RSS

The Dark Knight - 2008



بعد نهاية عقد سينمائي صارخ يصعب علينا وصف فيلم بعينه يصلح أن يكون رمزاً شعبياً له كحال تايتنك التسعينات أو E-T  الثمانينات أو عرّاب السبعينات، فبين ضربات المصارع وثلاثية الخواتم و عوالم الأفتار هناك فارس غوثام الأسود (باتمان ، فارس الظلام ، The Dark Knight) أفضل أفلام البريطاني الشاب كريستوفر نولان والذي أثبت نفسه خلال عشر سنين و سبع أفلام  إنه ليس مجرد اسم عابر أو مخرج موهوب بل هو عبقرية سينمائية أصيلة وضعت نفسها مبكراً وبتفرد بين اسماء كبار المخرجين بالتاريخ وفصل نفسه بسنين ضوئية عن غيره من مخرجي جيله الموهوبين .
نولان الذي فرض اسمه بتذكار عام 2000 ونال عنه ترشيحه الأوسكاري الأول والوحيد لحد الآن كأفضل سيناريو  صانعاً مع أخيه وشريكه جوناثان أسلوبه الفريد بالسرد السينمائي ضمن عالم العصابات واستمر بهذا العالم حيث أدار ثلاثة أوسكارين (أل باتشينو وروبين ويليامز و هيلاري سوانك) بالرائعة أرق عام 2002، ثم ذهب مع العصابات ومشاكلهم النفسية إلى ساحة الكوميكس فبعد فشله بإخراج فيلم عن المليونير غريب الأطوار هاورد هيوز – السيناريو استقر بين يدي عرّاب سينما العصابات مارتن سكورسيزي – تولى كتابة وإخراج (الرجل الوطواط يبدأ) ضمن مشروع واضح من عنوانه عودة إلى جذور تلك الشخصية و البحث وراء السر الذي يدفع رجلاً من العامة ومليونيراً مرفهاً إلى أن يحارب الجريمة في الليل، عام 2005 صدم نولان الجمهور السينمائي بهذا العمل الذي انساهم فنتازية أفلام تيم بيرتن الجيدة وجويل شوماخر السيئة في التسعينات وصنع من باتمان عملاً بعيداً عن الترفيه قريباً من عوالم الدراما النفسية القاتمة وبداية موفقة للأسطورة الأكثر شعبية سينمائياً، بعده بعام واحد دخل عالم السحر مع نجمي عمله السابق (كرستيان بيل و مايكل كين) بالإضافة إلى هيو جاكمان و سكارليت جوهانسن (برستيج) ليس تحفة رائعة ولكن الجمهور لم يخذل نولان .
فيلمه اللاحق فارس الظلام اكتسح صالات السينما عام 2008 أعاد لنولان اعتباره النقدي الذي خسره في البرستيج وأضاف له جيوشاً جديدة من العشاق هو ظاهرة صيف 2008 الحقيقية وأحد أكثر الظواهر شعبية بالعالم هذا الفيلم الذي حظي بالجنون الجماهيري والتصفيق النقدي ونال ترشيحات نقابات المخرجين والكتاب والمنتجين وخروجه من ترشيحات الاوسكار الرئيسية (رغم نيله ثمان ترشيحات بفئات مختلفة ظفر منها بثلاث) جعل منظموا أكاديمية الأوسكار يعيدون وجهة النظر بأسلوب الترشيح ويرفعون الرقم إلى عشر بدل خمس على جائزة أفضل فيلم.
