RSS

Blue the warmest color (life of adele) – 2013



فيلم عبد اللطيف كشيش هذا المتوج بدورة كان الأخيرة صنع لنفسه سمعة كأحد أكثر أفلام العام جدلية، وربما من أكثر الأفلام الحديثة جرأة وإثارة للنقاش، الفيلم حقق صدمة بفوزه بجائزة كان، واجه نقد كبير على كمية المشاهد الجنسية الصادمة، وواجه هجوم عنيف في المنطقة العربية بلد المخرج على قيام صانع أفلام عربي مسلم بصنع عمل بهذه الجرأة لدرجة يمكن عده تعبيراً عن عقد جنسية دفينة عربية وإثبات على هذه الإدانة حين يهاجمنا بها الغرب، الفيلم نال ثناءات عالمية جيدة ترشيح للغولدن غلوب ثم غاب عن ترشيح الأوسكار بشكل مفاجأ، أجلت مشاهدته طويلاً لأسباب لا أعرفها، انشغلت بأفلام العام الأوسكارية أكثر منه وشاهدته البارحة وكان ما يمكن أن اعتبره ختام مسك.

الفيلم يروي قصة أديل (أديل اكسارشوبولس) فتاة مراهقة بمرحلة الثانوية تحلم بأن تتحول إلى مدرسة، تشعر إن جسمها يقف على حافة تحديد خياراته واتجاهاته ومن خلال رغباتها تحاول اكتشاف ذاتها ومحيطها حين تدخل بعلاقة مع رسامة شابة سحاقية إيما (ليا سايدوكس) وتتخذها شريكة بحياتها وتعيش معها علاقة حب حقيقية.
فيلم كشيش كسب سمعته وشهرته من جرأته الجنسية لدرجة كاد يتحول لفيلم (بورنو) وفعلاً فللقطات الجنسية فيه لا تختلف عن اي فيلم جنسي بجرأتها لدرجة تتجاوز أهميتها الدرامية وتشعر فيها فعلاً فجّة ومبالغة أكثر من اللازم، والبعض عد فوزه بكان دعاية مناصرة لزواج الشواذ، بعد مشاهدتي للعمل وقد  قرأت عنه الكثير شعرت إن من كتب عن العمل كتب عن كل شيء إلا عن العمل نفسه، هناك مدح للأداء التمثيلي والموسيقى ولكن الحديث ينجرف فوراً نحو لقطات الجنس ونحو عربي قدم جنس صادم ونحو حقوق الشواذ بالعيش المشترك أما عن عمق العمل وأفكاره ومحاوره وما قدمه فلا أحد تطرق له.
فلم كشيش لا يعرض قصة (حب شاذة) بل يعرض قصة (حب بين شاذتين) وهناك فرق، فحين يكون العمل يدور ضمن أجواء وشخوص مجتمع يعترف بالشذوذ الجنسي ويتقبله فلعلاقة تكون عادية من هذا المنظور ولكن الخلاف هو كونها بين امرأتين وهذا يجعلها مختلفة ومثيرة للفضول للمشاهدة وتحتمل معالجة درامية تجعلها غير تقليدية عن اي قصة حب طبيعية الأطراف والظروف، كشيش لا يتطرق للشذوذ كحالة لا ينتقده ولا يؤيده هو يصور الحالة من منظور شخوصها، من منظور ما يعيشوه وما يحسون به، وكون القصة في مجتمع يؤيد هذه الفكرة فهذا يساعده ولا يطالبه بشرح الحالة، بل ينتقل ليناقش الحب كحالة ، كشعور تعيشه الشخصيات، اي شخصيات كانت طبيعية أو شاذة، هو لا يهتم بتصوير قصة حب حالمة وطقوس رومانسية خالية غير مألوفة ورحلات ومواقف مأخوذة من الأحلام، هو يهتم بتصوير الحب، جماله وعذابه وتحولاته في أكثر التفاصيل