلاحق اللعبة التي يديرها توني بذكاء وصبر ورشاقة لاعب التنس - وهو أمر معتاد من هيتشكوك الذي يطفي صفات شخصيته الخاصة على الحبكة - هنا لم يعد التعاطف مطلوبا" - كان مطلوبا" بالثلث الأول كمصيدة تقود المشاهد للمؤامرة ويصبح شريكا" فيها دون أن يشوشه العامل الأخلاقي - أما الأن فالمهم هو ممارسة هذه اللعبة والإنشغال بها.
الفيلم مقتبس عن مسرحية لفريدريك نوت وهو نفسه وضع النص السينمائي، هيتشكوك هنا يعطي درسا" أخر بالاقتباسات المسرحية، رغم إن 95% من مشاهد العمل في الشقة والشخصيات محدودة والتركيز جدا" على العامل الحواري بإدارة الصراع الدرامي - والحوارات ممتازة فعلا"- ولكن مع ذلك هناك سينما حقيقية، الاستفادة من مساحة الشقة واستغلال المكان وعناصره وتوزيع زواية التصوير والإضاءة وجعل اللعبة بيد المونتاج المبهر فعلا" الذي كسر ضيق المكان ومرافقة الموسيقى التصويرية المبهرة التي أعطت الروح للعمل.
العمل صدر له إعادة عام 1998 من إخراج أحد مخرجي التشويق الناجحين أندرو ديفيز (مخرج الهارب لهاريسون فورد وفيلم الأكشن الشهير تحت الحصار بجزئيه) بعنوان الجريمة الكاملة وبطولة دوغلاس وبالترو ومورتنسن، الإعادة جيدة ومقبولة إلى حد ما ولكن من وجهة نظري لا يمكن مقارنتها بالأصل الكلاسيكي الذي لا يكتفي فقط بأن يكون جيد بمقاييس الإثارة وإنما ثوري بتكتيك الحدث إدارة الصراع من خلال صفات الشخصية 
والحوار فقط لا أكثر وكسر التقييد بالنص المسرحي وجعله بروح سينمائية بحتة.
10/10


Judgment at Nuremberg - 1961

بتصوري أن هذا واحد من الأفلام المجهولة جماهيريا" التي تحتاج لتسليط الضوء عليها أكثر، تحفة حقيقية من ستانلي كريمر وأصبح مباشرة" من أفلامي المفضلة، لا يوثق فقط لمحاكمة مجموعة من قضاة العهد النازي في قاعة محكمة نويمبرغ بعد نهاية الحرب الكونية وبداية قرع الطبول الحرب الباردة، وإنما هو عمل يدخل بعمق المجتمع الألماني في فترة العهد النازي وما بعدها، يجيب على الكثير من الأسئلة حول سبب صعود النازية ومبررات ما قامت به وسبب تكاتف المجتمع الألماني حول هتلر ثم حالة ما بعد الصدمة التي ضربت الجميع حين انهار الرايخ الثالث وصورة للمجتمع الألماني في الفترتين.
فيلم يرينا أن المسؤولية ليست فقط على كاهل الألمان، الكارثة هي مسؤولية العالم بأكمله، ولا يركز - كما تفعل أفلام الحرب العالمية الثانية المعاصرة- على الهولوكوست فقط بل يرينا إن الجرائم النازية لم تستثني أحد حتى الألمان كانوا ضحايا والجرائم المسكوت عنها أشد قباحة مما هو معلن عنه، والعظيم أنه لا يستند إلى التأثير العاطفي ويبتعد قدر الأمكان عن إثارة المشاعر والتلاعب بها، وينجح بأن يكون منطقي وعقلاني وجريء جدا" بالأخص أنه بالكثير من الأحيان يلمح إلى جرائم الأمريكان في هيروشيما ونايازاكي ودورهم بصعود النازية ومحاولة تلاعبهم بسير المحاكم - على طريقة النازية - لحشد صفوف الألمان بوجه الاتحاد السوفيتي.
كريمر يلقي الضوء على الحالة السياسية مع بداية الحرب الباردة، ويحلل بعمق فكرة التفريق بين العدالة والقانون والمسؤولية القانونية والمسؤولية الأخلاقية.
هناك صناعة رائعة للشخصيات وأداءات عظيمة من طاقم العمل، سيناريو استثنائي، فنيات على أعلى مستوى، عمل متكامل من جميع النواحي مفخرة سينمائية حقيقية تحتاج لقراءة سينمائية أوسع وهي قادمة قريبا".
10/10

