RSS

Munich - 2005


عام 2005 كان من أكثر الأعوام السينمائية إثارة للجدل من كثرة المواضيع السياسية التي تطرقت لها الأفلام، موضوع النزاع في الشرق الأوسط كان ضيفاً مرحباً به بثلاثة أفلام كبيرة صنعت بشكل عالي الإتقان وحققت نجاحاً كبيراً، الفيلم الفلسطيني الجنة الآن الحائز على غولدن غلوب أفضل فيلم أجنبي فيلم سيريانا الحائز على أوسكار أفضل ممثل مساعد لجورج كلوني وفيلم ميونخ المرشح لأوسكار أفضل فيلم لمخرجه الشهير ستيفن سبلبيرغ، في هذا العمل يتناول سبلبيرغ الصراع الأكثر جدلية والأكثر تعقيداً ودموية في العالم وهو الصراع العربي الإسرائيلي في خطوة لم تعتدها السينما العالمية، يبدأ بحادثة ميونخ لكنه يستمر إلى ما بعدها ويحاول ملامسة ما قبلها ويصنع تصور لمستقبلها .... عمل معقد حاول احتواء صراع فريد من نوعه عالمياً بين شعبين متخاصمين لا يمكن أن يحصل بينهما صلح ولكن بينهما الكثير من النقاط المشتركة حتى أسباب الصراع بينهما متشابهة ولكنها في نفس الوقت متناقضة كما يشبه الأبيض والأسود فللونين من أكثر الألوان نقاءً وصفاءً ولكنهما أكثر لونين بعيدين عن بعضهما وهكذا هو الصراع بين العرب واليهود ...
هذا العمل الذي يتناول هذا الصراع من الصعب – بل من المستحيل – أن يكون موضوعياً ومحايداً لأن طبيعة الصراع تفرض عدم الحيادية لذلك فقد كان من الصعب على مخرجه سبلبيرغ أن يخرجه بكامل الموضوعية ويرضي جميع الأطراف لذلك فقد عمد إلى أسلوب أن لا يرضي أحداً مستعرضاً الواقع كما هو مستعرضاً الفكر الفلسطيني والفكر الإسرائيلي بشكل حاول فيه أن لا يميز فيه أحداً على أحد وأن لا يضم صوته على أحد ولكنه لم يستطع فمشهدين مجموعهما لا يستمر خمس دقائق لا يكفي لشرح المعاناة الفلسطينية والأسباب التي تدفعهم إلى عمليات دموية وعنيفة كميونخ بينما بالمقابل كان هناك مساحة أوسع – ولو زمنياً – لليهود ليشرحوا معنى فكرة إسرائيل بالنسبة لهم وما يعنيه قيام هذه الدولة ومحاولات بين سطور العمل لتمرير فكرة اليهودي الجيد الحريص على السلم والأمن وأنه ليست طبيعة اليهود هي سبب دموية الصراع بل ظروف الصراع السياسية هي التي تجبرهم على ذلك لأنه من حقهم أن يكون لهم مكان على الأرض لا يخضعون فيه لسيطرة أحد ولاضطهاد أحد ولو كان ذلك على حساب الفلسطينيين الذين حلّوا محل اليهود في دائرة الضحية الإنسانية وتشردوا بلا مأوى أو وطن متولداً لديه شعور لا يمكن سوى لليهود الشعور به شعور عدم الانتماء للمكان الذي يدفعهم لارتكاب ما يرتكبوه لإسماع العالم صوت معاناتهم ومحاولةً لاسترداد حقوقهم وخلال تصويره لأحد عملياتهم لم يمانع من تقديمهم بشكل وحشي غير مقبول (يأكلون وينامون أمام جثة ممزقة من الرصاص كالوحوش) رغم إنه حاول فيما بعد أن لا يلتزم بتلك الصورة ويقدم لهم صورة أكثر إنسانية، سبلبيرغ ظن أنه من الممكن أن يكون حيادياً حين يحاول إبراز النقاط التي تجمع العرب واليهود – والتي تفرق بينهم بنفس الوقت – وكأنه يحاول أن يساويهم ببعضهم ولكنني شخصياً كعربي أرفض هذه المساواة كما يرفضها اليهود الذين لم يرق لهم الفيلم أيضاً ...