عادية، ويحاول نقل أحساس الشخصيات به وإيصال مشاعرها للمشاهد ويهتم أكثر من أي فيلم شاهدته مسبقاً بدراسة الرابط بين الحب كعاطفية روحية وحاجة شعورية وبين الجنس كرغبة وكيف يدعم الاثنان بعضهما، كيف يتعزز رابط الحب عن طريق اللذة الجنسية وكيف يقوم الحب كعاطفة روحية بالمساهمة بزيادة حالة اللذّة، عدا الدراسة الهامة لحاجة الإنسان للحب كعاطفة لملئ فراغ داخلي يعيشه لا يفهمه يتحول عنده إلى شيء يشبه الأدمان لا يمكن الفكاك منه، و يصوره كوسيلة وطريقة للتحرر والانطلاق نحو العالم ومحاولة اكتشاف للذات وفي نفس الوقت – وهذا أمر لا أذكر أني شاهدته بالأفلام – يرينا تحوله إلى رغبة بالانتماء لشخص والذوبان فيه وإعطائه كل شيء مقابل الاهتمام والمحبة والعاطفة والاحساس التي يزوده به ورسم شخصيته بحدود الطرف الأخر وعالمه على عكس ما اعتدنا مشاهدته سابقاً عن رغبة الشخص باستملاك الأخر، هنا الشخص يريد أن يخضع للأخر أن يذوب فيه ويتلاشى خلاله حتى النهاية .
الفيلم يمر بثلاثة مراحل اساسية ، المرحلة الأولى التأسيس لشخصية أديل وعالمها الفتاة الهادئة الجميلة المنغمسة بالآدب الفرنسي، شخصية تحوي الكثير والكثير من الجموح المكبوت، شخصية تعيش مرحلة انعدام الوزن في المراهقة والرغبة بالعثور على ذاتها وانتمائها، تهتم ببيكاسو من الرسامين وبسكورسيزي وكوبرك من المخرجين كتعبير عن ميول نحو الاتجاهات الثورية الرافضة (لم تهتم لدي فينشي أو سبلبيرغ) تبدو رغم إحاطة الصديقات بها غريبة عنهم بالميول والاتجاهات ، لا تبدو هناك صداقة حميمية مع اي فتاة، صديقها الوحيد المقرب شاب شاذ جنسياً ليكون الأرضية المناسبة لتقبل الشذوذ وعدم المشكلة بعلاقة شاذة، علاقتها الأسرية باردة ونمطية، تشعر براحتها وسعادتها الحقيقية بالخروج بالمظاهرات الاحتجاجية على الأزمة المالية، بجو من الصخب والرفض والثورة تبدو أديل منسجمة مع الجو المعارض وفرحة وتشعر فيه بانتمائها ، هي فتاة ترفض الفرض وأن يسيرها أحداً غصباً نحو شيء ما وقصتها مع دروس الموسيقى التي حضرتها عنوة ولدت عنها إحساس بعدم تقبل لفكرة إنه يجب عليها فعل اي شيء، فكل شيء عندها خاضع للاختيار والتجريب، لذلك لا تتحمس جداً عندما يعجب بها شاب وسيم مثالي، فمن منظورها لماذا من الضروري أن تكون الفتاة الجميلة مع شاب وسيم؟، ولماذا من الضروري أن تحبه وأن تقبله مهما كان؟؟؟ ذلك الشاب يتودد لها ولكنه غريب عن عالمها واهتمامها، يحاول مسايرتها فيما تحب ولكن غرضه منذ البداية الوصول إلى الجنس قبل أن يلج قلبها وعقلها ويحاول ذلك سريعاً قبل أن تتقبله، وبعد ممارسة جنسية باردة وسريعة دون عواطف حقيقية تخرج أديل دون الإحساس باللذة المنتظرة معه وهذه تكون القطيعة بينها وبين ممارسة الجنس مع الذكور.
