RSS

The Social Network - 2010


لا يمكن إنكار إن فيلم الشبكة الاجتماعية - The Social Network كان أنجح أفلام 2010 ولا يمكن إنكار إن هذا أمر مستحق ففينشر صنع فعلاً أحد أفضل أفلام السيرة الذاتية - أو أفلام الحوادث العظيمة إن صح التعبير - و أفلام الدراما النفسية في السنوات الأخيرة، فيلم لم يخطئ من جعله بمكانة واحدة - أو بصنف واحد - مع فيلما سكورسيزي وأندرسون الطيار و سيكون هناك دماء ففينشر ينجح بجعل قصة ابتكار الفيسبوك حدثاً هاماً من الحوادث التي غيرت وجه التاريخ كتطور الطيران و السينما ووسائل الاتصالات واكتشاف النفط والطاقة الحديثة في بدايات القرن العشرين ، فينشر يصنع فيلمه الرائع هذا بعيداً عن بذخ طيار سكورسيزي وكآبة دماء أندرسون ولكنه لا يقل عظيمة وقوة في البناء عنهما هو بسيط وسريع وممتع جداً ومبهج بشكل غير متصور متجاوزاً بذلك صفات فيلمه السابق بنجامان بوتون الباذخ ذا الرتم البطيء الهادئ .
 
يبدأ الفيلم عام 2003 مبتكر الفيسبوك المستقبلي فرانك زكربيرغ في موعد غرامي مع إريكا البريت وضمن مشهد حوار طويل ومتقن جداً يستمر عدة دقائق يكشف به فينشر العديد عن صفات بطله وعقده، فرانك زكربيرغ العبقري المضطهد كما يظن نفسه معدل ذكائه متفوق وغروره يتجاوز عبقريته وشعور مصاحب لهما إنه مضطهد بفعل تلك العبقرية حيث لا أحد يفهمه والجميع يحسده ، هذه العقد تسبب فقدانه لحبيبته التي تنهي لقائه بكلمة : (ستقضي طوال حياتك مهووس بالكمبيوتر تعتقد إنه لا يمكن أن تحبك فتاة بسبب عبقريتك الحقيقة إنه لن تحبك أي فتاة لأنك حقير) الحقارة التي يعتمدها زكربيرغ بحياته ليست سوى وسيلة دفاعية يعتمدها لمجابهة الناس الذين يعتقد إنهم أعدائه بينما هو كما تقول له إحدى الشخصيات : (لست شخص وضيع ولكنك تعمل جاهداً لتكون كذلك) الهوس بأن يكون شخصاً وضيعاً يشبه هوس أي إنسان بالشخصيات الشريرة الشهيرة - كالجوكر وهانيبال لكتر وهتلر - هوس الضعيف بالأقوى والأذكى الذي لا يقف أمامه شيء ويهزم الجميع حتى لو كان شريراً ربما أن يكون شريراً يعني أن يكون متفرداً عن غيره أو مميزاً عنهم وبنفس الوقت أن يكون مضطهداً كما يشعر هو ومن هذه النقطة وهذه البداية يدخلنا فينشر في رحلة بحث للنفس الإنسانية الوحشية مرافقاً بعرض رائع لأحد الاكتشافات الأشهر اليوم.  

قد يعتقد البعض إن فينشر لجأ إلى إخراج فيلم الفيسبوك هذا لمجرد التنويع أو سعياً لحصول نجاح تجاري سهل مستند على سمعة الموقع الشهير ولكن الفيلم بصراحة لا يختلف أبداً عن أفلام فينشر السابقة وربما أقرب أعماله إليه، ففينشر المبدع بصنع قصص عن أشخاص غير قادرين على إقامة تواصل مع مجتمعهم أو لا يشعرون بتقدير لذاتهم ويحاولون التغلب على ذلك بصنع عوالمهم الخاصة التي ينتمون لها (شاهدنا ذلك في سبعة ونادي القتال و زودياك وبينجامين بوتون) ومعه تبدو قصة ابتكار الفيسبوك وما وراء هذا الابتكار موضوعاً مناسباً له جداً وفينشر نجح بشكل غير معقول باللعب على هذه النقطة والإبداع فيها صانعاً فيلم هو أفضل ما قدمه خلال السنوات العشر السابقة فينتقل بالصورة سريعاً وبشكل متوالي بين مشاهد لطلاب جامعيين يعيشون الحياة الجامعية الجامحة بكل ما فيها من لهو ومرح وسعادة ومشاهد لفرانك وصحبه ملتصقين خلف جهاز الكمبيوتر يحالون اختراق الشبكة الحاسوبية للجامعة والسخرية من الطالبات والحط منهن كرد فعل غير معلن للإهانات والاضطهاد المستمر الذي يعانونه، وحين يدرك فرانك إنه لن يصبح أبداً من الشباب المحبوبين في الجامعة رغم عبقريته ولن ينتسب أبداً لنوادي النخبة رغم تميزه عن كل من حوله - على الأقل باعتقاده - يقوم بابتكار الفيسبوك النادي الذي يستقبل الجميع والذي سيكون فيه هو القائد والعالم الذي يتحكم به ويكون من خلاله هو الشاب المميز ونجاحه المبهر في الفيسبوك ينعكس على حياته الخاصة يجعله أحد الشخصيات الأكثر شعبية في الجامعة ومحبوباً من الجميع ويحقق ما حلم به دوماً وهنا ينتقل فينشر إلى نقطة رائعة وهي الضريبة التي سيدفعها فرانك ليحافظ على بقائه في القمة والحفاظ على انجازه.

