RSS

Moneyball - 2011




 
منذ أشهر ونحن نقرأ عن فيلم بينث ميللر الجديد Moneyball – كرة المال ونسمع مديح النقاد له ووصف الكثيرين له بأنه فيلم العام والفائز القادم بالأوسكار رغم عدم عرض الكثير من الأفلام الهامة المنتظرة ، بعد مشاهدتي للعمل أدركت إن هذه الأوصاف والألقاب مستحقة فهذه الرائعة الجديدة لا تقارب فقط باتقانها وجمالها وتأثيرها رائعة توم هوبر الأوسكارية الخطاب الملكي بل هي مزيج بينه وبين رائعة فينشر الأخيرة الشبكة الاجتماعية ولكن بشكل أكثر تفاؤلية قصة أحد إنجازات عصرنا الحديث الأكثر عظمة على صعيد الرياضة يصنعها أفراد جيل العشرينات الحديث (جيلنا) ولكنه بنفس الوقت قصة عن الطاقات الذاتية المخبئة عن التحفيز الذاتي عن القدرات المخبئة لدا الإنسان ، الفيلم فعلاً لن يكون مستغرباً وصوله للجوائز النهائية بأكثر من فئة درامية وفنية بفضل الزخم الإبهاري الذي يحويه والذي لا يستغرب حين نسمع اسماع صناعه بينث ميللر المخرج تألق سابقاً منذ ست سنين بفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية (كابوتي) الذي صنع من فيليب سيموري هوفمان أحد أهم ممثلي اليوم وهو يشارك بهذا العمل بدور ثانوي ولكن متقن وجذاب ، أما كتاب السيناريو فهم أرون سوركين فائز أوسكار العام الماضي عن اقتباسه المبهر لفيلم الشبكة الاجتماعية ويشاركه بالكتابة ستيفن زيلان المبدع وراء نصوص قائمة تشاندلار وعصابات نيويورك وجميعها قصص واقعية ، جميع الأعمال السابقة التي قدمها صناع الفيلم هي قصص سوداوية ولكن وكما في الرياضيات السالب مع السالب يساوي موجب فاجتماع الغربان الثلاث انتج عمل شديد التفاؤل والتأثير والشاعرية .

فريق وايت سوكس النيويوركي كان يعاني عام 2001 من ازمة مالية و أزمة نتائج تشبه جداً الأزمة التي عاشها جوفنتوس المواسم الماضية ، المدير الفني للفريق بيللي (براد بيت) يحاول البحث عن مخرج لينجو بالفريق المليء بالنجوم ولكن بلا انجازات يرمي العبئ على شح النادي وأزمته وحين لا يجد خلاصاً في المال يلجأ إلى طرق أخرى وبأقل الإمكانيات الممكنة لا يستطيع بها فقط النجاة بالفريق وتحقيق بطولة عام 2002 بل يحقق مع فريقه أفضل إنجازاته منذ خمسين سنة رغم البدايات المتعثرة له في بداية الموسم ويصبح أحد أهم مدربي البيسبول على الاطلاق ، بيللي الذي كان لاعباً فاشلاً في السابق يدرك في داخله إن الإنجاز لن يكون مادياً فقط بشراء لاعبين جاهزين ومفصلين لنقاط ضعفه بل من خلال اعتماده على الطاقات الداخلية المخبئة لهم، المشكلة إن لا أحد – ولا هو نفسه – مقتنعاً تماماً في الفكرة هو بحاجة إلى دفعة جريئة ليخوض هذا الطريق وحين يلتقي بـ بيتر (جوهان هيل) الشاب العشريني والعبقري الاقتصادي البدين يصبح لطريقته تلك أساس واقعي بيتر يعتمد على دراسات إحصائية لمستوى لاعبي الفرق ومن خلالها يستطيع أن يدرك (رياضياً) الطاقات الحقيقية للاعبين وما هم قادرين عليه فعلاً حتى قبل أن يدركوا هم ذلك يستغني عن لاعبيه النجوم ويستعين بلاعبيين محكوم عليهم بالانتهاء ويصنع تشكيلة غريبة في فريقه، اقتناع بيللي في الطريقة تجعله يتخذ العديد من الخطوات والخيارات المجنونة ويواجه تعثرات كثيرة في طريقه ولكنه ينجو منها ليحقق أحد أعظم إنجازات الرياضة على الاطلاق.

