RSS

The Departed - 2006


كواحد من ألمع مخرجين السينما وأكثرهم تأثيراً على الاطلاق كان موضوع نيله الأوسكار قضية تشغل بال عشاق الفن السابع، فهل سيكون اسم جديد ينضم إلى كوبريك وشابلين وهيتشكوك كأحد العباقرة الذين لم يقدرهم التمثال الذهبي الصغير أم إنه سيلحق بأصدقائه ورفقاء دربه كوبولا وسبلبيرغ وودي كأحد الذين خضع لهم تمثال الأوسكار، فبعد أن تم تجاهله من بين المرشحين عن سائق التكسي عام 1976 وبعد خسارته أول ترشيحاته عام 1980 عن الثور الهائج كان التوقع إنه سيصيب بالمرة القادمة ولكن مرّ عامي 1988 و 1990 وخرج من الترشيحات خالي الوفاض، وبعد ثلاث عقود من صناعة السينما كان عشاق السينما الجدد يقولون لا بد وأن سكورسيزي سينال أوسكاره الآن فقد أدرك الجميع وبعد أكثر من ثلاثين سنة من الإبداع إن هذا المخرج ليس مجرد حالة عابرة بقدر ما هو عبقرية سينمائية حقيقية تستحق التكريم والأمر أصبح الآن يتوقف فقط على نوعية ما يقدمه حتى يكون مستحقاً للجائزة، وهجمت عصابات نيويورك وحلّق الطيار ونال سكورسيزي المديح والهتاف والتصفيق وجوائز الغولدن غلوب والبافتا ولكن بدون أوسكار حتى جاء الراحل ونال سكورسيزي أوسكاره أخيراً ، ولكن ذاك الفوز لم يحل مشكلة بقدر ما أثار مشكلة أخرى، وهي هل سكورسيزي نال أوسكاره عن استحقاق أو مجرد تكريم ؟؟، وهل فيلم الراحل يستحق الجائزة أم إنه مجرد عمل مدلل ومبهرج ؟؟.
 
ما زلت أذكر عامي 2006 و 2007 والضجة الذي أحدثها هذا الفوز بين مؤيد ومبارك وبين مبارك ولكن مع إشارات استفهام عديدة، أناس لم يعجبهم الفيلم وتجاهلوا كل النجاح الذي حققه جماهيرياً ونقدياً وتجاهلوا الثورة التي قدمها بمجال صناعة الأفلام وتحديداً أسلوب إعادة التصنيع والمونتاج وتقديم سينما العصابات، وتجاهلوا العمق النفسي الرائع بتحليل شخصية العميل المزدوج، تجاهلوا العبقرية بالنص والإخراج والتصوير والمونتاج والموسيقى والتمثيل من جميع الكادر ليقولوا إنه مجرد تكريم لمسيرة .
طالما إنه مجرد تكريم لماذا الراحل ؟، لماذا لم يكرم عن فيلم عصابات نيويورك الذي شهد عودته لحفل الأوسكار بعد 10 سنين عن الغياب؟، لماذا لم يكرم عن فيلم الطيار أضخم انتاجاته وأكثرها بذخاً وأكثرها ضجة إعلامياً بل أكثر مشاريعه قرباً له بحكم إنه يتحدث عن صانع أفلام عبقري منبوذ   وبالأخص إنه حقق خمس جوائز ثانوية أي أكثر من مجموع جوائز الأوسكار التي نالها عن الراحل؟، لم ينل عن تلك الأفلام لأنه لم يستحق الجائزة بوجود أفلام أكثر استحقاقاً منه ليس بحسب تقييمي الشخصي بل بحسب التقييم العام، ولكن في عام 2006 لم يكن هناك أحد يستحقها أكثر منه ولو كان غير سكورسيزي مخرج شاب كنولان أو أندرسون أو غيرهما أخرجا هذا العمل بنفس الجودة وبنفس القوة لكانا استحقا الجائزة ، القضية بفوز الراحل قضية استحقاق تام ، العمل يحمل عوامل عديدة وعديدة تجعله يستحق الفوز ، بل إنني بصراحة أشعر إنه لم ينل التقدير المستحق له بعدم ترشيح ليو ونيكلسون عن الأوسكار عن دوريهما وعدم ترشيح هاورد شو و مايكل بلهاوس عن ما قدماه من ابداع بالتصوير والموسيقى ، أن يخرج عمل كالراحل بخمس ترشيحات فقط - عمل لن يكن أمام عشاق السينما والمهتمين بالفن السابع سوى اعتباره أحد روائع الفن السابع الحقيقية بالإضافة إلى روائع سكورسيزي الأخرى الثور الهائج وسائق التكسي وصحبة جيدة – لهو ظلم حقيقي بحق هذه الرائعة السينمائية التي لا يكفيها أوسكار أفضل فيلم لتقديرها حق قدرها.