المرحلة الثانية الهامة الدخول بعلاقتها مع إيما، يبدأ الأمر بنظرة خاطفة تأسر بها إيما قلب أديل، يبدو فيها تصوير كشيش للوقوع بالحب مبسطاً جداً ومنطقياً ، حالة طارئة تسكن الروح والجسم لا مبرر أوتفسير لها ولا عوارض تسبقها أو تمهيد يهيئ لها، يداهم الإنسان فجأة دون أن استعداد أو توقع، يأتي في وقت يكون فيه الإنسان بحاجة لتعبئة فراغه الداخلية وبحاجة إلى بوصلة ترشده إلى حقيقة نفسه وذاته بالأخص في مرحلة سن المراهقة، لذلك ليس مستغرباً في مرحلة المراهقة المضطربة حيث الجسم لا يعرف اتجاهه ويجذبه كل فريد وغريب وجديد أن تفتن أديل بإيما، افتتان يبدو عادياً كافتتان اي فتاة بفتاة أخرى، بالأخص مع التناقض الصارخ في طبيعة إيما عن أديل بشكل يجعلها مرآة لأنثى خفية داخل أديل لا تظهر، تبدو متهورة صاخبة جامحة غريبة الأطوار سيدة عالمها وكاسرة لكل القيود وشديدة الجمال والجاذبية بشكلها الصبياني ، الافتتان الأولي يتحول إلى هوس لا تعرف أديل – في سن مراهقتها المضطرب - كيف تعبر عنه سوى بالاحتلام على ذكراها وخيالاتها عنها التي تبدو فيها أديل تصل إلى قمة النشوة معها التي لم يستطع لاحقاً الشاب أن يوصلها لها.
ثم تأتي قبلتها العابرة مع صديقتها بالمدرسة والتي لا تكون سوى وليدة لحظة ملل وفضول مراهقة لتجريب كل شيء ، تعجبها القبلة المفاجأة المتحدية والتي قد تقودها لعلاقة مع صديقتها تحرر (إيما) في داخلها، النموذج الذي تصبو لتكون له ولكن صديقتها لا تسايرها برغبتها التي كان الأمر بالنسبة لها عابر ومجرد لحظة طيش، وبعد فشل علاقتها بالشاب تلجأ لصديقها الشاذ الذي يقودها لملهى شواذ تجد فيه الشباب هناك يعيشون عالمهم الفريد الغريب الرافض لقوانين المجتمع، تفتن بعالمهم وتعجب به وتتركهم وتتجه إلى ملهى للسحاقيات وهناك تعثر على (إيما) يتبادلان النظرات والإعجاب ثم تأتي تلك إليها لتكسر قيود الخجل وتبدأ العلاقة معها.
بعد التعرف لا يتجه العمل إلى الجنس فوراً بينهما، يبدو كشيش حريص جداً على التمهيد لتلك اللحظة وجعلها نتيجة حب أكثر من شهوة ورغبة ومغامرة ومحاولة لكسر حاجز النمطية، إيما فريدة فكرياً مثقفة وجدّية وتبدو ملهمة ومعلمة لأديل وتلك تذوب فيها سريعاً وتأسرها شخصيتها وتفتنها فكرياً بالأخص وإن إيما تحطيها بكل الاهتمام الرومانسي الذي يأسر قلبها ولا تستعجلها للجنس، اللحظات التي تسبق ممارسة الجنس عظيمة جداً من كشيش ومشهد الاستلقاء في الحديقة أفضل مشاهد العمل، تنقل الكاميرا بين نظرات أديل المتفحصة لجسد إيما وتصوير جسد تلك وشفتاها بشكل مغري جداً ويثير الرغبة لدى المشاهد يعطي تبرير منطقي للحظة التالية ، الرغبة تشتعل وتقبلها بشغف ونعومة وتبتسم راضية بعد القبلة – هي لم تبتسم بعد أن قبلها الشاب – ثم يصور مشهد الجنس الطويل جداً والجريء جداً لدرجة مبالغة فيها، ولكن حتى هذا المشهد يبدو فيه كشيش حريص على تصوير إنفعالات وردود أفعال أديل وإيما على الجنس، هناك قدرة عالية بإيصال شعورهما بالنشوة واللذة والذوبان ببعض، كشيش يبدع في هذا المشهد بتصوير توطد الحب وتأججه من خلال ممارسة الجنس، حالة الرضى الجسدية الكاملة التي تشعل القلب وتجعل الرغبة تطلب المزيد ويتعلق صاحبها بالأخر ويدمن على وجوده معه والولوج فيه أكثر وإرواء ظمئه منه وإشباعه في نفس الوقت.
بعد ممارسة الجنس يصور لنا كشيش حالة ذواب كاملة لأديل بعالم إيما تخرج معها بمظاهرات داعمة لحق الشواذ في فرنسا وتبدو هناك أديل بقمة سعادتها وتشعر وكأنها عثرت أخيراً على عالم تنتمي له، ويصور لنا كشيش مطولاً تبادلهما القبل في الحديقة بحالة من الشغف والحب الحقيقي بينهما، تتعرف أديل على عائلة إيما المتقبلة لشذوذها والمتعاملة معه بشكل عادي وفي هذا المشهد يصور حالة الذوبان الكاملة لأديل حث تتلاشى شخصيتها نهائياً أمام إيما وهي تحاول ان تجرب معها كل شيء جديد – مشهد المحار - ، ويصور لنا كشيش في نفس الوقت شيء من الصعوبات التي تعترضها كرد فعل المجتمع المتفاجأة والمنصدمة ببدايةً بشذوذ أديل غير المعلن، تخوف عائلتها من هذا الإنحراف الخفي، ولكن كشيش لا يبالغ هنا بتصوير الصعوبات والتحديات حتى لا ينقل فيلمه إلى فيلم قضية – رغم إنه لاحقاً يعرج على صعوبات تعانيها إيما في عملها بسبب كونها شاذة – ويبقى يهتم بتصوير العلاقة وتطوراتها وأطوارها من خلال أديل وإيما فقط بالأخص إن القصة في فرنسا المتأقلمة مع موضوع الحب المحرم.
المرحلة الثالثة الأهم بنظري هو مرحلة تطور العلاقة بين كلاً من أديل وإيما، بعد سنوات على وجودهما معاً يبدأ الحب الجارف الحارق بالتلاشي والفتور لصالح حالة الاعتياد والبرود في العلاقة وعدم التجديد فيها، تبدو الضغوط في العمل تنعكس على علاقتهما وإيما تتهرب من ممارسة الجنس مع أديل، وتبدو الاخيرة بشخصية ضائعة جداً وذائبة في محيط إيما لدرجة تعود بها حالة إنعدام الوزن تجتاحها، إيما تنجح بمعرضها وتبدو أديل في الافتتاح ثانوية جداً ومهمشة ومجرد خادمة وظل لإيما، في الحفل تبرز تحديات العلاقة الحقيقية – الرغبة بالأمومة – مع تعرف أديل على ليزا صديقة إيما السابقة الحامل من علاقة طبيعية، هناك تبدأ تحديات الرغبة بالأمومة لدى أديل العاطفية جداً نحو الأطفال والخوف من أن إيما تحمل نفس الرغبة أيضاً وأديل لا تستطيع تحقيق لها ذلك، بينما ليزا حب إيما السابق موجود ومعها ما قد يرضيها، في الحفل تبرز فكرة إنه من الممكن لها أن تنخرط في علاقة طبيعية لا ترهن نفسها فقط لعلاقتها الشاذة مع إيما – وهي علاقتها المتطرفة الوحيدة في العمل - بشكل يثير التساؤل إن أديل ليست شاذة نهائياً وما جرى بينها وبين إيما نتيجة حب وإنها لو عثرت على شريك حقيقي من الذكور يرضي قلبها وعقلها لما دخلت هذه العلاقة، في الحفل تتعرف على الممثل الذي يثير اهتمامها بأفكار وأحلام كانت تراودها سابقاً ونسيتها، رغبة السفر والانفتاح على عالم أخر، نفس الرغبات التي قادتها إلى إيما تبدو الآن تقودها بعيداً عنها وتبدو سعيدة باهتمام الممثل بها مع غياب إيما واهتمامها عنها.
