RSS

The Curious Case of Benjamin Button - 2008


عام 1918 وفي يوم انتهاء الحرب العالمية الأولى اخترع صانع ساعات أعمى قُتل أبنه في الحرب ساعة تعود إلى الوراء علّ الزمن يعود ويعود الشباب الذين قتلوا في ساحة القتال ليعيشوا حياتهم ويموتوا عجائز، وفي نفس اليوم ولد بنجامين بوتون (براد بيت) طفل مصحوب بلعنة تلك الساعة حيث ولد عجوزاً يناهز الثمانين وبدأ يعيش حياته بطريقة عكسية بالعودة إلى الوراء من العجز إلى الكهولة فالرجولة فالشباب وانتهاءً بالطفولة وبمسيرة الحياة الغريبة هذه يحاول بنجامين المحمل بقلب طفل ثم مراهق ثم شاب أن يتحدى شكله وجسمه الكهل ليعيش حياة طبيعية وعندما يتمكن من الوصول إلى مرحلة الشباب سيكون عليه أن يخسر كل شيء.
الفيلم حمل توقيع ديفيد فينشر رائد التجديد في السينما والعقلية المبدعة وراء فيلمي سبعة ونادي القتال في التسعينات الذي قام ببطولتهما نجم فيلمنا هذا براد بيت ، فينشر الذي عوّد الجمهور على قصصه السيرالية وحبكتها غير الاعتيادية وأجوائها السوداوية المثيرة المحملة بنقد لاذع للمجتمع يتخلى هنا عن أسلوبيته تلك ليصنع عمل درامي إنساني فنتازي ضمن أسلوبية جديدة قريبة لأسلوبية تيم بيرتن وروبيرت زيميكس ولكن بنفس القوة الفنية لأفلامه السابقة، هو يشبه فيلم فورست غومب يدور عن سيرة ذاتية استثنائية تعكس تطورات المجتمع الأمريكي في القرن العشرين ولكن عيب الفيلم الرئيسي والذي منعني من منحه الدرجة الكاملة أن كاتب العمل إيريك روث هو نفسه كاتب فيلم فورست غومب فلم يستطع منع رائعته التسعينية السابقة من أن ترمي بظلالها على فيلم اليوم فظهرت العديد من التحولات الدرامية مأخوذة بالكامل منه ولكن الإدارة المبهرة والعبقرية من فينشر تنجح بأن تجعل له طابعه الخاص المميز الذي يضخ جمالاً وروعة هو يجعل عمله قريباً للملاحم الرومانسية الكلاسيكية المؤثرة، مع الرسم المبهر لشخصية بينجامين الذي حاول طوال عمره أن يستمتع بالحياة والشباب رغم شكله العجوز ويرفض الاستسلام لمشكلته وأن يبقى في دار العجزة ويقرر الخروج منه ليعيش حياته الطبيعية كأي إنسان غير عابئ بنظرة الناس له فيعيش جميع التجارب يدور العالم ويختبر الحب والصداقة والمغامرة ولكنه مع ذلك يبقى عاجزاً عن تحقيق حلمه الوحيد بالحياة مع فتاة أحلامه ديزي (كيت بلانشيت) راقصة الباليه الممتلئة بالحياة والشباب والتي يحيط بها الشبان المندفعين في حين هو الذي لا يقل عنهم شباباً ولكنه بسبب شكله العجوز يبقى بعيداً عنها فلا يستطيع مجاراتها باندفاعها وأصدقائها، وعندما يستطيع أخيراً تحقيق حلمه بالحياة معها كشاب يبدأ العد العكسي فهو سيصبح أكثر شباباً بينما هي ستتجه إلى سن الكهولة.
الفيلم ليس مجرد قصة رومانسية إنسانية مبهرة هو يحمل في طياته محاور عديدة عن الحياة والموت والصراع بينهما صراع متأجج منذ المشهد الأول حيث ديزي العجوز تصارع الموت في نيوأورليونز لحظة الفيضان محاولةً التمسك بالرمق الأخير للحياة لتخبر ابنتها (جوليت بينوش) بقصة والدها الحقيقي وتتحدث عن معاناتها حين أدركت وهي شابة مندفعة إن شبابها لن يستمر وستتحول إلى عجوز وتخسر كل جمالها وحيويتها وتروي قصة بنجامين الذي ولد عجوزاً مهدداً بالموت وتحدى كل شيء ليعيش كإنسان عادي وعندما وصل إلى مرحلة الشباب التي طاق إليها كان هذا يعني الخطوة الأولى لنهايته الحقيقية، الفيلم يتحدث أيضاً عن الأحلام الضائعة وعن السعي لتحقيق إنجاز نخلفه يتركنا أحياءًَ حتى بعد وفاتنا، هناك كذلك إضاءة جميلة على فكرة الوقت وكيف إن لحظات قليلة في حياة الإنسان من الممكن أن تغير حياته.
براد بيت بهذا الفيلم يضج بالإبداع ليس أفضل أدواره بوجود دوره في تحفة فينشر الأخرى نادي القتال ولكنه يأتي بعده مباشرةً، دور مذهل حرك مكنونات الإبداع لديه حتى الذروة فكان متقناً بشتى النواحي من صوت الراوي إلى تجسيده لشخصية الطفل و الصبي والمراهق والشاب ضمن جسد العجوز وكيف يحاول بسعي حثيث التخلص من ذلك الجسد ليعبر عن نفسه ثم كيف يكون رجلاً راشداً في جسد شاب وكيف يعبر عن غيرته وعن شغفه عن خوفه من المستقبل عن صراعه بين رغبته البقاء مع عائلته وواجبه الذي يحتم عليه تركها.
كيت بلانشيت الممثلة الأهم حالياً والتي اجتمع مع براد بيت مرتين قبل هذا العمل الأولى في تحفة إليخاندرو كونزاليس أناريتو (بابل) عام 2006 والثانية عام 2007 في مهرجان فينيسيا السينمائي حيث نال بيت جائزة أفضل ممثل عن دور جيسي جيمس ونالت جائزة أفضل ممثلة عن دور بوبي ديلان، وهي اليوم تجتمع معه مجدداً بهذا الفيلم بأدائها المذهل لحب حياة بنجامين ديزي تؤدي هذه الشخصية منذ المراهقة وحتى الكهولة والموت بأداء راقي متماسك ومتوازن طوال العمل تقدم بشكل رائع ثورة الشباب وإندفاعهم والإنكسار بعد ضياع الإحلام والخوف من الهرم والشوق للحبيب الغائب والتفاني بخدمته حتى النهاية والعيش على ذكراه من المؤسف فعلاً تجاهل أدائها في موسم جوائز العام ، تاليدا سوينتن زميلة بيت في فيلم الكوينز (أحرق بعد القراءة) تظهر بأداء ثانوي جيد وكذلك جوليت بينوش أما تاراجي هونسون بدور مربية بنجامين فقد كانت ممتازة جداً.
إيريك روث ورغم كل ما ذكرته عن تأثره بنصه الأوسكاري السابق إلا إنه كان مذهلاً برسمه لشخصية بينجامين وتطورها والتعبير عنها والحوارات الرائعة بعمله، ديفيد فينشر المخرج الرائع والذي يعمل منذ عام 2007 على تغير أسلوبيته حين قدم فيلم الجريمة الدرامي زودياك هنا يصل إلى قمة التألق ، صحيح إن هذا العمل ليس أفضل أفلامه بوجود سبعة ونادي القتال ولكنه الأهم فهو الذي سيوصله للأوسكار بعد تجاهل سابق غير مفهوم، فينشر صنع عملاً شبه متكامل قريب للكلاسيكية المكياج رائع وممتاز والمؤثرات مذهلة الإخراج الفني والأزياء رائعة بمسايرة الأجواء الزمانية للعمل على طول القرن العشرين ، المونتاج ممتاز جداً وكذلك التصوير الذي يكون عادةً نقطة القوة الفنية بأفلام فينشر وهو اليوم كذلك قمة القوة الفنية في هذا العمل لا يمكن الحديث عن جمالية الألوان وروعة زواية التصوير وجمال الطبيعة فالمشاهدة كفيلة لوحدها بوصف جمال التصوير الملحمي بالعمل.     
 

0 التعليقات:

إرسال تعليق