العمل مثل عودة حقيقية لسكورسيزي إلى ملعبه المفضل سينما عصابات الشوارع بعد غياب أكثر من عشر سنين عن هذا الملعب منذ رائعته كازينو عام 1995 ، كانت عودة غريبة كونه إعادة لفيلم صيني ناجح اسمه شؤون داخلية عرض عام 2004 ، وما توقعه المهتمين بصناع السينما نقطة ضعف للفيلم انقلب إلى نقطة قوة، فسكورسيزي بعمله هذا غير مفهوم إعادة صناعة الأفلام ، قدم درس لمايكل باي وغيره من محترفي تشويه الأفلام القديمة بإعادة صنع الأفلام وإنها ليست مجرد Copy  و Past   ، ليست مجرد إحضار نص صيني ثم ترجمته للغة الإنكليزية وبعد ذلك تصوير، هنا سكورسيزي عمل شيئاً مختلفاً فكك النص القديم بالكامل ثم أعاد تركيبه مجدداً بشكل لم يبقي فيه سوى على القصة العامة فقط وخيوطها الرئيسية وعدا ذلك فكل شيء جديد، تحول كامل بنوعية العمل من عمل إثارة صيني يموج بالشاعرية ضمن أجواء إخراجية أنيقة إلى فيلم أمريكي غارقاً بالواقعية السكورسيزية البحتة وانتقال من قصة مطاردة عصابات وشرطة إلى تشريح لعالم العصابات الأمريكية وعلاقاتها المتداخلة بالقوة الأمنية والفساد المستشري بالمؤسسات الأمريكية وغريزة العنف المتأصلة بالمجتمع الأمريكي وبنفس المستوى يسير بتحري نفسية العميل المزدوج وأزمة ضياع الهوية التي يعيشها بين ما كان يطمح أن يكونه وبين ما أصبح عليه .

من نيويورك إلى هوليوود والآن بوسطن ثلاثة أفلام أمريكية حديثة بثلاث مدن مختلفة وضمن ثلاث أزمنة مختلفة لصانع أفلام واحد هو سكورسيزي وما يربط بينها ليس مجرد اسم المخرج وبطل العمل هناك أشياء أخرى عديدة، بين ثلاثة أعمال الأول يرينا نشأة الإمبراطورية الأمريكية في نيويورك من خلال العصابات والثاني العصر الذهبي لتلك الإمبرطورية في هوليوود من خلال النجوم والطياريين والثالث في بوسطن وعصر إنهيارها بين رجال الشرطة الفاسدين والعصابات المتوحشين ..
هذا الأنهيار يتم تجسيده في بوسطن أحد أوائل المدن الأمريكية التي تختصر المجتمع الأمريكي بتناقضاته وعرقياته المختلفة، هذه الأفلام الثلاث تختصر رؤية سكورسيزي لإمبراطوريته التي تتداعى ناطحات السماء التي ارتفعت فوق مقابر مجزرة عصابات نيويورك سقط منها كوينان الشرطي النزيه الوحيد في العمل ضحية الفساد الأمني وهو يحاول حماية كوستيغان من العصابات الذي لم يكن سوية ضحية فساد اجتماعي كبير أوصله لما وصل إليه، فذلك الشاب المتمرد على عار عائلته وحقارتها سعي مندفعاً نحو الحلم الأمريكي رافعاً مقولة أحد الأدباء شعاراً له : (العائلات تسقط وتنهض في أمريكا) سقط بشكل رهيب دون أن يكترث له أحد ودون أن ينهض وسقط معه مجتمع كامل.
