RSS

Toy Story 3 - 2010


العام الماضي حين شاهدت هذا الفيلم لأول مرة لم اشعر نحوه بالإنبهار الذي شعر به غالبية الجمهور السينمائي، كان رأي فيه إيجابي إنه فيلم ممتاز جداً ومن أفضل أفلام عامه ولكنه ليس كما صوره البعض ذروة إنجازات بيكسار، كانت مشكلتي مع الفيلم هي بكل بساطة إنني لم أشعر نحوه بالاستثنائية التي عشتها مع الأجزاء الأولى والتي شكلت بالنسبة لي جزءً هاماً ليس فقط من متابعاتي السينمائية الأولى بل ربما من طفولتي كلها، البارحة أحببت أن أعيد الفيلم، ليس من أجل شيء فقط حالة الشوق الاعتيادية التي تنتابني دائماً اتجاه وودي وباز وعدم توفر أي جزء لدي سوى الثالث جعلتني أعيد الفيلم دون أن أخلق عنه أي توقعات مسبقة كحال المشاهدة الأولى، ومع الإعادة شعرت إني أشاهد فيلم آخر جديد كلياً ومميز عن الفيلم السابق ، ما زلت على رأي الأول إنه ليس مثل سابقيه استثنائي أو ثوري ، فيه الكثير من الأمور المقلدة منهما ولكن هذه المرة لم أشعر بتلك الأمور كسلبيات بقدر ما هي إيجابيات ساهمت بإعطاء الفيلم ذلك الرونق الجميل الرائع الذي يجعله فعلاً عملاً على مستوى السلسلة العظيمة و أحد روائع بيكسار الحقيقية وربما مع الجزئيين الأولين من هذا العمل أفضل ما أنتجته بيكسار على الإطلاق وبصراحة لا أبالغ إن اعتبرتها أفضل ثلاثية سينمائية بالنسبة لي فهي الثلاثية الوحيدة التي أمنح كل أجزائها الدرجة الكاملة بينما العرّاب والمبيد فقط جزأهما الأوليان نالا الدرجة التامة وسيد الخواتم فقط جزأه الأخير منه حقق الـ(10) ..
 
الإصرار على التقليدية واستعارة رموز هامة من الفيلمين الأوليين يُبرر ويُشجع هنا بل ويصبح مقبولاً جداً حين نفهم الأسباب الحقيقية التي دفعت بيكسار لصنع هذا الفيلم وما يمثله لها، وربما من الأفضل أن نعود لنشأة بيكسار، فخلال تاريخ السينما هناك أفلام ومحطات تعتبر نقلات جبارة بعالم هذا الفن ولادة أمة لوارك غريفيث أول فيلم ملحمي حقيقي سينمائي يبرز أهمية المونتاج والتصوير والكوادر السينمائية الضخمة، فيلم صوت الموسيقى أول فيلم ناطق بالكامل، فيلم المواطن كين لأورسن ويلز عام 1941 عمل أحدث ثورة بعالم السينما على صعيد الصورة والمونتاج والسيناريو ورسم الشخصيات واستقلالية الاستديو، فيلم عربة تدعة الرغبة لكازان عام 1951 وثورة الأداء التمثيلي مع مارلون براندو فيلم حرب النجوم 1977 وثورة الخيال العلمي الشعبي الملحمي و مؤخراً أفتار وثورة الثلاثية الأبعاد وبينها عام 1995 قدمت بيكسار أول فيلم رسوم متحركة مرسوم بالكامل على الكمبيوتر وهو حكاية لعبة، فيلم كلاسيكي حقيقي تم اعتباره المواطن كين بالنسبة لعالم الأنيميشين بفعل الثورة التي حققها بذاك العالم والتي غيرت وجهه كاملاً  واكتسح شبابيك التذاكر وحاز على ثناء نقدي استثنائي لم يحظى بمثله فيلم منذ عقود وربما هو من الأفلام النادرة التي تحظى بإجماع كل ناقد بالعالم على استحقاقه الدرجة الكاملة، ليس فقط من عظمة الصناعة التقنية بل العمق في السيناريو المبهر قدرة الخيال الاستثنائية فيه ومحاكاته الممتازة لذلك العالم الافتراضي الخيالي والقيم والأفكار التي يقدمها النص، بعد ثلاث أعوام قدمت بيكسار جزئها الثاني من تحفتها والتي حظيت أيضاً بنفس الإجماع النقدي والجماهيري الذي جمعه أخوها الأكبر بل إن البعض يعتبر إنه يتفوق على جزأه الأول وربما لأجل ذلك تحلو لي أن أسميه العرّاب الجزء الثاني لعالم الأنيميشين ....