... سبلبيرغ الذي كان واثقاً بأنه لن يكون موضوعياً بشرح أسباب الصراع للطرفين – وهو لم يكن كذلك ولو أنه أقترب بدرجة كبيرة – فحاول التركيز على محورين آخرين برع فيهما جداً محور فلسفة الصراع العربي الإسرائيلي وتبعاته ومحور شخصي متعلق بضابط الموساد أفنر وما تخلفه تلك العملية عليه ....

يبدأ العمل باستعراض قريب للوثائقي لأحداث ميونخ ويرينا إن الصراع يتعدى الصراع السياسي ليكون صراع اجتماعي بين مجتمعين العرب واليهود وكلا الطرفين متحيزين لجماعتهما المقاتلة بغض النظر عن دوافع كل منهما ومدى أحقية ما يقومون به بالصراع حيث إن كل مجتمع مؤمن إن الحق معه ... يرينا سبلبيرغ فيما بعد رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير التي كانت منتهجة سياسة تميل إلى المهادنة والسلم ولكن ما جرى في ميونخ جعلها تدرك (إن العرب لا يريدونا أن نأخذ دورنا بصنع الحضارة لن يتوقفوا حتى يبيدونا) واستناداً لهذه الفكرة السطحية البعيدة عن التعمق أو التطرق إلى سؤال لماذا فعل العرب هذا ؟ قررت تسير عملية تهدف بالظاهر لحماية إسرائيل ولكنها بالحقيقة ليست أكثر من مجرد عمل انتقامي لتصفية 11 ناشطاً فلسطينياً معادياً لإسرائيل ولكنهم – باستثناء واحد فقط هو علي حسين سلامة- لم يكن لهم دور بعملية ميونخ ... ويتم استعراض صور هؤلاء الضحايا المستقبلين بأسلوب يتقاطع مع صور ضحايا ميونخ وكأن سبلبيرغ يقول إن المأساة التي جرت في ميونخ ستتكرر ولكن باختلاف الأشخاص ... مائير تكلف بهذه المهمة حارسها الشخصي السابق آفنر ابن بطل إسرائيلي كما يوصف ويجتمع معه أربعة أشخاص للقيام بالمهمة ستيف اليهودي المتعصب الذي لا يهمه سوى الدم اليهودي وإن أراق دم العالم كله في سبيله ، كارل العجوز الذي ضحى في سبيل إسرائيل ولكنه اليوم فقد إيمانه بها وراح ينظر لها كدولة أجنبية تخلت عن مبادئها السامية التي كان يجب أن تقوم عليها وأصبحت مصدر عنف ودم ، روبيرت خبير المتفجرات والاختصاصي بصنع الألعاب وتفكيك القنابل والذي سيكون دوره بهذه العملية صنع القنابل و هانز العجوز المهادن المؤمن بإسرائيل أيضاً ولكنه لن يستطيع احتمال ما يجري، هؤلاء سيخرجون بمهمة في سبيل وطنهم ولكن ما هو الوطن الذي يقاتلون من أجله ؟ سبلبيرغ يبرع بتصوير هشاشة فكرة الوطن الذي ينتمي إليه اليهود وطن بني على الكره ... الكره الذي يحمله العالم ضد اليهود هو من دفعهم إلى صنع هذا الوطن تحت هدف بناء وطن يعيشون به بأمان ومحبة ولكن هذا الوطن لا يستطيعون الشعور بالانتماء له ولا يستطيعون الشعور بالأمان فيه والمبادئ التي قام عليها تتداعى فهذه الدولة التي لا يدخل ضمن تشريعها الإعدام والتي تدعي سيادة القانون تتحكم بها العقلية العسكرية التي أصدرت الحكم بالإعدام على أحد عشر شخصاً استناداً إلى شبهات وبأسلوب لا يختلف عن أسلوب الإرهابيين مخترقين كل القوانين الدولية والمحلية في العالم  من أجل وطن لا يشعرون بالانتماء له وطن يحاول أفنر وهو يتحاور مع أحد الفدائيين (علي) الدفاع عن فكرته ولكن علي يصر على دفاعه عن انتمائه لوطنه وما فيه من أشياء سمع عنها من أهله من أشجار زيتون وبيوت حجرية وطينية بأسلوب يصدم أفنر الذي لا ورغم إقامته طوال عمره بإسرائيل ومولده فيها ولكنه لا يشعر بهذا الانتماء الذي يشعر به علي الذي لم يرى وطنه وعاش ببلد آخر ..