عظمة الفيلم إن بينث ميللر يرتقي بفيلمه بأسلوب تصاعدي حتى النهاية ينسجم مع أجواء العمل شيء من السوداوية في البداية ثم ضخ تدريجي للتفاؤل والطاقة فيه ليصنع أحد أكثر الخاتمات شاعرية وتأثير على الاطلاق وبنفس الوقت – وهنا سر إعجابي الشديد بالعمل – إنه لا يجعله مجرد عمل عن إنجازات الرياضة أو عن إفساد المال للرياضة بل هو يهتم بالدخول ضمن شخوص فيلمه ليجعل من القضية قضية إنجازات شخصية لهم لمواجهة خوفهم عقدهم لمقابلة طاقاتهم الحقيقية ليصبح قصة لا تقتصر فقط على تحقيق نصر يحافظون به على وظائفهم أو اسمائهم – كما يراوغ بالبداية حول ذلك – بل لصنع إنجاز شخصي لهم انتصار ذاتي أكبر من المكاسب المادية أو البهرجة الإعلامية لينجحو بإطلاق شعور الفخر الذاتي بالنسبة لهم وإنهم في النهاية حين حققوا النتائج العظيمة في الرياضة لم يكونوا يتغلبون على الفرق المنافسة بل يتغلبون على الضعف والخوف بداخلهم وبنفس الوقت يدخل ميللر بطريقة موفقة بدهاليز عالم الرياضة والفرق الإعداد الترتيب التحديات الخيارات المستحيلة والخيارات غير الاخلاقية أحياناً هو ينجح بالوصول إلى ذلك من خلال تركيزه على شخصية بيللي المتوازن بين كونه رياضي ورجل أعمال كذلك وأستاذ تحفيز ذاتي يفاوض كأنه يناور بالملعب ويدرب ويحفز فريقه وكأنه يناضل وراء صفقة شراء لاعب ويحاول أن يسخر كل ذلك ليتجاوز مشاكله الخاصة علاقته المتذببة مع ابنته خوفه من حضور المباريات حلمه أن ينجز شيء حقيقي يفخر به، بينث ميللر صنع من شخصية بيللي كاريكتر شديد الثراء درامياً ولكن بغاية البساطة والبعد عن التعقيد قريب جداً للمشاهد دون أن يشعر بالتناقضات النفسية والإخلاقية التي يعيشها رغم وجودها ودون حتى أن يشعر أن عبقريتها غريبة عنه هي بكل بساطة حلم كل مشاهد أن يكونه إنسان حقيقي جداً من داخل الناس حتى بتفاصيله الصغيرة ولكنه استغل الفرصة ليحقق ما يحلم الكثيرين بتحقيقه، وكما قام توم هوبر العام الماضي في تحفته الخطاب الملكي يعود بينث ميللر ليركز على الصداقة بين بيللي و بيتر ويقدمها بطريقة جذابة أخوية ويرينا مدا تأثيراتها على الشخصيتين طوال العمل .
ما يحسب لبينث ميللر بالعمل إنه – وكما يفعل رون هاورد عادةً بأعماله الحقيقية العظيمة – إن الكثيرين وربما غالبية الجمهور الأمريكي ما زالت ذاكرته محتفظة بالإنجاز التاريخي لفريق الوايت سوكس ولكنه مع ذلك يبقينا متشوقين حتى النهاية بالعمل يصنع حالة رهيبة من المزج بين المشاهد والعمل أثناء لحظة المباراة وكأنه يشاهدها لأول مرة ويتفاعل جداً معها ومع لحظات الفوز والهزيمة بالأخص إنه بتقديمه للتحديات يصنعها بطريقة تشبه المباريات يتجاوزها بيللي وكأنه ينتقل من فوز لآخر، بينث ميللر تألق بدخوله لتفاصيل كواليس فريق الوايت سوكس ليس فقط تناقضات النادي ونزاعاته بل حتى على الجانب البصري والإخراجي هناك تفنن بعناصر المكان الأشكال الحوارات شيء قارب به الواقعية بشكل مذهل وكأنه فيلم وثائقي أحياناً وقام بالشيء الذي أبدع به سابقاً في كابوتي وهو استغلال عناصر المكان وتفاصيله مع درجات الإضاءة وزواية التصوير الممتاز ليعبر عن الحالة الدرامية للحدث والنفسية للشخصية .
ميللر صنع فيلماً بميزات بصرية ممتازة المونتاج بالعمل على أعلى مستوى و الموسيقى من مايكل داننا مؤثرة جداً وأسرة ، الأداء التمثيلي بالعمل مبهر جداً براد بيت في عامه الذهبي هذا يقدم أحد أفضل أدواره وحالاته الأدائية هو قريب جداً للترشيح الثالث بعد ترشيحين عامي (95 و 08 عن 12 قرد و بنجامين بوتون) وبعد أن تم تجاهله 3 مرات أعوام 93 و 99 و 06 عن كاليفورنيا و نادي القتال و بابل ربما أخيراً يحمل التمثال الذهبي عن استحقاق فما يقدمه من عفوية وتعمق بالشخصية ومحافظة على حماسها وتأثيرها وتقديم تحدياتها وقوتها وصرامتها و صلابتها بشكل بعيد عن التقليدية والتصنع وبغاية العفوية يقدم به أحد أجمل الأداءات التي شاهدتها، جوهان هيل ممتاز جداً بالدور رغم إنه يغيب بمنتصف العمل ولكنه آسر جداً بالدور الذي يقدمه وممتاز وينبئ بموهبة ممتازة، فيليب سيموري هوفمان يعيش أيضاً عامه الذهبي فهو لا يشارك فقط بهذا العمل هناك العام سنراه أيضاً بفيلم جورج كلوني الجديد   هنا هو ليس الشخصية الرئيسية ولا حتى الثانوية أشبه بضيف شرف ولكنه يعطي شيء من الكوميديا الرائعة بالعمل بالأخص مع الكاريزما بينه وبين براد بيت ويعطي تعبير حقيقي لشخصية المدرب الرياضي التقليدي الصارم في العمل تظهر روبين رايت بدور شرفي في العمل الذي سنذكره كأحد أفضل أعمال الرياضة على الإطلاق.

0 التعليقات:

إرسال تعليق