RSS

أفضل 10 أفلام لعام 2013




في ختام عام سينمائي عظيم مرّ دون صدمات حقيقية كان لي موعد مع صدمة خاصة جداً، اسماء الراحلين الموسم الماضي تدمي القلب، بيتر أوتول أحد عمالقة السينما الأصليين لورانس العرب والأسد الشتوي والإمبراطور الأخير وعاشق الفينوس رحل بعد مسيرة سينمائية عظيمة حقق بها كل شيء إلا نيله الأوسكار رغم أداءاته العظيمة الثمان المرشحة، ولكن الصدمة لم تكن برحيله ، أوتول قدم أخر أداء عظيم له قبل ثمان سنوات بعد أكثر من عشر سنوات على الاختفاء ، الرجل كان ميتاً سينمائياً وأخذ إلى حد ما حقه السينمائي الكامل من شهرة وأموال وإنجازات وسمعة وفضائح ، الصدمة الحقيقية كانت بالرحيل الـمفاجأ للـ (golden master ) فيليب سيمور هوفمان ، ممثل كان فعلاً أفضل أبناء جيله وأحد أفضل العاملين بالمهنة ، رحل وهو بقمة عطائه بعد عام واحد على تقديم أحد أفضل اداءاته إلى جانب شريكه ومكتشفه بول توماس أندرسون وكأنه كان يستعد للوداع الذي قدمه لجمهوره بصعوده ثلاث مرات على منصة مهرجان فينسيا ليستلم ثلاث أسود عن ماستر واحد منها لأدائه الرفيع مناصفة مع جواكين فونيكس حائزاً على اعترافاً دولياً مستحقاً بضخامته الفنية.
حزني على هوفمان ليس فقط حزن على ممثل عظيم ترجل في ذروته بل حزن على انسان كان مثال للعصامية والالتزام بالسينما كقيمة فنية، رجل لم يحمل سوى موهبته، لم يتحلى بالمظهر السينمائي الساحر ولم يستغل شكله للأدوار الكوميدية، عانى من دائرة الثانوية والتهميش لأكثر من عقد حتى نال فرصته المستحقة وحين نالها سابق الزمن ليصنع لنفسه مسيرة عظيمة في أقل من عشر سنين يحتاج غيره لعقود ليحقق ما حققوه.
ظهوره المميز الأول كان بدور قصير كابن ثري مدلل أناني في عطر إمرأة عام 1992 ، وارتبط اسمه كشريك لبول توماس أندرسون في أعماله الأولى بوغي نايت 1997 وماغنوليا 1999 و بنش درينك لوف 2002 كما شارك الراحل توني مانغيلا بفيلمين موهبة السيد ربلاي 1999 و الجبل البارد 2003 وشارك بفيلم الكوينز الشهير لابوسكي الكبير 1998، ظهوره بالافلام التجارية كان قليلاً وأبرز مشاركاته كانت بالتنين الأحمر 2002 وقدوم بولي الطويل 2004، التحول بمسيرة هوفمان كان عام 2005 بتصدره بطولة فيلم كابوتي للمخرج الشاب بينث ميللر – وهي المرة الأولى التي يتصدى بها للبطولة الرئيسية - حيث أدى دور الكاتب الشهير غريب الأطوار ترومان كابوتي أثناء تأليفه كتابه الأشهر بدم بارد ، الأداء العظيم المركب الذي قدمه في الدور صنع من خلاله هوفمان ما اعتبره أفضل أداء في العقد الماضي ونال عنه كل الجوائز السينمائية الهامة من غولدن غلوب ونقابة وبافتا انتهاءً بالأوسكار ، وبدء بعده مسيرة سينمائية خاصة جداً فشارك بفيلم جي جي ابرامز مهمة مستحيلة 3  2006 ونال ترشيحين متتالين لجائزة أفضل ممثل مساعد عن فيلم حرب تشارلي ويلسون لمايك نيكولز إلى جانب توم هانكس و جوليا روبيرتس وإيمي آدامز عام 2007 وعن فيلم شك عام 2008 إلى جانب ميرل ستريب وإيمي آدامز أيضاً التي شاركته بالفيلم العظيم ماستر لبول توماس اندرسون 2012 ونال كلاهما الترشيح الرابع في مسيرتهما والأخير في مسيرته، عدا افلامه الأوسكارية قام ببطولة فيلم سافاج مع لورا ليني عام 2007 وفيلم لائحة وفيات نيويورك للمخرج والكاتب تشارلي كوفمان ، وقبل أن يعرف الشيطان أنك مت للراحل سيدني لوميت 2008 وفيلم جورج كلوني أفكار آذار وفيلم بينث ميللر مونيبول 2011 وأخر مشاركاته بفيلم ألعاب الجوع الجزء الثاني 2013.
كان لهوفمان أسلوبه الأدائي الخاص، العفوية الحضور الطاغي والجاذبية العالية والقدرة على التلون وزرع الشك والغموض والمزج بين المتناقضات بانطباعات المتلقي ، كان مبدعاً باللعب على المنطقة الرمادية للعواطف البشرية ونجح مرات عديدة وخصيصاً في كابوتي على تجسيد الميكيافيلية بالمشاعر الإنسانية، له أسلوب خطابي عالي صوت قوي مميز مقدرة رفيعة على الإلقاء، رحل عن عالمنا سريعاً ولكنه سيبقى خالداً بأدواره العظيمة.