الفيلم يحوي صناعة نفسية رائعة لشخصية فرانك زكربيرغ يصل بها فينشر إلى مستوى إبداع كوبولا و سكورسيزي و فورمان و أندرسون في العراب 2 والثور الهائج وأماديوس و سيكون هناك دماء يلامس من خلال هذه الشخصية الجانب الوحشي للإنسان يلامس فيه الحسد الشعور الذاتي بالاضطهاد وعدم التقدير الطموح غير المحدود والوحشية التي يفجرها النجاح، يلامس العزلة النفسية بشكل غير مسبوق ، فيلم فينشر هو الأصعب بين الأفلام السابقة تلك لأن الشخصية التي نتحدث عنها ليست فقط حديثة العهد بل بقمة نجاحها وتألقها وإنتاجها وانجازها لم يفتر بعد والمعلومات حولها ما زالت غامضة يلم وغير واضحة هذه الصعوبات التي عانى منها فيلم أوليفر ستون السيئ (( w  تجاوزها فينشر حين لم يلجأ إلى المباشرة ولم يهتم بالحديث الصريح اعتمد على ممثله الرائع جيسي ايزنبيرغ ليشرح بأدائه أشياء يخفيها النص فموقفه من التوأمين تايلر الذين أوحيا له بالفيسبوك وسبب تصرفه معهم يبدو واضحاً نبرره حين نشاهد ملامح وجه جيسي وهو يتأمل قامتهما العريضة وملامحهما الوسيمة وملابسها الفاخرة ويسمع اسم عائلتهما الراقي ويسمع منهما كلمة (عضوان بفريق التجذيف) ويصبح موقفه اللاحق من صديقه إدواردو مفهوماً حين نتذكر انطباعه وردة فعله على خبر دعوته لنادي المميزين، شخصية فرانك يقدمها جيسي وفينشر وورائها كاتب النص المبدع ارون سوركين (كاتب مسلسل الجناح الغربي وأفلام بضعة رجال جيدين و حرب تشارلي ويلسون و الرئيس الأمريكي) بشكل واضح وعميق ومكشوف ماسحاً عنها كل الغموض والسرية الشهيرة عنها، فهذا الشخص المعزول اجتماعياً العبقري فوق الجميع والحاقد على جميع والشاعر باضطهاد جماعي والمهووس بالنجاح والأضواء أكثر من كل الملايين والدولارات يستجيب لعرض شون باركر ليس من أجل نصف مليار التي وعده بها - لو وعده بنصف مليون لكان قبل - لكن لأنه وجد به الشخصية التي يتمناها الشاب الفقير الذي نجح بفضل عبقريته أن يصنع المليارات وأن يصبح شخصية اجتماعية مخملية ومحبوب ويجذب له أي فتاة يريدها، هو استجاب لعرضه فقط وتبنى كل ما قاله لأنه يريد أن يكون مثله أن يكون هو ورضي بكل أفكاره المجنونة والدنيئة من أجل ذلك ولكن وبمشهد عبقري وأداء خلّاب من جيسي يدرك إنه لن يكون أبداً كشون باركر واستمراره معه بعني إنه سينتهي وينتهي كل نجاحه معه فكان تغيره المخيف نحوه.


