RSS

Toy Story 2 - 1999

     
في عام 1995 أصبح الاستديو الشاب بيكسار وفيلمهم حكاية لعبة حديث العالم وأحد رموز ثورة سينمائية حديثة، جائزة أوسكار تكريمية نالها العمل وثلاث ترشيحات أخرى وأرباح بمئات ملايين الدولارات حول العالم، الفيلم بكل بساطة أصبح مالئ الدنيا وشاغل الناس وعنوان لعصر جديد بصناعة الأنيميشين واستخدام تقنيات الحاسوب بالسينما،  النجاح الثورة المحقق الذي قارب نجاح العرّاب في السبعينات دفع صناع العمل المخرج والكاتب جون لايستر مع الكتاب بيتير داكتور وأندرو ستاتون والمؤدين توم هانكس وتيم ألين وبقية الفريق إلى التفكير كما فعل طاقم فيلم العرّاب بصنع جزء ثاني له فور عرض الفيلم الأصلي، الفكرة والفيلم كانت جاهزة للتنفيذ بيكسار احتاجت بعض الوقت قبل إطلاقه لتعزز تواجدها السينمائي على الساحة وفعلت ذلك من خلال حياة حشرة عام 1998 فيلم بيكسار الشهير المظلوم إعلامياً، وعام 1999 عادت الألعاب لتنطق ثانيةً وتتحرك وتم إصدار الجزء الثاني من حكاية لعبة.
 
الفيلم الثاني لم يقل عن الأول من حيث النجاح والثورية، هو الأخر عمل أنيميشين إنساني وشديد التأثير والجودة، رغم قصر وقته النسبي ولكنه يختزل أفكار وفن ودراما استغرب كيف نجح ليستر بأن يصنع مثلها في فيلم أنيميشين، كما في الجزء الأول لا يصنع فقط فيلم مغامرات للأطفال هو مليء بالعديد من الأفكار والمحاور الدرامية المصنوعة بامتياز عالي جداً ، افتتاحية العمل شديدة الروعة مغازلة من ليستير لأفلام الفضاء والخيال العلمي افتتاحية تشبه افتتاحية حرب النجوم هبوط باز على الأرض على شكل هبوط الجنين في فيلم أوديسا الفضاء و موسيقى شتراوس تستعمل أيضاً أثناء معركة باز مع الآليين في مشهد ملحمي من مشاهد حرب النجوم ثم نكتشف إن هذا المشهد ليس سوى عرض للعبة الفيديو التي يلعبها الدينصور غودزيلا برفقة باز في غرفة أندي أما وودي فهو منشغل بالبحث عن قبعته ليكون مستعداً ليرافق أندي إلى رحلة التخييم كل عام، هو متوتر جداً خوفاً من أن لا يأخذه معه بدون القبعة لعبة راعية الأغنام تطمئنه إلى أن أندي لن يتخلى عنه بسهولة، يدخل أندي ويلعب بهم مرة أخيرة قبل ذهابه، راعية الأغنام – صديقة وودي – مختطفة من قبل مجموعة من الألعاب الأشرار وودي لا يستطيع إنقاذها فيستعين بباز من أجل ذلك.

هذه الافتتاحية وهذا التمهيد رغم إنه لفيلم أنيميشين ولكنه من أكثر افتتاحيات السينما نضوجاً، تصوير للعالم الذي يعيش به وودي والذي رضخ له، هو لم يعد ذلك النجم وشريف المنطقة كما كان في الجزء الأول هو الآن مجرد لعبة عادية – موضة قديمة – كل شيء الآن أصبح يدور عن باز والفضاء الكل مهووسين به وهو الآن يقوم بدور الزعيم للألعاب حتى حين يلعب به أندي لا يكون البطل الرئيسي لأحداث اللعبة وليس هو من ينقذ صديقته بل يكتفي بدور المتفرج ويطلب من باز النجدة، وودي الذي خشي من هذا المصير في الجزء الأول رضخ له الآن وأصبح له فقط هم واحد أن يبقى لعبة أندي وآلا يتخلى عنه ولذلك يكون شديد التوتر حين يفقد قبعته.
هذه البيئة التي يقدمها صناع العمل تكون أرضية مناسبة للتفاعل مع التحولات الجديدة القادمة، مع تمزق يد وودي ثم وضعه على الرف يواجه ذاك الخوف الحقيقي الذي يؤرق كل لعبة أن ترمى ولا يعود لها فائدة، ومع تطور الأحداث يبدو وكأن وودي يبدأ يفكر بخطة تقاعد، حين يصل إلى منزل مختطفه ويقابل فريق وودي القديم ويتم استقباله باحتفالية جنونية، ثم يشاهد معروضات وودي وبرنامج وودي يدرك عندها إنه هنا يوجد شيء آخر كلياً عن حياته مع أندي، في هذه اللحظات يبدع صناع العمل برسم وودي وتقديم ملامحه وهو يراقب عالمه الخاص، ملامح الدهشة  الصدمة الفخر الكبرياء كل هذا يتم رسمه بطريقة شديدة الإتقان والقرب للواقعية، واللحظة الدرامية المصنوعة شديدة الأهمية، وودي الذي فقد كل شيء هو هنا يعثر على ذاته على قيمته، يدرك نفسه إنه قيمة حقيقية شخصية مهمة لبعض الألعاب، بطل رئيسي، لم يعد مجرد عنصر ثانوي، هذا هو التقاعد الأكثر إغراءً الذي سيحظى به لن يضطر أن يقبع لسنوات غير معدودة مرمياً أو على الرّف بعد أن عانى صدمة إنه ليس لعبة أندي المفضلة وإنه في النهاية لعبة ومصير الألعاب أن ترمى وتكسر.
الأمور لا تمر هكذا بسهولة فخياره هذا سيعني إنه سيصبح لعبة عرض يشاهده الجميع دون أن يلعبوا به، سيخسر أصدقائه وأندي، الخيار ليس سهل فمتعة أي لعبة وقيمتها الحقيقية ليس من أن تكون معروضة بل من أن يلعب بها فتلك اللحظات هي ما تشعرها فعلاً بالحياة والأهمية وهذا ما يتذكره أندي حين يأتي أصدقائه لإنقاذه وهذا ما يحاول أن يجعل فريقه في منزل الدجاجة يدركونه ولكن بصعوبة بالأخص مع الصدمة التي تعيشها جيسي بسبب رميها لسنوات عديدة وإهمالها ولوجود الحطاب اللعبة المعقدة نفسياً التي رسم لها صناع العمل محوراً مبدعاً وشديد الفرادة والاستثنائية عن لعبة لم تكن يوماً مفضلة لم يشتريها أحد كانت السخرية في البرنامج ثم السخرية بعالم الألعاب بقيت طوال عمرها على الرّف ولم تخرج من علبتها، هذا المحور أذهلني جداً إلى أي حد يصل ذكاء بيكسار وتعمقهم بنفسيات شخصياتهم الخيالية لاستخراج دراما وفن شديدي الأهمية والإتقان وتقديمها هنا ضمن فيلم أطفال ولكن أفكاره ناضجة ومهمة وسهلة الوصول لجميع المشاهدين على اختلاف أعمارهم.
الفيلم طبعاً لا يخلو من مغامرة رائعة الألعاب تجمع نفسها على فريق يشبه شكل فريق رحلات أفلام الوسترن لإنقاذ وودي، يبدو رائعاً كيفية تصوير مجابهة الألعاب البلاستيكية للعالم الخارجي بكل تحدياته وغرابته، أبسط الأشياء يصنع منها صناع العمل تحديات حقيقية رغم عدم وجود أعداء حقيقيين أو أشرار بمعنى الكلمة ولكن أمور بسيطة تصنع إثارة وتشويق عاليين في العمل، تشتد الأمور خطورة وطرافة كذلك مع ظهور لعبة باز الأخرى ولعبة الجنرال زورج وصنع شيء من السخرية من حرب النجوم، تصبح الأمور جدية مع تصدي الحطاب لمحاولة إنقاذ إندي وهذا المحور بالذات مع تشويقه فهو أكثر المحاور الدرامية أهمية لأنها تذكر وودي بمعنى الصداقة الحقيقية التي كان يعيشها تعيد تذكيره بأهميته لأصدقائه وأهميته لأندي  .
الفيلم فعلاً تحفة حقيقية من بيكسار مبهج عاطفي درامي بعمق ومصنوع بإتقان عالي الرسوم الألوان فنيات التصوير تكتيك المشهد المونتاج والموسيقى والنص المحبوك بإتقان عالي جداً والحورات الرائعة فيه والأداءات الصوتية الرائعة من توم هانكس و تيم ألين و جوان كوزاك و كيلسي كريمر (الممثل الشهير بدور فريزير على التلفزيون) تجعلاني أقول إن هذا العمل هو فعلاً من تحف السينما الحقيقية.

0 التعليقات:

إرسال تعليق