العنف الأمريكي العرقي بين أصليين ومهاجريين وسود في عصابات نيويورك لم ينتهي بعد، العمل يبدأ بمشاهد عنف عرقية واقعية حدثت فعلاً في السبعينات ومقدمة على لسان فرانك كاستيلو يقول فيها : (في الماضي كان عندنا كنيسة ، كانت تلك وسيلة لنقول إننا نحب بعضنا ، ولكن الآن ماذا يمكننا أن نفعل ، هناك كره في القلوب) ويستمر العمل على هذا المنوال مليء بالعنصرية والتركيز على العرق والأصل حيث لم تستطع أربعمائة سنة من أن تمزج تلك القوميات بقومية واحدة، ورغم كل مظاهر التآلف التي يسوق لها الإعلام ولكن هناك حرب بالداخل، هناك هووس بالعنف، هووس صنعه الإعلام نفسه منذ أن مجده هاورد هيوز في أفلامه ملائكة الجحيم و خارج القانون في الثلاثينات ، منذ أن بدأت الحكومة الأمريكية تنفق الملايين على طيارات لن تطير ستبقى في المطارات تصدئ وهي تترقب عدو يفصل بينها وبينه محيطات على بعد آلاف الأميال، هذا العنف أصبح رغيف الحياة الأمريكية كما يصورها الراحل وهو عنف لن يستثني أحد ، عنف دخل حتى بالأحاديث والحوارات بين الشخصيات فنسمع كاستيلو يقول لسوليفان : ( في السابق كانوا يقولون بإمكانك أن تكون شرطي أو مجرم اليوم أنا أقول لك إذا واجهت مسدساً محشواً بوجهك ما الفرق؟) وفي مشهد آخر يقول كوينان لكوستيغان : (هل تريد أن تكون شرطي أو أن تظهر كشرطي؟ أن تظهر كشرطي يعني أن تحمل شارة ومسدس وتضرب زنجي وتظهر على التلفاز ..) هذه الحوارات توحي إن أمريكا تعيش بلا قانون وهذا ما يحرص العمل على تصويره ، فجميع القوانين حتى قوانين بيل الجزار وعصاباته اندثرت وأصبح الكل بلا قانون سوى قانون القوة والنصر فسوليفان يتجسس لصالح العصابة وكوستيغان يتجسس لصالح الشرطة وكاستيلو يبيع المجرمين مقابل حماية المخابرات التي تتلاعب بجاهز الشرطة وتضلل تحركاته وفي النهاية تراكم جثث وقتل مجاني أبرياء ومدانين يذهبون ولا أحد سينجو والكل معرض للخطر.
ربما لا يجب أن نربط فقط بين هذا العمل والعصابات والطيار فقط بين أعمال سكورسيزي فهو متصل بكل أعماله الأخرى الهووس بالعنف وتمجيده في سائق التكسي وملك الكوميدية يحضر هنا بصورة شديدة القسوة، افتتاحية صحبة جيدة : (أن تكون رجل عصابة أفضل من أن تكون رئيس أمريكا) تأخذ هنا معاني جديدة فكاستيلو يسرح ويمرح كملك في بوسطن دون أن يستطع أحد أن يمس به ورجله سوليفان يصل خلال فترة قصيرة إلى أعلى درجات المجد ضمن عمله كشرطي بمساعدة كاستيلو والفاسدين بينما الشرفاء يعملون تحت يده دون أن يتمتعوا بشيء مما يعيش فيه من رفاهية .    

أكثر ما يميز هذا العمل عن غيره من أعمال سكورسيزي هو قدرته على المزج بين المتعة الصرفة بالقيمة الفنية والفكرية العالية، فالعمل يسير وفق رتم متسارع ومتصاعد من الأحداث المشوقة حتى لنهاية يوفر تسلية عالية لعشاق السينما ويعطي دروساً بصنع أفلام الإثارة والتسويق البعيدة عن الابتذال بدءً من التمهيد الممتاز للشخصيات ثم تتابع الأحداث حتى الوصول للحظة الذروة دون أن يستطيع المشاهد أن يرف عينه عن أي مشهد، سكورسيزي بهذا العمل مزج بين الإثارة العالية والعميق الدرامي الأسر ليس فقط على الصعيد الفكري بل على دراما الشخصيات فتشريحه النفسي لشخصيات العمل يصنع له قيمة فنية ودرامية عالية جداً.
