RSS

Wall – E - 2008




هذا الفيلم يقدم نظرة خيالية لمستقبل الأرض (ولكنها للآسف متوقعة جداً) الحياة على الأرض ستتلاشى بفعل تراكم النفايات السامة ولن يبقى سوى رجل آلي (Wall - e ) يقوم بالمهمة الوحيدة الموكل بها وهي تنظيف النفايات من على سطح الأرض، هذه النفايات التي لم يعد مكان ليذهب بها يقوم الآلي بتجميعها فوق بعضهما مشكلةً أبنية وأبراج تفوق أبراج مدينة نيويورك طولاً وتظهر تلك كأبنية قصيرة بشكل يسخر فيه ستانتون من واقع نيويورك والعالم الغارق في النفايات، ستانتون يعرض فيلمه القصير نظراً لوقت الأفلام المعتاد (ساعة وعشرين دقيقة) ولا يوجد فيه سوى خمسة عشر دقيقة تقريباً من الكلام أما الباقي فيعتمد فيه على لغة الصورة ليقدم قصة فيلمه، ستانتون لا يهتم ببداية فيلمه بالحديث عن مصير البشرية سوى بلمحات بسيطة وهذا الشيء - وبشكل غريب - لا يثير انتباه المشاهد ولا يهتم له حيث تتعلق عينه بتفاصيل حياة هذا الآلي الذي اكتسب بعض الصفات الإنسانية والمشاعر بعد إقامته الطويلة على الأرض الفارغة، ستانتون يقدم حياة الآلي والفيلم كله يشكل شديد التماسك والمتانة، فهذا المخرج الذي قدم سابقاً وبإبهار تفاصيل حياة عالم السمك والحيتان يبدع بتقديم تفاصيل حياة هذا الآلي والأرض الفارغة بشكل تفوق فيه على نفسه، يضع أجوبة على كل الأسئلة التي قد تخطر على بال المشاهد والاستفسارات التي تعتريه حين يشاهد العمل رغم إن أفلام الأنيميشين عادةً غير مطالبة بتفسيرات لأحداثها، فمثلاً Wall – e يحصل على الطاقة من خلال الشمس وهي التي تبقيه قادراً على العمل، وهو يقضي يومه في مستودع للشركة المصنعة يحتوي على كل قطع التبديل التي يحتاجها والمخصصة لجيش من الآلات الشبيهة له والتي يبدو من الواضح إنها اختفت بفعل أحد العواصف الكيماوية التي تجتاح الأرض يومياً والتي نرى صديقنا الآلي الصغير يهرب منها باستمرار، هذا الآلي لم يصدئ ويعطل رغم مرور 700 سنة على وجوده لأنه تم تصنيعه عام 2110 أي في زمن متطور عن زمننا وهذا يفسر العديد من الأشياء كجهاز الفيديو الذي يعمل يومياً وبعض الألعاب و الأشياء البسيطة التي بقيت موجودة فهي من نتاج حضارة أخرى متقدمة كما إننا يمكن أن نعتبرها كالآثار التي لم تعطل رغم مرور الزمن، كما وأن Wall – e مصمم لمواجهة التلوث الذي يجتاح الأرض فهو مؤهل لمواجهة أقسى الظروف الجوية والبيئية، وبقائه الطويل على سطح الأرض لوحده وقيامه بنفس العمل يومياً طور لديه بعض المشاعر الإنسانية فأصبح لديه حاجة ماسة لشريك يقاسمه هذا العالم وبدأ هذا الشعور ينمو لديه مع مشاهدته المستمرة لفيلم أمريكي في باريس يومياً وظهور صرصار صغير في حياته جعله يدرك إنه يحتاج شخص آخر من جنسه معه، ستانتون يمهد لفيلمه بطريقة مثيرة جداً تدخلنا في أجواء حياة ذلك الآلي منذ بداية يومه وحتى انتهائه يجعلنا نشتاق معه لوجود شخص آخر يقاسمه وحدته ويستعرض خلالها صفات هذا الآلي التي ستكون مهمة جداً في سير بقية الأحداث، فهذا الآلي مبرمج لوظيفة واحدة وهي تعليب