RSS

Fight Club - 1999



إن أردنا إحصاء أفضل الأفلام النفسية للتسعينات فيمكننا أن نميز ثلاثة أفلام هي صمت الحملان لجونثان ديمي ونادي القتال وسبعة وكلاهما لديفيد فينشر، إخراج مخرج واحد لفلمين مثل سبعة ونادي القتال وبمدى لا تفصل أربع سنين بينهما هو أمر صعب بالأخص إن كلا الفلمين يناقشان نفس الأفكار ويطرحان نفس المواضيع حول الفراغ والعزل الحضري والعنف والجريمة وسلبيات المادية الحديثة بالإضافة إلى خلق مناجاة مميزة مع أفضل فلم نفسي بتاريخ السينما سائق التكسي، كان من الممكن أن يقع فينشر بمأزق التكرار ولكنه أبرز بنادي القتال إنه مخرج محترف بحق ومن أهم مخرجي جيله فرغم تشابه أفكار الفلمان إلا أنهما متباينان ومختلفان وكل منهما تم صنعه بأسلوب مختلف،

ففينشر نجح بوضع الأفكار التي يهواها بقالب جديد ومختلف ومتميز وأن يظهرها بصورة أكثر عنفاً وقوة وصرامة تجاوز بها روعة ما قدمه في سبعة وخلق أمامه تحدي الاستمرار وتجاوز روعة عمله المذكور وامتيازه وربما الإجازة الحالية التي يأخذها من الإخراج هي فرصة له للبحث عن نصوص جديدة ليعود بشكل جديد ولما لا ونحنا اللذين تعودنا على فيشر جديد ومختلف في كل فلم جديد ومختلف. الاختلاف بين فلما سبعة ونادي القتال واضح جداً للعيان يبرز من اللحظات الأولى للعمل، هناك اختلاف واضح في البداية وفي عرض القصة في حين بقيت الخاتمة معتمدة على صدمة مفاجئة تزيد الفلم روعة، فمشهد البداية في نادي القتال يبدأ بلقطة من نهاية العمل ثم يبدأ العمل بصورة طبيعية ونحن نلاحق البداية - النهاية وهذا الشيء لم يكن موجوداً في سبعة الذي تثير أحداثه بطريقة تقليدية ولكنها تتميز بالتشويق والإثارة منذ بدايتها حتى نهايتها في حين أن سير الأحداث في نادي القتال طويل بعض الشيء والأحداث فيه لا تحظى بتطورات دراميا كثيرة ومفاجأة كما في سبعة إلا في الثلث الأخير من العمل ولكن الملل لا يتسلل إلى قلوبنا ونبقى مشدودين لنعرف النهاية الرائعة التي تظهر بشكل موجز بالبداية وسنقع أسيري الحوارات الصارمة والعبارات الدرامية الجريئة والأفكار الصارخة الجديدة والمفاجأة وببناء الشخصيات المتقن والقصة الجديدة والأحداث الغريبة الفنتازية السريالية التي لم نرى مثلها سابقاً، وخلال سير العمل نرى العديد من الإيحاءات لا نفهمها إلا بعد نهاية الفلم حيث تكون تلك الإيحاءات إشارة إلى الخاتمة، حتى في الإخراج سنلحظ اختلاف بين سبعة ونادي القتال ففي إخراج نادي القتال هناك لمسة العبثية المذهلة التي لا نلاحظها نادراً في غير أفلام والتي ناسبت أحداث العمل وقصته الرائعة، ولكن هذا كله لا يصنع روعة نادي القتال بقدر ما هي الجرأة والمتانة والقوة التي استعملها فينشر بطرح فكرته وتقديم أفكاره التي شاهدنا سابقاً بأفلام غير هذا الفلم ولكننا لن نشاهدها أبداً بهذه القوة وهذه الجرأة والعنف كما شاهدناها بهذا العمل وهذا ما يصنع روعته وجماله وقيمته.افتتاح الفلم بموسيقى الهارد روك الصاخبة والتصوير يبدأ بطريقة فريدة مصنوعة بالحاسوب من داخل العقل بطريقة جميلة حيث تنسحب الصورة من داخل العقل من فتحة الأنف إلى ظهر المسدس الذي يضعه (تايلر دوردن) داخل فم الشخصية الرئيسية التي تقول بطريق الراوي : (في تلك اللحظة لم أكن أفكر بشيء سوى هل المسدس نظيف أم لا)، وتبدأ الأحداث بالعودة إلى الوراء عن طريق صوت الشخصية الرئيسية لنتعرف عليها دون أن نعرف طول الفلم ما هو أسمها الحقيقي رغم أن هناك إيحاءات كثيرة إلى أن اسمه (جاك) كانت القصص الجنسية القصيرة، نتعرف على الشخصية الرئيسية شاب بمقتبل العمر يعمل في وظيفة روتينية بشركة سيارات ضخمة ومرتبه ممتاز يعيش في شقة مستقلة ولكنه مع ذلك ليس سعيد ويعاني من الأرق بسبب روتينية حياته وفراغها، طبيبه النفسي يرفض وصف حبوب منوم له لأن مشكلته نفسية وليست عصبية ويقترح عليه الحل بالذهاب إلى حلقات علاج السرطان في الكنيسة البروتستنتية حتى يقابل مرضى السرطان الموجودين هناك ويتحسن شعوره اتجاه نفسه واتجاه حياته ويتعرف هناك على (مارلا) الشابة التي تعاني من فراغ بحياتها هي الأخرى والسطحية وانعدام الشخصية الكئيبة التي لا تخلع الملابس السوداء والتي تتمنى الموت بأي لحظة وترتاد حلقات علاج السرطان حتى تكون متهيئة حين يأتيها الموت، بحكم عمل الشخصية الرئيسية فإنه يسافر كثيراً ويتعرف على أناس كثر تكون علاقته بهم سريعة الانتهاء إلا شخص واحد لفت نظره هو تاجر الصابون الساخط على كل شيء والمعترض على كل شيء والذي لا يعجبه شيء والذي يحمل أفكار مجنونة تكفي لتدمير العالم هو (تايلر دردن) وهو الوحيد الذي أخذت الشخصية الرئيسية رقم هاتفه لمتابعة الاتصال به، وفي اليوم الذي تتعرف به الشخصية الرئيسية على تايلر يعود إلى منزله ويراه وقد تم تفجيره بفعل ماس كهربائي، الشخصية الرئيسية لا تعرف أحداً بالمدينة تقطن لديه سوى تايلر دردن الذي تعرف عليه تواً والذي يوافق على إيوائه لديه مقابل أن يتعاركا وتعجب الشخصية الرئيسية فكرة العراك التي يراها طريقة ناجحة لتفريغ غضبه من المجتمع وباعتبار أن العراك يجري في الشارع فينجذب لهم الناس في الطريق ويشاركوهم فيه وينشأ كلاً من تايلر والشخصية الرئيسية نادي القتال ويضعان له قوانين وقواعد ويزداد عدد المنتسبين المهووسين بالقتال وبأفكار تايلر المجنونة.