أحب كلمة قالها روجر ابرت عن العمل (في كل أفلام سكورسيزي الأبطال يبحثون عن هويتهم في هذا العمل الأبطال يناضلون لاستعادتها) وهذا هو المحور الذي سار عليه والذي زاده عمق درامي، فبيلي الشاب النزيه الذي يحلم بمستقل جيد يمحو به عار عائلته وجد نفسه عميلاً في عصابة لصالح الشرطة وعليه أن يكون مجرماً حتى يخدم الشرطة، وخلال عمله ذاك بات لا يعلم هل هو شرطي أم مجرم ولا يدرك كيف سينتهي به الحال هل ستتخلى عنه الشرطة أم إن كاستيلو سيكشف أمره، كوستيغان الذي آمن طوال حياته بنبذ الجريمة وتصرفاتها وناضل حتى يصبح بعيداً عن عالم الجرائم وجد نفسه بعمقه وتحققت أكبر مخاوفه أن يكون جزءاً منه، عليه أن يرى القتل والسرقة وكل أعمال مخالفة القانون دون أن يعارض بل على العكس عليه أن يكون جزءاً من العملية والأسوء إنه بات يشعر بانتمائه لذلك العالم، عندما يقول لمعالجته النفسية : (في السجن تعلمت إن المجرم لا ترتجف يده حين يتحدث عن الجرائم عندما أنظر لنفسي أرى يدي لا ترتجف)  هذا الشعور بالتخبط الذي يعيشه كوستيغان حول حقيقته ممزوجاً بعدم الأمان بعد أن يدرك إن الأمور متداخلة ببعضها بشكل مريب بالأخص إن الشخص النزيه الوحيد الذي يعرف حقيقته جيداً قد قتل يدفعه لمحاولة الانتحار والهرب ثم وبعد أن تنتهي معاناته يصبح لديه هدف واحد استعادة هويته ، أن يمحو ماضيه ، أن يثبت لنفسه وللعالم إنه ليس ذلك الشخص المجرم، يرفض المال وكل شيء ويسعى بشكل حثيث لاستعادة هويته ، بل إنه يؤمن بها ويتعامل على أساس إنه شرطي وإن هذه هي هويته الحقيقية، إن تعقيد الحبكة الدرامية وعمقها يرينا كيف إن كوستيغان رغم رفضه لهويته المزيفة وتمسكه بهويته الحقيقية ولكن كل ما يقوم به وكل أعماله هي للحفاظ على هويته المزيفة وعدم كشف هويته الحقيقية بل يسعى لكشف الهوية الحقيقية للآخر المزيف (سوليفان) الذي يسعى على عكسه على الحفاظ على هويته المزيفة وطمس الحقيقية وذلك بكشف الهوية الحقيقية للآخر أيضاً كوستيغان.
شخصية سوليفان تحظى هي الأخرى بعناية دراميا ممتازة فذلك الطفل الذي نشأ بحي كاستيلو فيه كل شيء ووصل إلى أعلى المراتب بحياته الوظيفة بمساعدة الجريمة ووجد إن الحياة الراقية تختلف كلياً عن الحياة الفقيرة التي عاشها لم يعد مستعداً أن يتخلى عن رفاهيته ورقيه ناسياً إن وصوله لتلك المرتبة ليس له سوى هدف واحد هو حماية كاستيلو ولكن استمراره بحماية كاستيلو سيجعله يخسر كل شيء وكل ما وصل إليه وإذا تخلى عن كاستيلو فذاك لن يوفر فرصة لتدميره وإعادته كما كان ولا يوجد حل أمامه سوى كشف هويته العميل المزيف وقتله ولكن الأمور ليست كذلك فقط فالعميل المزيف ليس هو مصدر الخطر الحقيقي هناك الفأر الكبير كاستيلو هو التهديد الحقيقي للجميع وهو العميل الأكثر زيفاً بينهم ..

