RSS

Broken Embraces - 2009


يمثل فيلم Broken Embraces للمخرج بيدرو ألمودوفار حالة سينمائية شاعرية خاصة يبدع الإسباني المخضرم بتقديمها، وبالإضافة لذلك فالفيلم الذي عرض عالمياً لأول مرة عالمياً في مهرجان كان هو كما يسميه ألمودوفار رسالة حب حقيقية للسينما ولكل العاملين.
بيدرو ألمودوفار هو أحد أهم المخرجيين المعاصرين وأهم مخرج إسباني على الإطلاق، مخرج الفيلم الفائز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي (كل شيء عن أمي) عام 1999 و حائز على جائزة أوسكار أفضل سيناريو عن فيلم (تكلم معها) عام 2002 ، عدا كونه ضيف دائم على مهرجان كان السينمائي ، هو يشبه كل أفلامه إذ يروي أحداث واقعية بظروف استثنائية وهو قريب جداً لفيلمه الشهير (Volver – العودة) حيث يمزج بين الحالة الشاعرية لشخصياته وبين الأجواء المثيرة المشوقة لقصته المصنوعة والمروية بأمتياز شديد ..
ألمودوفار وصف هذا الفيلم بأنه فيلم خاص عن السينما وأقرب أفلامه إليه وقد كان محقاً بذلك فهو يروي بفيلمه قصة مخرج شهير يدعى ماثيو فقد بصره وأعتزل عن الناس وابتدع لنفسه شخصية جديدة هي هاري كاين وبدأ يعمل على كتابة النصوص السينمائية من وكره المعزول ويتواصل مع الآخرين من خلال وكيلة أعماله جوديث والتي يحاول مسعادة أبنها على كتابة أول نصوصه السينمائية عن مصاصي الدماء، هاري أو ماثيو يستعد لكتابة نص جديد مأخوذة عن سيرة المسرحي آرثر ميللر وعلاقته بأبنه غير الشرعي المعاق جسدياً والذي أصر على مقابلة والده والإنتقام منه من خلال مسامحته على كل ما ارتكبه معه وخلال ذلك يلتقي براي أكس المخرج الشاب الثري الذي يريد صنع فيلم عن اب اضطهد ابنه أيضاً ولكن الأبن لم يسامحه ويقرر الإنتقام منه بعد وفاته بفضحه وتشويه سيرته، وهذان المحوران المتعاكسان بين المغفرة والانتقام هما الحبلان اللذان يسير عليهما العمل الذي يتنقل أيضاً بين زمنين 2009 و 1994 حيث نرى ماثيو أيام شبابه وقبل فقده لبصره يعمل على صنع أحد أفلامه ولكنه يقع بغرام بطلة العمل ماجدلينا وعشيقة المنتج العجوز أرنستو ليقدم ألمودوفار قصة رومانسية تقليدية ولكن مصنوعية بطريقة استثنائية ومشوقة وشديدة الشاعرية بالأخص وإنه يصنع أفلامه بأسلوب يشبه الرسم حيث لتصميم المشاهد شكل فريد خاص من نوعه من تصوير هادئ شاعري وأختيار لديكورات وملابس ومكياج تضج بالحياة والجمال والألوان المبهجة وموسيقى مذهلة مؤثرة، ووجود القصة المحكمة ضمن تلك العناصر يجعل للعمل أبعاداً شديدة التشويق والتأثر وينجح بصنع تفاعل عالي بين المشاهد والعمل ...
رغم العروض العديدة التي تأتي لألمودوفار ليعمل بهوليوود ولكنه يصر على البقاء في إسبانيا وصنع أعمال باللغة الإسبانية ولكن هذا لم يمنعه من أن يصدر كبار نجوم السينما الإسبانية إلى أمريكا كأنتونيو بانديراس وخافيير بادريم وبنلوبي كروز التي تعتبر شريكة ألمودوفار بمشروعه وقامت ببطولة ثلاثة من أفلامه (لحم حي) عام 1997 و (كل شيء عن أمي) عام 1999 و (فولفير) عام 2006 الذي نالت عنه جائزة أفضل ممثلة بمهرجان كان (مناصفة مع بطلات العمل) وترشيح للأوسكار ، وبمشاركتها بهذا العمل ترفع رصيد تعاونها مع ألمودوفار إلى أربعة و من شاهد أداءها هنا يدرك سبب إصراره على العمل معها دائماً فأدائها الرفيع وقدرتها على التنقل بين حالات الشخصية المتعددة والتعبير عن أزماتها النفسية ومعاناتها يصنع للعمل جواً من الحياة وعلى نفس مستواها كان أبطال العمل جميعاً بالأخص روبين أوشندينو بدور المخنث و لوليس هومر بدور هاري كين وماثيو، و جوزي لويس غوميز بدور المنتج أرنستو وبلانكا بورتيلو بدور جوديث والتي سبق لها وعملت مع ألمودوفار بفيلم volver.
ألمودوفار عبّر بهذا العمل عن غرامه بصنع الأفلام فخلال هذا العمل يتجول بكواليس صنع الفيلم السينمائي منذ اللحظة الأولى ويرينا الصعوبات التي يعترض لها صانع الأفلام وهو يقوم بحرفته ويرينا حالات الإلهام التي تعتريه وهو يستوحي أفكاره من كل شيء حوله، ويرينا كيف أن ماثيو اعتبر نفسه بعد فقدانه قدرته على الإخراج بأنه توفي لأن حياته كلها تكمن من خلال الصورة وإلتقاطها وصناعتها ولا يجعل مآساته تأتي من خلال العمى الذي يصيبه أو فقدانه لحبيبه بل بالدرجة الأولى مآساته تكمن بتشويه أخر أعماله وأهمها ولا يجعل انتقامه يأتي من خلال التشويه أو الفضح بل من خلال إعادة إصلاح الفيلم المشوه وعرضه الجمهور، ألمودوفار يختم عمله بعبارة رائعة على لسان بطل العمل : (يجب أن لا يمنعك شيء عن صنع الفيلم حتى لو كنت أعمى)...

0 التعليقات:

إرسال تعليق