المشاهد بإمكانه أن ينجذب لنادي القتال من عدة نواحي ينجذب له بفضل ثوريته وتجديده إن كان بأحداثه أو طريقة عرضه وحواراته وشخصياته وخاتمته الممتازة الصادمة، وبإمكانه أن ينجذب لأفكاره الثورية الجريئة الصارمة، عند مشاهدتنا لنادي القتال لن نهتم لهذا النادي بقدر ما سنهتم إلى نماذج أعضائه وأفكارهم وإلى ما يرمزون إليه، فأعضاء نادي القتال جميعهم شباب بمقتبل العمر يعملون بوظائف متدنية المستوى (ندلاء بالمطاعم ، مصلحي سيارات ، رياضيين معتزلين ، رجال شرطة ، حراس عمارات ، عمال نظافة، موظفين بوظائف روتينية) أولئك الشباب الذين تصفهم الشخصية الرئيسية بأنهم (جيل المستهلكين) ويتحدث عنهم (تايلر دردن) : (نحن جيل نشأنا ونحن نعتقد أننا سنصبح مغني روك و نجوم سينما، نحن لم نصبح ذلك، وقد أدركنا ذلك الآن ونحن غاضبين جداً) إن تلك الكلمات رائعة جداً بوصف مشكلة الجيل الأمريكي الحديث بل جيل الشباب كله الذي وقع فريسة الإعلام الذي راح يسوق لثقافة وأفكار غير واقعية أسرت المراهقين الذي هم الآن شباب أدركوا أن أحلامهم مستحيلة التحقق وأدركوا إنهم كانوا مخدوعين وإن تلك الأكذوبة الكبيرة التي يعيشون بها هي سبب فشلهم بحياتهم وهي سبب الفراغ والعزلة النفسية التي يعيشونها وهم الآن غاضبون جداً فعلاً كبركان محتقن على وشك الثورة والانفجار فلا عجب أن نراهم جميعاً ينجذبون إلى فكرة إقامة نادي قتالي ينهكون به بعضهم ضرباً حتى يفجرون به غضبهم وليس غريب أن يزداد عددهم بشكل سريع جداً ، ولكن هذا الجيل في لحظة غضب من زعيمه قرر أن تفريغ الغضب بعضهم من شأنه أن يذهب طاقتهم التي يمكن لهم أن يستغلوها في مواجهة المجتمع الذي حولهم إلى هذه النماذج فكان اختراع (تايلر) الجنوني لـ(مشروع الفوضى) الذي كان بديلاً عن نادي القتال راح يعد فيه أعضاءه بخطابات تزيد حنقهم وغضبهم على المجتمع يقول فيها : ( أنتم ديدان الأرض العديموا الفائدة، أنتم حثالة هذا المجتمع)، إن تلك الصدمة التي وقع بها جيل الشباب خلقت عندهم ردة فعل عنيفة ضد جميع قيم المجتمع فرفضوا كل شيء حتى الأسرة فهم وكما يقول الناطق بلسان هذا الجيل (تايلر) : (نحن جيل ربته النساء ... فماذا ستنفعنا امرأة أخرى؟!) إن الفكرة التي ينادي بها هذا الجيل وزعيمه (تايلر) العودة إلى البدائية الأولى وحياة المشاع وإلغاء جميع القيود التي تربط الإنسان وان يعيش كأي حيوان آخر فهم جميعاً حسب فلسفة (تايلر) الداروانية (قرود).فلم نادي القتال يجعل من الإعلام هدفاً لسهامه الناقدة الحادة واللاذعة هو ينتقد سيطرة الإعلام على جيل وكيف يحولهم إلى عبيد عنده ويسيطر على عقولهم ويسيرهم في السياسة المادية الربحية التي ينشدونها والتي تجعل الجيل مهووساً بالمظاهر والسطحيات حتى تغدو جزءاً رئيسياً من حياتهم، إن الهوس بالمادية والجنس خلق الفراغ بحياة الشخصية الرئيسية جعلها بلا عواطف تعاني العزلة والكآبة فالجميع منشغل عنه بالسعي وراء الماديات والجنس لدرجة أوقعتهم بالوحدة والكآبة وفريسة مرض العزل الحضري، فلا أحد متفرغ لإقامة علاقات صداقة أو تواصل اجتماعي إلا إذا كان غايته ربح مادي أو الجنس هم يناضلون جميعاً وراء لذات الحياة بكل أشكالها إن كان الثروة أو الجنس أو لدرجة قتلت