بين عامي 2000 و 2010 أو ما يسمى العقد الماضي هو بكل بساطة عقد بيكسار الذهبي، الاستديو الخلاق هذا خرج من صندوق ألعاب أندي وغرفته إلى مختلف العوالم الغريبة والمحببة التي صنعتها مخيلة عباقرته، وثورتهم صبغت عالم الأنيميشين كاملةً وألهمت لصنع أفلام مبهرة بنفس الذكاء والثورية المبهجة (شريك و الأقدام المرحة و عصر الجليد و كونغ فو باندا و رانغو مؤخراً كأمثلة) أفلام الأنيميشين لم تعد مجرد اقتباسات عن حكايا شعبية بيكسار صنعت أساطيرها الشعبية الخاصة، خلال عشر سنين حققت المليارات نالت ست جوائز أوسكار في مجال الأنيميشين من أصل تسعة (و خسرت ترشيح  مستحق جداً وبشكل مفاجئ عام 2006 عن Cars) ترشح أثنين من أفلامها لجائزة أفضل فيلم ونالت العديد من الترشيحات والجوائز الفرعية، وربما إن أحببت أن أجيب عن سؤال عن الفيلم الذي أتوقع إنه سيصبح كلاسيكي وسيبقى حياً مع مضي عشرات السنين فسأجيب باسم أحد أفلام بيكسار العظيمة، أفلام الاستديو المبدع دخلت عوالم الوحوش سبحت مع الأسماك حلقت مع الخارقين سابقت السيارات طبخت مع الفئران عشقت مع الآلات عاشت الشباب مع العجائز وأبهرت كل مشاهد مهما كان عمره بجمال الصورة وعمق النص وقيمته وسحر الموسيقى عشنا معها عوالم شديدة الروعة والجمال، في ختام العقد البيكساري المبهر أحب صناع هذا الأستديو العبقري أن يهدونا جزء آخر وأخير من حكاية لعبة، ليس فقط كخاتمة مبهرة للحكاية العظيمة التي عشناها في التسعينات بل أيضاً كخاتمة لعقدها الذهبي ووعد بتقديم المزيد من الإبداع ...
إذا كان الجزء الأول هو المواطن كين والثاني هو العرّاب الجزء الثاني فالثالث هو عودة الملك لعالم الأنيميشين الخاتمة المبهرة المنتظرة طويلاً جداً لهذه القصة الرائعة ولجميع قصص بيكسار، أغلب عباقرة ذلك الاستديو اشتركوا بصناعته الإخراج تولاه لي يونكريش (أحد مخرجي أفلام شركة المرعبين والعثور على نيمو و حكاية لعبة 2) وكتب سيناريو العمل بالتعاون مع جون ليستر (مخرج حكاية لعبة 1 و2 و حياة حشرة و سيارات) وأندرو ستاتون (أحد مخرجي أفلام حياة حشرة ومخرج العثور على نيمو وول اي)  لينتجوا لنا أحد أكثر أفلامهم قيمة وشاعرية وذكاء وسعة خيال، نعم هذا الجزء يحوي الكثير من الجزئيين السابقين بشكل متعمد وكأنه يريد لنا أن نتذكر عظمتهما وعظمة بداياته فيه ليجعله لا فيلم حكاية لعبة بل فيلم بيكسار كاملةً يجعلوه شيء أكبر من فيلم يجعلوه تجربة حنينية نعيشها بكل تفاصيلها مع هوس باز بإنقاذ المجرة إيمان وودي إنه الصديق الوحيد والحميم لأندي لعبة الدب الوردي الشرير المصدوم نفسياً محاولة الألعاب الابتعاد عن أندي والبحث عن مكان جديد لها بعد أن شعرت إنه تخلى عنها أزمة جيسي النفسية مع خوفها من الفقد والتحول إلى مجرد دمية عرض مجدداً وإخلاص زوجي البطاطس لبعضهما كل ذلك أعاد صناع الفيلم عمداً تقديمه ليجعلوا جزأهم هذا هو الجزء التكريمي