RSS

A Separation - 2011


أثناء استلامه لأوسكار أفضل فيلم أجنبي في أخر حفل أقامته أكاديمية العلوم والفنون الأمريكية قبل حوالي الشهر قال أصغر فراهيدي مخرج الفيلم الإيراني انفصال (إنه بعيداً عن السياسة فإن الشعب الإيراني لا يختلف عن شعوب العالم ويحمل الكثير من الحب والاحترام لها) وهذه المقولة تأتي ترسيخاً إلى حد بعيد لمقولة الفيلم، فالعمل الذي نال مديحاً عالمياً بدءً من استحواذه على ثلاث جوائز في مهرجان برلين السينمائي وتتوجيه بالبافتا البريطانية والغولدن غلوب والأوسكار الأمريكي هو ليس عملاً يناقش القضايا الإيرانية الشائكة في العالم الديمقراطية فيها سلطة ولي الفقيه العلاقات المضطربة مع الجوار العرب ومع الغرب القلق وقضايا التسلح النووي والتشدد الديني، بل هو عمل يدخل بعمق شديد بحياة الناس الطبيعيين ويظهر كم هم طبيعيين لدرجة ستجعلك تشعر إنك تعرفهم جيداً.

ليس من الضروري أن تكون إيراني حتى تعجب بالعمل وليس هو العمل الجدلي الإشكالي حتى يلفت نظرك وهنا تكمن قيمة العمل، في أغلب الأحيان يستحوذ الفائز بأوسكار الفيلم الأجنبي على جانب إشكالي وربما جدلي يجعله يكسر حاجز اللغة والبيئة بينه وبين المشاهد الأمريكي ليصل إلى تكريمه الأهم كقضية فشل الأفكار الثورية التحررية في الكندي (غزوات بربرية) أو إشكالية الموت الرحيم في الإسباني (البحر في الداخل) وواقع الحياة تحت وطئة القمع الشيوعي في برلين الشرقية في (حياة الآخرين)، ولكن هنا أصغر فراهيدي يقوم بالعكس يكسر كل حواجز الاختلاف مع العالم بإصراره على الابتعاد عن الإشكالية والسياسية والجدلية (رغم إن بداية العمل توحي بذلك) وبإصراره على أن يكون إنساني بالكامل، سيمين ونادر يريدان الانفصال لأن سيمين تريد الانتقال إلى الخارج طمعاً بحياة أفضل ونادر يريد البقاء بإيران لتعلقه بوطنه وإصراره على أن تتربى أبنته ضمن بيئته وعالمه ولأنه لا يستطيع أن يتخلى عن والده المصاب بالزهايمر، قرار يتخذانه بكلمة وينفذانه بتوقيع ولكن تبعات هذا القرار وما يفجره ستكون أكبر من أن يتحملاه هما وأبنتاهما ذات الحادية عشرة تيرميه التي يحاول والدها أن يربيها كأي أب بصورة شديد المثالية وأن يكون أمامه بغاية المثالية رغم إنه – كأي إنسان آخر – ليس مثالي أبداً ويحمل الكثير من العيوب.
العمل سيجعلك تنسجم تماماً معه وأنت تتابع حياة شخوصه وكأنك تتابع تلفزيون الواقع بل وتعيشها أيضاً، شخصيات حقيقية بالكامل تتنازع فيها الكرامة والاعتزاز والخوف والسعي للنجاة ومحاولة الظهور بثوب المثالية والطهارة رغم ما قد يكلفك ذلك من ضريبة معاكسة تماماً للهدف الذي تريده، إلى أي حد الإنسان يريد المثالية والبراءة ؟ هذه هي المقولة التي يريد العمل أن يقولها، هل هو مستعد ليظهر بشكل المثالي والضحية أن يكذب و يحتال و يتلاعب ويزور و يستغل الدين؟ وإلى أي حد نستطيع النجاة بأفعالنا وما هو معنى البراءة؟ هل هو حكم تقرره المحكمة أم إنه موقف أخلاقي؟ أفكار ناقشها فراهيدي بعمله وناقشها الكثير قبله ولكن ما يميز عمل فراهيدي هي أسلوبية المناقشة، لا يوجد لغة سرد تقليدية لا يوجد مكاشفات ولحظات انفعال وانفجارات مشهدية، العرض الواقعي اليومي المبسط المحكم لأحداث العمل هي من تتكفل بذلك وهي تحمل بجوانبها وطياتها الكثير والكثير لتقوله.

نادرأثناء محاولاته القيام بدوره المنفرد كابن بار ووالد فاضل بغياب زوجته يقع بمآزق ومطبات لم يتوقعها، أحداث عادية قد تحصل مع الكثيرين ولكن فراهيدي يقدمها بطريقة وأسلوبية مثيرة تجعلها جذابة للمشاهد ومشوقة له، رتم العمل مضبوط ولا يهدأ ومتصاعد باستمرار ضمن سيناريو ممتاز جداً ومحبوك بطريقة رائعة، قد لا يكون فيلم إثارة أو فيلم قضية ولكنه سيبقى جذاب للمشاهد المختص والعادي الإيراني والأجنبي لروح الإنسانية المبهرة التي يحملها، توليفة اتقنها فراهيدي بين الشكل الواقعي البحت والجانب الفكري العميق والروح الإنسانية العامة، الشخصيات ليست استثنائية أو مثالية أو جذابة للمشاهد والأحداث ليست خارجة عن المألوف ، ما ستراه بالعمل ستراه بالحياة الواقعية وربما عشته ولكن فراهيدي يجعله جذاباً للمشاهد وحقيقي لدرجة الصدمة ومثير وجذاب جداً له بحقيقته لا باستثنائيته.
العمل لا يحمل الجانب البصري المبهر بحركة متعمدة من فراهيدي، بصرياً هو أشبه بشريط وثائقي وتسجيل فيديو منزلي الاعتماد الحقيقي بقوة العمل على أجواء الواقعية على تماسك السيناريو على انسجام الممثلين وقد حقق ذلك، فريق الممثلين بالعمل رائع جداً ويستحق الثناء وقدم أدوار وأداءات استثنائية فعلاً، هو فعلاً من الأعمال الممتازة التي تستحق الثناء.  

0 التعليقات:

إرسال تعليق