بعد عملين باذخين بصرياً في زمنين مختلفين كان من المثير عودة سكورسيزي لتقديم عمل معاصر والمثير أكثر إن سكورسيزي حين عاد لذلك العمل عاد بأسلوبيته القديمة نفسها، لم يحمل معه الأسلوبية الباذخة المبهرة من العصابات والطيار بل لعاد لأساليب السينما المستقلة البسيطة التي قدم من خلالها روائع في الثمانيات والسبعينات، فأخرج فيلم الراحل بنفس الروح التجريبية المندفعة التي أخرج بها شوارع قذرة وكأنه عمله المهم الأول الذي يحمل به مفتاح الدخول للأضواء، فكان هناك واقعية صرفة بتعقيد العلاقات وبأشكال الشخصيات والحوارات والعبارات والأماكن ومعه مايكل بالهاوس بالتصوير وثيلما ستوميكر بالمونتاج و هاورد شو بالموسيقى كلهم قاموا بنفس الجهد لتقديم ثورة واقعية تجريبية بالعمل ، فتصوير مايكل بلهاوس واقعي لدرجة تجعلك تلمس الشوارع وتشم رائحتها وينجح بسحبات التصوير السريعة والمركبة وبأسلوب إضائته العاتم الكئيب من أن يقدم أجواء وحشية عاتمة مخيفة ومربكة ويقدم لك كاستيلو كشخص لا تمسه الأيدي.
في حين إن شريكة سكورسيزي بمسيرته الفنية والحائزة معه على ثلاث جوائز أوسكار أخرها عن هذا العمل المونتيرة ثيلما ستوميكر تقدم ثورة بالمونتاج بهذا العمل وأفضل مونتاج خلال الألفية كلها فتركيب الصور بهذا العمل ليس لمجرد رواية القصة بطريقة جذابة بل إن حركاتها السريالية التجريبية غرضها الربط الفكري بين المشاهد والأحداث والتلاعب الزماني بينهم لنرى تأثير الحدث على الشخصيات وعلى المجرى العام للعمل وخلق تفاعل حاد بين المشاهد والعمل، وإعطاء بعد درامي أعلى للعمل بتقديم قصتين متوازنيتن عن شابين يختار كل منهما طريقه في الحياة، وبنفس الوقت تقدم إثارة وجاذبية مفرطة للعمل.
ملحن سيد الخواتم هاورد شو لا يقدم لسكورسيزي مجرد ألحان بل يقدم له ما يعشقه سلسلة من أغاني الرولينغ ستون الشهيرة والتي يتم استخدامها بطريقة ممتازة لرواية العمل مع مقطوعة موسيقية رائعة وحنونة من تلحينه تحوي شي من الرخص ممزوج بالبساطة الشعبية .
أحد أسباب نجاح العمل الرئيسية هي نص وليام مونهان السحري طريقته بتحويل النص الصيني إلى الأمريكي وفق منهجية تلائم سكورسيزي، التعمق الكافي بالحدث والشخصيات وواقعية الأجواء والحوارات ونفس الإثارة الموجود بالعمل مع التلاعب بالحوارات والمشاهد بطريقة ممتازة جداً ومشوقة ..    نحن نتحدث عن فيلم لسكورسيزي فلا بد أن يكون التمثيل عنصراً مذهلاً بالعمل وهذا ما كان، فليو دي كابريو الممثل المفضل عند سكورسيزي يؤدي أفضل أدواره على الاطلاق من خلال شخصية بيلي كوستيغان فيتحكم بملامح وجهه وصوته وانفعالاته بشكل لا يقدر عليه سوى كبار الممثلين ويشعرنا بالضغط الذي يعيشه والذي يحشره ويدفعه إلى الانفجار بذلك العنف والصراخ والضجيج الذي يكون بأغلب الوقت تنفيس عن معاناة وقهر يشعر بهما، بنيما مات ديمون بدور (كولن سوليفان) فلم يكن بامتيازه المعهود ولكن لم يكن سيئاً كان متوازناً بدون إبهار فعدم احتواء شخصيته على صخب باقي الشخصيات والمليل للهدوء والتلاعب الخفي وكبت المشاعر هو ما منعه من إطلاق مكنونات أدائه الممتاز فكان بعيداً بدرجات عن أداء دي كابريو ولكنه لم يكن سيئاً أبداً.
