RSS

Sin City - 2005






فتيات عاهرات ونساء قاتلات ......
شرطة فاسدين وشباب متوحشين ......
سياسين منافقين ورجال دين ملحدين ........
هذه هي مدينة الخطيئة التي لا تصحوا إلا في الليل وفي ثناياها تدور رحى معارك الموت والجريمة والعهر والتوحش والتلذذ بالقتل والتعذيب، وفي شوارعها التي امتزجت بها مياه المطر بدماء الضحايا وخطايا البشر، تدور ثلاث قصص حول ثلاث أبطال بمعاطف سوداء طويلة وثلاثة نساء وثلاثة وحوش، البطل الأول هارتغن الشرطي العجوز الذي أشرف على التقاعد ويريد أن يختم مهنته بإنقاذ فتاة صغيرة من بين أنياب أبن السيناتور الشاذ، والبطل الثاني مارف القاتل العملاق المدمن بجثة مصارعين الرومان يريد أن يفتح عهد حياته الجديدة بالانتقام لفتاة أمتعته ليلى واحد أعطته بها الأمل بالحياة قضت نحبها بسبب الكاهن الداعر المتوحش،
والقصة الأخيرة عن دوايت ولا نعرف شيئاً عن ماضيه وكل ما نعرفه هو أنه شاب يريد تخليص الشوارع وإنقاذ فتيات الليل من طغيان الشرطي المهووس (جاكي بوي)، وفي تلك الرحلات الدموية الثلاث يكتشف أولئك الأبطال عدم جدوى أهدافهم، ففتاة بروس ويليس (نانسي) ليست كما رسم الصورة لها فتاة خجولة ذكية بل عارضة في أحد البارات، وغولدي عشيقة روك الشهيدة ليست ملاك كما توقعها بل هي أحد عاهرات الحي القديم ، وفتيات الليل اللواتي ناضل دوايت لأجلهم ضد العصابات والشرطة لا يختلفن بوحشيتهن وعنفهن عن جاكي بوي نفسه ، ولكنهم لا يتراجعون عن أهدافهم لأنهم لم يكونوا يدافعوا عن الفتيات بقدر ما كانوا يدافعون عن الرموز التي تمثلها ، فنانسي هي رمز لبذرة للبراءة التي تجتهد أن لتنموا في مستنقع الجريمة ، وغولدي كانت الملاك الطاهر والدواء الشافي الذي جاء ليخلص روك من سنين عذابه، أما دوايت فقد دافع عن الفتيات في سبيل حربه ضد الشرطة الذين كانوا يمثلون فساد النظام بمدينة الخطيئة وسبب كل الفوضى والعنف فيها.


مدينة الخطيئة لم تنسب لمدينة معينة فشكلها وتنظيمها يشبه جميع المدن الأمريكية وتكاد تكون اقرب إلى مدينة باتمان غوثام بمبانيها وأحيائها وصخبها وإجرامها وجنون أشرارها وتفاني أبطالها، هذه المدينة التي لم تبرز لها هوية محددة هي مستقبل أغلب المدن الأمريكية حيث تموج بها جميع أنواع الخطايا والآثام بلا حرج ولا خوف من العهر إلى الشذوذ والفساد والرشاوي والقتل والإلحاد، مدينة تعاني من أسوء أنواع الفساد الفساد الديني والفساد السياسي والفساد السياسي، لا يوجد بها سوى ثلاث مهن (القتل والعهر وسلك الشرطة)، مدينة تعييش بالمقلوب وضمن تناقضات عديدة فالشريف متهم والمجرم حاكم، الفاسد يجر رجل الدين إلى خطه بدل أن يصلحه الأخير، المشوه المرعب له أخلاق ومبادئ والشاب الوسيم متوحش همجي، الشاب الفاسد يبنى له مستقبل عظيم ورجل الدين لا يفقه بالدين شيئاً، الماضي البريء يواجه الحاضر السيئ ويستعد للمستقبل الأسوأ، أناس يحملون الخير والشر وتتصارع تلك المشعر في نفوسهم.هذه التناقضات هي التي تصنع النموذج للعام للفلم فمنذ المشهد الأول نرى لقاء رومانسي حار وكلام غزل معسول بين شاب وفتاة لا يعرفان بعضهما ينتهي بجريمة قتل هادئة بمسدس صامت، وتستمر تلك التناقضات حيث قمة الوحشية وقمة العنف والرعب بوجه قمة الرومانسية والحب والتفاني،ومن هذه التناقضات استهل المخرجان روبيرت رودجرز وفرانك ميللر أسلوبها الإخراجي حيث دمجا الأبيض والأسود بالألوان، وصنعا تداخلاً بين سينما الكوميكس الكلاسيكية وأفلام الرسوم المتحركة الأمريكية العنيفة والقصص المصورة فكان ذلك المزج مناسباً خلال المعارك حيث توحي وكأنك تقرأ أحد القصص المصورة وفي لحظات الحب تشعر بأنه فلم كلاسيكي رائع ينضم إلى قائمة كازبلانكا والشقة وغيرها من روائع الأبيض والأسود الرومانسية، وكان هناك مبالغة بالمعارك العنيفة كمحاولة لتقديم رسالة مبطنة حول عنف أفلام الرسوم المتحركة وعنف السينما الأمريكية التجارية بشكل عام، أما سينما تارانتينو المتوحشة وأسلوبه بصناعة الأفلام فقد كانت هي الغالب على كل مشاهد العمل، فالمواجهات الدموية وغزارة الدماء وأشكال الأشرار ووحشية المعارك ومحاولة الاقتراب من طابع القصص المصورة التي كانت هي الأساس بالفلم والدمج بين الأبيض والأسود والألوان بطريقة رائعة وشديدة الرمزية ، وقد استمر التعمق بأسلوب تارانتينو حتى أن المشاهد يشعر بأن هذا الفلم هو مزيج لجميع أفلام تارانتينو فمن دموية أحداث كلاب الخزان وعنف المواجهات الأسلحة النارية إلى التركيب الثلاثي لأحداث بولب فاكشن وامتهان الإجرام وتقطيعه المذهل، وأشكال المجرمين في جاكي براون وأسلوب بريدجيت فوندا بالإغراء، أحقاد العروس في أقتل بيل والسيوف الصينية ووحشية المعارك بالأسلحة البيضاء، وتأصيل الطابع الإجرامي بنفوس القتلة كما في ولدوا قتلة (كون تارانتينو هو الذي كتب نص الفلم)، هذا كله نضيفه إلى الحوار المعسول المتحاذق الملتوي المثير المقزز الغامض العميق الرمزي المضحك الذي يجبر شعر الأبدان على الانتصاب رعباً وفزعاً، ولكن الفلم لم يكتفي باستحضار روح تارانتينو الإخراجية بل استحضر رموز لأغلب روائع التسعينات السينمائية على مختلف أنواعها فمن مناصرة Unforgiven للنساء ورحلات تطهير الذات إلى انتقادات جمال أمريكي للحياة الأمريكية وهوس أفراد الصحبة الجيدة بالجريمة وتوحش شخصيات صمت الحملان واضطراب أبطال نادي القتال، الكرسي الكهربائي من الميل الأخضر والحديث مع الأموات في الحاسة السادسة.فيلم مدينة الخطيئة بغض النظر عن كل معانيه القوية التي رأيناها يجسد فتحاً سينمائياًَ قوياً بمجال الإخراج فهذا العنف الذي يذكرك بأفلام الرسوم المتحركة ودمجه مع الأساليب الكلاسيكية البيضاء والسوداء استحضار روح باتمان وأبطال القصص المصورة وروح كوينتن تارانتينو وسينماه الغرائبية المتقنة وتجسيد معاني كبار أفلام التسعينات التصوير من وراء الشاشة الزرقاء وهي المرة الأولى التي تستعمل بفلم أكشن وليس لأفلام الخيال العلمي، هذه الأساليب المجنونة التي تفنين روبيرت رودجرز وفرانك ميللر بخلقها لتتجاوب مع طابع الفلم الغريب يصنع روعة سينمائية إخراجية رفيعة المستوى .