سبلبيرغ لا يكتفي بتقديم هذه الصورة بل يقدم صورة أخرى عن أهداف تلك العمليات الإسرائيلية يتلاعب بالمشاهد حيث يظهرهم في البداية بالصورة النمطية المعتادة يصورهم متوحشين ينامون في الخزن بثيابهم العسكرية الكاملة وأسلحتهم مستحضراً الصورة التي في عقل المشاهد الغربي للعربي ولكن خلال العمل يحاول تقديم صورة أخرى لهم يصور وائل زعيتر كمثقف يعيش في سلام في أوروبا ويحاول بناء جسور ثقافية مع العرب، يصور محمود همشري يعيش ضمن عائلة تقليدية ابنة ودودة وزوجة ثرثارة وهو يعيش كناشط عربي يدافع عن صورة العرب في الغرب حسين الشير شخص لطيف وودود من السهل أن يصل لقلب متحدثه لا تبدو في عينيه وملامحه – رغم قسوتهما – تلك الدموية المفترضة ، حسين علي سلامة يعيش في إنكلترا كأي شاب لا يختلف عن غيره بشيء، تقديم هذه الشخصيات واحتكاك أفنير بها يولد لديه شعور بعدم صوابية ما يفعله هؤلاء ليسوا وحوش كما تخيلهم ليسوا متعطشين للدماء إن وراء قيامهم بما يقومون به دافع لا يعرفه ولكنه يفهمه إلا إنه لا يستطيع أن يصيح به لأن ذلك سيفقده هويته التي تربى عليها والتي يقرر التخلي عنها بالنهاية ....
في المقابل وفي الوقت الذي يقوم به أفنر وفريقه بتصفية أهدافهم يتولد لديهم شعور الغربة عن وطنهم أكثر وتصبح بالنسبة لديهم إسرائيل بعيدة جداً بل هي ليست موجودة ، فإسرائيل التي ضحوا لوجودها ليست هذه إسرائيل التي كانوا يريدونها ليست هي إسرائيل التي كان المفترض – حسب وجهة نظر اليهود – أن تكون مصدر سلام في العالم أصبحت في الحقيقة مصدر دموية وعنف لا حدود له ... ورويداً رويداً أصبحوا لا يختلفون عن الإرهابيين بشيء بوجهة نظرهم يعيشون بخوف من قنبلة بالهاتف أو تحت السرير أو في التلفاز ينامون في الخزائن بملابسهم الكاملة وبأسلحتهم مستعدين أن يهاجمهم العدو بأي لحظة بينما ضحاياهم عندما صفوهم كانوا يعيشون بسلام تام ...   

سبلبيرغ يركز على فكرة إن العنف ليس حلاً للنزاعات فالعنف الإسرائيلي أدى إلى ميونخ وميونخ أدت إلى العملية الانتقامية ومع كل عملية اغتيال كانت هناك عملية عسكرية تقوم وكلما قتل قيادي لدى الفدائيين عينوا مكانه وهم يقولون (سننتظر مئة عام لدينا أطفال وأطفالنا سينجبون أطفال) إذاً أين الحل؟ بالأخص إن الحوار ليس خياراً مطروحاً فعندما يتقدمون لقتل زعيتر يخاطبهم بالعربية يطلب منهم إنزال السلاح فيرتبكون ويقتلوه ويختلط الدم بالحليب على الأرض .... وفي بيروت يقتلون رجلاً أمام زوجته وزوجان أمام أبنهما الذي يصبح فدائي هو الآخر ويدافع عن سلامة ، في تلك العملية كان معهم مجند إسرائيلي عرف عن نفسه بإيهودا باراك الذي أصبح فيما بعد رئيساً لوزراء إسرائيل وكأن سبلبيرغ يقول هذه هي مرجعية العقلية السياسية الإسرائيلية فكيف سيصبح هناك سلام ... السلام يصوره سبلبيرغ بعيد فالخلاف ليس سياسي بل أنه ثقافي أيضاً فأين الحل ؟ الحل يصوره سبلبيرغ بالعولمة فعندما لا يتفق الفلسطيني والإسرائيلي على محطة موسيقية يتجهان إلى متابعة محطة أمريكية ويا له من حل سخيف !
في نهاية العمل يقدم سبلبيرغ مشهداً يمزج فيه بين الجنس (طقس التوالد والحياة) بعملية ميونخ (حيث قتل العشرات) مقدماً تعبيراً عن آثار هذا الصراع الوحشية، سبلبيرغ يختم عمله بتصويره لأطراف عملية ميونخ كضحايا ضحايا للسياسة الكبرى ضحايا لسوء الفهم ضحايا للوحشية الإنسانية ...