باستثناء رحيل هوفمان فإن العام لم يحمل مفاجآت حقيقية سوى بخيبات الأمل بأفلام النجوم الكبار توم كروز و براد بيت وويل سميث ومات ديمون وروبيرت داوني جونيور وراسل كرو وهيو جاكمان وانتجت موسم صيفي سيء انقذته أفلام star trek2  و now you see me  و These is the end  و أفلام الأنيميشين التي عوضت قحط عام 2012 وبالأخص Frozen  أفضل أفلام ديزني منذ سنوات بينما بدأت بيكسار تعود إلى الخط الصحيح بالجزء الثاني من شركة المرعبين ولكن ليس بالشكل المطلوب.
أفلام الدراما كانت هي ميزة عام 2013 منذ بدياته مع فيلم Stoker  للكوري باراك شون ووك أول تجاربه للكوري باراك شون ووك أول تجاربه في أمريكا مع نيكول كيدمان ومايا ويسكوسا، والمستوى العالي الرفيع جداً لأفلام الدراما من أمريكا وخارجها مع تنوع اسماء المخرجين والممثلين صنع عاماً سينمائياً عظيماً هو ربما أفضل عام سينمائي منذ عام 2006 ، عام استمتعت بمتابعة انتاجاته من أمريكا وأوروبا ولم بانتظار جديده وخرجت برضا كامل عن أغلب ما شاهدته ، عام بإمكاني ان اسميه عام الإنسان وغريزة البقاء، عام كافح الإنسان فيه لينجو رغم كل الظروف الصعبة والقاهرة التي تواجهه، ليست النجاة من الزومبي كما في عمل براد بيت ومارك فورستر المخجل ، بل النجاة من المخاطر الأساسية، النجاة من الغرق في المحيط والضياع في أزرقه، النجاة من إنعدام الجاذبية والطوفان في فضاء رحب لا نهاية له مرعب بصمته ، النجاة من العبودية وذلها، النجاة من السجن وزحامه، النجاة من الفقر وذئاب السوق، من روتينية الحياة الزوجية، من الفراغ الروحي، من البهرجة المادية الزائفة، من الاتهام الظالم، من أخطاء الماضي، من قراصنة فظاظ غلاظ، من راهبات معقدات جنسياً، من الفشل، من الانحطاط وضياع كل شيء، بل حتى من الأيدز واستغلال الأطباء.

على صعيد الممثلين تستحق إيمي آدامز لقب نجمة عام 2013 ، الحسناء التي توشك على بلوغ الأربعين والتي عشقتها منذ أن رأيتها بأحضان ليو في رائعة سبلبيرغ امسكني عن استطعت عام 2002 اثبتت هذا العام بالذات صوابية نهجها بالتوزع المستمر بين الأفلام التجارية الضخمة والأفلام الدرامية الهامة التي لا تتركز فقط على شكلها، فمثلت الدور الذي تفضله كالإمرأة العادية الرثة في تحفة سبايك جونز (her  ) وظهرت بقمة الأنوثة والإغراء في فيلم ديفيد أو راسيل (American Hustle) ونالت عن الدور ترشيحها الخامس للأوسكار والأول كممثلة رئيسية ونالت عن الدور أول جائزة غولدن غلوب في مسيرتها، كما قدمت دور لويس لين في الفيلم التجاري الناجح Man of Steal .
كذلك الأسطورة توم هانكس قدم أحد أعوامه بمسيرته السينمائية من خلال دور الكابتن جون فيليبس في فيلم بول غرينغريس كابتن فيليبس والدور المنتظر له منذ زمن والت ديزني في Saving Me Banks، ماثيو ماكونغهي نجح أن يثبت إنه ليس فقط رجل الشاشة الوسيم بل ممثل من طراز رفيع وأثبت ذلك بدوره الحائز على الأوسكار في Dallas Buyers Clap   و ظهوره السريع بفيلم مارتن سكورسيزي Wolf of wall street  ، جينفر لورانس حافظت على مكانته كأحد أهم ممثلات اليوم بمشاركتها بفيلمي American Hustle و Hunger games 2 كما شهد العام ولادة نجم جديد سيكون له أهمية كبيرة مستقبلاً هو البريطاني بينديكت كامبريدج بمشاركته القوية بثلاثة من الأفلام الناجحة Star trek 2 و 12 years a slave  و August: Osage county .

