RSS

Paris, Texas – 1984


بعض الأفلام تشعرك بعد مشاهدتها بواجب الكتابة عنها وبعضها تشعرك بالحاجة للكتابة عنها، وفيلم فيم فندرز هذا هو من النوعية الثانية التي تتمتع بخاصية أخرى معقدة ، وهي إنك لا تعرف ماذا تكتب عنها، هذه أفلام إشكالية بحتة للمشاهد والقارئ ، هي أفلام الإحساس، أفلام تثير مشاعر وتحييها وتوقدها بداخلنا، لا يمكن مناقشتها كأي فيلم عادي من حيث الحبكة والدراما و الأداء والأفكار والإخراج وغيرها – وهي بهذا العمل بأعلى المستويات - ، لأنها نوع مختلف تماماً، عظمة العمل غير منظورة، لا تراها بعين عقلك بل تحس بها بعين قلبك، عظمة هذه الأفلام ليس بشكلها الفني، هي أعمق من هذا، عظمتها بالمشاعر التي تثيرها، بعملية التطهير التي تدخلنا بها، بذلك الأمل الإنساني التي تحيه بداخلنا بوجود خير وجمال على هذا الكوكب ولو كنا ببيئة قذرة أو بصحراء قاحلة .

Au revoir les enfants: Goodbye Children – 1987


يروي الفرنسي لويس مال في فيلمه هذا الحائز على أسد فينيسيا الذهبي لعام  1987 (وداعاً أطفال) قصة مستوحاة من طفولته الخاصة في أحد المدارس الكاثوليكية الفرنسية عام 1944 حيث يكتشف الفتى جوليان كوينتن (تجسيد لويس مال الفتي) أن زميله جان بوني هو فتى يهودي خبئه مدير المدرسة عن أعين وأيدي المخابرات النازية زمن الهولوكوست، القصة مغرية جداً لتكون مثيرة عن فتى في بداية طور المراهقة يخوض تجربة انتحال هوية مختلفة في زمن خطر أو عن فتى يحمل سراً خطيراً  لا يعرف كيف يتعامل معه، لويس مال لا يترك هذا، بل يتعامل مع إثارة راقية مندسة تحت السطح ويجعل هذين المحورين جزء في قصة أكبر، مال يصنع فيلم هولوكوست مختلف، الهولوكوست فيه محور فقط يضاف إلى محاور عديدة يناقشها ببساطة دون أن يتمحور فيها ، عن الحالة الفرنسية زمن فيشي، عن المدارس الدينية الداخلية، عن أطفال يخوضون تجارب استثنائية مع إقبالهم على البلوغ، يجمع هذه المحاور ويمزجها ليصنع خليط استثنائي خاص عن فيلم ليس عن الطفولة والبلوغ ، ليس عن الحنين، بل عن تلك المرحلة، عن ذكريات يستعيدها مال ويرويها بالكثير من الرقة والكثير من الألم والكثير الكثير من الشغف.

Inside out – 2015


هذا العمل هو ربما من أهم الأحداث السينمائية المعاصرة، ليس فقط لمستواه الفني الراقي جداً بل لكونه أعاد استديو بيكسار – الأستديو الأهم والأفضل في العقد الماضي - إلى المسار الصحيح بعد أربع سنوات من التشتت وأعطى دفعة جديدة لسينما الأنيميشن لتتألق مجدداً، العقد الماضي في المجال الرسومي هيمنت عليه بيكسار بروائع المرعبين ونيمو والمذهلون والسيارات وراتاتيول وول أي وأعلى، و افتتحت هذا العقد بالجزء الثالث من تحفتها حكاية لعبة أحد أفضل أعمالها على الإطلاق، ثم  عانت من انحسار غريب بدء مع السيئ السيارات 2 ثم المتوسط شجاعة والمقبول جامعة المرعبين  ومع هذه التخبط شهدت الأنيميشين شيء من انحسار القيمة، صحيح إننا شاهدنا أعمال ممتازة مثل رانغو وتان تان و فروزين و وتانغليد وصيد التنين والمينيونز و سوبر هيرو 6 ولكن بدون بيكسار هناك دوماً شيء ناقص، كنا بحاجة لدفعة من المغامرة الناضجة المبهرة الممتعة المضحكة والمؤثرة المليئة بالأفكار والقيم العائلية الهامة والعوالم الخيالية، أفلام تدغدغ الصغير بداخلنا وتمليء عقولنا كراشدين وتمتع الجمهور الأكبر من أطفال وتثقفهم، بيتر دكتور مخرج أفضل أفلام بيكسار للعقد الماضي Up  قدم لنا ما أردناه في Inside out  .