الإنسانية بداخلهم، وأصبحت حياة الإنسان سلعة يتاجرون بها، وهم بالوقت نفسه يشعرون بالفراغ الروحي الذي يعيشونه ويحاولون تعويضه بالاهتمام بالمظاهر الخارجية ورأينا الشخصية الرئيسية تسخر لجمع الأثاث الفاخر لبيته وهو يأمل أن يجد بين الصحون البلاستيكية والزجاجية شيء يعبر فيه عن شخصيته ولكنه لم يعثر لأنه ليس له شخصية بالأصل فهو مجرد تابع لبهرجة الإعلان وسطوته المادية التي جعلته ينسى أن براده لا يوجد فيه أي طعام، وعندما أحترق بيته شعر بالأسى على الأثاث الذي اجتهد بتجميعه والذي أصبح جزءاً منه فكان فقده يشكل مآساة بحياته حيث قتلت شخصيته التي اجتهد أعوام لتكوينها في حين أن إحراق منزله جعله يكتشف أن طوال السنوات التي راح يناضل فيها لتجميع الأثاث نسي أنه عليه أن يبني الصداقات فهو لا يعرف إلى من يلجأ بهذه المدينة التي عاش بها عدة سنوات لوحده دون أن يفكر أن هناك بشر عليه أن يشاطرهم حياتهم ويشاطروه حياته، وهناك بوب الذي راح يسعى وراء الجسم المثالي حتى أصبح مدمناً على المنشطات التي شوهته، ورأينا كلير التي على وشك الموت ولا تتمنى قبل موتها سوى ممارسة الجنس، لقد أصبحوا جميعاً غريبين عن أنفسهم لا يعرفون من هم ولا يفهمون شخصيتهم ويحاولون التعويض عن ذاتهم الميتة بالمظاهر الكاذبة، التي تشوه وتدمر بقايا إنسانيتهم الضائعة فلا عجب أن نراهم وقد أصبحوا قريبين للحيوان يقاتلون ويفتكون ببرود وسهولة كأن القتل والفتك نشاط عادي وطبيعي.
 
إن الأفكار التي ناقشها فينشر في فلمه ليست جديدة ولكن أسلوبه بمناقشتها هو الجديد وهو الذي يصنع روعة فلمه فهو – وكما ذكرت – ناقشة بطريقة أكثر عنفاً وجنوناً وجرأة وذلك بفضل النص الراقي والرائع الذي صنعه جيم يولس اقتباساً عن رواية شيك بالاهنيك المثيرة للجدل جداً في زمنها نادي القتال، النص جريء وعنيف وصاخب جميل جداً بتسلسل أحداثه وببناء شخصياته ورائع وجريء بحواراته العبقرية جداً، يولس وبالاهنيك يتحدثان عن موضوع من الواضح أنه يدركانه ويفهمانه بصورة ممتازة يتحدث عن أفكار عديدة ببال الكثيرين ولكن لا أحد يجرأ أن يبوح بها جاعلان من (تايلر) الشخصية الأثيرة الناطقة بلسان الجيل شخصية لا تتوانى أبداً عن أبداء ملاحظاتها وانتقاداته إزاء كل شيء يسحر الشباب ويلفت نظرهم أو يشكل تقليداً من تقاليد المجتمع منذ مشهد ظهوره الأول حيث يقول للشخصية الرئيسية في الطائرة: (هل تعرف لماذا يطالبونا بوضع كمامة الأوكسجين عند حوادث تحطم الطائرة؟ لأن الأوكسجين يحوي مادة الأثير التي تشعرنا بالبهجة فتجعلنا نتقبل مصيرنا) هذه الجملة تكاد تكون كناية عن ما تمارسه شركات الإعلان وجميع الشركات الرأسمالية من سياسة للسيطرة على المستهلك وجعله يتقبل أي شيء بابتسامة، يولس وبالاهنيك لا يصنعان من (تايلر) مجرد ناطق باللسان الجيل بقدر ما هو نتاج حقد هذا الجيل وغضبه وأمراضه وعقده، هي شخصية تلقائية عفوية لا تتوانى عن فعل أي شيء تريده مهما كان مجنوناً تعيش في ذلك المنزل المهجور المتداعي القذر يعمل ليلاً في صناعة الصابون وفي صناعة أشياء أخرى لديه أفكار مجنونة كثيرة متحدية للمجتمع يريد تفجيرها راح يقوم بخطوات لوحده في إفساد أطعمة المطاعم وإدخال اللقطات الفاضحة على الأفلام العائلية وما أن عثر على شخص يشاركه أفكاره حتى راح معه يعمل على تحقيق حلمه الأكبر بالثورة على المجتمع وأفكاره وتقاليده، براد بيت يصنع لـ(تايلر) كاركتراً رائعاً من خلال الملابس الغريبة والشعر الغريب والنظرات الغريبة وثياب النوم الغريبة، يبدو في ملابسه متحدياً للمجتمع ورافضاً له، أداء براد بيت للشخصية ممتاز جداً هو أفضل أداء له على الإطلاق هو ينجح بتجاوز وسامته ليطلق وحشاً مسعوراً لا يرحم كما فعل سابقاً في فلمي كاليفورنيا و12 قرد ولكن بين الفلمان وهذا الفلم هناك اختلاف واضح بطريقة الأداء وتفهم الشخصية فلا يوجد تكرير بل تجديد، براد بيت ناجح جداً بصنع ملامح شخصيته وصفاتها الجسدية والنفسية وقد أثبت عن جدارته هذه بأفلامه السابقة تلك ووصل إلى القمة بهذا الفلم أداءه المجنون المتحدي لهجته العنيفة الحاقدة الصارخة وضحكته الفاجرة المدوية ومشيته المعتوهة المتمايلة، براد بيت يستلهم ملامح عديدة من أدائه من الممثل الكبير جورج سكوت لشخصية الجنرال باتن في الفلم يحمل نفس الاسم، أسلوبه بإلقاء الخطب وتوجيه الأوامر كلها أمور تعيد أحياء جورج سكوت بأدائه الخلاب جداً، براد بيت كان يستحق الأوسكار عن دوره كأفضل ممثل مساعد مناصفة مع مايكل كين عن قواعد منزل عصير التفاح، فاختيار أفضل ممثل بين هذين المبدعين يؤدي إلى إشكالات عديدة ففي حين كان براد بيت يملئ فلمه بالحقد كان مايكل كين يملئ فلمه بالحب والعاطفة أنا لا استطيع التميز أيهما أفضل كلاهما كان رائعاً وممتازاً جداً بدورهما.الموهبة الرائعة إدوارد نورتان يتولى مهمة تجسيد الشخصية الرئيسية وهي نموذج لشخصية الشباب الحديث الضائع في المجتمع المادي، نورتان أدى الشخصية بكل عزلتها ووحدتها ووحدتها وكآبتها وجنونها وانفصامها واضطرابها وتوحدها، إدوارد نورتان أدى سابقاً دورين شديدي الصعوبة هما دور الشاب الخبيث ذو الوجهين في الخوف البدائي والذي أكسبه غولدن غلوب أفضل ممثل مساعد وترشيح للأوسكار عام 1996 ثم نال ترشيحاً كأفضل ممثل رئيسي عام 1998 عن أفضل دور له دور المتعصب العنصري في طريقه إلى التوبة بفلم تاريخ أمريكا المجهول، في هذا الفلم يقدم نورتان أداء خلاب جداً مذهل وشديد الإتقان يثير الشفقة والخوف في نفس الوقت، مع نظرات عينيه المتعبتان ولهجته المضطربة ومشيته المترنحة ينجح بتقديم هذه الشخصية بكل جوانبها وأبعادها النفسية والجسدية وينجح بتقديم ماضيها وأساساتها النفسية التي حولته إلى ما هو عليه ويبرع أكثر في تقديم التحولات التي تطرأ عليه وتصيبه وتنقله بين عدة جوانب في الفلم، نورتان كان يستحق ترشيح للأوسكار عن دوره ولكنه لا يستحق التمثال الصغير بوجود المنافسة العنيفة من قبل ثالوث عام 1999 التمثيلي المذهل كيفين سبيسي دينزل واشنطن وراسل كرو والذي يتفوق فيه عن جدارة كيفين سبيسي.