RSS

Synecdoche New York - 2008


فيلم (Synecdoche New York  – لائحة وفيات نيويورك) للكاتب تشارلي كوفمان في أولى محاولاته الإخراجية لم تلقى نصيبها المستحق من النجاح رغم إنه من أحد أكثر الأفلام عمقاً وغرابة بالأسلوب حاله حال كل النصوص السابقة التي قدمها كوفمان (أن تكون جون مالكوفيتش – اقتباس – إشراقة أبدية على عقل بلا ثغرات) ولكن احتلاله اليوم موقع المخرج أضاف الكثير إلى عمله هذا من أشياء لم يكتبها ولا يمكن التعبير عنها سوى بالصورة التي أبدع بها كوفمان وظهر كمخرج مخضرم رغم إن هذه أولى محاولاته كمخرج ..
الفيلم يتحدث عن كيدان كوتارد (فيليب سميوري هوفمان بأحد أفضل أدواره وأكثرها تعقيداً) مخرج مسرحي في منتصف العمر يعاني أزمة وجودية هاجسه الموت وشعور بداخله إنه سيموت قريباً وإن بداخله مرض عضال يكبر وسيقتله وإنه لا يوجد بعد هذه الحياة شيء ويعيش مع هذا الوهم والهاجس طوال حياته ويحضر جنازات كل من يعرفهم حتى يبقى وحيداً بهذا العمل دون أن يستطيع أن يشعر بها بالراحة والسعادة رغم زواجه من إمرأة جميلة ومثقفة (كاثرين كينر) وإنجابه لطفلة ذكية ورغم حياته المسرحية الناجحة ولكنه لا يستطيع الشعور بالسعادة لشعوره باقتراب الموت منه مما يجعله يدمر كل من شيء من حوله بلا هدف، كيدمان يحصل على منحة العباقرة ويسخرها ليصنع مسرحيته الخاصة مسرحية يقرر إنه سيفجر بها ثورة ويجعلها من الأعمال الهامة دون أن يعرف ماذا سيقدم فيها باستثناء فكرة الموت والتعايش معها، ومع استمرار عمله يكتشف إنه يقدم قصة حياته في تلك المسرحية دون أن يعرف كيف سيرويها أو كيف سينهيها ويتوقف عند فكرة العنوان ويستغرق التفكير به عقله دون أن يعرفه وتصبح أحداث المسرحية يومياته بتعقيدها ويقدم ممثلاً يقدم دوره وآخر يقدم دور من سيقدم دوره وهكذا حتى ينتهي به الأمر صانعاً صورة مصغرة عن عالمه وعن حياته ولكن وكما في حياته الحقيقية وعالمه الحقيقي يكتفي بدور المشاهد جاعلاً كل من حوله يتحكم بمصيره وحياته وكل من حوله يعيش حياته ويحقق طموحه وهو يراقب فقط وينتظر أن يموت ويستمع لأوامر كل من حوله بدءً من تدخلهم بأقل تفاصيل مسرحيته إلى إجباره على قضاء لياليه بتنظيم الحمامات أو أن يعترف بأنه شاذ أو أن يتحمل تهمة هجران عائلته إلى أن يرضى أن تسير مسرحيته حسب أهواء مساعدته وممثلته ويرضى أن يدخل شخص من الشارع إلى حياته ويتحرش بزوجته ويقاسمه كل شيء لأنه ممثل يؤدي دوره ويجب أن يدرس الشخصية حتى تستولي ممثلة ثانوية على عقله وعبر سماعة توجه له الأوامر والتوجيهات ليعيش كما هي تريد ليعيش حياته ويهمل حياته التي قضاها كميت يمشي ..
تشارلي كوفمان وكما في نصوصه السابقة يصنع فيلمه كصورة بأسلوبه المحبب نفي الحاجز أو الفاصل بين الوعي واللاوعي عند الشخصيات وإدخالنا بدوامة الوهم والحقيقية والأفكار والواقع ولكن مع ذلك يبقى المشاهد على تواصل مع أفكاره ومحتوى عمله، كوفمان يصنع عالماً غرائبياً واقعياً مبهراً ليست غرابته عدم واقعيته بل غرابة أطوار شخصياته كيف يتواصل كيدين مع ابنته كيف يدخل سامي بحياته كيف يتابع أخبار زوجته كيف يتلقى علاجه النفسي وتتواصل أفكاره مع طبيبته كيف يتم تصوير مخاوف هيزل من الموت، المعرض الغريب الذي يحضره تجسسه على حياة زوجته السابقة شكل المسرح الذي يعمل به، كوفمان يبدأ عمله بانضباط كامل ويتصاعد به تدريجياً إلى غرائبيته المحببة هو يحوي عناصر من أفلامه السابقة العظيمة قضية الهيمنة على العقل والتحكم بحياة آخر لتجاوز مخاوفنا بالحياة من (أن تكون جون مالكوفيتش) هاجس العمل الآدبي الذي لم يكتمل وهاجس الموت القريب من (اقتباس) البحث عن الطرف الآخر الكامل الوهمي غير الموجود إلا بالعقل (إشراقة أبدية على عقل بلا ثغرات) هو اشبه بأفلام وودي آلين ولكن من وجهة نظر كوفمان الخاصة أكثر كئابة ومقتاً وهذا أمر منطقي حين نتحدث عن شخص هاجسه الموت وكوفمان يبدع بالتعبير عن هذه الفكرة ودراسة كافة أبعادها ونتائجها وصنع عبرة عن ضرورة الاستمتاع بتفاصيل الحياة الصغيرة عن ضرورة عيش الحياة والعمل على اكتشاف النجاح الحقيقي بالذكريات الجميلة، العمل حوى طاقم تمثيلي رائع جداً ليس فقط هوفمان المتفجر ابداعاً فكاثرين كينر (عملت مع كوفمان في أن تكون جون مالكوفيتش ومع هوفمان في كابوتي) و ميشيل ويليامز وسامانثا مورتن وهوب ديفيز وإيميلي واتسن حتى المغمور توم نومان والصغيرة ساديا غولدشتاين كانوا جميعاً متألقين بشكل مميز جداً. 
 

0 التعليقات:

إرسال تعليق