Enemy - 2013

هذه التجربة أحد أسوء التجارب السينمائية التي حظيت بها في حياتي، من الواضح أدن الكندي دينيس فيلينوف ينتمي لأشباه المثقفين أكثر من انتمائه لصناع الافلام، يحفظ مصطلحات وأسماء صعبة وغريبة ويدخلها بحديثه ليوهم المستمع أن حديثه مهم عميق وهو أجوف وفارغ وبلا معنى.
الفيلم خادع، يلعب على وتر السريالية، يحاول أن يوهم المشاهد أنه بذكاء وغرابة مولهالاند درايف مع مشاهد توحي بهجاء كوبرك الاجتماعي فيعيون مغلقة باتساع، ولكن الفيلم يكتفي بالادعاء والخداع، يجبرك أن تكمل العمل للنهاية على أمل أن تعثر على شيء يكشف كل الخداع والتشويش ولكن لا شيء من هذا يحصل، تكتشف أنك كنت ضحية خديعة متقنة جدا" لحسن الحظ أنها لم تستمر أكثر من ساعة و30 دقيقة.
الحدث الدرامي في العمل مفتعل جدا" ورد الفعل على الحدث مفتعل أكثر، والحبكة غير منطقية مبنية على مصادفة اعتيادية ولكن فيلنوف يضخم هذه المصادفة بشكل غير مفهوم ويقود المشاهد مرغما" نحو الطريق الذي يريده ويحصره عمدا" في الزاوية التي يريدها دون أن تفهم لماذا ؟ فقط لأن المخرج يريد هذا لا لأن الحبكة تفرض نفسها، عدا أنه يهمل الشخصيات باستثناء شخصيتي جيك جلينهال ولا تشعر بأي عمق لها أو بناء مجرد أكمال للشكل الدرامي.
هناك تضليل محكم يمارسه فيلنوف بتصوير رائع وموسيقى ممتازة مع قدرة على التحكم بالإيقاع لشد المشاهد لمتابعة عمله ذو المضمون الفارغ ليصل للنهاية الصادمة بخوائها ، مع ادارة تمثيلية جيدة لجلينهال، هذه هي مكامن قوة فيلنوف،مهارته بالخداع، والتي تجعله ناجح بصنع فيلم إثارة درامي ممتاز مثل بريسونرز ولكن مشكلته حين يحاول أن يكون عميقا" فكريا" وفلسفيا" هنا تبدو ضئالته وأنه كمن يرتدي ثوب أكبر منه، هذه المشكلة تمثلت هنا وتمثلت بشكل فاضح في ارايفل العام الماضي.
4/10