أن يحقق فيلم ما حققه فارس الظلام أمر ليس مستغرب بل مستحق عمل يحوي كل شيء ويحمل كل عناصر القوة والاتقان والجمالية تجعل منه كلاسيكي معاصر كحال كل الأعمال العظيمة الأخرى، العمل يحمل متعة لا توصف لا تتوقف على الأحداث التي لا يمكن توقعها والتحولات المبهرة في كل مرة تشاهدها ولكنها بنفس الوقت ليست فارغة أو سطحية بل تحوي عمق وأفكار مليئة القيمة والأهمية، الرجل الوطواط الآن أصبح رمزاً للإلهام في غوثام العديد من رجال الشرطة يحاولون تقليده والارتداء مثله والعصابات تقف حائرة أمام قوته ورجال الشرطة يعتمدون عليه بمهامهم متجاوزين الأوامر بالقبض عليه، الرجل الوطواط الذي نهض بين الفساد والجريمة وجعل من نفسه نموذج للنزاهة والبطولة ألهم الناس العاديين ليخرج من بينهم هارفي دانيت فارس غوثام الأبيض والمدعي العام النزيه الذي يلاحق في النهار المجرمين والشرطة الفاسدين، ومع وصول المعركة بين الجريمة والعدالة إلى مراحلها الأخيرى ومع اقتراب الفجر من البزوخ يصبح الظلام أكثر سواداً وهذا السواد تجسد بالتحدي الأخير الأصعب (الجوكر) المجرم الاستثنائي مثل الرجل الوطواط منبوذ من محيطه ومجهول الهوية وبأساليب غريبة عن الأساليب الاعتيادية ، شخص لا أحد يعلم كيف بدأ ومن أين ظهر ولكنه بالتأكيد هو من نتاج بيئة غوثام الفاسدة كما هو باتمان، فالبيئة التي انتجت بطلاً انتجت شيطاناً وكما هذا البطل يلهم الخير فذلك الشيطان يريد إلهام الشر.
شخصية الجوكر هي سر عظمة الفيلم ليس فقط من الأداء الاستثنائي الذي قدمه هيث ليدجر بل أيضاً رسمها على الورق بأجمل صورة على يد النولان بروزر ، الجوكر ليس مجرم يسعى للمال، للسيطرة، لا يسعى لهزيمة الشرطة ولا لتدمير عصابة معينة بعينها، هو شخص يدرك إنه ضحية من ضحايا المجتمع ويدرك إن المجتمع الذي أفرزه سيفرز أمثاله لذلك كان طموحه الدائم بالعمل كشف الجانب السيء في الناس بالأخص بفارس غوثام الأبيض (هارفي دينيت) ليدمر به كل أمل بالخير للإنسانية وهو يعمل على كشف تلك الحقائق السوداء لدى الإنسان سعياً ليثبت إن هذا المجتمع بقوانينه لا يحقق الفائدة ويجب تدميره وتدمير قوانينه وإحلال الفوضى محله، الفوضى التي لا تقوم على مبادئ سامية يشعر الجوكر – إنها مختلقة – ولا يقوم على الاجتهاد والعمل بل يقوم على الحظ على انتهاز الفرص على السعي للنجاة على تحقيق الذات بمعزل عن الآخرين، مجتمع سيء ولكنه صادق الأشرار يصرحون فيه نحن أشرار دون أن يضطروا إلى أن يختبئوا وراء زي الشرطة الفاسدين، في سعي الجوكر لقضيته تلك يصطدم بالرجل الوطواط العدو المثالي له والذي يعمل على هدف مناقض لهدف الجوكر بإلهام الخير لمنع المآسي من أن تتكرر وتصب على رؤوس الناس، هذا التناقض والتشابه بين الشخصيتين لا يصنع للعمل حبكة مبهرة فقط بل أيضاً يعطي الجوكر عدو يرضي غروره عدو يجعله يتحدى لنفسه ليتفجر بأقصى درجة من الجنون من الفوضى غير المتوقعة.
النولان المبهر بالرسم الاستثنائي لشخصياته لا يرمي كل عمله على الجوكر ويترك الباقي فيعطي لبروس واين – الرجل الوطواط المساحة المستحقة الشخص الضائع بين عالمه الحقيقي كرجل أعمال وإنسان يسعى لحياة طبيعية و حقيقته الخفية كمحارب مقنع لصالح العدالة تدفعه دوافع خاصة عرفناها بالجزء السابقة ليخوض هذا العالم ويكمله كرستيان بيل بأحد أجمل أدائاته على الاطلاق، شخصية هارفي دينيت – ذو الوجهين هي محور الصراع والشخصية الأكثر أهمية الشخص الذي يحارب من أجل العدالة والقانون ولكن الدوافع البشرية تتحارب بداخله حول صوابية دوافعه وأساليبه وحول مفهوم العدالة وكيف يجب تحقيقه تجعله في النهاية يتسائل ما معنى أن نكون نزيهين بعالم غير نزيه ويقوده ذاك بعد تحوله المآساوي ليحقق عدالته الخاصة بأساليبه الخاصة التي قد لا ترضي المفهوم المعروف للعدالة ولكنها ترضيه بعد أن شعر بأن كل ما كان يدافع عنه قد خذله.
