RSS

E.T.: The Extra-Terrestrial - 1982


حين نذكر مخرج بحكم ستيفن سبلبيرغ نقع بحيرة تصنيف العمل الأهم بمسيرته والأكثر ارتباطاً به فمن الممكن أن يكون الفيلم الذي أطلق شعبيته (Jaws ) أو الفيلم الذي نال عنه أول ترشيح للأوسكار (اللقاءات القريبة من النوع الثالث) أو فيلمه الأكثر شعبية (أنديانا جونز) أو الأعلى أرباحاً (E.T.: The Extra-Terrestrial) أو الأكثر ظلماً (اللون القرمزي) أو الأكثر فوزاً (Schindler's List ) أو الأكثر ثورية (الحديقة الجوراسية) أو الأكثر مديحاً (إنقاذ المجند رايان) أو الأكثر جرأة (Munich ) الأمر محير بين هذه المجموعة المتنوعة بين كل الصنوف السينمائية ولكن بالنسبة لي اختار وبلا تفكير فيلم الاتصال الخارجي (E.T.: The Extra-Terrestrial) العمل السبلبيرغي الأكثر امتاعاً وجمالاً ودرامية ومتانة فنية، الفيلم الذي رغم انتمائه لنوعية الخيال العلمي ولكنه ليس مجرد عمل خيالي بسيط أو طفولي بريء فمع جنوحه الخيالي المتقن هناك أحد أكثر القصص درامية وتأثيراً في السينما وهذا ما جعله من أفلام الخيال العلمي النادرة التي تصل للترشيحات النهائية للأوسكار وقد فاز بأربعة منها (أفضل تصوير و موسيقى ومؤثرات و مونتاج) عدا كونه قد فاز أيضاً بجائزتي غولدن غلوب أفضل فيلم وموسيقى.
 
موضوع الفضاء وسكان الكواكب الأخرى كان وما زال أكثر المواضيع فضولاً لدى البشرية هذه القضية لقيت حضوراً سينمائياً كبيراً منذ الخمسينات وفيلم حرب العوالم ثم أوديسا الفضاء في الستينات وكل أفلام تلك المرحلة وبعدها تقريباً كانت تعطي للفضاء صورة سوداوية مخيفة حتى إطلاق جورج لوكاس لحرب النجوم في عام 1977 الذي أعطى للفضاء جواً شعبياً مرحاً وفي نفس العام كان صديقه سبلبيرغ قد قدم فيلم (اللقاءات القريبة من النوع الثالث) عن زيارة يقوم بها سكان الفضاء للأرض وتصول حالة الهوس بسكان الفضاء من قبل أهل الأرض مستغلاً موهبته وسمعته كفنان إثارة وتشويق متميز بعد المبارزة عام 1971 و فكاك عام 1975 لينقل التشويق الهيتشكوكي المحترف فيه من جانبه السوداوي إلى عوالم أكثر جمالية وألفة وخيالية وعاطفية رافضاً وصفه كهيتشكوك الجديد ومصراً على صنع هوية خاصة به تعتمد على الشعبية والاتقان والابتكار والتنوع بدأت تتكامل ملامحها بفيلم المغامرات المذهل أنديانا جونز عام 1980 حتى يجبره النص الرائع لماليسا ماثيسون (زوجة هاريسون فورد السابقة) للعودة مجدداً إلى أفلام الفضاء والاتصال الفضائي من خلال فيلم (E.T.: The Extra-Terrestrial) الذي أصبح من أجمل أفلام الفضاء رغم إنه يدور كاملاً على الأرض .
الفيلم عرض في أقوى أعوام الثمانينات عام 1982 إلى جانب أختيار صوفي و غاندي و توتسي ولم يصبح ظاهرة شعبية يومها (كأفتار اليوم) فقط لثورية قصته وروعة مؤثراته بل للجوانب الإنسانية والدرامية العديدة التي يقدمها ضمن جو من البساطة والقرب من العواطف جميع الناس الكبار والصغار كحال أفلام ديزني اليوم، الفيلم لا يأخذ من الخيال العلمي سوى شكله الظاهري بينما تفاصيله غارقة بالدراما العميقة المؤثرة عن قصة فتى يبحث عن تحقيق الذات وعن العثور عن التعويض عن فقدان الأب ويجد ذلك كله ضمن علاقة فريدة من نوعها مع كائن فضائي تركه طاقمه أثناء زيارة استكشافية للأرض ، هذه النزعة الدرامية التي يبرزها سبلبيرغ بفيلمه تبدو واضحة من المشاهد الأولى حين نرى الفتى أليوت يحاول أن يكون جزءً من اصدقاء أخيه الأكبر سناً ولا يقابل سوى بالاضطهاد والسخرية ثم نكتشف تخلي والده عنه وعن عائلته والتركيز على انعزاليته – لم نلاحظ له أي صديق طوال العمل – كل ذلك يقدم أساس متين لدراما العمل التي تتفاعل مع قدوم ذلك الكائن الفضائي الذي يجد فيه أليوت شيئاً مميزاً وفرصة لإثبات ذاته أمام الآخرين فنراه يتجه إلى أخيه الأكبر ولا يرضى أن يريه الكائن الفضائي قبل أن يقسم أعظم الأيامين على إن يمنحه السلطة المطلقة ثم يثور على أخته الصغيرة حين تحاول استغلال ذلك الفضائي كلعبة لها، ويردد كلمة (لقد جاء لي) حين يحاول أعضاء وكالة ناسا القبض عليه بالأخص إن الكائن الفضائي يستغل أليوت ليصبح صلة شعورية بينه وبين الآخرين والوسيلة للاتصال بينه وبين الفضائين.
هذا التفاعل الانساني الدرامي المبهر بالعمل بين الكائن الفضائي  يشتد حين يركز سبلبيرغ على التغيرات التي يحدثها ET  بحياة إليوت من خلال الترابط الشعوري بينهم حيث يعطي إليوت القوة ليصبح مؤثراً بمن حوله ليصنع أصدقاء جدد ليدخل عالم الحب ليصنع له قضية والمذهل بسبلبيرغ إنه يقدم بمشهد واحد (مشهد تحرير إليوت للضفادع).
الفيلم ينجح بصنع حالة درامية عالية بين المشاهد والشخصيات بفعل البناء النفسي المتقن لشخصية إليوت وبصنع بيئة درامية قريبة للمشاهد فالعائلة ليست مثالية أو هوليودية عائلة عادية وواقعية جداً ثم تفاعلها مع E-T يجعل أحداث الفيلم (الخيالي) واقعية جداً ومنطقية بعيداً عن التطرف والمبالغة الخيالية حيث يتصرف آليوت كأي صبي عادي يمر بهذه المغامرة، ثم صناعة سبلبيرغ لشكل الكائن الفضائي (استوحى شكله من انشتاين) الذي ورغم دمامته ولكنه غير مفزع ملامحه الغريبة تحوي إشفاق وشيء من الإنسانية (سبلبيرغ ينجح بصنع ذلك فقط من خلال شكل العينين) ثم التركيز على ردود فعله وتصرفاته الظريفة تجعله أليفاً جداً للمشاهد ومحبباً ليس فقط كحيوان أليف بل سبلبيرغ يتجاوز ذلك ليجعله صديق حقيقي ومخلص.