النفايات لذلك فبرنامجه متخلف عن العديد من الأمور نراه يعيش بنمطية معتادة مملة تجعله يرتبك حين مواجهة أمر غريب عليه، كعندما يحصل على شوكة شكلها غريب يجعله يضطرب حين يضمها لمجموعته بين هل يضعها بين المعالق أو الشوك، من الممتع مراقبة ردّة فعله البدائية أمام العديد من الأمور الغريبة كلعبة مضرب وملابس داخلية وخاتم آلماس، بينما يشعر بالآلفة اتجاه الدمى الطفولية التي تكون أقرب لنوعه ويحتفظ بقطعة نبات بلا قيمة مع صرصار حيث يحويان على شيء حي مميز عن الجماد الذي يعيش ضمنه، الغرابة التي يشعر بها Wall – e تجاه الأشياء الجديدة تختفي حين يقابل إيف الآلية المتطورة القادمة من الفضاء، وإيف ليست من صنع مخلوقات فضائية هي نتاج التقدم التكنولوجي الإنساني الحديث الذي أرسلها البشر من مكان إقامتهم الجديد في مركز الترفيه في الفضاء الخارجي ليستطلعوا إذا أصبحت الحياة مناسبة على الأرض حتى يعودوا عليها، وهنا تبدأ علاقة رومانسية شديدة الجمال بين Wall – e المشتاق لآخر يقاسمه وحدته وبين إيف المتطورة جداً والتي تطورت لديها مشاعر إنسانية شعرت بها مع وجود الحياة على هذا الكوكب المعزول وهذه العلاقة بين الآليين المرسومة بشكل شديد المنطقية والجمال تنقلنا بالفيلم للدخول بمواضيع أخرى متشعبة وهامة عن مصير الإنسان والبشرية والتقدم التكنولوجي مع الحفاظ على سير العلاقة الرومانسية بين الآليين بشكل شديد العذوبة حيث في هذه العلاقة الرائعة شعرت بـستانتون يقدم خلاصة الأفلام الرومانسية أو خلاصة أفلام العلاقات الإنسانية، فلدينا الرجلان الآليان المعزولان اللذان يشعران بالشوق لأخر من جنسه (كما في فيلم ضائع في الترجمة) إيف روبوت تغلبه الصفات والطبائع العنيفة ولكن Wall - e ببساطته وطيبته يهذب طباع هذا الآلي الشرس ويتقرب منه (كما في فيلم As good As it gits) ونرى الرجل الآلي المتخلف الذي يسعى للتقرب من هذا الروبوت المتطور جداً وبعد صدامات عديدة ينجح بالتقرب له وتبدأ هناك مفارقات عديدة بين تخلف Wall - e وبين ذكاء إيف يراه الأول مثيراً وجذاباً بينما تشعر به الثانية مضحكاً وطريفاً (كما في أفلام رجل المطر و فورست غومب) ثم يقدم لها Wall – e النبتة التي عثر عليها كعربون محبة فتطرأ على إيف حالة غريبة فتحفظها وتتجمد كالمصابة بالكوما ويبدأ Wall – e محاولة الاتصال معها بشتى الوسائل التي يصل لها إدراكه يقف معها على سطح المستودع يحميها من المطر والعواصف الكيماوية يعلق حولها الأضواء ويتجول معها على زورق ضمن الأنهار الملوثة بتسربات الوقود والأمل يسكنه أن تعود لحالتها الطبيعية ولكنه ييأس ويعود إلى حياته السابقة متأملاً أن يعود يوماً ويراها وقد عادت كما كانت (شيء شاهدناه في التحفة الإسبانية كلمها ومليون دولار بيبي) ولكنه يعود في أحد الأيام ليرى المركبة عادت لتأخذها بعد أن بلغت إشارة عن عثورها على إشارة حياة على هذا الكوكب Wall – e يتعلق على المركبة ويذهب معها إلى مسكن أهل الأرض الجديد في تلك القاعدة ليقلب الأمور رأساً على عقب.