 Bronson - 2008

يروي فيلم برونسون سيرة مايكل بيترسون الملقب بتشارلي برونسون أشهر وأخطر سجين بتاريخ بريطانيا والذي قضى في السجون 38 سنة منها 30 بالمعتقل الانفرادي، العمل يعاني من ضحالة وسطحية رهيبة في النص، لم يحاول أبدا" التعمق بالدوافع والتحولات والتأسيس النفسي للشخصية وحتى البيئة التي ينتمي لها، نعم أنت تفهم أن برونسون غاوي شهرة ويعشق لفت الانظار ويحقق ذلك من خلال العنف وافتعال الشغب وثورات الغضبوالشجار المستمر ولكنه لا يتجاوز أبدا" هذا السطح، يكتفي بتصوير السلوكيات فقط فتحول الفيلم إلى سلسلة طويلة متواصلة من مشاهد الشجار والتمرد في السجون التي تنقل بينها برونسون، اما محطات حياته عائلته وزواجه الأول وانتقاله لمشفى المجانين وتحوله لمصارع وقصة الحب التي عاشها وسجنه مجددا" واكتشافه موهبة الرسم بداخله وهدوءه النسبي ثم عودته للجريمة فالأمر كله مر عليه النص مرور الكرام بشكل بالغ السطحية والضحالة بلا أي تعمق.
من ناحية أخرى الفيلم يبرز أهمية الدنماركي نيكولاس ويندينغ ريفين كأحد أهم مخرجي اليوم، الرجل الذي صنع أهم أفلام الجريمة الدنماركية في التسعينات كان هذا عمله الأول باللغة الإنكليزية ونجح بتقديم نفسه لجمهور أكثر عالمية من الدول الاسنكدنافية، يتجاوز عيوب النص ليعطيه طاقة رهيبة مشوقة ويصنعه بإيقاع عالي لا يهدء ولا يفتر، يكسر رتابة تتالي الأحداث وعمق التحولات ويجعل عمله مثيرا" للاهتمام، هناك عمل رائع على تشكيل المشهد والتصوير والإضاءة وتصميم مشاهد العنف والشجار الكثيرة وصنع كل مشهد بهوية خاصة مميزة ملفتة للنظر، وإعطاء روح السبعينات للعمل حتى من خلال التصوير و ضخ شيء من السريالية المحببة المتزنة التي تتناسب مع عمل خارج من عقل مجنون وطبعا" شريط صوت جبار له أهمية كبيرة بصنع جاذبية للعمل.
جزء كبير من نجاة العمل تأتي بفضل أداءات صلبة من الطاقم وتحديدا" توم هاردي في دوره الذي لفت له أنظار العالم وحوله إلى النجم الذي نعرفه اليوم، هذا بنظري أفضل أدواره، بدائي وعنيف بشكل فطري مخيف وطفولي ومعتوه ومرح بجنون ومحبب بنفس الوقت، تشعر بأداءه بالمتعة التي يعيشها برونسون وهو ينفجر غضبا" ويتحرش بالسجانين بعد لحظات طويلة من الصمت المريب
ريفن نجح بهذا العمل بالتعبير عن هويته السينمائية للعالم بشكل مبهر وأثبت نفسه لاحقا" مع غزوته الأولى لهوليوود برائعته Drive عام 2011 التي أكسبته جائزة كان كأفضل مخرج، باعتقادي أنه لا ينقصه شيء من الموهبة أو النظرة أو القدرة على السيطرة على أدواته الفنية بقدر ما ينقصه موهبة أختيار النصوص الجيدة فعلا" وليس فقط النصوص ذات الأهمية والقوة الوهمية كما جرى معه العام الماضي في The Neon Demon، في حال تجاوز مشكلة أختيار النص فأنا واثق أنه سيتحول إلى الرقم الأصعب بين مخرجي اليوم
7/10