لتحفهم بالأخص إن كل مشاعر الصداقة والمغامرة وطموح تحقيق الذات وقيم العائلة والتعاون وخيال عوالمهم ولهيب مغامراتهم والحنين للماضي موجود بهذا العمل بشكل أفضل مما شاهدناه وعشناه في روائعهم القديمة، ليس فقط هذا الجزء تكريماً لبيكسار العظيمة بل تكريم لعقد سينمائي عظيم شهد سلاسل سينمائية شديدة الإتقان والجمال بالأخص مهمة مستحيلة التي أشار لها صناع العمل ليس فقط بمشهد واحد صريح وجميل مع سقوط وودي الكروزي الشهير بل أسلوب عرض التخطيط والهرب من حضانة الأطفال يعيد لنا إثارة مهمة مستحيلة الرائعة (وشيء من إثارة عصابة أوشن) واختيار مهمة مستحيلة بالذات هو أمر متعمد كون أحد عباقرة الأنيميشين براد بيرد (مخرج المذهلون وراتاتويل) خرج عن عالم الأنيميشين ليخرج الجزء الرابع من مهمة مستحيلة، رموز بيكسار السينمائية مرمية هنا وهناك بكل مشاهد العمل عودة باز فاقد الذاكرة تذكرنا بعودة بورن كلامه بالإسبانية ودماثته ورومانسيته مع قوته يرسم لنا صورة فضائية لزورو ومشهد الاتجاه نحو الصهر بكل ما فيه من إثارة ومشاعر حزينة ومشوقة وشكل الفرن كله يذكرنا بمصير فرودو وسام بعد حرق الخاتم في خاتمة ثلاثية جاكسون الفنتازية العظيمة، بل حتى إن أفلام الشذوذ التي صبغت بزحمتها الألفية الحديثة حضرت بهذا العمل بشكل مبطن وساخر من خلال شخصية (كين) ...

على أية حال رغم كل الذكاء والتشويق والإتقان البصري الذي شاهدناه بهذا العمل فإن ما يجعل للعمل قيمة عالية جداً بالنسبة لي وربما من أفلامي المفضلة هي تلك المشاعر العظيمة التي يزرعها هذا بقلب المشاهد قدرته على التأثير به وإلغاء جميع الحواجز بين خيالية العالم الذي يقدموه و العالم الحقيقي وقدرتهم على التعمق بعوالم الألعاب ونفسياتهم المفترضة بشكل وافي ومذهل وكأنها مخلوقات حقيقية والاستمرار بصنع تفاصيل مبهرة جديدة لهذا العالم على نفس مستوى الأجزاء السابقة، افتتاحية العمل الأنيقة والعظيمة هي أشبه برحلة للطفولة لأيام لعبنا بدمانا لدخولنا ضمن مخيلتنا التي كانت كل عالمنا والتي كانت شديدة الخصوبة قبل أن تجعلها التقدم بالعمر والهموم المتوالية تضمحل بل وتتلاشى ، ثم انتقال للحاضر حيث أصبح أندي شاباً يستعد للذهاب للجامعة وعليه التخلي عن ألعابه وطموح تلك الألعاب لشيء واحد أن يلعب بهم لمرة أخيرة فقط، بهذه المرحلة تقدم بيكسار سحرها الحقيقي حيث تشعرنا بمدى حنين الألعاب لماضيها بمدى شوقها لأندي بمدى شعورها بخيبة الأمل والخسارة وانعدام القيمة ثم تتولد لهم صدمة حين يتوهمون إنه يريد رميهم ليقرروا الثورة والهرب للعثور على مكان حيث يمكن أن يعثروا على من يلعب فيهم ويشعرهم بأهميتهم وقيمتهم الحقيقية ولكن وودي صديق أندي الحقيقي وأكثر من يعرفه يدرك إن ما يفعلوه خطأ ويحاول ثنيهم عن قرارهم يحاول جاهداً أن يجعلهم يشعرون بقيمة صداقتهم الحقيقية وكم هم يعنون لأندي رغم تقدمه بالسن ...