العمل ليس مجرد قصة طفولية مسلية تحمل أفكار هامة عن قيم العائلة (نيمو) وعن المواهب الدفينة وروتينية الحياة وتحدي النمطية وقيود المجتمع (المذهلون- راتاتويل) هو الآن يدخل في موضوع هام جداً يحتاج الإرشاد وهي مسألة الانحباس الحراري والتلوث الذي تعيشه الأرض ومصير الإنسان على هذا الكوكب ومستقبل التطور التكنولوجي وسيطرة الإعلام والمظاهر على عقول البشر، والقسم الذي ينتقل فيه الفيلم إلى الفضاء ليلاحق Wall – e إيف لإعادتها يتناول هذه المواضيع بشكل واسع جداً، ستانتون يقوم بشكل مبهر بتقديم تفاصيل حياة البشر في القاعدة وتفاصيل هذه القاعدة بشكل يتساوى بروعته مع تقديم تفاصيل حياة Wall – e وتفاصيل الأرض المهجورة، نرى البشر الذين أصبحوا عبيداً للمادة بشكل غريب عما عهدته السينما فهم ليسوا هزيلي المظهر ومتسخين ويعملون في أعمال مجهدة، بل لقد أصبحوا عبيداً للمادة من خلال الرفاهية حيث زاد وزنهم وأصبحوا يقضون يومهم بالتنزه وتناول الطعام ولا يمارسون أي نشاط بحياتهم ولا حتى المشي وتخلوا عن كل تواصل إلا عبر الانترنيت ويستجيبون لأوامر الآليين بشكل تلقائي وبانصياع تام – وهم لا يدركون ذلك – بشأن الطعام والملابس والنشاط اليومي، والروتينية التي يعيشون فيها تجعل عيونهم تعمى عن جمال الحياة الإنسانية وجمال العلاقات البشرية بل حتى عن مقومات الرفاهية الموجودة في القاعدة بينما في مشاهد أخرى نجد إن الآليين قد وصلوا إلى مستوى من التطور أصبحوا يملكون مشاعر إنسانية حقيقية ويعيشون الرفاهية الإنسانية المفروضة للبشر وهم أيضاً في نفس الوقت يفرضون على أنفسهم نظاماً صارماً والمخالفين لهذا النظام يتم سجنهم وعزلهم...ستانتون يقوم بأسلوب إرشاد وتوعية غير مباشرة للأطفال والكبار أيضاً من خلال فيلمه هذا وتنبيههم إلى خطر الاستمرار بالتطور التكنولوجي والمادة غير المدروس وإهمال الطبيعة والصحة ويرسم مستقبل متوقع للأرض (التي اختفت الحياة من عليها وأصبحت جرداء وتعاني من التلوث والعواصف الكيماوية) ويتخيل مستقبل رديء محتمل جداً للبشر (الذين إذا استمر انغماسهم بالملذات والانصياع للإعلام والموضة والتكنولوجية فسيصبحون مجرد كتل من الدهن العديمة المشاعر والروح ) ويضع حلاً لكل ذلك متمثلاً بالعمل على إعادة أعمار الأرض طبيعياً والعمل بالزراعة والاجتهاد فيها واستغلال القدرات الفيزيولجية للإنسان مع عدم إهمال التطور التكنولوجي بل السير على خط موازي بالأمرين فذلك سيجلب الحياة المثلية للإنسان ...
