RSS

Up - 2009


في هذه المرحلة أصبحت أفلام الأنيميشين أو التحريك أحد أهم الصنوف السينمائية وهي بهذا العام بالذات تزدحم من خلال عدّة أفلام ممتازة جميعها تتسابق لتكون صاحبة أوسكار أفضل فيلم أنيميشن التي تصبح عاماً بعد عام أهم من جائزة أفضل فيلم روائي بالأخص إن جمالية أفلام الأنيميشين وأهميتها أصبحت  تتفوق على الأفلام الروائية، عام  2009 كان هناك سباق صعب وقوي لهذه الجائزة يدخل فيه الفيلم الاسترالي Mary & Max  الفائز بجائزة مهرجان فينيسيا الماضي، والفيلم الياباني Ponyo للمخرج الشهير هيو مايازاكي، وثلاثة أفلام أمريكية هي Fantastic Mr. Fox و Coraline وفيلم شركة ديزني Up واسم الشركة لوحده يبدو عامل تفائل لذلك الفيلم ليصل للجائزة فشركة ديزني واستديو بيكسار لها جاذبيتتها الخاصة لجوائز الأوسكار لأفضل فيلم رسومي التي انطلقت منذ عام 2001 ترشحت خلالها ست مرات وفازت بأربع منها آخرها عام 2008 عن فيلم Wall – E الذي تميز بدقة تقنية عالية وجمالية أذهلت به بيكسار عشاق السينما وسطرت هذا النجاح أقلام النقاد وجوائز المهرجانات السينمائية التي اعتبرته أفضل أفلام بيكسار على الاطلاق، ومكافئة على إنجازاتها تم أختيار أحدث أفلامها (Up – أعلى) لافتتاح دورة مهرجان كان السابقة منذ أشهر، وبعد عرض الفيلم في كان وفي العالم أدرك النقاد والحضور إن Wall – E ليست ذروة سنم إبداعات بيكسار فهناك مستوى (أعلى) لها تمثل بفيلم Up الذي نال تقيمات نقدية عالية وأرباح قاربت الـ 300 مليون دولار عالمياً، وهذا ليس أمراً مستغرباً فصانعا هذا العمل فنانان محترفان بصناعة أفلام التحريك وهما بوب بيترسون كاتب نصوص أفلام  Ratatouille و Finding Nemo و بيتر دوكتير صانع Monsters, Inc وكاتب نصوص WALL·E و Toy Story  1 – 2  ، والفريد إن رائعتهما الجديدة هذه ليست عن عالم السمك أو الأبطال الخارقين أو الأشباح والحشرات والسيارات والفئران والرجال الآليين بل هذه المرة هي عن أناس عاديين جداً وتحديداً عن مغامرة رجل عجوز نكد متقاعد، قد نتساءل مالذي يوجد بحياة عجوز نكد ليتم تقديمه كفيلم تحريك وماذا يمكن أن يوجد بحياته ليثير الجمهور تحديداً الصغار منهم لحضور فيلم يبحثون فيه عن السحر وعن العوالم الفنتازية والخيالية التي تقدمها، أسئلة بمحلها ولكن بيكسار دوماً لديها الحل وهي دوماً تعرف من أين تؤكل الكتف ..
الفيلم الذي عرض منذ مدة في دمشق وحقق حضوراً جماهيرياً كبيراً وكان فرصة لعودة العائلة للسينما بعد أن هجرتها بسبب توالي عرض أفلام الأكشن والرعب والإثارة هو أكبر من مجرد  فيلم رسوم متحركة أو Animation ، هو ليس مجرد فيلم طفولي هو مثال حقيقي للفيلم العائلي، مبهج للعين ومحرك للقلب ويحوي أفكار جادة للكبار وقيّم هامة للصغار ويمتع الجانبين، بداية العمل وتحديداً الدقائق العشرين الأولى منه هي من أفضل ما انجزته بيكسار على الإطلاق، رغم كونها صامتة وتعتمد على موسيقى مايكل غوتشيونو الرائعة لتروي لنا طقوس التعارف بين الصبي فريدريكسون والفتاة إيلي العاشقين للمغامرة واللذين تربطهما قصة حب تمتد لعدة عقود ويجمعهما الحلم لخوض مغامرة إلى شلالات باراديس، ولكن الحياة لا تعطي الإنسان كل ما يتمناه فيمر العمر عليهما دون أن يتمكنا من تحقيق الحلم وبعد وفاة إيلي يقرر (فريدريكسون) – الذي أصبح عجوزاً نكداً يشعر أن حياته توقفت بموت زوجته – أن يحقق حلمها ويذهب إلى شلالات بارادايس وبالطريقة التي خطط لها مع زوجته بصغرهما بواسطة آلاف البالونات تحلق بمنزلهما إلى هناك فوق ناطحات السحاب ضمن مشهد هو من أروع وأجمل المشاهد في تاريخ الفن السابع، فريدريكسون الذي كان يأمل برحلة هادئة إلى وجهته بعيداً عن الجميع يصطدم بوجود عدو العجائز الأول معه على المنزل (راسل) الطفل البدين الثرثار الذي لا يتوقف عن الكلام والحركة والضجيج ، ووجود راسل كان يكفي لوحده ليعكر صفو فريدريكسون ولكن حظّه العاثر سيجمعه أيضاً بطائر عملاق زاهي الألوان يطارده جيش من الكلاب الناطقة بقيادة سيدهم المجنون .
بالإضافة إلى خط المغامرة والكوميدية الذي يحمله العمل هناك خط درامي يسير خلاله عن العلاقة بين فريدريكسون العجوز الذي لم ينجب بحياته وبين راسل الصغير البعيد عن والده، خط رسم بعناية وبساطة وشفافية كبيرة تصنع جاذبية إضافية للعمل ويترافق هذا الخط مع قيم عديدة يحرص العمل على تقديمها عن كون الحياة لا تنتهي عند خسارة أحد وإن الشباب لا يحّده عمر والمغامرة لا تقتصر على غرابة المكان فيمكن أن تكون الحياة التي نعيشها ببساطتها مغامرة مشوقة، ويركز العمل على ضرورة إيمان الإنسان بقدراته وعلى أهمية الحفاظ على الحيوانات بموطنها الطبيعي وحمايتها من الانقراض.
إن جاذبية العمل الحقيقية – ككل أعمال بيكسار – تكمن بالصورة البصرية الرائعة التي تصنع خلالها، فبيكسار التي كانت أول من أدخل الرسم بالحاسوب إلى عالم سينما التحريك قبل أكثر من خمسة عشر سنة بفيلم حكاية لعبة تصل بتقنياتها اليوم إلى مستويات مبهرة فالغرافيكس المرسوم من خلاله العمل وتقنية الـ 3D التي صنع خلالها تصنع إبهار بصري لا يمكن إنكاره حيث تشعر بجمالية حقيقية للألوان وبواقعية شديدة للأماكن والشخصيات التي تظهر بصورة شديدة الإنسانية بالأخص مع الحفاظ على الدقة الشديدة برسمها وعدم إغفال أي عنصر صغير أو أي ردّة فعل عابرة حتى نشعر للحظات إن العمل سينقلب من رسومي إلى واقعي ويحقق الغاية من تلك الصناعة بكونها مزج بين الواقع والخيال بالأخص إنه اقترن بأداء صوتي ممتاز من إدوارد اسنير بدور فريدريكسون و جوردان ناجاي بدور راسل و المخرج بوب بيترسون بدور داغ.

0 التعليقات:

إرسال تعليق