RSS

The Shawshank Redemption - 1994


هذا الفيلم من المستحيل أن ينسى وأن يمحى من الذاكرة، من المستحيل أن لا يحظى على إعجاب المشاهد، هذا الفيلم الذي لم ينل المديح المستحق حين عرض في أفضل أعوام التسعينات عام 1994 بوجود التحفتان بولب فاكشن و فورست غومب ولكنه مع الأيام ازدادت قاعدة معجبيه ليصبح عن جدارة من أكثر الأفلام شعبية على الإطلاق بل هو يتحدى العرّاب وحرب النجوم وأنديانا جونز وتايتنك وسيد الخواتم بكونه أكثر الأفلام شعبية بتاريخ السينما، هذا الأفلام من إخراج فرانك داردونت مخرج الميل الأخضر وكلامها مقتبس عن رواية المبدع ستيفن كينغ وكلاهما دراما السجون ولكنهما مع ذلك مختلفان اختلافاً جذرياً بين الفلسفية المبهرة التي كست الميل الأخضر و بين الدراما الإنسانية البسيطة التي انسكبت من كل أنحاء إصلاحية شوشانك والتي جعلته من أروع لوحات الميلودراما الذكورية النادرة حيث إن الميلودراما دوماً ارتبطت بالأنوثة وبقصص الحب والعائلة والبحث عن الذات المؤثرة (كمليون دولار بيبي وجسور مقاطعة مديسن) في حين ارتبطت أفلام الذكور بالعصابات والجريمة والرعب أو قصص البحث عن الذات السوداوية ولكن بين حين وآخر يظهر مخرج ليقول لنا إن ميلودراما الرجال المؤثرة والتي تحرك عواطف الرجال ومشاعرهم قبل النساء موجودة ويثبت إن الرجال أيضاً عاطفيين وليسوا مجرد هرمونات جنسية،
والشيء الأكثر غرابة إن الفيلم مقتبس عن رواية لكاتب محترف بقصص الرعب المفزعة الكثيرة الشهيرة والتي تحولت لروائع سينمائية (كاري لدي بالما وشايننغ لكوبرك) ولكنه في شوشانك قدّم مادة روائية غريبة جداً عن أسلوبه وفي غاية الإبداع والتأثير هي تحوي أيضاً الإثارة بالأخص بالنهاية وتختم خاتمة رائعة تجعل المشاهد يقفز فرحاً بعد نجاح قصة الهروب العبقرية والبسيطة ولكن الفرح ليس مصدره ذكاء القصة بل انتصار البطل وانتصار المبدأ الذي يمثله والتي مهد لها داردونت بشكل في غاية العبقرية والإذهال، فداردونت لم يتعامل مع فيلمه بشكل تقليدي قصة السجين الذكي الذي يتحدى آمر سجنه وينتصر عليه بل اهتم بالجوانب النفسية والإنسانية للقصة لجميع الشخصيات ملئ فيلمه بعشرات التفاصيل البسيطة المهمة والمتناسقة التي حولت فيلمه لأحد أكثر القصص الدرامية تأثيراً على الإطلاق، في هذا الفيلم ندخل إلى أعماق السجن ونتعرف على أشخاص يفترض إنهم من عتاة المجرمين ولكننا لا نراهم بالشكل التقليدي المعتاد نراهم بصورة جديدة شديدة الإنسانية وفي نفس الوقت لا ينسى داردونت إنهم مجرمين فلا يحاول أن يرمي أخطائهم على المجتمع أو يتجاهل جرائهم فهو يصر على إنهم مجرمين وضحايا لأخطائهم وزلاتهم في نفس الوقت ويهتم بتقديم نزعة الندم وتأنيب الضمير التي يعيشونها وسعيهم للعثور على الغفران، الغفران من أنفسهم التي أوصلوها إلى السجن والغفران من المجتمع، داردونت يتبحر في نفسية السجين ليس فقط من خلال شخصية أندي (تيم روبينز) بل من خلال جمعية شخصيات العمل يقدم لنا طرقة يفكر السجين (بغض النظر عن كونه مظلوماً أو مداناً) يرينا محاولته التأقلم مع واقعه محاولته تجاوز كآبته وسعيه لبناء حياة جديدة مع صراعات الندم والسعي للمغفرة بداخله ثم كيف وبشكل فريد يتحول إلى جزء من السجن لا يستطيع تخيل الحياة خارجه مما يوصله إلى اليأس والهزيمة ملقياً داردونت الضوء على قضية هامة أخرى يعيشها السجين وهي صراع الأمل واليأس بداخله كيف إن السجين يعمل على مقاومة اليأس بداخله ليبقى لديه شيء يعيش لأجله حتى لا تنتهي حياته وتصبح بلا معنى ثم كيف يفقد الأمل ويعوضه بشيء آخر وهو التوحد مع السجن حيث يصبح السجن الضيق عالمه الذي يعثر فيه على ذاته فلا يستطيع عندما يخرج أن يتأقلم مع عالمه أو أن يعثر على ذاته ويخوض مجدداً قضية الصراع بحثاً على الذات والتأقلم التي خاضها عند دخوله إلى السجن حيث إنه أصبح سجيناً من الداخل أصبحت روحه سجينة، ولكن داردونت يصر على وجود حلّ لهذه المعضلة متمثلة بالأمل التي تبقى تدفع الإنسان ليتمرد على عالمه ويصنع العالم الذي يريده، إنه عمل مبهر بقدرته على التوازن بين هذه المحاور المختلفة مع حفاظه على قصة الفيلم الأساسية المبهرة قصة الظلم الذي تعرض له أندي ومقاومته لهذا الفيلم تجعل الفيلم يمزج بين المتعة والعمق الإنساني والفلسفي، ليس هذا فقط بل إنه يمزج تلك المحاور أيضاً بالاحترافية السينمائية في السيناريو الرائع الذي خطه داردونت حيث رسم رائع للشخصيات ولعلاقاتها وتحديداً العلاقة بين أندي وريد ورسم أروع لشخصية ريد (مورغان فريمان) بشكل شديد الفرادة والإنسانية والتجديدية تجعل من شخصية ريد من أكثر الشخصيات السينمائية المفضلة بالنسبة لي وطبعاً لا أنسى التمهيد الممتع و التطور التدريجي للأحداث والشخصيات، بصرياً فإن داردونت كان مذهل التصوير رائع جداً ألوان هادئة وسلاسة بالتقاط الحدث ونقله وعبقرية بصنع التأثير والدراما فيه، أما المونتاج فمبهر جداً انسيابية بين المشاهد ومزج بين الأحداث مع صنع إثارة متناسبة مع جو العمل أما الموسيقى فشديدة العذوبة.

