RSS

MILK - 2008


فيلم ميلك للمخرج جوس فان سانت (مخرج فيلم Good Will Hunting ) يشكل أحد أهم الأحداث السينمائية لعام 2008، فالعمل الذي نال تقيمات نقدية عالية وتقدير العديد من الجمعيات النقدية حيث دخل ضمن أفضل عشر أفلام لعام 2008في قوائم NBR و BFCA و AFI ونال ترشيحات ضمن جوائز نقابة الممثلين ونقابة المنتجين واختارته جمعية نقاد نيويورك كأفضل فيلم لعام 2008 ونال نجمه شون بين أغلب جوائز التمثيل بين الجمعيات النقدية بالإضافة لترشيحات الـ SAG (نقابة الممثلين) وغولدن غلوب و BFCA ونال نجمه الأخر جوش برولين جائزة NBR كأفضل ممثل مساعد وترشيحات ضمن الـ SAG و BFCA هذا كله جعلني أبني آمال عريضة على الفيلم تبخرت مباشرةً فور مشاهدته وتحولت نظرتي له من أهم الأفلام للعام إلى أحد أكبر الألاعيب الإعلامية الأمريكية لتسويق فيلم متعاطف مع الشواذ جنسياً رغم إنه ليس بالمستوى الفني الضخم ، هو ليس كجبل بروكباك (تحفة عام 2005) بل حتى إن المقارنة بينهما مجحفة ومثيرة للسخرية بين فيلم هو أحد التحف الحقيقية لهذه المرحلة وأكثرها اكتمالاً تجسدت فيها إدارة مخرجه المبهرة على تجاوز موضوع فيلمه الحساس وإشكاليته ليجعله كأحد أفضل الأفلام التي ناقشت الحب المحرم والمعاناة التي يقدمها مهما كان طرفاه دون أن يظهر ملاطفة للشذوذ بينما فيلم ميلك الذي يتناول سيرة الناشط السياسي الشاذ في السبعينات هارفي ميلك فلم أعرف عن ماذا يتحدث أو ماذا يريد أن يقدمه سوى التخبط في المواضيع والقفزات السريعة بين الأحداث والبناء الهش للشخصيات ، فسانت حاول أن ينقل عمله إلى إطار أكبر من كونه سيرة ذاتية إلى كونه فيلم يوثق أحد أهم حوادث التغيير في أمريكا سعياً إلى ديمقراطية أكبر ولكن أي تغير كان سانت يريد أن يمجده فلو إن الفيلم كان عن النضال من أجل الحقوق المدنية للسود أو من أجل الاعتراف بحقوق المرأة لكان مقبولاًَ نظراً لأهمية القضية ولكن قضية الاعتراف بحقوق الشواذ ما زالت محل انتقاد الملايين حتى داخل أمريكا، والمثير للسخرية بالأمر إن تبرير منطق الشواذ لم يكن مفهوماً أو مقنعاً وفي نفس الوقت لم يعطي سانت لأعداء الشواذ في الفيلم الفرصة ليتكلموا ويتحدثوا عن وجهة نظرهم مما أفقد الفيلم الموضوعية والمثير للسخرية أكثر إن سانت في نهاية العمل يعرض مصير أبطال فيلمه فيرينا إن ميلك قتل و وحبيبه انتحر وأعوانه أحدهم توفي بالإيدز والثاني مصاب به فأي قضية يا سانت أردت تمجيدها وهي لم تمنح للمناضلين من أجلها حتى بعد انتصارهم الظاهر سوى التعاسة وتسببت بانتشار أحد أخطر الأمراض وأشدها فتكاً حالياً.

هجومي على الفيلم واعتراضي عليه لا يأتي من اختلافي الفكري معه فهناك العديد من الأفلام لا توافق أفكاري كفلادلفيا وجبل بروكباك ولكني احترمها من وجهة نظر فنية أما هنا فسانت لم يترك لي فرصة احترام فيلمه حتى من الناحية الفنية فإذا نظرنا إلى الموضوع الرئيسي وهو تقديم سيرة ذاتية لهارفي ميلك (شون بين) فإن سانت فشل فشلاً ذريعاً بتقديم هذه السيرة فهو يقدمه لنا بشكل مباشر وبلا مقدمات دون أن يستعرض لنا خلفيته العائلية وكيف تحول إلى شاذ وما كان وقع ذلك على عائلته وانعكاس الأمر عليهم سوى بعبارة واحدة سريعة في العمل إن رفّت عين المشاهد فستفوته، ثم يصور لنا بداية العلاقة بينه وبين سكوت سميث (جيمس براكو) كيف بدأت كعلاقة عابرة ثم تحولت إلى حب جارف استمر لسنوات دون أن نرى تمهيد واضح لهذا الحب، في بداية الفيلم يقول ميلك : (بلغت الأربعين ولم أحقق إنجاز مهم في حياتي) ويتمسك سانت بهذه العبارة ليبني عليها أرضية الشخصية السياسية دون أن يشعرنا خلال العمل بأهمية قضية تحقيق الإنجاز لميلك بل إن المشاهد خلال تسلسل الأحداث ينسى هذه العبارة وينسى هذا الدافع عند ميلك، فيما بعد ينتقل ميلك إلى سان فرانسيسكو يعيش في حيّ الشواذ ويفتتح باراً هناك يعاني كغيره من الشواذ من اضطهاد الشعب والحكومة فيقرر بلا مقدمات أن يرشح نفسه لمنصب سياسي ليدافع عن حقوق الشواذ دون أن نرى أي شيء يميز ميلك عن غيره من الشواذ أو مواهب تجعله مؤهلاً ليرشح نفسه للمناصب السياسية أو حتى دون أن نرى حتى أي تمهيد نفسي لدخول ميلك ذلك المجال الصعب سوى بعبارة واحدة سريعة أيضاً يكاد المشاهد لا ينتبه لها فجاءت لحظة الترشح للانتخابات سريعة ومفاجأة ودون أي تمهيد صحيح لها، وهكذا يستمر العمل في سلسلة من القفزات غير المنطقية والتحولات غير المدروسة وغير المبنية بشكل جيد ويركز على بعض التفاصيل الثانوية بلا داعي ثم يقدم لنا على شخصية دان وايت (جوش برولين) شخصية قدمها سانت بشكل مباشر أيضاً ودون تمهيد مناسب رغم أهميتها مما جعل الشخصية ودوافعها غامضة وغير مفهومة وهشة وتسببت بتحولات عديدة في العمل لم نعرف سببها المنطقي، وينتهي العمل باغتيال ميلك و يحاول سانت تصوير هذه اللحظة بشكل رثائي ولكن تصويره ذاك ظهراً مفتعلاً ويحاول أن يستبكي المشاهد رغماً عنه فأنا شخصياً لم اقتنع إن ميلك كان بطلاً أو زعيماً كما كان مالكوم أكس على سبيل المثال في الفيلم الذي صنعه سبايك لي والذي يعتبر النموذج الأفضل (بالإضافة إلى غاندي) لصناعة فيلم عن شخصية سياسية بطولية حيث كلا الفيلمان حوى تمهيد ممتاز استعراض رائع تنقل مدروس وخاتمة مناسبة ومتوافقة مع البداية الجيدة وهذا كله لم يكن موجوداً في فيلم ميلك. على أية حال والحق يقال هناك إيجابية في العمل وهي تصوير النزاع الذي يعيشه ميلك بين وفائه لقضيته وبين اضطراره لإتباع كل الأساليب السياسية القذرة لينجح وتصوير كرهه في نفس الوقت لعالم السياسة، وهذا برأيي لم يكن بفضل سانت بل كان بفضل الأداء المبهر لشون بين الذي أدى هذه الشخصية بشغف كبير فكان رائعاً ومتمسكاً بالدور ومقنعاً بأدائه بحركات الصوت وطريقة الكلام والمشي والتعبير عن الصراعات والاضطرابات الداخلية التي يعيشها أداؤه رائعاً ولكنه ليس أفضل أدواره ولقب أفضل ممثل في العام كبير عليه من وجهة نظري، أما جوش برولين الذي أدى دور دان وايت فقد كان ردئياً استغرب المديح الكبير الذي حاز عليه كان هشاً كما كانت شخصيته وجعل العديد من دوافع الشخصية مخفية وغير ظاهرة أما جيمس براكو فأداؤه كان أيضاً عادياً في حين كان أميل هيرش والذي عمل عام 2007 تحت إدارة شون بين في  In To The  Wild فقد كان أداؤه جيداً جداً أفضل من أقرانه بالعمل. جوس فان سانت ورغم العيوب الهائلة في نص فيلمه وفي إدارته فإنه يأبى إلا أن يضيف ضعف فني فيه فاستعماله لأسلوب الراوي لم يضف شيءً للعمل والتقطيع بين مشاهد العمل ومشاهد تدوين ميلك لمذكراته لم يكن لها داعي والمشهد الأخير ومحاولة تجسيد ميلك كبطل كان رثائياً ومفتعلاً، التصوير كان جيد وفي بعض المشاهد القليلة ممتاز (كمشهد الصافرة) الشيء الوحيد الممتاز بالعمل إخراجياً هو استعادة حقبة السبعينات من ناحية الإخراج الفني والأزياء والمكياج ، على أية حال الفيلم ليس أسوء فيلم لهذا العام فهناك أعمال عديدة أسوء منه ويتصدرها ممثلون كبار كالقتل المستقيم لدي نيرو وباتشينو واستراليا لنيكول كيدمان وهيو جاكمان وأبولينا لإيد هارس وفيغو مورتنسن ورني زيلوغير وجيرمي إيرونز.

0 التعليقات:

إرسال تعليق