في هذه المرحلة يبدو هناك تصوير لعالم أديل في المدرسة البيئة التي تشعر بأنها تنتمي لها وتشكل عالمها ولكنها لا تجرأ على الانغماس بها بسبب علاقتها بإيما وهي الأمر السري الذي تخفيه عمن حولها كمحاولة لترك أبواب الفرص مفتوحة أمامها نحو علاقة طبيعة ترغب بها وتكبح جماح رغبتها، بالأخص اتجاه مدرس يبدو يثير إعجابها ولكن حبها لإيما وإدمانها عليها يمنعها من المجازفة، إلا إنه وبعد إنغماس إيما أكثر بالعمل مع ليزا بالذات التي تؤجج نيران الغيرة لدى أديل تبدو تلك وكأنها تعطي لنفسها الأعذار لتخرج عن هذه الدائرة وتحاول أن تعيد بناء ذاتها التي محيت، ولكن الرغبة بالمجازفة والعلاقة العابرة مع زميلها تنعكس عليها بخراب علاقتها مع إيما وإنفصالهما بمشهد أدائي شديد العظمة.
كشيش بعد الانفصال ينغمس بتصوير انعكاسات الفراق على أديل، يبدو فيه تصوير حقيقي للحب الذي لا يبدو جلياً إلا بعد خسارته ، أديل تشعر إنها تائهة ومعدومة الوزن فعلاً بعد أن فقدت بوصلتها والدائرة التي سجنت بها نفسها طوال سنين، تشعر بالإنفصال أكثر وأكثر عن العالم وبرغبة حارقة تقودها لتعود لإيما مع إحساس بالذنب، تبدو في مرحلة الإنفصال رغم تحررها الظاهري من إيما إلا إنها أكثر أسراً وسجناً فيها، تنقطع علاقتها نهائياً مع زملاء العمل، لا تدخل بعلاقة جديدة، تهمل عملها التي بدأت تنجح فيه، وتحاول إعادة توازنها من خلال عودتها لإيما ، وتبدو تلك أيضاً تتحرق شوقاً ورغبة لها ولكن لا تستطيع بسبب إلتزامها بعلاقتها بليزا التي مدتها بالأمومة التي ترغبها فطرياً، بعد تأكد أديل من استحالة العودة مجدداً تبدو تلملم شتات نفسها تستعيد قوتها وتحاول بناء ذاتها مجدداً، ولكن تبقى الرغبة والشوق لحبها يقودانها، تزور معرض إيما الجديد وقد زينت نفسها كما لم تفعل من قبل وهي تمني نفسها بالعودة مجدداً وتتحضر لذلك وتتوقعه مباشرةً بعد الحفل – تطلي أظافرها ثم ترتدي حذاء مسدود عند الأصابع – لذلك تريد أن تكون فاتنة لها حين تحين اللحظة، ولكن الأمال تتحطم مرة أخرى وتعثر على نفسها وحيدة معزولة بلا وجود أو انتماء، تلتقي بالممثل مجدداً ويعود ليعبر عن اهتمامه بها ولكن الحفل يشغله، تخرج ويلحقها ولكن يذهب كل منهما باتجاه كتعبير من كشيش عن إن العلاقة العاطفية الحقيقية الطبيعية ستبقى دوماً تراود أديل وتشاكسها ولكن وجودها عالقة بدائرة إيما سيمنعها من العثور على السعادة الحقيقية.