مفاهيم العدالة والديمقراطية وجدواها تأخذ مساحة كبيرة من العمل كيف نكون نزيهين بعالم غير نزيه وكيف نحقق العدالة بمجتمع قائم على الفساد حتى وصل إلى الاجهزة الأمنية وهل دوماً الديمقراطية نافعة وهل يجب أن يكون حماة المجتمع ديكتاتوريين حتى يحافظوا عليه حين لا تنفع الديمقراطية ، حين يتجاوز هارفي وغوردون والرجل الوطواط كل القوانين ويختطفون (لاو) من هونغ كونغ أين حماية القانون هنا وقد خرقناه، حين يسلم غوردن الجوكر للرجل الوطواط ويحقق معه بأساليبه الخاصة المحظورة وحين يقوم الرجل الوطواط بتعذيب موريالي للحصول منه على معلومات أين الديمقراطية والنزاهة هنا، بل أين هي حين تتعاون أجهزة الأمن مع خارج عن القانون لتطبيق العدالة ، أسئلة عديدة يطرحها النولانز ويلخصونها بمشهد حواري مبهر عن القيصر الذي منح كل السلطات ليحمي روما ثم تحول لديكتاتور ، في عالم تداخلت به مفاهيم العدالة والديمقراطية وأصبحت غامضة أصبحنا نحتاج لبطل غامض يقوم بكل المهام بطل لا يحوز فقط كل السلطات التي لا يمكن لأحد أن يملكها بل يتحمل كل الشر كل النبذ و الاتهام وعذاب الضمير والمطاردة والآذى وعدم التقدير من أجل تحقيق العدالة فهذا البطل هو ما يحتاجه العالم اليوم لأن البطل الذي يستحقه (هارفي) ضاع في هذا الفساد.
كريستوفر وجوناثان نولان هما بهذا العمل يثبتان إنهما من أمهر كتاب السيناريو فعملهما هذا مثالي متكامل مسلي مثير مليء بالتطورات والتحولات والمفاجآت بديع برسم الشخصيات مليء بالقيمة والعمق الدرامي الهام ومليء بالحوارات الراقية العميقة المؤثرة، كريستوفر نولان يصنع بصرياً عملاً بغاية الاتقان يوازن بين التسلية والفكرية ويصنع مشاهد حركة وإثارة منطقية ومبهرة المونتاج الأسر والأنيق يجعل الفيلم منذ اللحظة الأولى حتى الأخيرة لا يهدئ ويشد المشاهد له حتى النهاية، التصوير العبقري يصنع عوالم أسرة ومتقنة واقعية وملحمية بنفس الوقت والمؤثرات البصرية والصوتية تصنع بهرجة وإبهار لا يوصف ويتواكب ذلك مع موسيقى عظيمة من هانز زيمر الأداء التمثيلي بالعمل لا يعلى عليه هيث ليدجر جذب كل الانظار بأدائه المثالي الذي لا ينسى والذي يصعب وصفه جعل الجمهور لا ينتبه للقوة التي يقدمها كرستيان بيل وآرون ايكهارت وماغي غلينهال ومايكل كين و مورغان فريمان وغاري أولدمان الذي ظهروا جميعاً بأفضل الحالات التمثيلية تناغم وانسجام عالي وعفوية وعمق مبهر بالأداء في الفيلم الأفضل لعام 2008 . 
Best 10 Movies – 2008
  The Dark Knight
 Doubt
Slumdog millionaire
Frost / Nixon
   Wall – E
 The  Reader
  Wallts With Basher
Synecdoche New York
             Changling

0 التعليقات:

إرسال تعليق