الفيلم لا يشرح فقط العوالم الوحشية الغامضة لشخصية فرانك بل يقدم أيضاً ما يريد الجمهور أن يراه كواليس صناعة الفيسبوك والسر وراء السلعة الأكثر شعبية اليوم فينشر و سوركين ينطلق من نقطة محاكمة فرانك من قبل شريكه أدواردو والأخوين تايلر ويعود بلحظات مونتاج ممتازة إلى مراحل صنع الفيسبوك يعرض القصة بحيادية ممتازة من وجهة نظر جميع الإطراف ويقنعنا إنهم جميعاً ساهموا بهذه الصناعة وكان لهم دور مهم بذلك ولكن فينشر ينجح بجذب المشاهد من فضوله حول صناعة الفيسبوك ليجعله يهتم أكثر بالضريبة وراء هذا النجاح يهتم بالثمن الذي دفعه الجميع انهيار صداقة إدواردو وفرانك وتخلي الأخوين تايلر عن قواعد (الجنتلمان) وانحدارهم إلى الشكل الذي لا يريدانه، يصور لنا الحقد والحسد والشعور بالظلم الاجتماعي والعزلة إلى أين ربما أن يصل بالإنسان ويختم عمله بمشهد إبداعي مشهد قبل ظهوره تحافظ على رأيك إن الفيلم جيد جداً ولكن حين يعرض ذلك المشهد الذي لا يستمر سوى أقل من دقيقة لا تستطيع سوى أن ترفع العمل إلى مرتبة الممتاز والتحفة مقدماً فينشر خاتمة لا تقل جمالية عن خاتمة سيكون هناك دماء (الجنون) والطيار (الطريق للمستقبل) الراحل (الجرذ) و المواطن كين (الزلاجة) خاتمة تلخص كل ما يريد الفيلم قوله وأكثر .
الفيلم يأخذ طريق الروائع الكلاسيكية يحاول أن يناقش عدة أفكار بوقت واحد وبزمن قياسي وأن يكون مستوفياً للفكرة وهو ينجح بذلك ، فلا يتوقف عند العوالم الإنسانية الوحشية وضريبة النجاح وعالم مدمني الحاسوب والعباقرة، بل ينجح بتصوير إن ولادة الفيسبوك هي بداية عهد جديد ويلقي الضوء معها على قيمة وأهمية الاتصالات اليوم والدور الذي تلعبه في العالم يلقي الضوء على هيمنة ثقافة الجنس في العالم التي أصبحت اللاعب الرئيسي في كل المجالات حتى لدى أرقى الناس وأكثرهم ثقافة بل إن الهدف الرئيسي من ابتكار الفيسبوك كان تسهيل عملية التعرف والمواعدة لدى الشباب.

فينشر الذي يعتبر أحد أكثر المخرجين شعبية بين الشباب اليوم يدرك إن أغلب جمهوره هم من الشباب الذين يهمهم الفيسبوك لذلك يصنع فيلمه هذا بروح شبابية بحتة متجاوزاً تلك القتامة والوثائقية التي تسيطر على هذه النوعية من الأفلام ليجعله فيلم مسلي جداً حركي مشوق معتمداً على التصوير البسيط والأنيق من جيف كوننيوث والمونتاج السريع الديناميكي من كيرك باكستير والموسيقى الشبابية الصاخبة من ماري ايدين وفينشر يزيد عليهم اهتمام عالي بتفاصيل الشخصيات الحرص على تصوير العقلية الطفولية لهم وإنهم شباب لا يختلفون عن أي شباب غيرهم بالاهتمامات ليزداد قرب الشخصيات للمشاهد كسر حاجز غرابته عنه وإشعاره إن تلك الشخصيات تتحدث عنهم بشكل أو بآخر، التحدي الأكبر الذي واجه فينشر هو طاقم التمثيل الشباب الصغار المغمورين محدودي الخبرة ضمن نص وشخصيات بغاية التعقيد ولكن فينشر يذهل المشاهد بتحكمه الرائع بممثليه وتفجيره إمكانياتهم المذهلة فجيسي ايزنبيرغ يقدم أداء مثالي مبهر على مستوى أداء كبار الممثلين يتحكم بالشخصية بشكل يجعلها صعبة الأفلات يذوب وراء ثوب فرانك زكربيرغ لا يمكننا أن نقول عنه أفضل ممثل للعام الأمر ما زال باكراً فهناك توقعات ضخمة حول كولين فيرث وجيف بريدجز وجيمس فرانكو وخاففير بارديم (خطاب الملك ، جرأة حقيقة ،  127 ساعة، جميل) مع جيسي هناك مغني البوب الشهير جستن تمبرليك في أفضل تجاربه السينمائية مقدماً أداءً مخيفاً بدور شون باركر محوله إلى نموذج شيطاني بشري، اندرو غارفيلد بدور إدواردو و روني مارا بدور أريكا ممتازين أيضاً

0 التعليقات:

إرسال تعليق