عبد اللطيف كشيش صنع عملاً عظيماً متين السرد بنفس واحد لا يهدئ ولا يفتر ويبدع بالتنقلات الزمنية والقفزات دون فجوات مع إحساسنا بمرور الزمن وتراكم العلاقة وتوطدها ، السيناريو الذي خطه مبهر عميق وجريء ومحكم جداً، جبار على صعيد بناء الشخصيات وعلاقاتها وحواراتها، ربما مشكلة المبالغة بتصوير الجنس وإغفال جوانب ولحظات حميمة أخرى بالعلاقة كانت تحتاج لتصوير – باستثناء إبداع إيما لمعرض فني كامل كانت أديل محور لوحاته - ، أمور من قبيل التصرفات العادية اليومية التي يكون لها وقع حميمي جداً على القلب وتؤجج الذاكرة العاطفية وتعذب الإنسان بعد الفراق وتمتن العلاقة غير الجنس الذي يكون أحياناً نتيجة لمبادرات رومانسية ككلمة أغنية هدية مناسبة لفتة مفاجأة موقع سخيف مضحك، انحصار اللحظات الحميمية بإطار الجنس جعل الجانب الرومانسي للعلاقة ضبابياً لدى الكثير من المشاهدين رغم وجوده ولكن الجنس المبالغ بتصويره غلب عليه ، فنياً العمل ممتاز جداً الموسيقى رائعة والمونتاج من أفضل إنجازات التحرير للعام وكذلك التصوير الطبيعي الواقعي أما زهرة العمل الحقيقية فهي الأداء، في عام زخر بالمبارزات الأدائية الجبارة (ميرل ستريب وجوليا روبيرتس، إيما تومبسون وتوم هانكس، جيراد ليتو وماثيو ماكونغهي) تبدو أديل اكسارشوبولس و ليا سايدوكس تقدمان مبارزة أدائية مرعبة جداً، من أفضل الأداءات الثنائية التي شاهدتها، حجم الرغبة والشغف والحب الذي تعيشه شخصية أديل والتشتت النفسي ومشاكل المراهقة والبحث عن الذات والشعور بالخوف من الفقدان والذوبان بعالم إيما والإحساس بالخيانة والرغبة بالتجديد والشعور النقص ثم بالندم والحسرة بعد الخسارة، مشاعر متناقضة وصعبة وصادقة جداً وإنفعالات وردّات فعل حقيقية جداً من اكسارشوبولس يجعلها أحد أفضل ممثلات هذا العام، وكذلك سايدوكس بدور إيما القوية الشغوفة المتحدية الجريئة الحنونة العاطفية تقدم أداء صادق جداً وحقيقي وقوي، الممثلتان تبدعان بالتنقل بين عدة حالات نفسية متناقضة في نفس المشهد وبنفس القوة لكليهما ولكلا الحالات ومشهد الانفصال ثم المقهى كان ذروة أدائهما.
 قد يسأل البعض هل هذا العمل هو جبل بروكباك للسحاقيات؟، كنت اتوقع كذلك ولكنه شيء مختلف، جبل بروكباك يهتم بالرغبة والخوف والعيش بالرفض والنكران وواقع الحب المحرم في بيئة رافضة للحب وتصويره كهروب للشخصيات من عالمها الصعب نحو عالم مليء بالشغف صنعوه بنفسيهما وحالة الشعور بنقص الرجولة والذنب والعار الدائمين الملازمين لهما، هذا العمل هو عن أمور أخرى هو دراسة لطبيعة الحب هبوبه العاصف زلزلته لكيان المرء وما يصنعه من مشاعر يأسر بها الإنسان ويملئ بها فراغه ويبني بها ذاته ثم عن عذاب الفقد والشعور بحقيقة وجود الحب بعد فقدانه، هو من أصدق الأعمال التي صورت حقيقة الحب في أحد أكثر حالاته تطرفاً، هو عمل يحتفي بالمشاعر الإنسانية بشوق الإنسان للأخر والإحساس بالرضى والانتماء والتوازن والذوبان الذي يصنعه وجوده مع من يحب ، في عام كنت مصر إنه من أفضل أعوام السينما جاء فيلم كشيش لهذا ليكون إثبات صارخ على هذا.
10/10                                     

1 التعليقات:

NasEr يقول...

مشهد الانفصال )the breakup( من أفضل المشاهد من هذا النوع التي شاهدتها على الإطلاق. مشهدي المفضل بجدارة. الابتعاد عن الكليشيه فيه يستحق التقدير، وعرضه بكل "عنفه" الحقيقي أيضاً . كنت حضرت فيلم Concussion العام الماضي، والذي يتناول علاقة بين سحاقيتين أيضاً ، لكن شتّان بين القصتين ومعالجتهما.
سعيد أني عثرت على مدونتك (عن طريق cinemozaic)

إرسال تعليق