RSS

Terminator 2: Judgment Day - 1991


الآن أعرف لماذا تبكي ولكنني لا استطيع ذلك
بعد ثورة The Terminator عام 1984 والنجاح الضخم الذي حققه على شباك التذاكر مع الترحيب النقدي الكبير الذي حظي به انتقل كل من كاميرون وشوارزنيغر ليصبحا متصدري اسماء البطولة في هوليوود وانهالت عليهما المشاريع الضخمة، شوارزنيغر تابع بعد هذا العمل سلسلة من الأعمال الناجحة جداً تجارياً وأغلبها جيد المستوى نقدياً (Commando ,  Red  Heat   , Predator , Running man ,  ، Total Recall ) جيمس كاميرون لم يجعل كراسه السينمائي يزدحم بالأعمال بحث على شيء بمستوى رائعته الأولى وعلى نفس المستوى فلم يقدم خلال الثمانينات سوى رؤيته الجديدة لرائعة ريدلي سكوت Aliens وفيلم الخيال العلمي The Abyss الذي لم يحقق حضور على شباك التذاكر وعند النقاد، وكتب سيناريو فيلم رامبو وكاد أن يعود ليدير صديقه وشريكه بالنجاح أرني في الخيال العلمي والأكشن Predator ولكن العمل ذهب للصاعد جون ماكتيرنان (مخرج Die Hard) والذي صنع منه عمل ناجح وممتاز جداً، ووضع سيناريو فيلم الرجل العنبكوت الذي رفضته شركات الانتاج لقسوته في البداية ولم يرى النور حتى عام 2002 على يد سام ريمي، ورغم تلك المسيرة الممتازة بعد المبيد بقي الجمهور يأمل برؤية جزء ثاني له
وعام 1990 أعلن جيمس كاميرون عودته مع شوارزنيغر لتقديم جزء ثاني من المبيد ولكن هذه المرة لن يكون محدود الميزانية فالمنتج اللبناني الأصل ماريو قصار (منتج أفلام رامبو) وافق على شرط كاميرون ليصبح الجزء الثاني من المبيد الفيلم الأول الذي تتجاوز ميزانيته الـ 100 مليون دولار، كاميرون الذي صنع بميزانية ضئيلة لم تتجاوز 6 مليون دولار وإمكانيات بدائية عمل أسطورة في الثمانينات كيف ستكون النتيجة مع الميزانية الأضخم بتلك الأيام وبعد ثورة التقنيات بين المبيدين ومع المؤثرات التي أعلن كاميرون – كعادته في مشاريعه الضخمة – إنه سيقدمها لأول مرة بفيلمه ذاك والتي لأجلها سيصرف أغلب ميزانيته الضخمة، النتيجة كانت بكل بساطة ملحمة حركة وخيال علمي حقيقية بكل ما تعنيه الكلمة، عمل ابهر عشاق السينما وكان ليس بحجم التوقعات بل أكبر منها، من الأفلام النادرة التي يجمع أغلب المتابعين إنها متفوقة على جزئها الأول وأفضل عمل تجارياً لعام 1991 وعلى صعيد الجوائز ومع وجود روائع كـ J.F.K و صمت الحملان وباغزي وثيلما ولويس استحق الفيلم ست ترشيحات للأوسكار (دون ترشيحات رئيسية للتمثيل والنص والإخراج و الفيلم رغم استحقاقه) وخرج منها بأربع جوائز تقنية بحتة، عمل أبهر سبلبيرغ نفسه الذي أجّل مشروعه الحديقة الجوراسية بعد مشاهدته هذا العمل ليستفيد من الحلول التقنية والبصرية التي قدمها كاميرون – وهذا سيتكرر مرة أخرى حيث سيؤجل سبلبيرغ فيلمه تان تان بعد مشاهدته لأفتار - .