أفضل 10 أفلام لعام 2013

10
The Past


الإيراني أصغر فرهادي في تجربته السينمائية الأولى منذ فيلمه الشهير (انفصال) يستمر بقصص الدراما العائلية وملاحقة قضايا الطلاق وانعكاساته، هنا فيلمه يركز على الماضي ، مشاكله وأخطائه كيف يمكن حلها وتجاوزها، كل الشخصيات تحمل أخطاء ماضيها معها وتتمنى لو تستطيع العودة للماضي لمحيها ولكن لا تستطيع، وبدلاً من معالجة آثارها تقرر تجاوزها والسير فوقها ورمي الخطأ على غيرها دون أن تعترف بما ارتكبته، جميع الشخصيات بالعمل ساهمت بالكارثة التي وقعت، ولا أحد حاول الاعتراف بخطئه بالأخص كونه خطأ لا يمكن إصلاحه، أحمد هو الوحيد الذي حاول تصويب الأمور ومكاشفة الجميع بأخطائه، ربما لشعوره بالضرورة الأخلاقية لذلك أو لرغبته بالانتقام من ماريان، ولكن كلما حاول الإصلاح أكثر كلما ازدادت المشاكل تعقيداً لأن الشخصيات ترفض الاعتراف بخطئها ومسؤوليتها وحين تتأزم الأمور ترمي المشكلة كلها على أحمد متناسين المشكلة والسبب الأصلي، ليأتي مشهد النهاية العظيم – وربما ستصبح المشاهد الختامية الرائعة علامة لسينما فرهادي- مشهد تظهر فيه إن بعض أخطاء الماضي لا تصحح ولا حل سوى تجاوزها ولكن آثارها ستبقى تدمي القلب طويلاً.
9
Blue Jasmine


صحيح إن السينما كسبت وودي آلين كأحد أهم وأكثر صناع الكوميدية إلهاماً ولكنها برأي أيضاً خسرته كصانع دراما من الطراز الرفيع، أعمال درامية يقدمها كل بضع سنين تثبت ذلك بصدمة كما في جرائم وجنح و نقطة الفوز واليوم هذا العمل أحد أجمل روائعه على الاطلاق، بعودته إلى أمريكا وتحديداً سان فرانسيسكو يقدم اقتباسه الخاص لرائعة تينيسي ويليامز المسرحية عربة تدعى الرغبة ويركز على الشخصية الرئيسية ويسمها بفيلمه جاسمين ويلاحق معها مسيرة انحطاطها نحو الفقر والجنون ضمن معالجة درامية صادمة بدراستها الفوارق الطبقية والاجتماعية وما تنتجه من شروح نفسية وأسرية وحواجز معقدة جداً ثم صدمة هشاشة عالم الثروة وزواله السريع وما يخلفه هذا الزوال من كوارث نفسية على أصحابه، ضمن فيلم معقد جداً درامياً جاءت كيت بلانشيت لتقدم أحد أفضل الأدوار النسائية الحديثة، أداء عظيم جداً رفع من قيمة الفيلم ويجعل للفيلم مكانة في ذاكرتك تحب أن تعيده فقط للاستمتاع ببلانشيت وهي تمثل بملامحها وعيونها وصوتها ووجها وجسمها.
8
Hunt


البعض سيقول إن هذا الفيلم من انتاج 2012 وكرم فيه فلا يحق له أن يتواجد مكان غيره من الأفلام، حسناً ولكن الفيلم رشح للأوسكار عام 2013، عدا إني لا أحب أن أوفر فرصة للحديث عنه، عمل عظيم جداً بأسلوبيه مايكل هانكه، الهدوء والإنغماس به والإنغماس بالشخصيات وحياتها وتفاصيلها وعقدها ومحنها لنشعر بأنفسنا نلعب مع الطرفين، فنشعر بالظلم ومرارته والخوف الدائم من البيئة المحيطة، وفي نفس الوقت نبرر كامل الاضطهاد الذي تعرض له البطل فمبررات الاتهام كلها موجودة والقضية محبوكة بشكل محكم، وعظمة العمل ليست بهذه الموازنة فقط بل هو ينتقل لمستويات أهم بالتبحر بالنفسية الإنسانية المتوحشة ، بغريزة الصياد الذي يغالي بمطاردة فريسته ليتجاوز الموضوع عنده قضية التخلص من وحش يهدده أو الحصول على طعام يقتات منه ليصبح الأمر مجرد إمتاع بالنسبة له أو وسيلة للتفريغ عن أعماقه وعن الوحش بداخله، وسيلة ليستعرض قوته ويتفاخر بها، عمل مرّ على الكثير بصورة عادية عابرة ولكنه باعتقادي سيكون ضمن الأعمال التي ستحفظ مكانتها طويلاً في الذاكرة السينمائية كأحد الروائع الحقيقية.
7
Nebraska


لدي حالة عشق لأفلام إلكساندر باين، أحب أن انتظرها على مدار السنوات وأنا أثق إنه لن يخيب ظني، ولم يسبق أن فعلها، ربطتني به صداقة سينمائية منذ أن شاهدت انتخاب وحول شميد قبل أن أشاهد أفضل أعماله سايدويز ثم صبرت ثمان سنين حتى عاد بالأحفاد ولم يضع صبري هباءً، ولم أكد بعد استوعب جمال أجواء هاواي وأتحرر من الأداء الاستثنائي لجورج كلوني حتى سمعت بنبأ عودته بفيلم جديد مختلف عن كل ما قدمه، بممثلين ثانويين تماماً وصورة بيضاء وسوداء ونص أصلي ليس من اقتباسه ولم يخط به قلمه حرف، ولكن بعد المشاهدة لم يختلف العمل بشيء، هو فيلم إلكساندر باين بكل روعته وجاذبيته ، النص يبدو مكتوباً خصيصاً له، والتصوير بالأبيض والأسود أعطى العمل جمالية خاصة وفرصة للمشاهد ليزور عقلية الشخصيات العالقة بذكريات الماضي، والأداءات التمثيلية مبهرة جداً من بروس ديرن وجون سكويب ،ألكساندر باين يبهرني بشخصياته كيف يختارها ويرسم عالمها، يقدم لنا شخصيات فقدت المستقبل ولم يبقى لها الماضي الفارغ من أي شيء مهم وأضاعت كل الفرص للنجاح، ومنهم يخرج وودي العجوز الخرف الذي يتوهم إنه ربح جائزة ليكسب جولة ثانية مع الحياة ربما يستطيع بها أن يحقق شيئاً أن يحرز نقطة ما أن يحصل على تكريم مستحق من أهالي قريته بعد أن قدم لهم الكثير دون أن يطلب شيئاً وليترك شيء ما لأولاده يستطيع معه أن يقول إنه أوفى بواجبه نحوهم.
6
Gravity


ربما في ظروف آخرى كان ليكون فيلم كوران هذا فيلمي المفضل لعامه، ولكن الحرب وإغلاق صالة الـ 3D  الوحيدة في البلاد حرمني من مشاهدة العمل بصورته الكاملة، فكانت مشاهدته على اللابتوب منقوصة ومجتزئة لم تحقق الحالة التفاعلية المطلوبة، ولكن هذا لم يمنعني من ملاحظة الجهد الإخراجي الرفيع المعمول به، زأن يحقق بالنسبة لي متعة مشاهدة عالية، هو كأفتار وهيوغو وحياة باي فيلم يسرقنا من عالمنا ليرمينا بعالم جديد ويجبرنا أن نعيش تجربة رهيبة لا يمكن وصفها بل الأحساس بها، كوران صنع فيلماً عظيماً عن غريزة البقاء، عن الرغبة الإنسانية للنجاة مهما كانت الحياة تعيسة، ربما العمل لا يحوي نصاً هاماً ولكنه بهذه الجزئية كان موفقاً واعتمد برمي الثقل بالكامل على المؤثرات والإخراج لنعيش المحنى والضغط والاختناق والعزلة والانقطاع عن أي حي، لنتعامل مع الفضاء كما لم نتعامل معه سابقاً بأي فيلم ولنختبر به أقصى مخاوف الإنسان، كوران لم يكن عظيماً فقط بمؤثراته وتصويره وموسيقاه كان عظيماً بلغته الإخراجية، مشاهد النوم الجنيني بالمركبة، الحوار الأخير بين ستون وكيلواسكي وتخيله، التخاطب مع المحطة الصينية، الصعود من أعماق البحر والتعثر عند الوقوف، مشاهد لا تنسى وإن نسيتها فلن انسى أبداً مشهد الانفجار الصامت المفزع وافتتاحيه بطول ربع ساعة تقريباً تسبح فيها بالفضاء بلا انقطاع.
5
Before Midnight