سبلبيرغ يصور في نفس الوقت النزاع النفسي لأفنير بطريقة ممتازة الشخص الذي يفقد مبادئه ويشعر بهشاشتها وهشاشة وطنه الشخص الذي يفقد إنسانيته ويتحول إلى وحش من أجل مبادئ هلامية ... الشخص الغائب عن عائلته بلا أسباب مقنعة ويكاد يقتله الشوق إليهم .... هذا الشخص الذي فقد هويته وتحول إلى شكل يكرهه هذا الشخص رسمه سبلبيرغ ببراعة وأداه إيريك بانا بشكل جيد ضمن طاقم تمثيلي لا بأس به جيفري راش و دانييل غريغ (جيمس بوند الجديد) و إليت زورير (شريكة توم هانكس ببطولة فيلم ملائكة وشياطين) وماثيو كافوتيتز وماثيو أماراليك (بطل الفيلم الفرنسي بذلة الغواص والفراشة وأخر أشرار أفلام بوند) سايران لا بأس بهم بالعمل ...
على أية حال التمثيل ليس أفضل شيء بأفلام سبلبيرغ النواحي البصرية هي دوماً الغالبة بتفوقها بأفلامه التصوير والمونتاج والإخراج الفني و المؤثرات البصرية والصوتية وموسيقى جون ويليامز بغاية الإبهار يبتعد بها عن الشكل الملحمي الفنتازي المعتاد بأفلامه ليصنع عمل نفسي درامي فكري معقد وإنساني دموي .... مشاهد عديدة صنعها سبلبيرغ بعبقرية بصرية مبهرة وأفادت العمل بشكل جيد على النواحي النفسية والفكرية وصنع به إثارة وتشويق رائعان وانسجام مذهل مع حقبة العمل السبعينية .....
هذا العمل أكثر أعمال سبلبيرغ غناً فكرياً فلا هو يحوي تجارية أفلامه الخيالية والمثيرة ولا رثائية قائمة تشاندلار أو بساطة فكرة  إنقاذ المجند رايان ولكن مع ذلك فأنا أفضل ET  و إنقاذ المجند رايان وقائمة تشاندلار وفكاك عليه لعدة أسباب ذكرت أغلبها خلال هذه الرؤية في العمل، فانتقادي الأول للعمل يأتي من باب نظرة سبلبيرغ للصراع العربي الإسرائيلي فهو صحيح إنه لم ينظر للصراع النظرة التقليدية المتعصبة عن كون اليهود أصحاب فلسطين الحقيقيين والعرب معتدين عليها وبربر يريدون إبادة اليهود ورميهم بالبحر لحقدهم عليهم لتطورهم ولكنه مع ذلك أظهرهم بشكل مساوي لبعض وأن كلاهما أصحاب هذه الأرض وضحايا وهذا أمر أنا لا أقبله ولا أي عربي يقبله أن يتم التساوي بين العرب واليهود في هذا النزاع فالعرب هم أصحاب الأرض و اليهود هم المعتدين من المستحيل أن نقبل أن نساوي بين الضحية والجلاد أو أن نسلم بوجود إسرائيل كونها أمر واقع ونتخلى تبعاً لذلك عن المطالبة بأرضنا بسبب طول زمن الصراع بإمكاني أن أتي وأقتل أحدهم ثم عندما تأتي الدولة لتحاكمني ويطالب أهل الضحية إعدامي أقول لهم ما الفائدة من محاكمتي ما جرى أمر واقع والقتيل لن يعود، ثم إذا سلمنا إن سبلبيرغ ليس مطالب أن يتكلم عن قضيتنا وهذه مهمتنا وليس مطالب بإظهارنا بصورة صحيحة وإنه يجب علينا أن نشكره جزيل الشكر لأنه لم يظهرنا بشكل سيء وحاول مساواتنا مع شعبه حسناً أنا هنا أطالبه بموضوعية وحياد بالحديث عن الصراع العربي الإسرائيلي ليس لأنه مطالب بالدفاع عن قضيتنا بل لأنه هو من أختار الموضوعية والحيادية كنهج لعمله ولكنه – وإن أقترب كثيراً – ولكنه لم يصب الموضوعية وكان هناك تحيز لجانبه اليهودي تركيز على حق اليهود بأن يكون لهم أرض وتركيز على إنهم مضطهدين من كل الشعوب حتى بعد أن أصبح لهم وطن وفي بعض الأحيان