شرط أرنولد الرئيسي بالعمل كان أن يظهر بدور الطيب لا الآلي الشرير وإنه سيتقضى لأجل ذلك 11 مليون دولار، ولكن ذلك لم يكن يعني لدى كاميرون التخلي عن مايكل بايهن فكان من المقرر أن يقوم بدور الآلي الشرير الذي أخذ شكل كايل ريز ليصل إلى سارة وجون ولكنه تخلى عن هذه الفكرة (هذه الفكرة هي محور الجزء الخامس القادم) إلا أن مايكل بايهن عاد بظهور قصير بدور كايل في أحلام سارة يحذرها من خطر عودة الناهي ولكن كاميرون فيما بعد حذف تلك اللقطة حتى لا يختلط الأمر على الجمهور كما حذف مشهد النهاية الذي يصور فيه مستقبل جون وسارة وقد أصبح جون سيناتور أمريكي (أي أن قدره أن يكون من قادة العالم) ولكنه حذف تلك اللقطة أيضاً حفاظاً على الشكل السوداوي لفيلمه.
العمل يبدأ بطريقة ممتازة جداً مشاهد للحياة الطبيعية ولبراءة الأطفال تزول بلحظة لتحلّ محلها صورة الخراب والدمار بعد الحرب النووية ثم مشهد مبهر لزحف الآلات وهي تطحن الآلات البشرية وصوت ليندا هاملتون المتعب يعلن بداية الجزء الثاني على شاكلة الجزء الأول حيث المقاومة انتصرت ولكن الآلات لم تستسلم وسكاي نيت ارسلت  آلي جديد لقتله في الماضي والمقاومة تمكنت من ارسال من يحميه في طفولته ولكن القضية (من سيصل إليه أولاً) ، ثم ينتقل كاميرون لنرى ظهور الآليين الجدد كما في الجزء الأول وتستعد لمهمتها، ثم يقدم لنا جون كونور كفتى جامح متمرد على أهله بالتبني بينما تم اعتبار والدته سارة كونور مجنونة وتم إيداعها بمصح عقلي لمعالجتها – وتصرفاتها توحي فعلاً بشيء من الجنون تعيشه – وأثناء جلسة علاج نفسي تروي قصتها وتتحدث عن السايبورغ الذي هرسته يطالبها الطبيب النفسي – وهو نفسه الطبيب الذي حقق معها ومع كايل ريز بالجزء الأول – أن تخبره بمصير بقايا الآلي أين ذهب، وهو الأمر الذي لا تملك له سارة جواب ولكن كاميرون يقدم لنا الجواب حين يرينا مشروع علمي لتطوير شبكات ونظم كمبيوترية ومعلوماتية هي أساس السكاي نيت قائمة على شريحة (المبيد) الأول وذراعه (يا لك من مجنون يا كاميرون).
كاميرون لا يستغرق بالتمهيد طويلاً للدخول بصلب القصة كما في الجزء السابق لأن المشاهد لديه معلومات كافية عن طبيعة الصراع والشخصيات لذلك فيدخل فوراً بعمق الإثارة والحركة والأكشن ويلعب على وتر صنع الغموض حول شخصية حامي كونور وقاتله، فالمبيد الأصلي (شوارزنيغر) يظهر بشكله المعتاد العنيف القاتل الضخم ويطارد كونور والجمهور ما زال محتفظاً عنه بصورة القاتل من الجزء الأول أما خصمه T 1000 فيرتدي ملابس الشرطة يتصرف بشكل لطيف مع أهل جون بالتبني وهو الآخر بطارده بحزم، الحقيقة يقدمها كاميرون بأحد مشاهده العظيمة جداً حين تتم مواجهة المبيدين وجهاً لوجه و كونور بينهما، المبيد (أرنولد) يحمل طاقة زهور يظهر بينها بندقيته يوجهها على كونور ويمشي خطوة وهو يدهس الزهور وراءه – لا يوجد إشارة أوضح من ذلك على سوء نيته – كونور يقف مستسلماً لقدره ولكن المبيد يأمره بالانبطاح ويقوم بإطلاق النار على الهدف الآخر وراءه على الشرطي المبيد الحقيقي T 1000  الآن وبعد هذا المشهد الرائع أصبح كل شيء واضحاً ولكن عظمة المشهد تستمر من خلال المؤثرات البصرية الثورية والمبهرة حتى بهذا الوقت فذلك السايبورغ ليس آلي عادي هو بتقنية متطورة جداً يعتمد على المعدن السائل الذي ورغم تفجره يعود ويجمع نفسه وبتقنيات خيالية من خلال تحويل نفسه إلى أشكال معدنية قاتلة وتغير شكله وأخذ أشكال شخصيات أخرى، ثم يقدم لنا كاميرون مشهد مطاردة عظيم ولكنه ليس وحيد بتلك الملحمة.