إلى جانب نورتان وبيت هناك هيلين بونمان كارتر بدور (مارلا) الشابة السطحية الكآيبة الغامضة الضائعة المهووسة المدمنة المنعدمة العواطف المزاجية الساعية وراء لذتها بشتى الطرق الممكنة، كارتر الممثلة الإنكليزية الموهوبة سبق لها وأن شاركت بالعديد من الأعمال الناجحة ونالت ترشيح الأكاديمية البريطانية كأفضل ممثلة مساعدة عام 1992 عن فلم نهاية هاورد، في فلم نادي القتال تصنع كارتر كاريكتراً مذهلاً للفتاة العصرية الساعية وراء لذات الحياة والتي لم تعد تلمس الجمال والسعادة في أي مكان وغطت التعاسة حياتها وراحت تنتظر موتها بل لا تتجنب فرصة للانتحار، هيلين بونمان كارتر كانت مبدعة جداً بالدور طريقتها بتقطيع الشارع ولهجتها الخبيثة المتراخية المثيرة أسلوبها بالتدخين تمايلها جراء المخدرات وحبوب المهدأ التي تتعاطها طوال الوقت، هي جامدة وباردة ومنعدمة العواطف طوال الفلم لا تتغير ملامحها ولا نرى بسمة عليها أو دمعة طوال العمل حتى عندما تصل إلى قمة لذتها أو إلى قمة حزنها ورغم هذا الجمود إلا أن كارتر تبقى ناجحة بإغراء المشاهد وإثارته وتنجح بالانتقال بين عدة طبائع ومزاجات بالمشهد الواحد بطريقة سلسة وشديدة الحرفية، هي كانت تستحق الأوسكار كأفضل ممثلة مساعدة عن أدائها لا يمكن لأي ممثلة أن تتجاوزها سوى كاثرين كينر عن أن تكون جون كالكوفيتش ولكن للأسف التمثال ذهب لأنجلينا جولي عن فلم Girl, Interrupted.بتولي ديفيد فينشر لدفة الإخراج فلا عجب أن نرى عملاً غامضاً مزعجاً سريالياً، ديفيد فينشر يملك موهبة رائعة بالانتقال السلس بين مشاهد عمله وبدمج المشاهد مع أجواء فلمه حتى إنه يجبرك على أن تشم رائحة القذارة في الشوارع وان تشعر بآثار الحرق على يدك وأن تتألم من الضربات المتبادلة بين الممثلين، ديفيد فينشر يصنع كما هي العادة في كل عمل أجواء مزعجة جداً لعين المشاهد من خلال الإضاءة الخافتة والتركيز على الألوان الداكنة واختيار أماكن التصوير الموحشة القذرة وموسيقى الهارد روك الصاخبة، فينشر يجعل فلمه يبدأ بداية مشوقة جداً ويتابع سير الأحداث بلا ترتيب زمني في الثلث الأول من العمل بالاستعانة كل حين وآخر بفلاش باك لم يتم وضعه هباءً وإنما وضع باللحظات مدروسة بعناية فلا عجب أن ينال الفلم ترشيحاً للأوسكار للمونتاج فما صنعه راين كليك شيء بارز ورائع بلا أي مناقشة، وطبعاً هناك التصوير الأخاذ الذي اعتمد على التوالي على اللقطات الواسعة والضيقة بدايةً