سبلبيرغ صنع بالفيلم شيءً خاصاً للأطفال ليس فقط من حيث بطل القصة بل بالكثير من الأشياء كتوزع البطولة بين الأطفال الثلاثة المنتمين لثلاثة أعمار مختلفة يجعله قريباً لأكبر شريحة ممكنة من الصغار بالأخص إنه يجعلهم مؤثرين وفاعلين بالعمل من خلال أشيائهم الخاصة فمن خلال ألعاب إليوت يصنع E-T جهاز الأرسال ويهرب إلى مركبته مع إليوت من خلال دراجة هوائية تحلق في السماء وقيادة الأخ الأكبر الرديئة للسيارة تكوين وسيلة للتخلص من المطاردة ويترافق ذلك مع عدم إظهار أي شخصية بالغة بالعمل كاملةً حتى بعد مرور 100 دقيقة باستثناء والدة إليوت التي لا ترى ذلك المخلوق عدة مرات رغم إنه موجود أمامه جاعلاً سبلبيرغ من العمل ساحة هيمن عليها الأطفال وجعله عالمهم الخيالي رغم إن كل ظروفه واقعية وهذا وقعه أكبر من كون ظروفه وموقعه خيالية فهو يعطي إنطباع بالواقعية بالحتة بأنه ليس حلم بل هذا الحلم اصبح واقعاً واستحضار حرب النجوم متعمداً بالعمل له هذا الهدف التركيز على واقعية القصة فحين يستخدم الأطفال بحديثهم كلمات من الفيلم الشهير وحين يندفع E-T نحو أحد الأطفال المتنكرين بشخصية الحكيم يودا من حرب النجوم أثناء الهالويين فهذه ليست فقط تحية من سبلبيرغ لصديقه ومكتشفه لوكاس ولكنها رسالة لا شعورية من سبلبيرغ تقول : (حرب النجوم هو الفيلم وهذا هو الواقع ... هذه مغامرة حقيقية لكل من أحب فيلم حرب النجوم الخيالي).
رغم عدم احتواء العمل على أحداث وتحولات غير تقليدية ككل أفلام المغامرات ولكنه شديد التأثير سبلبيرغ ينجح من خلال بعض الأحداث البسيطة الاعتيادية – كمحاولات إخفاء E-T أو اقتحام رجال الناسا للمنزل أو الهرب بالدراجات الهوائية – صنع إثارة عالية وتشويق وبنفس الوقت شديد الشاعرية والتأثير بالأخص مع الصناعة البصرية المتقنة التي يقدمها سبلبيرغ في زمن لم يعرف فيه الناس 3D فكل مشهد من هذا الفيلم لوحده لوحة فنية شديدة الجمال ، كل مشهد يحتاج لدراسة خاصة بصناعته حيث كل العوامل الفنية وصلت للقمة بشكل غير مسبوق، فالإخراج الفني الرائع والتلاعب بالألوان والإضاءة والتصوير المبهر وسحبات التصوير الطويلة ثم المونتاج المبهر ومعه موسيقى العبقري جون ويليامز المبهرة والرائعة كله يجعل أجواء شديدة الفنتازية والإبهار، ويزيد من جمال الفيلم الأداءات التمثيلية الرائعة من الطاقم العبقري رغم صغر سنه درو باريمور بدور جيبرت الأخت الصغرى لأليوت لا تشعر بها تمثل بل شديدة العفوية والتلقائية والقرب للمشاهد بل ردّات فعلها الظريفة تصنع جاذبية خاصة للعمل، هنري توماس بدور أليوت ممتاز جداً موهبة رائعة وأداء عفوي ومؤثر شديد الأمتياز
الفيلم يحوي كل ما يحلم المشاهد رؤيته بفيلم سينمائي هناك لحظات شديدة الفكاهة بالأخص حين تلتقي أخت إليوت بـ ET ولحظات مرعبة ومثيرة جداً – كمشهد دخول رجال الناسا لمنزل إليوت – لحظات أخرى وكثيرة جداً مؤثرة ويكفي المشهد الآخير وداع E-T وأليوت حيث يلمس كل منهما سبابة الآخر على شكل لوحة بدء الخليقة الشهيرة التي تجسد قدوم الحكمة للإنسان من السماء، تلك السبابة نفسها عالج بها E-T أليوت من جرح أصابه وكأن سبلبيرغ يقول إن E-T عالج أليوت من أشياء كثيرة غير ذلك الجرح وقدم له هداية كثيرة غير تلك المغامرة الرائعة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق