RSS

Inglourious Basterds - 2009




فيلم الأوغاد المغمورون - Inglourious Basterds للمخرج كوينتن تارانتينو وبطولة النجم براد بيت يفرض نفسه كمنافس مبكر على لقب أفضل فيلم لعام 2009 ، فالفيلم الثامن لمخرجه التجديدي والذي يخرج به لأول مرة من أجواء العصابات والجريمة ليدخل أجواء الحرب العالمية الثانية لم يكن بأقل مستوىً عن أفلامه السابقة بل إن الجميع أعتبره من أفضل أفلام الحرب العالمية الثانية وأكثرها فرادة .
هذا الفيلم كان مشروع المخرج الأثير منذ أكثر من خمسة عشر سنة ولكن مشاكل بالانتاج والنص اعترضته حتى تمكن أخيراً من تقديم عمله بشكل ممتاز جداً وغير مسبوق، العمل واجه عدّة تحديات لنجاحه الأول المراهنة على قدرة المخرج على تقديم فيلم حربي وهو الذي كان غارقاً لحوالي عشرين سنة بأفلام العصابات وقدم روائع من خلالها ككلاب الخزان وأقتل بيل عدا مشاركته صديقة روبيرت رودريغز بإخراج مدينة الخطيئة وفيلم الرعب غراندهاوس والتحدي الثاني هو المراهنة على تقبل الجمهور والنقاد لنظرته الغريبة وغير التقليدية للحرب العالمية الثانية، والتحدي الثالث هو إن العمل يأتي مباشرةً بعد عام واحد على فشل فيلم آخر عن الحرب الكونية ومحاولة أغتيال هتلر هو Valkyrie لمخرج تجديدي أخر هو براين سينغر وبطولة سوبرستار هوليوودي آخر هو توم كروز، ورغم هذه التحديات إلا إن كوينتن تخطاها وقدم عمل مذهل وممتاز بكل ما تعنيه الكلمة، فرغم كون نوعيته جديدة على المخرج إلا إنه صنعه بنفس أسلوبه القديم الناجح مقدماً ما يمكن عدّه ثورة بصناعة تلك الأفلام فالأول مرة نرى فيلم حربي يتم تقديمه بصيغة أفلام الوسترن الأمريكي ولأول مرة يأتي مخرج ويقرر تغيير أحداث تاريخية حقيقية لينسج نهاية خاصة به وتعجبه عن تلك الحرب ، ربما يمكن عدّ تلك الخطوات غريبة وجامحة ولكن من يتابع أفلام المخرج المذكور ويعلم بلقبه في هوليوود (المجنون) لن يستغرب الأمور المجنونة التي سيراها بعمله ..
الفيلم حاول أن يكون شاملاً لكل عناصر أفلام الحرب العالمية الثانية ويرينا الحرب من كل وجوهها فرأينا جرائم النازية وعقيدتهم و المقاومة ضدهم في فرنسا، رأينا قصص العملاء المزدوجين بين فريقي الحرب ورأينا عمليات الحلفاء ضد النازية، وذكاء سيناريو الممتاز جداً إنه ورغم روايته عدّة قصص كل منها تروي جانب من الحرب ولكنه يجمعها ويوحدها في نهاية العمل لندرك إننا لا نرى سوى قصة واحدة لها عدّة أوجه ..
الفيلم كعادة كل أفلام هوليوود عن الحرب العالمية الثانية نسي كل جرائم النازية وركّز على جانب واحد هو جرائمهم بحق اليهود وقصة الهولوكوست المزعوم، ولكن حتى هذا المحور لم يكن تقليدياً فنحن لم نرى يهود مقاومين بقيم نبيلة كفيلم Defiance ولم نراهم أبرياء مظلومين ومغلوبين على أمرهم كما في قائمة تشاندلار بل إن تارانتينو يصورهم بشكل كقتلة جزارين متعصبين لا يقلون وحشية وحقد عن النازيين ويرتكبون جرائم شنيعة خلال مقاومتهم للنازيين، جرائم تجعل النازيين تخشى منهم بل إنهم هم من يلقبونهم بالأوغاد، في حين يتعاطف المشاهد قليلاً مع النازيين الذين تم تصويرهم بشكل بطولي إنساني أكثر من والحلفاء الذين خلع عنهم الفيلم قيم الإنسانية والديمقراطية ليصورهم كعرابوا كل تلك الجرائم الشنيعة التي يرتكبها اليهود بل إنهم ينطمونهم بفرقة واحدة بقيادة شخص خارج عن القانون ليعملوا بأسلوب القتلة المرتزقة ضد النازيين، وقد حوى العمل مشاهد عنف ووحشية عديدة وصادمة تم تقديمها ضمن روح فكاهية معتادة من المخرج .
العمل رغم طوله ولكنه شديد الامتاع والتسلية وكما كل أفلام تارانتينو فالعمل كان مليءً بالتفاصيل المشوقة التي تزيد من العمل إثارة، هناك العديد من المشاهد الفنية الممتازة المذهلة التي يبدو تأثير مخرج الوسترن الكلاسيكي سيرجيو ليوني واضحاً بها على مخرج العمل، كمشهد البداية الرائع المستوحى من فيلم حدث ذات مرة في الغرب ومشهد إعدام الضابط النازي ومشهد كشف هوية العملاء الأمريكيين ومشهد السينما المذهل والمشهد الأخير الممتاز جداً، هذه المشاهد وغيرها تم صياغتها بصورة بصرية ممتازة من تصوير ومونتاج ومؤثرات صوتية ومكياج وإخراج فني وملابس انسجمت مع موسيقى انيو موركيني الكلاسيكية والتي قام تارانتينو كعادته باستعارة ثيمات موسيقى الإيطالي العجوز من أفلامه القديمة ووضعها بأعماله بقالب مثير ومشوق، العوامل الفنية الممتازة بالعمل ترافقت مع حوارات رائعة مثيرة وغريبة لا أحد يستطيع تقديمها بهذا الأسلوب سوى كوينتن تارانتينو حوارات تمزج بين الوحشية والتلاعب والذكاء ضمن روح فكاهية سوداء وساخرة ، حوارات تفصح بالكثير عن العقلية النازية واليهودية وأسباب صراعهما بصورة ذكية لم تجرأ السينما على تقديمها بهذا الشكل سابقاً، وتنتقل تلك الحوارات إلى جوانب أخرى تعبر عن ولاء تارانتينو للسينما وحبه لها فالعديد من حواراته تتحول إلى نقاشات عن السينما الألمانية وشكلها قبل الحرب العالمية وخلالها حين كانت منافسة قوية للسينما الأمريكية ومؤثرة فيها بل إن محور السينما هو أهم محور بالعمل وأكثر تلك المحاور تأثيراً..
بطولة العمل تصدى لها نجم هوليوود براد بيت بأداء رفيع جداً فالممثل الشهير بأدواره الغريبة والمجنونة والذي يحرص على مشاركة المخرجين التجديدن في أعمالهم كديفيد فينشر وغاي ريتشي وستيفن سودربيرغ وإليخاندرو اناريتو واليوم ينضم إلى تارانتينو بدور ألدو راين الجندي الأمريكي المجنون المتوحش الخارج عن القانون وكان مذهلاً بتجسيد هذه الشخصية من لهجة مميزة وأسلوب فريد بالتعبير عن وحشية تلك الشخصية وقوتها، مع براد بيت هناك تلميذ تارانتينو إيلي روث مخرج فلم الرعب السادي الشهير (الفندق) بأول أدواره التمثيلية بدور دونيي دونويست وقد قدم أيضاً دور ممتاز، الممثلة الفرنسية ميلان لارونت بدور شوشانا قدمت أداء تمثيلي مؤثر جداً تمزج فيه بين الوحشية والرّقة والبرود المثير الجذاب، الممثلة الألمانية دايان كروغر بدور عميلة الحلفاء ونجمة السينما الألمانية بريدجيت فون هاميرسمارك قدمت أداء عادي على عكس زميلها الألماني كريستوفر والتز في أول أدواره بالسينما الأمريكية بدور الضابط النازي هانز لاندا الذي قدم أداء مذهل استحق عنه جائزة أفضل ممثل في مهرجان كان بل إن جميع النقاد يرشحه لنيل الأوسكار كأفضل ممثل مساعد حيث برع بتقديم الشخصية النازية بشكل جديد مزج بعبقرية بين الوحشية المفرطة واللطف المفتعل وبين الذكاء الحاد والتغابي صانعاً شخصية لن تنساها السينما سريعاً، في الفيلم شارك أيضاً نجم الكوميدية الشهير مايك مايرز بدور صغير ساخر و تم تقديم شخصية هتلر بصورة ساخرة صغيرة على يد مارتن وتيك ..
العمل مقتبس بعنوانه وسير أحداثه من فيلم إثارة إيطالي حمل نفس العنوان عام 1978 ورغم كون ذاك العمل ينتمي للنوعية الرخيصة التجارية ولكن تارانتينو عرف كيف يحوله إلى فن راقي قدمه بأربع لغات إنكليزية وفرنسية وألمانية وإيطالية وهو معتاد دوماً على تحويل قمامة الأفلام إلى تحف وأعماله السابقة تشهد بذلك، هذا العمل يختمه كوينتن تارانتينو بعبارة على لسان براد بيت : (هذا أفضل أعمالي) وربما لا يكون هذا الفيلم أفضل أعماله ولكن هناك إجماع نقدي وجماهيري على كونه أفضل أعمال المخرج منذ فيلم Pulp Faction الفائز بجائزة أفضل فيلم بمهرجان كان وأوسكار أفضل سيناريو عام 1994 والذي يعتبر من أفضل 100 فيلم في القرن العشرين..

0 التعليقات:

إرسال تعليق