جون كونور أدرك إن والدته ليست مجنونة وعليه مساعدتها فمن الممكن أن يصل لها الناهي الآخر ، أخبار ظهور الناهي (شوارزنيغر) احتلت العناوين الإعلامية الرئيسية بالأخص إنه يشبه تماماً المتورط بقتل 17 شرطي عام 1984 (الأمر ليس غريب فسكاي نيت صنعت الناهيين الأوليين بنفس النماذج) سارة أدركت إن الخطر عاد مجدداً وعليها حماية أبنها تحاول الهرب وتنجح وأثناء هربها تلتقي مع أرنولد القادم لإنقاذها و مع أداء ليندا هاملتون المتمكن التي تبرع بإظهار الخوف والصدمة حين ترى أكبر مخاوفها – هي لم تدرك بعد إنه منقذها – يأتي إليها حاملاً سلاحه ومع حركة الكاميرا البطيئة من كاميرون يصنع ذاك الأخير مشهداً أخراً عظيماً ويكمله بمطاردة مشوقة متقنة وطويلة .
كما في الجزء الأول يهتم كاميرون بالتركيز على العلاقات الإنسانية بعمله وهنا يعطيها مساحة أكبر ولكن أكثر تحدي بين السايبورغ وكونور، علاقة تشبه تلك التي قدمها سبلبيرغ بتحفته (E-T ) بين الفتى والكائن الفضائي ولكنها اكثر تحدي فالسايبورغ لا يحمل عواطف كالكائن الفضائي ولكن يعوض كاميرون ذلك بتركيزه على مدى تطوره وذكاءه غير مسبوق بمجال الآلكترونيات التي تجعله قادراً على التفاعل الإنساني واكتساب خبرات جديدة تشكل أساس لتعامله مع كونور الذي لم يعثر خلال حياته كلها على من يمكن ان يعتبره كأب له فيجد بذلك السايبورغ العزاء، على صعيد آخر يركز كاميرون على داخل ذلك الناهي الذي وككل شبكة سكاي نيت يشعر بدونية البشر أمامه ولكنه مصر على حماية سيدهم لأنه مبرمج على ذلك ولأنها مهمته ولأن وجودهما مرتبط وذلك يقود إلى محور هام وفلسفي جداً يبرع كاميرون بتقديمه حول أحقية الجنس البشري بالبقاء فالناهي يوحي بشكل أو بأخر إلى أن سكاي نيت محقة بإبادة ذلك الجنس وإنه فعلاً خطر عليها فخطره  ، فكرة يبدو إن كاميرون تعجبه فيركز عليها فطوال تلك الفترة لا نلتقي بنماذج إنسانية جذابة أو جيدة كل الشخصيات بشكل أو بأخر سيئة وسلبية بل إنه بهذا الزمن أصبح السايبورغ هو النموذج الأفضل للأب من الإنسان، ولكنه وبذكاء يعطينا الجواب حول أحقية الجنس البشري بالحياة، جواب لم يستطع كونور التعبير عنه بشكل صحيح للناهي إلا إن ذاك أدركه بالنهاية، حين نرى مشاهد لأم تحضن ابنها ولأولاد يلعبون حين يركز كاميرون أكثر من مرة على المشاعر الإنسانية والعواطف حين يقارن بين منظر الأرض قبل رابها بالحرب ومنظرها بعده يعطينا سبباً واضحاً – بل أسباب – لضرورة الجنس البشري فمهما بلغت الآليات من تقنيات لن تستطيع الحصور على العواطف الإنسانية التي تشكل جوهر الحياة الإنسانية.