التمثيل في العمل لا ينسى، الطاقم التمثيلي الذي حواه هو من أروع الطواقم التمثيلية ليس فقط في التسعينات بل حتى الآن، مورغان فريمان الممثل التلفزيوني الذي لمع في السينما بنهاية الثمانينات بدور قواد في شارع سمارت عام 1987 والذي أكسبه ترشيحه الأول للأوسكار كأفضل ممثل مساعد اتبعه بفترة قياسية بالعديد من الأعمال الرائعة غلوري و قيادة السيدة ديزي عام 1989 والذي كسبه عنه ترشيحه الثاني للأوسكار (وقد نال الفيلم جائزة أفضل فيلم) روبين هود عام 1991 و تحفة كلينت إيستوود لا يغتفر عام 1992 الفائز بالأوسكار كأفضل فيلم ثم هذا الفيلم، أما تيم روبينز فبعد نجاحات متتالية بالمسرح انتقل إلى السينما ودخلها من أوسع أبوابها عام 1991 حينما قام ببطولة رائعة روبيرت ألتمان اللاعب ورغم عبقرية أدائه بذاك الفيلم ولكنه خرج بلا ترشيح للأوسكار كما جرى عام 1994 مع هذا الفيلم إلا إنه نال فرصته للترشيح عام 1995 ولكن هذه المرة كمخرج عن الرائعة رجل ميت يمشي وهو أيضاً عن السجناء والسجن ويقدم جانب أخر للقصة عن المحكومين بالإعدام، أما مورغان فريمان فهو أيضاً لم ينل الأوسكار عن الفيلم ولكنه استمر بالأدوار الرائعة كما في فيلم سبعة وأمستاد والممرضة بيتي، والفريد إن كلا الممثلان نالا الأوسكار فيما بعد كأفضل ممثل مساعد لعامين على التوالي عن فيلمين من إخراج كلينت إيستوود روبينز عن نهر غامض عام 2003 وفريمان عن مليون دولار بيبي عام 2004 .
   قد لا يكون فيلم شوشانك بنظري أفضل فيلم لعام 1994 بوجود بولب فيكشن وفورست غومب ولكن أداء مورغان فريمان فيه هو أفضل أداء لعام 1994 أفضل حتى من توم هانكس ومن أروع أدوار التسعينات وأفضل أداء لفريمان على الإطلاق، لا يمكنني نسيان صوته لهجته نظراته أسلوبيه بالكلام نبرة صوته سطوته وسيطرته وكيف إنه مثل أعلى للمساجين، تعبيره عن القوة واليآس والأمل والصبر وحبه لأندي بطريقة مدهشة يقدم سلسلة مشاهد لا تنسى، مشهد اكتشافه لهرب أندي مشهد جلسة الاستماع الأخيرة مشهد تعليقه على حالة مسئول المكتبة والمشهد الأخير، كلما شاهدت هذا الفيلم أدرك إنني لم أكن مخطئاً حين اعتبرت فريمان من ممثليني المفضلين على الإطلاق، روبينز مبهر هو الأخر يقدم شخصية أندي بصلابة وينافس فريمان بندية عالية وكاد أن يسحب البساط من تحته يقدم الصدمة والهزيمة والصراع بين اليآس والأمل والسعي للتأقلم وللعثور على مخرج بشكل رائع يعبر عن الشخصية بأسلوبية مبهرة يقنعنا فعلاً إن هذا ليس موقعه وإن طبيعته مختلفة عن طبية المساجين، باقي الممثلين كانوا جيدين ويكفي إنهم ساهموا بصنع هذه التحفة التي لا تنسى.           

0 التعليقات:

إرسال تعليق