لم أكن يوماً من عشاق سلسلة Before ، الجزءان الأول والثاني جيدان، ولكن لم يعلق الكثير منها في ذاكرتي سوى الكيمياء بين إيثان هوك وجولي ديلبي ورشاقة الحوار وذكاءه، ولكن مع ذلك لم تكن يوماً من أفلامي المفضلة، على عكس الجزء الثالث الممتاز جداً بنظري وأفضل أفلام السلسلة الذي - للمفارقة – السبب الأول بنجاحه هو كونه تتمة للجزئيين السابقين، فبعد قصة الحب الناعمة والبريئة التي عاشها البطلان خلال عشر سنين كان من الجميل أن نراهما بعد عشر سنين من الزواج، بعد أن زالت آثار الحب الساحر ووهمه وبرزت الحياة الحقيقية بهمومها إلى الواجهة، وطمست الحب الذي بقي يحاول جاهداً النجاة والعودة للصدارة، فكانت الرحلة العائلة إلى اليونان هذه المرة لنقضي يوماً آخر مع جيسي وسيلين وحواراتهما وأفكارهما والأهم مع حياتهما وحصيلة تجربتهما، العمل رائع بتصوير نزاع الحب مع ضغوط الحياة، صراع الرومانسية مع الروتينية، كيف سيتعامل البطلان مع بعضهما بعد أن زالت الصورة المثالية عنهما وظهرا بكامل واقعيتهما وعيوبهما، جيسي وسيلين لديهما شوق جارف لعودة أيام الشباب والحب القديم الساحر، ولكن حبهما العفوي الذي يتغذى على الفراق انتهى ولا يمكن أن يستمر مع دوام الوصل، هما مازالا يحنان بعضهما ولكن بشكل مختلف، بينهما تفاهم وتناغم وتآلف كصديقين يحبان بعضهما بشخصيته الجديدة ولكنهما يحنان للحب الأول للشابين الساحرين الذي كانا عليه، هما لا يستطيعا العودة لذلك لا خيار لهما سوى الاستمرار رغم كل الضغوط والصعوبات، الحوارات ما زالت رشيقة وازدادت جودة عن الأجزاء السابقة، هناك قدرة عجيبة على اختزال عشر سنين من الزواج بليلة واحدة وإشعارنا بها بكل أفراحها وصعوباتها، هناك تعمق بالشخصيات أكثر من قبل وتركيز على همومها وأفراحها وأحلامها وانكساراتها ، هناك إخراج ممتاز بتفاصيل مسرحية ومكانية وشخصية، الانسجام بين إيثان هوك وجولي دلبي وصل للذروة لم أشعر بأي انقطاع عنهما وشعرت أنهما فعلاً متزوجين منذ عشر سنين بكل ما فيه الزواج من انسجام ونفور.