مع ذلك المحور الدرامي المميز هناك محور أخر يعمل عليه كاميرون بنفس القوة وقد قدمه بتواضع بالجزء الأول وهو فكرة القدر ومعناه، المستقبل هل يمكن تغيره إن عرفناه أم لا ، فكرة يهتم كاميرون بتقديمها ويجعلها محور هام أساسي بعمله ومحرك للأحداث يمزجها مع فكرة تأنيب الضمير الإنساني حين يعلم شخص إنه مسؤول عن كل تلك الكوارث .
الدراما العظيمة الحاضرة بالعمل تتناسب مع حجم الأكشن والإثارة الموجودة فيه ، ربما هذا الفيلم أفضل أفلام التسعينات من حيث الحركة ومن أفضل ما قدمته السينما بهذا المجال، كاميرون فجر طاقته إلى اللاحدود وجود آليين على طرفي الصراع أعطه كل المبررات ليقدم أقصى ما يمكن في مجال الحركة والميزانية العظيمة مع المؤثرات الثورية ساعدت لتقدم أجواء حركة ملحمية مطاردات ومواجهات وإطلاق نار صنع عنف متقن وراقي لا مبتذل كالأفلام الأخرى ولا يمكن مشاهدة مثيل لها على أعلى درجات الإثارة والتشويق مهما مضت عليها الأيام رغم إنه مبالغ فيها بعض الشيء أكثر من اللازم، المؤثرات البصرية عظيمة الآلي الهلامي المصنوع من معدن سائل وتحوله بين الأشكال المختلفة كيف يخترقه الرصاص وكيف يعود كيف يتمزق وكيف يتشكل ومشهد ظهوره من الأرض ومشهد حلم سارة كونور بالحرب الكونية أعلن ثورة جديدة في مجال المؤثرات، المؤثرات الصوتية كانت أيضاً على المستوى والإبهار، التصوير بغاية الروعة أجواء تصوير التسعينات الذي أعلن كاميرون عن ولادته الليل المصور بألوان قريبة للأزرق – أو الكحلي – مع إضاءة خافتة معتمدة على إنارة المكان، المونتاج الأنيق الرائع الذي يشكل عنصر رئيسي من جمالية العمل وإثارته البحتة، الموسيقى المعتادة الممتازة التي أخذت بعداً ملحمياً أيضاً بهذا العمل.
الأداء التمثيلي بهذا العمل مذهلاً أرنولد شوارزنيغر بهذا الدور يحصل على مشاهد حوارية أكثر وأداء أصعب وهو الانتقال من صف الأشرار إلى الأخيار مع الحفاظ على نفس القالب للشخصية، شوارزنيغر نجح بذلك حافظ على الشكل الأدائي المبهر كسايبورغ وأظهر تفاعل جيد مع البشر المحيطين به وتعاطف مع جون كونور دون أن ينجرف بالعاطفة ولكنه يجبرنا على الشعور بها، ليندا هاميلتون رائعة جداً تقدم بقوة الشخصية التي يعشقها كاميرون شخصية المرأة القوية المقاتلة ولكنه بالأصل أم بل إن أمومتها هي الدافع وراء قوتها، قوة هاميلتون تمزجها بشيء من الهذيان والجنون والتعبير العاطفي الرائع عن حبها لولدها وخشيتها من عليه وعلى مستقبل الإنسانية، إدوارد فورلنغ بدور جون كونور ممتاز جداً وأحد أفضل الأداءات الطفولية بالسينما هو أكمل نجاحه فيما بعد مع إدوارد نورتان في تاريخ أمريكا المجهول ولكنه انتهى سينمائياً بعد فضائح أدمانه على المخدرات، روبيرت باتريك بدور T 1000 جيد جداً أيضاً يعطي تلك الوحشية والسادية والبرود المطلوب من سايبروغ قاتل لم يتم اعطائه مساحة واسعة لدوره رغم أهميته بحركة تبدو مقصودة من كاميرون الذي لا يريد لأحد أن ينافس شوارزنيغر بالعمل ولكن ذلك لا يؤثر على مستوى فيلمه العظيم .
 

0 التعليقات:

إرسال تعليق