RSS

Notorious - 1946


عندما تشاهد فيلماً لأحد السينما الكلاسيكية ككازان وكوبريك وشابلن وهيتشكوك فإنك لا تكون تشاهد عملاً سينمائياً بقدر ما تشاهد مرحلة من مراحل صنع تاريخ السينما وبالأخص إذا كان الفيلم من توقيع ألفريد هيتشكوك المصنف لدى الكثيرين كأفضل مخرج بتاريخ السينما بفضل الأفلام الاستثنائية التي أخرجها منذ بداية الثلاثينات وحتى نهاية الستينات بل لأوائل السبعينات حتى والتي كانت بقصصها وحبكتها وحلولها غريبة عن أفلام ذلك الزمان ومؤثرة بصناع أفلام الأجيال التالية والذي أذهل العالم من خلالها بتكوين فن الإثارة والتشويق وهذا ليس بالأمر الهين فأسلوبه المشوق المبتكر برواية القصة وتقديمها وحلوله في نسج العلاقات والتصوير والمونتاج قدم أفكار لصناع الأفلام بمختلف الصنوف السينمائية من رومانسية ودراما ورعب وجريمة وإثارة وحركة ووسترن يمكنك أن تلاحظ لمسته بشكل أوسع بأفلام الموجة الفرنسية الجديدة وأفلام سيرجيو ليوني وبراين دي بالما و سبلبيرغ بل حتى بفيلم العرّاب من الممكن ملاحظة لمسته وكل مخرج ظهر استفاد من هيتشكوك بشيء ...
فيلم ( Notorious – الرائع ) هو المثال الحقيقي لمعنى كلمة فيلم لهيتشكوك فالفيلم الذي يعتبره المخرج الفرنسي فرانسوا تروفو أفضل ما أخرجه هيتشكوك والذي انتجه الأسطورة ديفيد سيليزيك عام 1946 وقام ببطولته كاري غرانت وأنغريد بريغمان ليس بشعبية فيلم هيتشكوك الفائز بالأوسكار ربيكا أو أخر أفلامه الناجحة الطيور أو رباعيته الأهم سايكو وفيرتيغو وشمال شمال غربي و النافذة الخلفية ولكنه حين عرض خقق شعبية عالمية واسعة ونجاح تجاري ضخم واليوم كل من شاهده اليوم يدرك إنه فعلاً من أعظم أفلام هيتشكوك رغم إنه أكثرها تجاهلاً حالياً فلا عجب أن نراه حالياً بالمرتبة الـ 118  بين أفضل 250 فيلم في الموقع الشهير imdb وأن نرى مركزه يزداد تقدماً مع الأيام .
العمل حوى كل العوامل ليحقق شعبية في زمانه قصة حب كلاسيكية نازيين وجواسيس وأحداث مشوقة تحبس الأنفاس ودقّة صناعته هي ما جعلته فيلماً ناجحاً لكل الأزمان ، هو يروي قصة بسيطة ولكن متينة ومتماسكة ومبنية بعناية فائقة إليسيا أبنة أحد النازيين فتاة جميلة ومرفهة يتم استغلالها من قبل المخابرات الأمريكية لتتجسس على بعض معارف والدها الذين يتجمعون بالبرازيل وخلال تفيذها لمهمتها تنشأ علاقة عاطفية بينها وبين ضابط المخابرات ديفلين ولكن الواجب يقطع العلاقة حين يتم تكليفها بمرافقة أحد أصدقاء والدها القدامة ألكس الواقع بهواها والذي يريد الزواج منها ليقع البطلان بمأزق حيث ديفلين يتجاهل حبه لأليسيا من أجل الواجب مما يصدمها ويجعلها تتعمق بعلاقتها مع ألكس من أجل إغاظة ديفلين ودفعه للإعتراف بحبه له وتتشابك علاقة الحب بين الطرفين وتتداخل مع قصة الجاسوسية المثيرة والمشوقة والتي تقود العمل إلى منعطفات استثنائية مشوقة ...
هيتشكوك يبدع بصنع مزيج بين الرومانسية والإثارة وبتداخل خطوط العمل دون أن تشوش على بعضها، هو كان يريد منذ البداية أن يصنع فيلماً رومانسياً شاعرياً – كما فعل عند فيرتيغو – ولكنه كعادته يأبى أن تكون قصة عمله تقليدية فيجبر المشاهد على الاهتمام بالقصة العاطفية بين ديفلين وأليسيا وألكس بدرجة تفوق اهتمامه بمخططات النازيين ويبقى التساؤل يدور هل سيفصح ديفيلن عن مشاعره لأليسيا وهل ستبقى الأخيرة مخلصة له وهل سيكتشف ألكس الحقيقة ...
قصة العمل مشوقة جداً وبغاية الجاذبية وهيتشكوك يزيد من جاذبية القصة بصناعته المذهلة لها من خلال الزواية التصوير المدهشة والمونتاج الذي وأختيار الأماكن  واستفادته من ظلال الأبيض والأسود ليضفي على العمل بمشاهد معينة ومختارة أجواء الرعب القوطية في أفلام الرعب الألمانية الصامتة ويبدع بتقديم شخصياته بلحظات مختارة إلى أشباح أو وحوش باردة بالأخص مع إصراره كما في أغلب أفلامه على تقديم عجوز شرسة مرعبة..
وكالعادة وكما في كل عمل هناك اللمسة الخاصة بهيتشكوك من خلال مشهد الذروة الذي يضع فيه قمة الإثارة والتشويق وهنا كان مشهدي المفتاح والزجاجة هما مشهدي الذروة الذين لا يختفي آثرها رغم مضي سنين على صنع العمل...
أسلوب هيتشكوك المثير بأعماله لا يعتمد على البوليسية نحو حل القصة بل نحن نعرف القصة ولكن نستمتع بتوقع ومراقبة ردود أفعال الشخصيات وبهذا العمل تكون لردود الفعل دور كبير بالعمل وهذا شيء لا يقدمه هيتشكوك من خلال الصورة الرائعة لعمله فقط بل من خلال إدارته الممتازة لممثليه وأختياره لهم وبهذا العمل قدم الأسطورتان بريغمان وغرانت أداءً استثنائياً حقيقياً مبدعان بتجسيد الحب الخفي والريبة والخوف غرانت يذهل المشاهد بتغليبه الواجب على حبه وبإخفاءه غيرته وشوقته لأليسيا بينما بريغمان تبدع بتجسيد الصدمة العاطفية ورغبتها بالثآر منه وعدم قدرتها على تنفيذها، وبالعمل هناك أيضاً كلاودي راينس بدور ألكس ممتاز جداً واستحق الترشيح للأوسكار و  ليبولداين كونستانتاين بدور والدة ألكس بدور رائع أيضاً فكلاهما يبدعان بتجسيد الشر بطريقة غير تقليدية وبعيداً عن الشر المعتاد بالأفلام هنا نحن أمام أشرار إنسانيين نجبر على التعاطف معهم أحياناً ... 

0 التعليقات:

إرسال تعليق