الأداء التمثيلي بواسطة الطاقم التمثيلي الموهوب المرشح ليكون أفضل طاقم تمثيلي للعام كان شديد الإتقان ، لم يطغى أي ممثل على أخر نجحوا جميعاً بتجسيد تلك المشاعر المختلطة والمتداخلة من الحقد إلى الحزن إلى الخوف والشجاعة والرغبة والحب والكره والصدمة والأمل والتلذذ بالقتل والتوحش والاستمتاع بالانتقام الكثير من المشاعر التي يصعب إحصائها، في القصة الأولى رأينا بروس ويليس نجم أفلام الأكشن في الثمانيات والذي تحول إلى ممثل متكامل بالتسعينات لا ينقصه سوى اعتراف النقاد به فمن دوره الرائع كملاكم يائس في بولب فاكشن ومنقذ العالم المضطرب في 12 قرد وأرمجدون ثم الدكتور النفسي في الحاسة السادسة والقاتل المأجور منتحل الشخصيات في أبن أوى أدى بالعمل دور الشرطي العجوز (هارتغن) وكان معه مايكل مادسون بدور شريكه المضطرب (بوب) وكان قد أدى سابقاً أدوار رائعة بأفلام كوينتن تارانتينو كلاب الخزان و سلسلة أقتل بيل، وجيسكا ألبا بدور (نانسي) وكنا قد عرفناها بالمسلسل التلفزيوني الشهير دارك أنجل وحقق أخر أفلامها الرائعون الأربعة شعبية واسعة، في القصة الثانية كان هناك نجم الأكشن ميكي روك بدور العملاق المنتقم مارف ومعه جايمي كينغ بدور غولدي ، أما في القصة الثالثة فقد شاهدنا الرائع بينستو ديل تورو الحائز على الأوسكار عن فيلم ترافيك ونجم عشرات الأفلام الرائعة الأخرى على رأسها المشتبه بهم العاديون و21 غرام وقد أدى بالعمل دور جاكي بوي الشرطي السادي المهووس بالنساء وبوجهه كان النجم الصاعد الرائع كليف أوين بدور (دوات) وقد سبق له أن نال ترشيح عن فيلم كلوزر وشارك بفلم غيسفورد بارك، بالإضافة إلى الممثلات الشابات برتني ميرف و روزاورا داوسون ، بكل بساطة فيلم مدينة الخطيئة ليس مجرد فيلم أكشن أو فيلم إجرامي هو قصيدة ملحمية دموية رائعة وهو مستعد ليدخل ضمن قائمة أي متابع وأي ناقد لأفضل عشر أفلام لعام 2005 .
 

0 التعليقات:

إرسال تعليق