هذا العمل من أكثر ما شاهدته إثارة للمشاعر مشهد بحث أندي عن جهازه المحمول، مشهد نظر وودي لصوره القديمة مع أندي مشاهد الوداع الاخيرى بين الشخصيات بيكسار تلعب بشكل رائع على تقنياتها لتجعل لملامح الألعاب الجامدة تعابير حية واقعية تكاد تنطق وتثير أحاسيس المشاهد وهنا ربما تنجح بذلك بشكل تتجاوز فيه كل ما تقدمه، بيكسار تصنع عملاً شديد الإثارة والتشويق والإمتاع يجعل قلب المشاهد يعتصر يجعله على حافة الكرسي يجعله ينقلب على ظهره من الضحك، مشاهد الألعاب في الحضانة شديدة التشويق والإثارة والتوتر الموزون والمضبوط وكأنه فيلم رعب، سخرية العمل من كين وشذوذه تثير الضحك بشكل رهيب وبنفس الوقت شديدة الذكاء صحيح إنها خطوة جريئة لفيلم أطفال ولكن مبطنة ولا يمكن سوى للكبار فهمها وبيكسار تدرك إن جمهورها الراشد أكثر من جمهورها الصغار ومشاهد البطاطس شديدة الإمتاع والفكاهة أيضاً..
خبرة بيكسار التي حازت عليها في السنوات الماضية في مجال الصناعة فجرته هنا، ليس فقط جودة وإتقان السيناريو بل أيضاً على صعيد الصورة الألوان البراقة مشاهدها التصويرية لحظات عودتها للماضي تلاعبها بملامح شخوصها وصنع لحظات الإثارة ومشاهد الحركة المشوقة والذكية والمبهرة وتفاصيل الأماكن وعقلية الشخصيات كله قدمته بيكسار بشكل معتاد الإذهال بل وأكثر جودة وذكاءً، فيلم الأنيميشين العظيم لا يكتمل بدون الأداءات الصوتية العظيمة وهذا ما قدمته بيكسار هنا مع عودة الأسطورة توم هانكس والمميز تيم ألان ليقدموا صوتي وودي وباز بشكل يتجاوز حدود إتقان الأداء الصوتي ليعيشوا الدور بكل تفاصيله وملامحه الرائعة ..

هذا العمل هو الخاتمة التي فعلاً انتظرها عشاق الفيلم كل الشخصيات لها مساحتها المناسبة لتكون مؤثرة هذا ليس فقط فيلم وودي وباز كل الشخصيات هنا مهمة وفعالة ومؤثرة ثم مشاهد الختام شديدة العظمة شديد الشاعرية من أكثر المشاهد تحريكاً للقلب والدموع، هي اللحظات التي انتظرها عشاق السلسلة والتي توقعوا مشاهدتها حين يقدم أندي ألعابه للفتاة الصغيرة و يلعب بهم معها للمرة الأخيرة وتصوير تلك اللحظات بشكل شديد الشاعرية والتأثير وتقول بها بيكسار لجمهورها إن هذه نهاية حقبة هذا الفيلم مهداً إلى الجمهور الذي واكب نهوض هذا الاستديو وأعماله العظيمة، ربما أصبحوا أكبر بالسن، ربما لن يستطيعوا متابعة الأنيميشين كأيام الطفولة، هذا العمل هو فرصتهم الأخيرة لعيش أيام الطفولة ليستذكروها ليودعها ربما ولكن ذكرياتها ستبقى موجودة وذلك الأرث الذي خلفه جيلنا جيل الأطفال الأمس ستنقله بيكسار للأجيال القادمة التي سيكون لها لحظاتها الخاصة الجديدة مع سينما الأنيميشين الرائعة ولكن أشك إنه سيكون هناك فيلم بعظمة وجودة حكاية لعبة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق