RSS

Wild at Heart - 1990



يعتبر فيلم وحشية في القلب – wild at heart  لمخرجه ديفيد لينش من أكثر الأفلام إثارة للجدل في التسعينات، الجدل حوله بدأ من فوزه بجائزة أفضل فيلم بمهرجان كان عام 1990 ليس بسبب محتواه العنيف أو تجريبية صناعته ، المهرجان لم يمانع تكريم أفلام من هذه النوعية بتاريخه حسب مستواها الفني الرفيع كإنفجار لأنتونيوني و سائق التكسي لسكورسيزي و بولب فيكشن لتارانتينو، الجدل كان مصدره توظيف العنف والتجريبية في العمل، فهناك من اعتبره توظيف رمزي صادم و شديد الجرأة وهناك من اعتبره مجرد هلوسات مريضة من لينش فجّة ومبالغ فيها دون معنى.

ليس من المستغرب أن يثير فيلم للينش هذه الضجة، فالمخرج الأمريكي القدير هو أحد أهم رواد التجريبية السينمائية المعاصرة في السينما الأمريكية وأفلامه كانت دوماً محل إثارة للجدل والأخذ والرّد بين المتابعين، حتى أصبح موعد عرض أفلامه على قلتها (منذ عام 1976 وحتى اليوم  لم يخرج سوى 9 أفلام) حدث سينمائي خاص وعلى مدى أكثر من ثلاثين أصبحت أفلامه مدرسة في الأسلوبية السريالية الحديثة، فيلمه وحشية في القلب هو ربما أهم أفلامه وأنجحها أخرجه بعد أربع أفلام ثلاثة منها حقق نجاحاً عالمياً واسعاً ، السريالية التجريبية (رأس الممحاة) عام 1976 الدراما القاتمة (الرجل الفيل) عام 1980 أكثر افلامه إتزاناً و فيلم النوار السريالي (المخمل الأزرق) عام 1986 ، ولم يحقق لينش نجاحاً يوازي نجاح وحشية في القلب حتى عام 2001 حين أخرج الإثارة السريالية الرائعة (طريق مولهاندر) الفائز بجائزة أفضل مخرج في كان و المرشح لجائزتي أوسكار.
فيلم وحشية في القلب هو من نوعية أفلام الطرقات الإجرامية الرومانسية، قصته شديدة التقليدية والنهاية متوقعة ومصنوعة بتقليدية متعمدة حيث يلتقي العاشقان بطريقة رومانسية على أنغام ألفيس بريسلي بعد أن تغلبا على كل المصاعب التي واجهاها، قصة الفيلم عن العاشقين الشابين سيلار (نيكولاس كيج) ولولا (لورا ديرن) اللذين يهربان من تسلط والدة لولا المجنونة (دايان لاد) التي تكلف قتلة مؤجرين بملاحقتهما والتخلص من سيلار و إعادة لولا، والدة لولا لا تريد لها التورط مع سيلار ليس لمجرد قلقها من ضياع أبنتها منها بل لوجود سر خطير مشترك بينها وبينه لا تريد كشفه أمامها.
جمالية الفيلم ليس بحبكته أو قصته فهي تقليدية، تفاصيل العمل هي ما تصنع له عظمته وفرادته، أسلوبية لينش بنسج الحوارات و صناعة الصورة وإدارة الممثلين وتوظيف كل العناصر الفنية وجرأته اللامحدودة تجعل من فيلمه حالة سينمائية خاصة، هو كحال أفلام بولب فيكشين و الشريط الأبيض وشجرة الحياة (جميعها أفلام فائزة بكان) تعبير عن رؤية المخرج البحتة وعوالمه وأفكاره الخاصة، يجعل من الفيلم عالمه المستقل ويهيمن برؤيته عليه ويلغي كل تفرد أخر بالعمل ويجعل كل عناصر التميز تدور بفلكه ومحيطه، هو سريالي بحت رغم إن حوادثه واقعية بالكامل، لينش ينجح بإعطاء عمله صبغة سريالية غرائيبية بحتة حيث لا شيء فيه تقليدي بالأخص عوالم الشخصيات وتفكيرها، جميع شخصيات العمل حتى الثانوية منها غير متزنة أبداً ومعتوهة بشكل أو بآخر وتبني تصرفاتها وردود أفعالها من زاوية عتهها وجنونها حتى تصرفاتها الاعتيادية لا تنتمي للمنطقية والواقع ولينش يجعلها شديدة الجاذبية ومثيرة للفضول وتجعل المشاهد يندمج بتلك الرحلة المجنونة التي يخوضها بطليه.
العمل يحوي عنف شديد الدموية والفجاجة لم نشاهده كثيراً بتلك الصورة أشلاء دماغ تتناثر وأطراف تقطع و رؤوس تتطاير وجلسات تعذيب مازوتشية والشخصيات لا يعترضها شيء عن تدمير الآخر و القتل والتعذيب يثير نشوتها ويشبع غرائزها، والرومانسية فيه رغم إنها معتادة بأعمال الطرقات العاطفية أن تكون شاعرية ولكنها لا تبتعد عن الشكل الغرائزي الحوارات مليئة بالإيحاءات الجنسية الصريحة الجريئة حتى بالنسبة لفيلم أمريكي والشخصيات شبقة ومليئة بالهياج الجنسي و مشاهد الجنس تتقاطع مع مشاهد العنف صانعاً لينش عملاً غرائزياً بالكامل ولكن ليس فارغاً أو سطحياً، العمل مع تجريبيته هو نظرة شديدة الجرأة للواقع الأمريكي