RSS

Brokeback Mountain - 2005


جبل بروكباك .. تعريف حقيقي لمعنى جرءة السينما ... لمعنى كونها تتحدى كل شيء ... لمعنى قدرتها على الدخول بمناطق مظلمة ومحظورة وتظهرها بشكل مختلف .... جبل بروكباك تعريف حقيقي لمعنى الرومانسية في السينما ... كلام جريء ولكنه يتناسب مع الفيلم الجريء والرائع ... لست من أنصار الشذوذ ولا أشجعه ولا أشجع أي إعلان له ولكن جبل بروكباك ليس إعلان للشذوذ أوتسويق له ... هو شيء أخر استثنائي جداً ... إذا نظرنا له للقشور فسنرى فيه مجرد قصة حب شاذة ولكن في التعمق فيه سنجد أشياء أخرى سنجد روح إنسانية منكسرة تشتاق للأخر بغض النظر عن هويته ... روح إنسانية وجدت ضالتها بالمكان الخطئ ودفعت الضريبة ثمناً باهظاً لذلك ... الفيلم في كثير من الأوقات يدخل في الأجواء المرثية ... ينظر نظرة عتب لجاك وإينيس على المصير الذي أختاروه ...
 
الفيلم آثار ضجة كبيرة حين عرضه عام 2005 ولقي ثناءً كبيراً للعمل الاستثنائي المقدم، إنغ لي المخرج الاستثنائي والذي دخل بوابة الشهرة العالمية بعد نجاحات تايوانية متكررة إلى أن وصل إلى بريطانيا وإخرج فيلم بيئة بريطاني ارستقراطي عام 1996 وهو (أحاسيس ومشاعر) وأظهر البيئة الإنكليزية بأسلوب يجعلنا لا نصدق إن مخرج تايواني قضى أغلب عمره في آسيا هو من أخرج هذا العمل ونال الفيلم غولدن غلوب أفضل فيلم درامي وأوسكار أفضل اقتباس، عام 1997 قدم فيلم العاصفة الثلجية ودخل به بعمق الحياة الأمريكية والتفكك الذي تعيشه في القرن العشرين، عام 2000 قدم أفضل أفلامه (النمر الرابض والتنين المختبأ) فيلم الواكسيا الصيني المبهر الذي أخرجه بأسلوب شاعري بحت و نال عنه غولدن غلوب وبافتا وجائزة نقابة المخرجين كأفضل مخرج وأوسكار أفضل فيلم أجنبي، وبعد فيلم كوميكس وخيال علمي مثير طرح قراءة جديدة لهذا النوع في هالك عام 2003 قدم عمله المبهر هذا جبل بروكباك فيلم أجمع عليه النقاد والمهتمين بالشأن السينمائي العالمي إنه أفضل أفلام عام 2005 ونال عنه جوائز مهرجان فينيسيا كأفضل فيلم ومخرج وجوائز غولدن غلوب وبافتا لأفضل فيلم ومخرج و نقابة المنتجين والمخرجين والكتاب وأخيراً خرج بثلاث أوسكارات كأفضل مخرج وسيناريو وموسيقى وخسر جائزة أفضل فيلم بشكل مفاجئ لصالح Crash .
عندما نعرض سجل الجوائز الذي ناله الفيلم ليس فقط من باب الإقناع بأهميته أو فقط لتكرار كلام غيرنا عن أهمية الفيلم بل للإشارة إلى مدى أهمية الفيلم عالمياً وهو الذي فاز بأغلب الجوائز ولطرح سؤال هل فوزه كان مجرد حركة تسويقية أم إنه عن استحقاق؟، إن كان عملاً تسويقياً فإلى ماذا هو يسوق؟ هل يسوق إلى ضرورة الاعتراف بالشواذ وبحقهم بالمساكنة والزواج ؟ لو إن العمل عرض في الستينات أو السبعينات لكان كذلك ولكنه عرض عام 2005 حيث أصبح من السهل تزاوج الشواذ بأمريكا وأصبح الاعتراف بهم أمر اعتيادي لم يعد هناك ضرورة للتسويق لهم بالأخص إن العمل لا يقدم لنا (شواذ)، أينيس وجاك لم يكونا شاذيين بمعنى الكلمة أو مخنثيين راقب الاختلاف بينهما وبين هارفي ميلك ومن حوله في الفيلم التافه ميلك، منذ البداية يقول جاك لأينيس : (أنا لست شاذاً) وبعد حادثة جبل بروكباك تستمر حياتهما بشكل اعتيادي يتزوجان ويعاشران النساء وينجبان أطفال ويمارسان المهن المختلفة ، يعيشان بشكل طبيعي بحت وبكونهما شخصيين مكتملي الرجولة ولكن تبقى لقاءتهما السرّية في كل حين وأخر ويصورها إنغ لي بشكل يشبه الصداقة الوثيقة كفرار من ضغوط الحياة وهمومها حيث أغلب أحاديثهما تدور عن حياتهما الخاصة لا مجرد لقاءات غرامية، علاقة جاك وإينيس علاقة قريبة جداً لمعنى الصداقة ولكن الظروف الغريبة لولادتها جعلها بهذا الشكل المشوه.
عندما نعود لبداية العمل ولظروف تعارف أينيس وجاك ندرك معنى كون علاقتهما ليست علاقة شواذ، في جبل بروكباك حيث يعملان منقطعين عن الحياة الخارجية لا يقاسمهما وحدتهما سوى حيوانات الغابة وبرد الجو وقطعان الأغنام، ذلك المكان الجميل الشبيه بالجنة يتحول إلى مكان موحش وجحيم بدون الإنسانية، الحاجة لشيء إنساني بين تلك الوحشة أمر يلح في داخل جاك (جيك غلينهال) والذي يراه عند نظيره الإنساني الأخر الصامت المتهجم إينيس (هيث ليدجر)، وفي بيئة جلفة ومتوحشة كبيئة الغرب الأمريكي ولدى إنسان مغامر كجاك لم يكن أمراً مستغرباً أن يكون التعبير عن الحاجة لتلك الإنسانية من خلال الجنس رغم إنه ليس شاذ ويصر على ذلك حتى النهاية، بينما لدى إينيس فالأمر مختلف فعدى إنه هو الآخر بحاجة للإنسانية وكسر للوحدة في ذلك المنفى فإنه يحمل حاجات آخرى في داخله في المشهد الذي يحتضنه جاك لا يتم تصوير العناق بشكل جنسي بقدر ما هو بحث عن حنان مفتقد منذ الطفولة، الأمر ليس اكتشاف صعب هذا يبدو بوضوح عندما نرى في مشاهد أخر أينيس يعانق بجاك ويردد له كلمات كانت والدته تقولها له، البناء النفسي المتقن لشخصية أينيس يكشف لنا الكثير عن ذلك الشخص الذي يرتدي ثوب القسوة لا من باب صلابته ولكن من باب ضعفه فالطرد المستمر وإهمال الأخوين وافتقاد الأهل جعله شخص ميت من الداخل ولكنه بأشد الحاجة إلى الحنان العاطفي الذي وجد جاك يقدمه له بغزارة بالأخص مع تقليدية الزواج والعلاقات العاطفية في الغرب في الستينات.
بعد انتهاء فترة جبل بروكباك تنقطع الصلة بين جاك وأينيس كلاهما يستمر بالحياة بشكل طبيعي، إنغ لي يصور لنا جاك عاد لحياته السابقة يشترك في سابقات الروديو ويثير إعجاب الفتيات يبقى لديه محاولات خفيفة ليعثر على شاب يشعره بالشعور الذي أشعره به أينيس شعور إن هناك من يحتاج إليه ولكن الأمر شبه مستحيل في تلك الظروف يتعرف على لورين (أني هاثاوي) يعيش معها حياة جنسية طبيعية ويتزوجان ويعملان سويةً وينجبان طفل ثم يعود ليتواصل مع أينيس، تواصله جاء بعد دخوله في الحياة العملية التي تلاحقت بضغوطها عليه بالأخص مع عدم إحترام والد زوجته له، موعد إعادة اتصاله مع إينيس في تلك الفترة كان من باب الهرب من تلك الضغوط والعودة إلى سعادة الحرية في جبل بروكباك وما أن يرسل جاك لأينيس ينبأه بزيارته حتى تتغير حال ذاك الأخير وهو الذي يغرق بحياة روتينية مجهدة مملة جداً معها كانت زيارة جاك أشبه بالخلاص من ضغوط الحياة المستمرة .
استمرار اللقاءات مع استمرار الضغوط يعطي جاك الحل من معاناتهما الحياتية وهي الهرب سويةً أينيس يرفض فهو لا يريد التخلي عن أطفاله وعائلته و شبح الخوف من المشهد الذي رأه بصغره للشاذ القتيل يلاحقه في حين إن جاك يحاول العثور على غيره يذهب إلى المكسيك حيث العاهرين هناك ويتم تصوير لحظة ذهابه معه بشكل سوداوي كمن يذهب إلى الهاوية، لا يستطيع جاك العثور على الراحة مع أحد غير أينيس لأن القضية ليست جنسية بقدر ما هي العثور على الراحة والخلاص مع إنسان يحتاجه بصدق يشعره بإنسانيته ورجولته – رغم إنه أثناء ممارسة الجنس مع أينيس يأخذ دور المرأة – وهو الذي يعيش دوماً تحت النظرة الدونية من أهل زوجته الأثرياء، ولكن الظروف الغريبة لعلاقته بأينيس وعدم تفهمه لحاجاته الروحية وليست الجنسية هي ما جعلته يتجه إلى تلك الدروب التي توديه إلى نهايته المؤلمة .
إن فيلم جبل بروكباك بعيد كل البعد عن التسويق للشذوذ بقدر ما هو مرثية أو عمل يدفع للإشفاق على ضحايا الحب المحرم أو على ضحايا الفراغ الروحي بغض النظر عن شكل ذلك الحب، ما يثيره إنغ لي من إشفاق وحميمة بالمشاعر لا يختلف عما يثيره فيلمه الآخر التايواني الرائع (حذر واختباء) الحائز على فينيسيا أفضل فيلم عام 2007 والذي يقدم قصة مرثية أخرى لحب محرم بين جاسوسة وضابط صيني في الحرب العالمية الثانية (وهي قصة حب من نفس الجنس). 
العمل يقدم تصوير مثير للريبة والتشويق لحياة مليئة بالتوتر والأسرار والخوف بسبب عدم تفهم الذات وحاجاتها قبل عدم تفهم المجتمع للشخص، يجعلنا نشعر إن الجميع يعرف الحقيقة ويرينا نظرات التهديد من الجميع، إنه يقدم صورة منفرة ومخيفة من الحب المحرم و الشواذ حين يعرض تلك الانعكاسات المؤلمة لذلك الحب تلك الإشارات المخيفة للمصير المشؤوم منذ بداية العلاقة حين تذهب أحد الأغنام ضحية ثم تختلط بقطيع أخر و فقدان العمل ثم تلك الحياة النفسية المضطربة التي يعيشوها وبالأخص أينيس الذي ينهار بعد تركه لجاك كحزن على فقد الحنان الذي كان يشعره به وخجلاً من نفسه، ذلك الشعور بالعار الذي يستمر معه ومع جاك حيث ينظر أينيس بعيون الجميع فيشعر بإنهم يعرفون حين يحاول افتعال شجار ليظهر أمام زوجته كرجل بعد شعوره بنقص في رجولته بسبب فعلته وبسبب حياته المهنية الفاشلة والتي تجعله يهرب مع جاك مرات عديدة ليعثر على رجولته معه، أينيس لا يستطيع رد إهانات زوجته (ميشيل ويليامز) حين تواجهه بالحقيقة حيث تلك الكلمات التي توجهها له كان يوجهها لنفسه في سره، إن سلبيات تلك العلاقة يتم تصويرها بأقسى صورها على الحياة الزوجية لأينيس وفشل حياته حين تكتشف زوجته حيث يسبب حزن وآلم كبيرين لعائلته كلها لزوجته وبناته ولذاته حيث يشعره ذلك بعار مدمر لا يستطيع أن يغفره لنفسه.
العمل على بساطته ملحمة فنية حقيقية التعمق بداخل نفسية الشخصيات ضمن سطور قليلة وعبارات مقتضبة والاهتمام بآثار الحدث لا بتصويره يجعل من النص المحكم والعميق لـ أني بروليكس و لاري مكارثي نصاً استثنائياً حقيقياً يكمله إنغ لي بتفهمه لأعماق هذا النص ويكمله بفنيات مبهرة تجعله على المستوى البصري لأعماله الملحمية الأخرى رغم بساطة أجوائه فالتصوير الساحر للمكسيكي رودريغو برايتو لأجواء الغرب وإظهار جمالية جبل بروكباك وجمال الطبيعة الغربية وألوانها يجعل من الجبل ليس فقط محور القصة بل بطلها أيضاً ويخلق جواً من الشاعرية مطلوبة جداً بالعمل تكلمها الموسيقى الرائعة للأرجنتيني الرائع غاستيفو سنتالولا نال عنها الأوسكار ونال في الحفل الذي تلاه أوسكاراً آخر عن بابل يبدع بصنع الموسيقى ساحرة مؤلمة مشفقة عميقة تتغلل لأعماق المشاعر مع لحن الغيتار الممتع ويكملها بأغنية رائعة في نهاية العمل، المونتاج المبهر من غارلداين بيروني و ديلان تيشونير والذي كان يستحق الأوسكار عام 2005  لا يقتصر فقط على الربط الزماني والمكاني بين شخصيتي جاك وأينيس بل يلعب دوراً كبيراً بصنع الحالة الشعورية والربط بين المشاهد وبين المشاعر المترابطة والمتناقضة للشخصيات وإيصالها للمشاهد، الإخراج الفني والأزياء ينجح بمواكبة الغرب على مدى عشرين سنة ويصنع جمالية إضافية للعمل .
الدور الأكبر بصنع الحالة الشاعرية للعمل يتولاه التمثيل فالأداء المتقن من هيث ليدجر و جيك غلينهال يلعب دوراً كبيراً بفضح مشاعر العمل وعمقه، هيث ليدجر الممثل الصاعد والذي أصبح النجم الأول بدور الجوكر بفارس الظلام قبل أن يتوفى بشكل مفاجئ يقدم من خلال دور (أينيس) دور لا يقل صلابة ومتانة عن الجوكر بل ربما أكثر صعوبة حيث تجسيد دائم للتناقض بين الصلابة والخوف بين الرجولة والعار، ليدجر يجسد مشاعر دائمة بالخجل والخوف من الفضيحة والحسرة الدائمة على امتداد أكثر من عشرين سنة، في حين جيك غلينهال الذي أبدع بدور في غاية التعقيد في بداياته عام 2001 في دوني داركو وقدم هذا الدور ونال عنه جائزة بافتا وترشيح أوسكار عن جدارة كأفضل ممثل مساعد يقدم أداءً مذهل يرينا جموح تلك الشخصية وثورتها وغربتها الدائمة والضغوط التي تلاحقها وشوقها المستمر للأخر .
ميشيل ويليامز تقدم بدور ألما زوجة أينيس (وهي تزوجت ليدجر بعد العمل) دور قوي وبغاية العمق رغم قلة مساحة الدور التعبير عن الانكسار والصدمة والقرف الجنسي من زوجها والحزن الدائم بعد الفراق تؤديه ويليامز بإبداع وبمشاهد قليلة وسريعة ، أني هاثاوي قدمت دور أضاف لمسيرتها الصاعدة الكثير رغم إنها لم تخلف أثراً بالدور يشبع أثر زميلتها ولكنتها قدمت أداء جيد وكذلك النجمة الكوميدية أني فارس بظهور سريع جداً وساخر في عمل هو فعلاً أفضل أفلام 2005.    

Best 10 Movies - 2005
Good Night & Good Luck,
A History of Violence
Cinderella Man
Walk The Line
The Constant Gardener
Syriana
Munich
Match Point


7 التعليقات:

Unknown يقول...

اسمح لي أن أقول إنه أروع نقد سينمائي قرأته لأروع فيلم رأيته وأنا الذي أصبحت مولعا بالفيلم لم أستطع شرح أسباب ولعي به للآخرين مع أني أدرس الأدب العربي وأكتب الشعر والنثر!! لكن ربما لجهلي بأبجديات النقد السينمائي.. وأخيرا وجدت ضالتي في كلماتك وقد صغت مشاعري اتجاه هذا الفيلم كما لو أنك أودعت هذه المشاعر قلبي بيديك !!

nourcinama يقول...

شكراً على المرور والكلام الجميل

الفتى الغامض يقول...

شاهدته أقسم بالله كنت أبكي وانا أشاهده لا أبكي عليهم لاكن الفم عميق جدا جدآ جدآ ويحاكي الواقع مع اني شاهداته بالانجليزيه ليسى مترجم لاكنه فعلا رائع

Unknown يقول...

الفلم عميق لم اشعر انه يحاكي المثليه بقدر ما شعرت انه شرح للحب اللامشروط ، نهاية الفلم كانت غامضه وذكيه لأنها تعطي المشاهد فرصه بإنهائها بمخيلته

Unknown يقول...

اتمني تغير مصطلح شواذ بالمثليين
لان مصطلح شاذ هي كلمة قمعية عنصرية .

نعم هم ليسوا مثليين بالمعني الحرفي لاكنهم يمكن تصنيفهم كا مزدوجي الميول الجنسية ففي ذلك الوقت في الولابات المتحدة حيث يعرض الفيلم فترة الستينات الي بداية الثمانينات كانت المثلية مرفوضة من المجتمع حال قريب من بعض الدول العربية الان.
لقد وقع كل طرف منهم بحب الاخر برغم انهم يرفضون العلاقة الجنسية بينهم و لاكن لا يستطيعون لقد تزوجوا ليتلاشي الحب بينهم و لاكنه قد عاد و بقوة الحب بينهم كان حب صداقة و ارتباط انساني اكثر من كونه جنسي فكل طرف يري الاخر مهم في حياته. بحث احدهم عن علاقة مثلية في الحانات لاكنه لم تغني نفسه عنه فعاد من جديد يبحث عنه انه حب له ابعاد اسمي من ذلك. نعم العلاقة الجنسية وهم سكاري هي من نشأت تلك العلاقة الي انها كانت الوسيلة و ليست الهدف

وجد كل طرف في جبال بروباك ضالته العمل و الحب و الصداقة و العلاقة الحميمة و المرح

Unknown يقول...

Jack l swear

Unknown يقول...

لا اعرف كيف اتخلص من حب هذا الفلم

إرسال تعليق