من مشهد الافتتاحية الرائع ومشهد مطاردة مصدر التفجير في منزل الشخصية الرئيسية، ومشاهد حوارات الشخصية الرئيسية وتايلر في الطريق وفي المنزل، ومشاهد العراك المصنوعة بعناية وبوحشية ضارية، وحرصه على جعل المشاهد يجري مقارنات مستمرة بين الشخصيتين الرئيسيتين (شيء سبق وفعله في فلم سبعة) ديفيد فينشر وكما ذكرت سابقاً اعتمد النهج السريالي العبثي في الإخراج فكان كأنه طفل يلعب لا توقف يجرب حركات جديدة وأساليب جديدة لم تجرب سابقاً ولم يتطرق إليها قبله من المخرجين، أسلوبه الجديد باستخدام الراوي وبالأخص خلال مشاهد تعريفنا بتايلر، وهو راح يحرص على أن يرينا أننا نشاهد العمل من منظار رجل مجنون، في بداية الفلم تظهر صورة لظل أسود وتذهب هذا ليس خطأ إخراجي وإنما حركة مقصودة قصد منها فينشر أن نشاهد التهيئات التي يراها ونموذج بسيط للعبثية التي اعتمدها فينشر بالعمل، لا أعرف كيف تم تجاوز اسم فينشر من قائمة المرشحين للأوسكار في مجال الإخراج فهو كان يستحق الترشيح عن جدارة ولم يكن أحد ينافسه على التمثال ويستحقه أكثر منه سوى سام مندير عن جمال أمريكي.للأسف فإن فلم فينشر لم يرى سوى ترشيح واحد للأوسكار كأفضل مونتاج، هو كان يستحق ستة ترشيحات على الأقل كأفضل فلم ومخرج وممثل وممثل مساعد وممثلة مساعدة واقتباس، وكان يستحق عن جدارة جوائز أفضل اقتباس وممثلة مساعدة وممثل مساعد لبراد بيت مناصفة مع مايكل كين عن قواعد عصير التفاح ، عام 1999 شهد العديد من الروائع والأهم إن هذه الروائع أغلبها لم يكن من صنع مخرجين كبار ومخضرمين وإنما من صنع مخرجين جدد شباب مهيئين لولادة جيل جديد ومدهش من المخرجين بدايةً من الشاعر سام منديز، الناقد العنيف ديفيد فينشر، السريالي العبثي سبيك جونز، المرح المتزن ألكساندر باين، الواقعي بول توماس أندرسون، المرعب العاطفي أم نايت شاملان، من بين جميع تحف عام 1999 فإن المفضل بالنسبة لي جمال أمريكي وهو الفلم الوحيد الذي يتفوق على نادي القتال الذي أضعه بالمرتبة الثانية من بين أفضل عشرة أفلام للعام التي تضم إضافة لهاتين التحفتين الدخيل، وقواعد منزل عصير التفاح، السيد ربلاي الموهوب، أن تكون جون مالكوفيتش، ماغنوليا، الحاسة السادسة، ماتركس، انتخاب.فلم نادي القتال آثار ضجة كبيرة حين عرضه عام 1999 وكان موضع خلاف نقدي واسع ولكنه حال كل أفلام فينشر الأخرى راحت قاعدته الجماهيرية تتسع مع مرور الزمن، وليس عجيباً أن يكون هذا الفلم إيقونة لجيلنا وجيل شباب التسعينات والألفية الحديثة بشكل عام فهو أقرب فلم لمشاكل جيلنا ومشاكل الشباب النفسية هو موجود بداخل كل واحد منا وكل شاب بإمكانه أن يرى نفسه في نادي القتال، فلم نادي القتال هو من أكثر أفلام عقد التسعينات تميزاً ، فلم لا يجب مشاهدته فقط وإنما يجب اقتنائه أيضاً .

0 التعليقات:

إرسال تعليق