4
Her


كدنا أن ننسى وجود سبايك جونز في الساحة الفنية، فمبدع اقتباس وان تكون جون مالكوفيتش أطال الغياب ولكن عودته هذه ستجبرنا على أن نذكره طويلاً ونغفر له غيابه بالسنوات السابقة التي لم يضعها هباءً وانغمس خلالها بكتابة أحد أفضل النصوص بالسنوات الأخيرة، نص يمزج بين الخيال العلمي والرومانسية، يلغي الفوارق بين العالم الافتراضي والعالم الحقيقي، يلمس خواء الروح الإنسانية وفراغها وبحتها عن شريكها، تيودور (جواكين فونيكس) يشترك بميزة محادثة افتراضية مع مع برنامج كمبيوتر متطور جداً يحاكي العقل الإنساني يسميه سمانثا، ومع استمرار المحادثة تتشكل عواطف حقيقية لدى البرنامج ويدخل بعلاقة حقيقية مع تيودور ولكن المشكلة عدم القدرة على التواصل والتواجد سويةً مما يخلق معضلة لدى سمانثا برغبتها أن يكون لها وجود محدد تشعر فيه بالحياة ثم بتأقلمها مع فكرة الحرية بالفراغ الافتراضي، النص ذكي جداً يلعب على الفراغ الذي يعيشه الإنسان والذي يجعله يشتاق لإنسان يقاسمه همومه ويستوعب لمشاكله ولا يتخلى عنه أو يغضب منه، عمل يمزج فكرة الشوق للأخر مع الهوس بالعالم الافتراضي والتطور التقني ووسائل الاتصال الحديث التي أصبحت بديلاً عن العالم الحقيقي، بل حتى مهنة تيودور ككاتب رسائل للآخرين بالمناسبات المختلفة يدل على حالة الخواء العاطفي التي يعيشها – أو سيعيشها أكثر – المجتمع الحديث، سبايك جونز أبدع إخراجياً بشكل يوازي إبداع نصه بصورة مستقبلية قريبة للواقع سريالية منضطبة بألوانها الراقية، فيها الكثير من التداخل بالعالم الافتراضي والحقيقي مع أداء رائع من المبدع فونيكس وصوتي مبهر من سكارليت جوهانسون.

3
Great Beauty


أين يكمن الجمال الحقيقي في عالم قائم على المظاهر؟ مقولة يطرحها سورنتينو من خلال بطله غامبارديلا وفي رحلة فلينية مبهرة في عالم النخبة الثقافية في روما يحاول العثور عليه، تحفة حقيقية ترثي روما الحضارة والفن الإنساني الأصيل يرينا الشخصيات الفنية والثقافية ليست أكثر من مدعية لهذا الاسم والفن بالنسبة لها مجرد مظهر خارجي وسمعة ووسيلة لكسب الملايين أكثر من كونه حاجة رقي إنساني ، حتى بطل الفيلم يعيش هذه الحالة من الزيف  رغم إنه الوحيد بين عصبته الذي انتج فناً حقيقياً بالعشرينات من العمر من خلال رواية يتيمة ولكنه الآن لم يعد يعثر على الجمال الحقيقي الذي يلهمه، الجمال الذي رآه في صباه في قريته القديمة بريئاً صافياً بلا شوائب ومظاهر مبهرجة خادعة وصخب حياة يومي لاهث للذة، العمل مرثية حقيقية لروما ، مقارنة مستمرة بين إنجازات فنية عظيمة من منحوتات وكاتدرائيات ولوحات وبين شكل وعقلية وانتاجات مثقفي اليوم ، غامبارديلا يلتقي بالأم – الولية – التي تقول له : (أتناول الجذور ... لأنها الوحيدة المفيدة) وهنا يلمس الجمال العظيم، الجمال بالجذور بالطبيعة الإنسانية الأولى بالروح الإنسانية الحقيقية

2
12 years a slave


حتى اللحظة الأخيرة كان هذا الفيلم الأول لدي وكدت أن اقاسمه بالمركز الأول مع سابقه، قصة سينمائية ملحمية عظيمة من طينة التحف الكلاسيكية، قصة أتمنى أن أرى لها جزء ثاني فمنعكسات حياة نورثوب بعد العبودية ونشاطاته تستحق قصة أخرى، من الرائع جداً إنه بعد عشرين سنة على نيل قائمة تشاندرلا الأوسكار يأتي عمل عن قضية أحق وأكثر صدمة ووحشية وينال الأوسكار ، هو تحفة متكاملة بلا أي ثغرات حقيقية، مؤثرة صادمة وجريئة وهامة بتسليط الضوء بجرأة على معاناة قدمتها السينما كثيراً ولكن لم تلامسها بهذه القوة، قصة تحرك المشاعر وتحفز الإنسان على التفكير بمعنى الحرية والعبودية ولمس إلى أي مدى يمكن للإنسان أن يصل بالوحشية والفظاعة بمعاملة أخيه الإنسان، ستيف مكوين كان ذكياً حين اختار قصة سولمون نورثوب ليتحدث عن العبودية فهو قدم لنا شخص حر دخل هذا العالم القذر، لم يقدم لنا قصة عبد منذ الولادة مما يساعد على تحقيق أكبر قدر من التواصل بين الشخصية والمشاهد وأن يدخل المشاهد مع نورثوب هذه التجربة المؤلمة ويعيش قسوتها منذ مشهد الجلد الأول المصور بمصداقية صادمة ثم يتنقل بين عدة أسياد وعدة منازل ويلتقي بعدة شخصيات كل منهم يمثل وجه من أوجه تلك المرحلة، لنعيش تجربة البطل الخاصة الذي يكافح للحفاظ على إنسانيته وحرية روحه في ذلك الوحل ويحاول جاهداً العثور على وسيلة للنجاة والعودة ، عمل حقيقي مؤثر بفنيات مبهرة على صعيد التصوير والموسيقى والمونتاج والمكياج والتفاصيل الإخراجية، نص محبوك جداً وممتاز ، أداءات أكثر من ممتازة من شويتال أجيفور ومايكل فاسبندر وليوبيتا نايونغ وبول دانو وبول جيماتي وبنديكت كامبريدش وبراد بيت، عمل سعيد جداً لأني شاهدته.

