RSS

Revolutionary Road - 2008


سام منديز المخرج المسرحي الكبير والذي دخل السينما من أوسع أبوابها مع تحفة عام 1999 جمال أمريكي والتي اكسبته أوسكار أفضل مخرج يعود بعد تسع سنين ليقدم رائعة درامية أخرى عن حياة الضواحي الأمريكية وهي الطريق الثوري  ورغم إن أحداث فيلمه هذا تدور في حقبة الخمسينات ولكن المشاهد لن يشعر بالفارق الزمني الذي يفصل فترة الفيلم عن فترتنا الحالية.
 
هذا الفيلم هو أهم أعمال منديز منذ الطريق الثوري فبعد رائعته تلك راح ينوع أعماله فمن فيلم عصابات كلاسيكي جيد إلى فيلم حربي متوسط المستوى ولكن جميعها لم يرتقي إلى مستوى الجمال الأمريكي مما أضعف مكانته الفنية فعاد إلى قصص الضواحي الأمريكية ومشاكل الأسرة الغربية في اقتباسه لرواية ريتشارد يتس الناجحة والتي أوكل البطولة فيها لزوجته الممثلة الكبيرة كيت وينسليت – والتي سبق لها التألق بقصص الضواحي الأمريكية في فيلم الأطفال الصغار – وإلى شريكها في فيلم التايتنك ونجم أهم أفلام هذه المرحلة ليو دي كابريو ليقوما بدوري فرانك وأبريل الزوجان الشابان المثاليان في الضواحي واللذان يبهران جيرانهما ويغيران شكل الحي ولكنهما ووراء الابتسامات المصطنعة أمام الجوار يعيشان أزمة خطيرة لا تهدد حياتهما الزوجية فقط بل حياتهما النفسية أيضاً.
الفيلم تميز ببناء نفسي ممتاز يصور لنا بمشهد سريع وعابر تعرّف كل من (فرانك وأبريل) هلى بعضهما في حفل حيث نرى فرانك شاب طموح وجذّاب وثائر وأبريل فتاة جميلة صغيرة تحلم بالتمثيل المسرحي وبكل ما تقدمه الحياة الفنية من إثارة ومغامرة وينتقل منديز إلى مشهد آخر ليصور لنا (أبريل) وقد فشلت بتحقيق طموحها كممثلة وزوجها تخلى عن كل طموحاته ورضيَّ أن يعيش حياة روتينية يكرهها وكان كل ما يخشاه أن يعيشها ، فشل الطموحات هذا يولد مشاكل عديدة في حياة زواج أبريل وفرانك – الذي لم يبنى بالأصل على أسس سليمة – يهدد بانهياره ولكن أبريل تقرر أن تمنح زواجها فرصة أخيرة حين تعرض على فرانك عرض لن يستطيع رفضه .

القسم الأول ممتاز بناء الشخصيات ورسم دوافعها والتمهيد للأحداث بأسلوبية سينمائية مبهرة كان في غاية الجودة ولكن في المحور الثاني تغلبت عليه الطابع المسرحي الكلاسيكي وبدا بعيداً عن الصيغة السينمائية المبهرة في القسم الأول مما ولد بعض الخفة في تطور الأحداث الذي شابه شيء من التسرع والاصطناع والكلاسيكية ولكن في القسم الثالث الأخير يعود الفيلم لقوته التي بدأ بها مع عودة التوازن بين الصيغة السينمائية والمسرحية ليقدم لنا أحد أجمل لحظات الختام هذا العام، من الواضح إن الفيلم لا يحوي قوة الجمال الأمريكي بسبب الكلاسيكية والخفة البسيطة التي عانى منها ولكن مع ذلك فإن منديز يبدع بتصوير آثار روتينية حياة الضواحي على الشعب الأمريكي ويقدم بوادر الانهيار الأسري في الخمسينات والذي تجلى بوضوح في رائعته السابقة، الفيلم كان مذهلاً بتصويره للجانب الأسود من الحلم الأمريكي وبنزعه الغطاء عن وردية الحلم الأمريكي ليصور سوداوية الحياة الأمريكية وراء الابتسامات المصطنعة .
منديز رغم إنه مخرج مسرحي بالأصل ولكنه يبدع بتقديم القراءة السينمائية للأحداث – رغم إن الأسلوبية المسرحية كانت تعود لتسيطر عليه في بعض النواحي – هذه القراءة السينمائية تجلّت باستعمال لغة الصورة واستغلال المونتاج في التمهيد للأحداث ولبناء الشخصيات جميعها وظهرت منذ مشهد البداية حين كان فرانك وأبريل يرقصان سويةً ملتصقان مع بعضهما في تعارفهما الأول ثم المشهد الثاني بعد زواجهما وهما يخرجان سويةً من المسرح متباعدين كتعبير عن الفجوة بينهما، الفيلم تميز بمونتاج مبهر استغله منديز ليقدم عرض متوازن بين روتينية حياة أبريل وسآم فرانك من كل ما يحيط به ثم تبلور فكرة التغير لدى أبريل، الصيغة المسرحية للعمل بدت بوضوح من خلال أداء نجما العمل ليو وكيت اللذان جسدا صراع درامي مسرحي في الهوية ولكنه في غاية الجاذبية، لن أتحدث عن جودة تقديم الإنفعالات الصاخبة للشخصيات والتي أثبتت فيها وينسليت ودي كابريو إنهما من أهم الممثلين في هذه المرحلة وإنهما نضجا جداً منذ تايتنك بل سأتحدث عن قوة تقديم الانفعالات النفسية الداخلية للشخصيات حيث نجحا بالتعبير عن ما تشعر به الشخصيات من يآس وضجر وغضب وندم بسبب الخيارات الخاطئة التي اختاراها وبالأخص وينسليت التي قدمت وجهة نظري أفضل أداء لها على الإطلاق حيث ظهرت وكأن هناك وحش في داخلها يريد أن يحطم كل ما يحيط بها ويحصل على حريته.
في العمل هناك أيضاً كاثي بيتس (والتي ظهرت أيضاً في تايتنك) بدور صغير جيد وهناك مايكل شانون بأداء ممتاز رغم ما عاب شخصيته من كلاسيكية ورمزية تقليدية مبالغ فيها في البناء، العمل رافقته موسيقى ممتازة أعطت الفيلم جواً درامياً جميلاً مع ميزات بصرية جيدة من تصوير وإخراج فني وأزياء

0 التعليقات:

إرسال تعليق