Snowpiercer - 2013

الفيلم الأمريكي الأول للمخرج الكوري الجنوبي جون هوو بونغ (مخرج Memories of Murder و The Host و The Mother ) عمل خيال علمي فخم بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ومن المؤسف إنه - كحال غيره من روائع الخيال العلمي الحقيقية - لم ينل حقه الكامل من التقدير (لا اعنى هنا أعمال مدعية مثل انترستلار و ارايفل بل أعمال عظيمة غير مقدرة مثل under the skin ).
فيلم - كما عودتنا أفلام بونغ الكورية السابقة- مصنوع بالخلطة الهوليودية التقليدية ذات المظهر والحبكة الكلاسيكية التجارية المشوقة، ولكن في عمقه يتنقل بين عدة مستويات ومحاور وطبقات بغاية التشعب والأهمية الفكرية، عمل يمزج بين الحبكة المشوقة جدا" والرمز، وينجح طوال الوقت على جذب المشاهد وإثارة اهتمامه ومناقشة أفكار وأسئلة وجودية بغاية التأصل والأهمية بداخله.
العمل يدور بالمستقبل بعد كارثة بيئة تسبب بها البشر بمحاولتهم الفاشلة لخفيض حرارة الجو ومكافحة الأزمة المناخية مما أدى إلى غرق البشر بعصر جليدي ولم ينجو من البشرية سوى قلة يعيشون في قطار متطور يدور حول العالم بلا توقف، ويتحول القطار إلى صورة مصغرة عن الكوكب وتختصر الحياة فيه كل الصراعات والنزاعات والمعضلات التي نعيشها حاليا"، ليكون الفيلم من أحد أذكى الاسقاطات السينمائية الحديثة.
الرمز الديني هو الغالب على العمل وما يتبعه من حيرة بشرية حول حكمة الوجود وعلاقته بالرب والغاية من تصرفات الرب، حادثة الكارثة واللجوء إلى القطار تشبه حالة الهبوط من الجنة وتعلق البشر بالقطار جعلهم يغفلون عن العودة إلى الأرض كتعلق البشر بالحياة الدنيا وإغفال انتمائهم للجنة والعمل لها (طول العمل هناك تلميحات إلى هشاشة القطار و أنه من الممكن أن يتعرض بأي لحظة لكارثة خارجية تدمره كحال الأرض والمجتمعات الحديثة ومع ذلك البشر غافلون ومنشغلون بصراعاتهم الدموية).
القطار فيه الكثير من قصة سفينة نوح ، والرحلة التي يخوضها كورتيس مأخوذة بكثير من الأحيان من كوميدية دانتي الآلهية، مع تقديم نظرة جريئة عن تكون الأديان وقصص الرسل والأنبياء ومناقشة فلسفة الرب من خلق الدنية بمستويات متباينة والحاجة للكوارث والمعنى القاسي للعدالة الآلهية أو الضريبة القاسية لخلق كون منسجم يسير بانتظام لا ينهار بالكل، وصعوبة أن يكون البشر آلها" ونظرة تهجمية على الآله الذي يجب أن يكون وحشيا" وقاسيا" وبلا ضمير حتى يحافظ على انتظام العالم ، وفي نفس الوقت لا يتحيز للإنسان فيرينا الجانب الأكثر وحشية للنفس البشرية والعنف البشري المتأصل وتأصل غريزة البقاء وكيف تحول الإنسان إلى وحش لا يرحم.
ويناقش فكرة الصراع المجتمعي واستغلال الدين وتبريره لكل وحشية ترتكبها الطبقة العليا وجعله الأفيون الذي يخدر الشعوب و يثبط عزيمتهم عن مطالبة القادة بحقوقهم خوفا" من العقاب الآلهي وانهيار الكون، فيه نظرة عن القسوة والدنائة الإنسانية المتأصلة بالإنسان والتي تجعله يبتكر ويتفنن بالأساليب والأسباب التي يستغل بها الأضعف منه، ليس فقط بين الأغنياء والفقراء بل حتى بين المضطهدين فيما بينهم.
عنصر التشويق في العمل ممتاز جدا"، الرحلة وتطوراتها رغم ضيق المكان ومشاهد القتال والدموية المبالغ فيها وحلول التصوير ورسم الشخصيات الأساسية والثانوية وتفاصيل المكان التي صنعت عالم مصغر متكامل مع المعالجة الفكرية تعطي الفيلم مكانة رفيعة وتجعله من مفضلاتي بين أفلام الخيال العلمي الحديثة.
الأداءات بالعمل ممتازة الأمريكي كريس افينز ممثل ممتاز حتى وهو يحمل درع كابتن أمريكا وهنا يقدم اداء تمثيلي صلب جدا" يجعلني اتوقع منه الكثير بعد ان يتحرر من مارفل، تيلدا سوينتن تقدم كاريكتر رائع وجون هرت و إيد هاريس وأوكتافيا سبنسر يقدمون مجهود ممتاز جدا" بالإضافة إلى الكوري كانغ هو سونغ، رغم إعجابي القديم بهوو بونغ ولكن مشاهدتي المؤخرة لهذا الفيلم زاد من احترامي له وشوقا" لفيلمه الجديد Okja
10/9

John Wick: Chapter 2 - 2017

من الواضح إن المخرج تشاد ستاليسكي يطمح أن يكون كوينتن تارانتينو جديد، هو ينقصه الكثير لذلك ولكنه في فيلمه الثاني هذا يضع نفسه على الطريق الصحيح ويفرض نفسه كمنافس شرس لغاي ريتشي وإدغار رايت على لقب خليفة معلمهم الكبير.
فيلمه هذا مبهر جدا" كفيلم أكشن يهدف لإمتاع المشاهد بتقديم التقليدي بصورة غير تقليدية، أحببت جدا" العمل المقدم على صعيد الإضاءة والتصوير و الكوادر، هناك جماليات حقيقة بتقديم الأماكن بالأخص روما وتحويلها بشوارعها وآثارها ومتاحفها إلى حمام دم حقيقي، أحببت جدا" الصورة الجديدة التي لم نسبق أن شاهدناها لنيويورك والتي ابتعدت عن شكلها التقليدي سواء كمدينة تحوي أزقتها قاع الجريمة كما عند سكورسيزي أو مدينة المثقفين والعشاق اليائسين كما عند وودي الين، هنا نيويورك المدينة الحديثة تبدو بعراقة وجمالية وأناقة روما، هناك شغف حقيقي بالأماكن ولكن هذا لا يمنع ستاليسكي من ان يغرقه بالدم، حتى الدم هنا والعنف يبدو إضافة جمالية للمكان لا تشوهه.
هناك صناعة رائعة شبه فنتازية لعالم الجريمة السفلي، رسم جميل واستثنائي للشخصيات، مشاهد أكشن ممتازة ويجعل العمل مشوقا" حتى اللحظة الأخيرة، ولكن الفيلم حتى كأكشن ينقصه الكثير من العمق، مبسط أكثر من اللازم رغم جدية صناعه، لأجل ذلك قلت أن المخرج ينقصه الكثير ليكون تارانتينو الجديد ولكن مع ذلك تبدو النتيجة مقبولة، يعوض خواء القصة وتقليديتها بتسلسل أكشن جميل جدا" لا يتوقف وبناء مبسط مقبول لشخصية جون ويك.
الفيلم مصنوع بروح الفنان السينمائي الشغوف بالسينما، هذا الشغف واضح جدا" هنا ويعطي هوية خاصة لفيلمه وجمالية رائعة، هناك استعارات واضحة لا يمكن انكارها من أفلام جيسون بورن وجيمس بوند والناقل وأنا أسطورة و ماكس المجنون وأقتل بيل (سينما تارانتينو كلها بشكل عام حاضرة هنا) وسناتش وسينما الحركة الأسيوية وتحديدا" افلام الصيني جون وو والفيلم الكوري أولد بوي (مشهد القتال الشهير بلقطة واحدة ستراه هنا عدة مرات) ومدخل التنين لبروس لي (مشهد قتالي كامل في قصر المرايا)، حتى انه استعار من العراب، و يمزج هذا كله بروح ألعاب الفيديو وسينما الوسترن والكوميكس مع روح فكاهة سوداء مبطن، تركيبة عجيبة من الثقافة الشعبية للجيل المعاصر ولجيل السينمائين الذي ترعرع بالثمانينات ممزوجة هنا ليكون الفيلم محببا" للجيلين.
أحببت الفيلم جدا" رغم ملاحظاتي عليه وأكثر ما أحببته هو أنه سيشكل عودة للأسطورة كيانو ريفز، ستاليسكي يستفيد لأقصى حد من بنية ريفز الضخمة وملامحه الدرامية الحزينة الصامتة ( لحسن الحظ أن الشخصية حواراتها قليلة حتى لا يعاني الجمهور من صوت كيانو المزعج ولهجته الغريبة) كيانو شغوف جدا" بهذه النوعية من الأعمال الحركية المنتمية لعالم ألعاب الفيديو والكوميكس أكثر من انتمائها للسينما منذ ما قبل تقديمه لتحفة الخيال العلمي ماتركس، شغفه هنا واضح جدا" ويعطي الشخصية الثقل الذي تحتاجه ويشعرنا بملامحه وصمته بألمها ورغبتها للانعتاق وينجح بجعلها أيقونية به كشخصيته الأشهر نيو ، أحد أفضل أفلام الأكشن التي شاهدتها مؤخرا" ويجعلني اشتاق لمشاهدة أجزاء جديدة منها.
8/10