RSS

The Wrestler - 2008


المصارع أحد أجمل أعمال 2008 وأكثرها عمقاً .... عمل لم ينل التقدير الذي يليق به ... فبالوقت الذي يحيط الجميع اهتمامهم بفيلم يمجد شاذ نرى فيلم من الحياة الواقعية وعن مآسي حقيقية يتم تجاهله أبشع تجاهل رغم إنه يحوي قيمة وفكرة ومستوى أهم من غيره بعشرات المرات ...

ما الذي دفع دارين ارنو فسكي لدخول عالم المصارعة وماذا يوجد فيها ليقدمه ؟ السبب هو نفسه الذي دفع بول توماس اندرسون قبل أكثر من عشر سنوات لدخول عالم صناعة أفلام الدعارة، إنها عين المخرج الموهوب التي تلتقط الدراما الإنسانية من أقذر الأماكن وتقدمها، إنها الموهبة التي تتحدى الأفكار النمطية لتقدم صورة جديدة لنا نتجاهلها دوماً ..
دارين أرنوفسكي يدخل عالم المصارعة الحرة بصورة واقعية لدرجة الثمالة وشاعرية لدرجة الرومانسية ، تشعر به بلمسات المخضرم كلينت إيستوود وهو يعري ذلك المصارع الضخم من عضلاته ليظهره كإنسان هزيل يبحث عن الاهتمام بأخر أيامه ، إنه ليس فيلم رياضة أو فيلم مصارعة ، إنه فيلم عن رغبة الإنسان بالعثور على انتماء ... بالعثور على القيمة ... راندي رام المصارع ذا الأمجاد والبطولات والتي زالت ليبقى الآن عجوز يعيش على ذكرى أمجاده، خسر كل شيء المال والشهرة القوة العائلة ... دفع ضريبة كل ما قام به بالماضي .... خسر ابنته ولم تعد تتقبله ولم تعد تنفعه عضلاته وجسمه الذي أنهكه على حلبات المصارعة ... بل إنه تحول من مصارع إلى مجرد عارض ترفيهي يجري مباريات مصارعة مختلقة ومفتعلة ليمتع الجمهور ... بإمكانه أن يمارس أعمال أخرى ولكنه يبقى مصراً على دخول هذا العالم رغم كل ما يسببه كله من ألم ومعاناة ولأجله يتدرب بقسوة ويتعاطي المنشطات والمخدرات ... ينهك جسمه المنهك أصلاً من أجل شيء واحد فقط ... أن يدخل ويتعرض للضرب والنزيف ... راندي رام ليس مجنون ... هو شخص علكه المجتمع ثم قذفه بلا شيء ... أخطأ بحق نفسه في شبابه فلم يكن المجتمع والزمن معه أكثر وفاءً من نفسه ... لا يريد أن يمارس مهنة أخرى لأن أي مهنة تعني المذلة له والانحطاط والمهانة بينما على حلبة المصارعة رغم كل ما يتعرض له هناك من يهتف له ... هناك من يحبه ... هناك من يحييه ... هناك من يشعره بقيمته .... هذه المحبة الجماهيرية له هي ما تشعره بقيمته وهي ما تحول الضربات والآلام إلى بلسم ... بعد أن هجرته ابنته ورفضت صديقته بالبقاء معه ... ماذا بقي في العمر أكثر؟ لم يبقى سوة هتاف أولئك المشجعين ومحبتهم ... هم الوحيدين الذين بقوا مخلصين له ... فاليمت بينهم فهذا أفضل من حياة ذليلة ...

العمل مع استعراضه لنفسية رام يستعرض لنا علاقته المميزة براقصة التعري تلك العجوز التي يشعرها رام إنها ما زالت مرغوبة ومثيرة ورام الذي يشعر معها بالسعادة ... لا اللذة بل السعادة ... حين ترقص له لا يتأمل جسمها بل يهتم بمحاورتها والحديث معها عن همومها ... فهي الوحيدة التي تفهم عليه ... لأنها مثله ... مثله بكل شيء ...

ارنوفسكي قدم لنا شخصية المصارع وراقصة التعري بمنتهى الواقعية والإنسانية ... هم ليسوا أذكياء ... ليسوا أثرياء ... هم وحيدين ومنبوذين ... الشيء الوحيد الذي يشعرهم بقيمتهم هو جسدهم ..... ورغم كل ما يسببه الأمر لهم من إرهاق وآلم فسيحافظون عليه وسيستغلونه بمنتهى الطرق حتة يشعرون على قيمتهم .. ولو كان الأمر لدقائق بسيطة .... في هذا العمل المصارع ليس عصبي وكثير الصراخ وشرير الطباع، وليست راقصة التعري مثيرة ومغوية ولعوب وبذيئة ... هم أناس عادييون لهم حسنات ومساوئ فيهم جوانب إيجابية وجوانب سلبية ... أناس اختاروا طريقهم بالحياة وهم يدفعون الثمن ...

الإخراج رائع تصوير مشاهد المصارعة كانت بغاية الواقعية ووحشية أكثر من مباريات المصارعة الحقيقية .. استعمال الكاميرا المحمولة لاعطاء بعد وثائقي وواقعي للعمل ...تصوير مشاهد كواليس المصارعة كان شديد الجمال .. استعمال الموسيقى الجميلة ووقطعها بلحظات معينة .. أغنية العمل الجميلة جداً ... والأهم أداء الممثلين ميكي روك أبدع ... لا أعرف كيف أصفه ... هذا الممثل الذي استعان بتجربته الذاتية ليقدم الدور بالأخص لما يحمله من تشابه مع رام ... تشعر به يجتر كل آلامه كل حزنه كل أساه ويخرجه ويخرج معه وحشية وقوة بدنية هائلة وتجسيد واقعي بحت للآلم والمواجع التي تسببها الحياة والتي تفوق على آلام المصارعة .. أجائه عفوي صادق وقريب جداً للمشاهد لدرجة يجعلك تشعر بمواجعه..

ماريسا تومي مذهلة تحوي عاطفة وشاعرية هائلة بالعمل و إيفان ريشتل ورغم ظهورها القصير ولكنها تستطيع اختزال سنين الآلم من والدها لتقدمها بشكل ممتاز جداً وعاطفي

0 التعليقات:

إرسال تعليق