مارك ولبيرغ بدور ديغمان كان مفاجئة العمل الحقيقية، فشخصية ذلك الشرطي العصبي المجنون الغريب الأطوار البذيء اللسان نجح ولبيرغ بنقلها من إطار الشخصية الثانوية لتصبح شخصية رئيسية بل وشخصية رمزية مهمة بالعمل فهي لا تشير سوى لأمريكا الحقيقية التي تبدو عليها النظافة والأناقة من الخارج ولكنها قذرة من الداخل رغم كل الرقي الذي وصلت إليه، هذه الشخصية المجسدة لحقيقة الحلم الأمريكي تسخر من كوستيغان حين قال العائلات تكبو وتنهض في أمريكا فأمريكا ليست كذلك، أمريكا قاسية لا تعرف الرحمة أو الود، أمريكا تطبق القانون والعدالة بنفسها وطريقتها ومن منطلقها الخاص وبوسائلها الخاصة البعيدة عن القانون ، أمريكا لا تعرف مواقفها ولا اتجاهاتها وتفاجئك بتصرفاتها، هذه هي أمريكا المختصرة بديغمان وهذا ما فهمه ولبيرغ من الشخصية فقدم تلك القسوة والعنف والشدّة والبذائة المطلوبة من الشخصية بطريقة قوية وعنيفة جداً وعفوية ولكن جذابة ومانحةً الشخصية جاذبيتها الخاصة.

في السنوات الأخيرى أصبح وجود فيلم رائع بدور ثانوي شرير أمراً اعتيادياً ولكن ممتعاً في كل عام بالأخص وإن كل شخصية تعطي الشر وجهه الخاص، فقبل هزلية كريستوفر والتز وجنوح هيث ليدجر وبرودة خافيير بارديم كان لدينا سطوة وتلاعب جاك نيكلسون بدور فرانك كاستيلو ، فرغم تخطيه السبعين ما زال جاك نيكلسون – عفواً الأسطورة جاك نيكلسون – قادراً على تقديم شخصية بقوة الشباب وباتقان يتجاوز اتقان أي ممثل على الأرض – هو الشخص الوحيد الذي يستطيع القيام بما يقوم به – وهو الشخص الوحيد الذي يستطع أن يعطي هذا العمق الدرامي للشر يمزج به بين الابتذال والوحشية والسطوة والهيبة والحنان الخفي والقوة المفرطة وعدم الائتمان ثم الانهيار التدريجي للجنون والأمتع إنه يقدم هذه الانتقالات بمشهد واحد، نيكلسون قد بهذا الدور أفضل أدواره منذ شروق كوبريك   جعل سكورسيزي يقول : (لماذا لم أعمل معك في السابق؟) ..
طبعاً لا يمكننا نسيان ورع مارتن شين وعدم مبالاة أليك بالدوين ووحشية راي وينستون و حنان فيرا فارميغا حين نتحدث عن الأدوار التمثيلية ضمن طاقم هو أحد أفضل الطواقم التمثيلية على الاطلاق ...
لا أعرف بعد هذا كله لماذا تم اعتبار فوز الراحل بالأوسكار مجرد تكريم لسكورسيزي عن مسيرته لا تكريم لعمل يستحق التتويج بأكثر من أربع جوائز أوسكار ، ربما قوة عام 2006 وتنوع الأعمال المبهرة ولد هذا التشويش رغم إن ثورة سكورسيزي بفيلمه تتجاوز كل أعمال العام بمسافات ضوئية ، ربما طقوس نيله الأوسكار بتسليمه له من ثلاث مخرجين عمالقة صعدوا معه في السبعينات (كوبولا، سبلبيرغ، لوكاس) جعل المشاهد يخلط بين تكريم لمخرج وتكريم لانجاز خاص له رغم إنه كانت النية واضحة منح سكورسيزي الجائزة كتكريم له بشكل عام وتكريم لإنجازه الخاص الراحل الذي يستحق التكريم بكل المعايير الفنية عمل كلاسيكي وتحفة فنية سينمائية حقيقية.

Best 10 Movies - 2006
The Departed 
Pan's Labyrinth 
Babel
Life of others
The Queen
VENUS
Little Miss Sunshine  
Letters From Iwo Jima -  Flags of Our Fathers 
Children Of Men
United 93

0 التعليقات:

إرسال تعليق