كان يغمز بشكل غير واضح إلى حقهم باستعمالهم العنف للدفاع عن نفسهم لأن كل شعوب الأرض لا تمانع العنف ضدهم (الأمريكيين يتعاونون مع علي سلامة منظم التفجير في ميونخ) بينما لم يعطي نفس المساحة للعرب لتبرير قضيتهم، ثم إنه ورغم انتقاداته لإسرائيل أعلى من شأن اليهود وأكسب بطله اليهودي صفات بطولية فهو مستعد أن يلغي عملية من أجل إنقاذ طفلة ويهرع عند تفجير مبنى لإنقاذ بعض المدنيين ويقوم بعملية خاصة من أجل الانتقام لشريكه المقتول ، ويشعر بتأنيب الضمير بعد القتل ويصر على أن هذه ليس أخلاق اليهودي وليست مبادئ اليهودي واليهودي أسمى من هذه الأفاعيل ، وبعد أن يلمس أفنير بشاعة الصراع يقرر الاعتزال وترك الصراع بينما العرب لا يشعرون بالندم عن عملياتهم ويعيشون حياة طبيعية يتزوجون ويختلطون بالمجتمع ويستمرون بارتكاب العمليات – التي يصفها الغرب بالإرهابية – دون تميز بين مدني أو عسكري أو طفل ودون أي تأنيب ضمير، قد يظن البعض إن السبب هو إن أفنير كان لا يشعر بالانتماء بإسرائيل وهذا هو سبب النزاع الأخلاقي الذي يعيشه ولكن شعور أفنير بعدم الانتماء ظهر متأخراً بينما تأنيب الضمير وتأكيده على عدم قتله للمدنيين ظهر مبكراً ...

كما إن سبلبيرغ خلال العمل تجاهل متعمداً النزعة الدينية المتعصبة لليهود وإن اليهود قبل كل عملية عسكرية يقومون بها لديهم طقوس دينية وقراءة توراة وصلاة وما إلى ذلك فهم لا يقومون بعمل عسكري بل بواجب ديني ونزعة تأنيب الضمير والحفاظ على حياة المدنيين لدى أفنير مفتعلة فهم من على مقاعد الدراسة يتعلمون إن قتل العرب من صغار وكبار وقتل أي شخص في سبيل إسرائيل ليس حق لهم فقط بل واجب عليهم ، على أية حال حاول سبلبيرغ تجاوز ذلك بتركيزه على النزعة الدموية لدى ستيف و .... وكأنه يقول ليس كل اليهود دمويين وهناك يهود طيبين وسيئين، كما تجاهل في نفس الوقت نشأة إسرائيل والمجازر والدم الذي سفكه اليهود في سبيل إنشاء وطن لهم ولم يتطرق لهذا الجانب سوى بشكل سطحي ببعض عبارات الحوار وكان مصيباً بكل ذلك لأنه لو تكلم بموضوعية وحيادية كاملة عن الصراع العربي الإسرائيلي و أظهر معاناة الفلسطينيين بشكل كامل وأسهب بوصف مجازر إسرائيل في نشأتها ولم يغرق بالحديث والوصف عن عملية ميونخ التي أودت بـ 11 إسرائيلي بينما لم يتطرق لآلاف العرب الذين قتلوا عام 1948 والذين ما زالوا يقتلون حتى اليوم بشكل دوري لكان سيجبر على إعلان إن فلسطين للعرب وإن اليهود معتدين ووجود إسرائيل وجود باطل وعندها كان سيخسر كل قيمته السينمائية وكل احترامه الدولي ...  ثم تقديمه لمصدر المعلومات الفرنسي بشكل سخيف وكرتوني كعائلة كرليون وأفتعل دراما سخيفة بين الأب وأبنه ...
على أية حال هذا العمل من المستحيل على أي أطراف الصراع أن تكون راضية عنه حتى اليهود رغم إنهم لم يغبنوا فيه كما غبنا ولكنه مع ذلك تجربة جيدة ربما نستطيع الاستفادة منها لتقديم صورة حقيقية عن شعبنا كما يمكننا أن نخضع قائمة تشاندلار للدراسة وإظهار مدى تأثير الإعلام والسينما تحديداً عن صنع الرأي العام وكسب التعاطف الجماهيري اتجاه قضية معينة




0 التعليقات:

إرسال تعليق