إذا كنا قبل هذا الفيلم نظن إن ستانلي كوبريك هو أفضل مخرج في التاريخ فالآن سنتأكد من ذلك... والسبب إن تحفته أوديسا الفضاء موجودة في كل مكان بهذا الفيلم البداية الصامتة البدائية والانتقال إلى العالم المتطور والإحاطة بالتفاصيل الموجودة في المستقبل البعيد وتقديم قصة صراع الإنسان مع التكنولوجية ورسم الآلي الشرير المتحكم وهو نسخة عن هال 9000 حتى بالشكل ولحظة الثورة البشرية حين يقرر الكابتن أن يمشي ويواجه الآلي تظهر موسيقى شتراوس المستعملة في فيلم أوديسا الفضاء ...ستانتون صنع عملاً في غاية الإتقان ، إن غياب الحوارات والاعتماد على الصورة لم يضع أمامه فقط تحدياً بل قدم له فضاءات للإبداعات الفنية حيث أبدع بصناعة عالمين متناقضين وآليين متناقضين وتقديم تفاصيل هذين العالمين بمخيلة إبداعية مذهلة فكل التفاصيل موجودة ولا يغيب منها أدق تفصيل، ربما أكثر ما أحب الحديث عنه هو رسمه لـ Wall – e وإيف كيف ظهر الأول بغاية التقليدية والثانية بغاية التطور وكيف يعبر عن العلاقة بينهما رغم عدم وجود كلام أو ملامح لهما من خلال العينيين الموجودان لهما وتصوير الأحداث وردّات الفعل من خلالها، Wall – e سيصبح بالتأكيد من العلامات السينمائية الكلاسيكية في المستقبل هذا الآلي الصغير الذي استوحى ستانتون شكله من وودي آلين - وهذا واضح من كل شيء فيه - وصنع له ردّات فعل شديدة الإذهال والذكاء تجعل المشاهد قريباً جداً له كيف يقوم بعمله ويخاطب الصرصار وينظر بشغف للفيلم السينمائي الوحيد، كيف ينظر بغرابة للأشياء الجديدة التي يكتشفها ويضطرب حين يرى الشوكة الغريبة الشكل أو حين يقابل إيف ويكتشف قدراتها العجيبة، ستانتون قدم رسماً في غاية الدقة للحظات تشعر به سينقلب إلى حقيقة ولا يهتم فقط بصنع شيء فني مبدع بل بجعله غاية لتوضيح فكرة الفيلم ومغزاه اعتماداً على الصورة وبعيداً عن الحوارات والتي ورغم قلتها إلا إنها كانت شديد المتانة بالأخص المشاهد الحوارية بين الكابتن والآلي قبل الثورة، وهذا كله دخل ضمن نص في غاية القوة والأهمية يبدع فيه ستانتون برسم الشخصيات والأحداث وتعدد المحاور في الفيلم وأن يربطها معاً وأن يجعل كل شيء في الفيلم له أهمية ودور في صنع الحدث والصورة العامة للعمل ...
فيلم الأنيميشن (Wall – e) الفائز بأوسكار أفضل فيلم أنيميشين لعام 2008 من إخراج أندرو ستانتون (مخرج العثور على نيمو) يعزز مكانة هذا النوع كونه أحد أكثر الأنواع السينمائية تميزاً والتي ما زالت تحمل العديد من المفاجآت غير المتوقعة، الفيلم يظهر لنا أهمية شركة ديزني واستديو بيكسار السينمائية في صنع أفلام بأفكار راقية جداً وقادرة على التأثير على السينما وجلب الأرباح على شباك التذاكر، الفيلم يحوي كل المقومات ليتم تصنيفه من الروائع ، ليس طويلاً ومع ذلك فهو مزدحم بالأحداث، ويحوي أفكار هامة جداً وجادة وحبكة ممتعة ومؤثرة وشفافة وقريبة لكل العائلة، وكعادة أفلام بيكسار وديزني منفذ بعناية شديدة وإتقان يكاد يجعلنا للحظات ننسى إنه فيلم أنيميشن ونظن إنه حقيقي

0 التعليقات:

إرسال تعليق