RSS

Batman Begins - 2005



فيلم بداية باتمان للرائع كريستوفر نولان يصلح أن يكون تمهيداً مميزاً و بداية رائعة لملحمة أسطورة الكوميكس التي انفجرت بعظمة في فارس الظلام ، هو رحلة رائعة وعودة ممتعة إلى ما وراء أسطورة الرجل الوطواط إلى البحث عن خلفيات ذلك الشخص المتنكر بثياب وطواط عملاق ويحارب الجريمة بيديه العاريتين ليلاً ، هو ليس فيلم حركة أو أكشن بالمعنى الكامل بقدر ما هو فيلم درامي بغاية القتامة عن عقد الطفولة والخوف عن الجريمة والفساد الاجتماعي ونسبية العدالة مبادئ وأفكار قدمها نولان بشكل جيد هنا وتوسع بها بشكل رائع في ملحمته القادمة.

الفيلم الذي عرض عام 2005 لم يرق لي في البداية لم اتوقع أن أشاهد باتمان بهذه القتامة والسوداوية مع غياب المغامرات المثيرة اللاهثة أغلب الوقت التي كانت مليئة بالأفلام السابقة والتركيز على الدراما بشكل غير متوقع ولكن مع عودة مشاهدته بعد فترة ومشاهدة أخرى البارحة بالأخص بعد عرض فارس الظلام ومشاهدته عدّة مرات ازدادت قيمة الفيلم عندي وأدركت ماذا كان يريد النولان قوله، أدركت إنه حين صنع هذا العمل كان يفكر برائعته فارس الظلام ويريد أن يصنع تمهيد مبهر لها، حين كنت اتابع تحول بروس واين إلى الفارس الوطواطي كنت أشعر إني اتابع معه تحول الجوكر إلى ذلك الوحش المجنون فدخولنا مع النولان إلى عالم غوثام السفلي واكتشافنا هذا العالم السوداوي من خلال عيني بروس واين التي اعتادت النظر إلى تلك المدينة من برج واين العملاق او من القطار العابر فوقها ورؤية ازدواج الجريمة مع الفساد يجعلنا ندرك لماذا أشخاص مثل الرجل الوطواط و الجوكر ظهروا، أشخاص ضحايا لمجتمعهم وفساده يئسوا من أن يقوم بأصلاح نفسه فعملوا هم على إصلاحه بنفسهم بأساليبهم الخاصة وضمن وجهة نظرهم الخاصة ، الرجل الوطواط من خلال إلهام الخير والقوة والتمسك بالعدالة والجوكر من خلال هدم كل القوانين الاجتماعية المختلقة والعودة إلى الفوضى العادلة بنظره.

كما تابعنا في رائعتي سام ريمي الرجل العنكبوت 1 و2 يجعلنا نولان نتابع بامتاع في فيلمه باتمان يبدأ وفارس الظلام ولادة شخصية البطل الخارق والضريبة التي ستدفعها ولكن نولان يصنع فيلمه بشكل أكثر عمقاً ودرامية وفلسفية وقتامة ، كريستوفر نولان عمل على ذلك المحور بمتانة شديدة وامتياز قوي ، نقل الفيلم من طابعه الخيالي الفنتازي إلى شكل واقعي بحت بتركيزه على البعد الإنساني لدى الشخصيات، إظهر إنه من الممكن أن يتحول أي شخص إلى الرجل الوطواط إذا توافرت له الظروف بدايةً من التمهيد للعلاقة بين بروس واين ووالده بدءً من اللحظة الأهم سقوطه في كهف الوطواط وحالة الخوف التي انتابته هناك والتي حملت معه خوف الوطاويط طوال حياته ثم إنقاذ والده له مما عزّز صورته كبطل بالنسبة له، نظرة سريعة على ذلك الوالد الذي يعمل كطبيب رغم إنه أحد أثرياء المدينة لأنه يرى بعلاج المرضى ساحة البطولة الحقيقة أو الوسيلة التي يمكن بها أن يساعد المدينة بجد ... ومن هنا تتولد باللا شعور فكرة ازدواج الشخصية لدى واين بين حقيقته كرجل أعمال و صورته الخفية كبطل يحمي المدينة، ثم تأتي حادثة المسرح، الخوف دفع واين ليخرج مع والديه من عرض الأوبرا وهناك اصطدموا بالمجرم الذي قتل عائلته وهو يقف بلا قدرة على المقاومة ... هذه الحادثة ولّدت لديه شيء من الذنب احتقار الذات بسبب خوفه، شعور بافتقاد الأمان قاده ليصبح مدمناً على الانتقام ولكن حين اكتشف إن ثأئره ليس عند ذلك المجرم بل ثأره عند الفساد الاجتماعي الذي ولّد تلك النماذج الإجرامي تحول خوفه و ضعفه إلى غضب فجره بالتمرد والتبرأ من هذا المجتمع وأفتعال الشجار والعراك في العالم السفلي ومحاولة العيش كالمجرمين لفهم عقلهم حتى جاءه اتحاد الظلال النظمة العتيقة والقوية التي تحاول تطبيق العدالة والقضاء على الفساد حسب مفهومها الخاص، مفهوم لا يختلف عن مفهوم الجوكر تفجير الخوف والوحشية لدى الانسان القضاء على الجيدين والسيئين معاً زرع الفوضى للقضاء على هذا المجتمع ثم بناءه من جديد .

في اتحاد الظلال تعلم بروس واين كل شيء كل الفنون القتالية المختلفة تعلم كيف يتغلب على خوفه ولكن الأهم تعلم كيف يحول خوف عدوه إلى مصدر قوة له ولكن حين يأتيه رأس الغول بأمر قتل أحد المجرمين هنا يصبح بروس واين أمام امتحان ، هل من الممكن القضاء على الجريمة بجريمة أخرى ... أم إن هناك أساليب أخرى ... هل فعلاً اختفى الخير من الناس أم من الممكن المراهنة على من تبقى من الشرفاء ... في تلك اللحظة التي تمرد بها بروس واين على اتحاد الظلال وعاد إلى غوثام بدأت المعركة الحقيقية بينه وبين ذلك الاتحاد – كما هي معركته اللاحقة مع الجوكر - إثبات إنه من الممكن المراهنة على الخير لدى الناس .... إنه من الممكن إصلاح مفاهيم العدالة والاستفادة منها للقضاء على الجريمة ... وإلا فإن فكرة اتحاد الظلال عن مجتمع غير مأمول إصلاحه هي من ستنتصر ..

في غوثام ولد الرجل الوطواط الحقيقي ... بروس واين لجأ إلى شخصية خفية لأنه لا يبحث عن بطولة لنفسه بل يريد إلهام الناس ولا يمكن إلهامهم سوى برمز، رمز لا يمكن القضاء عليه أو تدميره أو تحطيم سمعته ... الاستفادة من القسم التطبيقي لدى شركة واين درع معد للجنود مدرعة صغيرة أسلحة يدوية بسيطة ... خوذ مستوردة ومصنعة خصيصاً له ومع شخص لديه هدف ومبدئ يريد تحقيقه وحقد وغضب يريد تفريغه وفنون قتالية مثالية تبدئ المعركة الحقيقية ضد الجريمة بالتعاون مع فريق من الشرفاء صديقة طفولة واين كيت هولمز و التحري الوحيد الشريف غوردان، ولكن هذه المرة لم يعد العدو مجرد زعيم مافيا وشرطة فاسديين هناك عدو آخر هو طبيب الأمراض النفسية المتنكر بقناع الفزاعة والذي يمارس تجارب مجنونةعلى المجرمين ..
فكرة الخوف يركز عليها كريستوفر نولان هنا أكثر من أي شيء آخر ... الخوف الذي حول بروس واين إلى الرجل الوطواط والذي أصبح سلاحه في محاربة الجريمة والخوف الذي أصبح سلاح الفزاعة وأعوانه في السيطرة على غوثام ... الخوف السلاح الأخطر الذي يفجر الجانب الأخطر لدى الإنسان ... يجعله بقمة وحشيته وخطورته وضعفه وربما قوته .... الخوف الذي تستعمله الحكومات لتمرير مخطاطاتها ... الخوف الذي يتذرع به الناس ليمارسوا كل إرهاب ووحشية وجريمة ... الخوف هو السلاح الأخطر ضد الإنسانية والرجل الوطواط الذي ولد من الخوف اتخذ بحياته هدفاً تخليص الناس من الخوف وأن يحلوا بالشجاعة ليعودوا لتطبيق العدالة مجدداً بأسلوب صحيح ..

التركيز على الخوف يأخذ حيزاً كبيراً بفيلم النولان فالأجواء الداكنة المائلة للأصفر والأحمر ، الشكل المرعب لقناع الفزاعة ، التركيز على أوهام الخائفين ، حتى أسلوب محاربة باتمان لأعدائه لا يتم تصويرها بشكل عنيف بقدر ما يتم التركيز على الخوف على المباغتة على تشويش الخصوم على دفعهم للجنون بالخوف وكأن بعض المشاهد تحولت إلى لحظات أفلام رعب تزرع الخوف في نفس العدو، كريستوفر نولان من المخرجين الذي يعرف كيف يمسك بخيوط الفيلم الثلاث النص و الصورة والأداء، النص المتقن الذي خطه كان عالي التماسك مليء بالتفاصيل عن نشأة الرجل الوطواط بشكل مثير مع حوارات شديدة الجمال ومليئة بالأفكار الفلسفية – رغم بساطتها هنا مقارنة مع فارس الظلام – حوارات لم تخلو من روح الفكاهة مع عمقها الرائع، الصورة أبدع فيها نولان التصوير الرائع المؤثرات الأجواء المونتاج الموسيقى كلها كانت ممتازة ربما يعاب على الفيلم عدم امتلائه بأجواء الحركة والأكشن والمغامرة مقابل التركيز على الدراما عدم التركيز على خطورة الأعداء وجنونهم وعدم الشعور بخطورتهم – ليس كالجوكر – ولكن مع ذلك بنهاية العمل يقدم نولان مشهد أكشن شديد الإثارة والتشويق يثبت لنا مدى قوة نولان بصناعة الأكشن والتي ستتفجر بجلاء في رائعته اللاحقة فارس الظلام ...

التمثيل هنا كان رائعاً جداً من كريستيان بيل إظهار مدى الثقل الذي يحمله واين في داخله صراع الخوف والشجاعة بداخله السعي للعدالة وضياع مفهومها بالنسبة صراع من هو في الحقيقة والوحش المختفي بداخله  وضريبة أن يكون الرجل الوطواط وما سيولده ذلك من معاناة له، بقية الممثلين كان أدائهم منضبط ليام نيسون بدور رئيس اتحاد الظلال ومايكل كين ومورغان فريمان وغاري أولدمان وتوم ويلكسون وكيتي هولمز كانوا جيدين، كيلين ميرف كان رائعاً جداً بدور الفزاعة، كين واتانابي بدور رأس الغول لم يعطي الثقل اللازم للشخصية وأداه كان ضعيفاً، في النهاية باتمان يبدأ هو بداية موفقة وتمهيد رائع لملحة الكوميكس المبهرة التي رأيناها في فارس الظلام وعودة رائعة وموفقة لجذور شخصية باتمان وأسطورته ..     
 

0 التعليقات:

إرسال تعليق