1
Blue The warmest color


الأزرق في لون شعر إيما هو كالبحر الذي أبحرت به أديل لتكتشفه وتكتشف ذاتها فغرقت به ولم تستطع العودة، تحفة فرنسية من التونسي عبد اللطيف كشيش يناقش الحب كحالة ، كشعور تعيشه الشخصيات، اي شخصيات كانت طبيعية أو شاذة، هو لا يهتم بتصوير قصة حب حالمة وطقوس رومانسية خالية غير مألوفة ورحلات ومواقف مأخوذة من الأحلام، بل يهتم بتصوير الحب، جماله وعذابه وتحولاته في أكثر التفاصيل عادية، ويحاول نقل أحساس الشخصيات به وإيصال مشاعرها للمشاهد ويهتم أكثر من أي فيلم شاهدته مسبقاً بدراسة الرابط بين الحب كعاطفية روحية وحاجة شعورية وبين الجنس كرغبة وكيف يدعم الاثنان بعضهما، كيف يتعزز رابط الحب عن طريق اللذة الجنسية وكيف يقوم الحب كعاطفة روحية بالمساهمة بزيادة حالة اللذّة، عدا الدراسة الهامة لحاجة الإنسان للحب كعاطفة لملئ فراغ داخلي يعيشه لا يفهمه يتحول عنده إلى شيء يشبه الأدمان لا يمكن الفكاك منه، و يصوره كوسيلة وطريقة للتحرر والانطلاق نحو العالم ومحاولة اكتشاف للذات وفي نفس الوقتوهذا أمر لا أذكر أني شاهدته بالأفلام – يرينا تحوله إلى رغبة بالانتماء لشخص والذوبان فيه وإعطائه كل شيء مقابل الاهتمام والمحبة والعاطفة والاحساس التي يزوده به ورسم شخصيته بحدود الطرف الأخر وعالمه على عكس ما اعتدنا مشاهدته سابقاً عن رغبة الشخص باستملاك الأخر، هنا الشخص يريد أن يخضع للأخر أن يذوب فيه ويتلاشى خلاله حتى النهاية .  

Blue the warmest color (life of adele) – 2013



فيلم عبد اللطيف كشيش هذا المتوج بدورة كان الأخيرة صنع لنفسه سمعة كأحد أكثر أفلام العام جدلية، وربما من أكثر الأفلام الحديثة جرأة وإثارة للنقاش، الفيلم حقق صدمة بفوزه بجائزة كان، واجه نقد كبير على كمية المشاهد الجنسية الصادمة، وواجه هجوم عنيف في المنطقة العربية بلد المخرج على قيام صانع أفلام عربي مسلم بصنع عمل بهذه الجرأة لدرجة يمكن عده تعبيراً عن عقد جنسية دفينة عربية وإثبات على هذه الإدانة حين يهاجمنا بها الغرب، الفيلم نال ثناءات عالمية جيدة ترشيح للغولدن غلوب ثم غاب عن ترشيح الأوسكار بشكل مفاجأ، أجلت مشاهدته طويلاً لأسباب لا أعرفها، انشغلت بأفلام العام الأوسكارية أكثر منه وشاهدته البارحة وكان ما يمكن أن اعتبره ختام مسك.