في نهاية القرن العشرين، لولا الخائفة بالمستقل بما يحمله من مخاطر تلوث وحرب نووية وفلتان مني وسيلار الهارب من ماضيه الملوث بالجريمة يلتقيان بالمنتصف برحلة هرب من الواقع وصنع حياة متحررة بعيداً عن كل الضغوط والمخاوف، لولا ترى بسيلار الأب الذي فقدته ولم يستطع حمايتها حين اغتصابها وهو يرى فيها العائلة التي لم يعرفها، الفيلم يتعمد لينش أن يجعله نسخته الخاصة من فيلم ساحرة أوز الشهير لولا هي دورثي التي تهرب برحلة غريبة من واقعها ترتدي أغلب العمل حذاء أحمر أو تضع طلاء أظافر أحمر اللون وتحلم دوماً بساحرة الشرق التي تلاحقها لتدمر عالمها وهي هنا والدتها التي يمتلئ الفيلم بصور رمزية تربط بينها وبين الساحرة، لينش بمقاربته فيلمه لفيلم ساحرة أوز ينظر بسخرية وخوف للعالم الحديث، هو لم يعد كالثلاثينات والأربعينات عالم وردي مليء بالأمل والتفائل هو عالم مليء بالجريمة والعنف والدماء وتسيطر فيه الغرائز وتتحكم به الجريمة، القانون والأخلاق مغيبين ويسير نحو الهاوية بتسارع، عالم لم يعد أمناً بالمطلق الخطر الذي يتهدد فنائه ليس كارثة نووية أو بيئية بل الفلتان الداخلي حيث ليس من المستغرب أن تصادف بطريقك حادث سير مروع وأن تبحث الضحية فيه عن أدوات التجميل، أو تلتقي بعصابة شوارع في الطرقات العامة وتتعرض للضرب بلا سبب، عالم يتساوى فيه نسبة المعاتيه مع نسبه الأصحاء بل لم يعد فيه فوارق بين الجنون والعقل.
لينش لا يتمسك فقط بالمقاربة بين فيلمه وفيلم ساحرة أوز بل يدخل عالم الموسيقى بمقارنة بين أغاني ألفيس بريسلي والأغاني الحديثة الصاخبة وهذه المقاربات الفنية بالأخص مع الشكل الرومانسي الظاهرية المتعمد بكلاسيكيته للعمل هي ليست سوى نظرة من لينش إلى انحطاط عالم الفن الحالي وضياعه بعمل يهتم به باستعارة كل الرموز التقليدية من السينما الهابطة ووضعها بطريقة صنع منها فيلماً فنياً شديد الرقي والقيمة، وهذا ما يجعل الفيلم من وجهة نظر أخرى نقد لفن اليوم بالأخص مع امتلاء أفلام الثمانينات بالعنف الفارغ والجنس الفج وبداية ظهور موجة أفلام الفيديو السطحية وانتشار موجة الموسيقى الصاخبة الخالية من المعنى  ، يذكرنا العمل برموز فنية حقيقية ويضعها بالمقارنة مع فن اليوم مستعرضاً انحطاطا العالم من خلال الفن رغم إنه كما ذكرت يصنع فيلمه بأسلوبية الأفلام التجارية السطحية المنحطة.
التصوير بالعمل آسر الزواية والألوان مبهرة، أجواء العمل ديكوراته ومواقع التصوير مميزة، المونتاج شديد الجمالية والقيمة والموسيقى مزيج بين أغاني الروك الحديث والموسيقى الكلاسيكية، التمثيل بالعمل غريب عن كل شيء شاهدناه، نيكولاس كيج يقدم أحد أجمل أداءاته ضمن مسيرة مشرقة منذ أواسط الثمانينات بعد شروق أريزونا و قبلة مصاص الدماء و المعتوهة وتابع بعد هذا العمل بنفس النجاح حتى توج مسيرته بفوز بالأوسكار عام 1995 عن مغادرة لاس فيغاس وترشيح آخر عام 2002 عن اقتباس وبينهما التصدي لبطولة فيلم مارتن سكورسيزي إيقاظ الموتى عام 1999 عدا مشاركته بمجموعة من أنجح الأفلام التجارية في التسعينات والعقد الماضي (طائرة المجرمين والصخرة و تبديل الوجه و الكنز الوطني و العالم وسيد الحرب) ، لورا ديرن و دايان لاد تقدمان أداء مبهر أيضاً والقدير وليام ديفو أضاف بمشاركته الثانوية الهامة والممتازة بهذا العمل بصمة جديدة له بعد سلسلة أيضاً من النجاحات في الثمانينات في بلاتون وحريق مسيسبي و مولود 4 تموز والإغواء الأخير للمسيح .

2 التعليقات:

rashed يقول...

شكرا أخي على المارجعة, وأرجو أن تسجل في منتدى بوابة السينما:

http://www.cingate.net/vb/index.php

ففيه حاليا الكثير من أعضاء منتدى سينماك, والمنتدى نشيط حاليا.

wmwm يقول...

لم يثيرني بالفلم اي مشهدعالق بالبال، سوى مشاهدجريئه جنسيه..كل افلام نيكولاج (الفتى المذهول) وكانه هوهكذا بطببعته وطبعه..الام في الفيلم مبالغه في الانفعالات..(لولا) اجادت فقط بمشهدمحاولة الاعتداءعليهاوتهديدها بالاغتصاب..ولا اعرف سبب حشركلمة الجلاله( الله )على خاتم المهووسين بالجنس والقتل في مشهدقتل!!!

إرسال تعليق