RSS

the usual suspects - 1995


عقد التسعينات هو أكثر عقد اعتنى بموضوع الجريمة وناقشها وبمختلف فصولها فتحدث عن الجريمة الفردية كما في فلم عكس الثروة للمثل جيرمي إيرونز وتحدث عن المنظمات الإجرامية كما في فيلم صحبة جيدة وحلل شخصية المجرم كما في صمت الحملان وناقش الجريمة فلسفياً كما في قتلة بالفطرة ونادي القتال أو ناقشها بأسلوب واقعي كما في فارغو، ومن بين الكم الهائل لأفلام الجريمة التي قدمتها التسعينات والتي حازت على ثناء النقاد ورضى الأكاديمية يبرز لدينا فلم المشتبهون الإعتياديون - The Usual Suspects كواحد من أكثر أفلام تلك النوعية شعبية حيث يحتل المرتبة الـ 16 ضمن قائمة أكثر 250 فيلم لهم شعبية حسب ترتيب موقع IMDb ، وبالإضافة إلى ذلك هو واحد من الأفلام التي تقدم أكثر النصوص السينمائية ذكاءً في التسعينات وأكثر أداء ثانوي ذكوري إتقاناً كذلك، ولكن هل يكفي ذلك ليتحول فيلمنا هذا إلى فيلم كلاسيكي عظيم وهل هو فعلاً يستحق المرتبة الـ 16 ؟، من جهتي أنا لا أظن ذلك وأعتقد أن مقاس هذه المرتبة كبير عليه، هذا لا يعني أن الفلم هو فيلم سيئ بل على العكس هو واحد من الأفلام الممتازة جداً التي تقدم متعة وحبكة سينمائية مثيرة جداً وذكية جداً ومتوازنة وراقية دون أن تشط بالخيال أو تسخر من تفكيرنا، ولكن المشكلة هي أن هذه القصة كانت تفتقر إلى العمق الدرامي البارز، فالعمق كان موجوداً ولكن غطت عليه إثارة القصة وهمشته وجعلته عنصراً ثانوياً فيها.

بالإضافة إلى إتقان ماكواري لبناء شخصية كايزر سوزي فقد أتقن أيضاً بصنع بقية شخصيات المشتبهون الإعتياديون، فكل واحد لديه شيء يميزه فمايكل ماكينس سليط اللسان وتود هوكني شكله يشبه إنشتاين فريد فينستر ضخم ولكن صوته أشبه يصوت قزم، فيربال كنت أعرج وجبان أما دين كيتن فميزته الوحيدة بين تلك الحثالة إنه الوحيد الذي يبدو إنسان طبيعي، بالنسبة لنا نحن اللذين نعرف قيمة الممثل الكبير كيفن سبيسي فلا بد عند مشاهدتنا لفلم المشتبهون الإعتياديون اليوم أن يكون تركيزنا منصرف على كيفين سبيسي بالأخص أنه نال الأوسكار عن هذا الفلم، ولكن بالنسبة للذين شاهدوا الفلم فور عرضه عام 1995 وكان يومها سبيسي نجماً مغموراً فهم لن يركزون فقط على سبيسي بل سيركزون على جميع الممثلين إذ لا يوجد إشارة في بداية العمل تدل على تميز سبيسي عن غيره، فالشخصيات متشابها جميعاً تقريباً ولا تتميز سوى بطريقة تعاطيها مع الأحداث التي تدور حولها، الشيء الجميل بصنع مجموعة المشتبهون الإعتياديون هو إنه لم يتم صنعها بطريقة اعتيادية زعيم وأتباع بل صنعت بشكل مجموعة متكاملة يحتاجون إلى أن يجتمعوا سويةً حتى يكملوا بعضهم ويتموا أعمالهم بنجاح فهم يحتاجون إلى سادية ماكينس وقوة فينستر وشراسة هوكي وسرعة كنت بإطلاق النار وحكمة كيتن، ولكن مع ذلك فإن هناك نقطة سوداء برزت بالنص وهي عدم تعمق ماكواري بداخل معظم شخصيات عمله وتقديمها بصورة سطحية جداً رغم أنها غنية جداً وهذا برأي كان سبب الضعف العام بالأداء التمثيلي للمثلين بالفلم باستثناء الممثلان غابريال بورن وكيفن سبيسي اللذان قدما أداءً رائعاً بفضل تعمق ماكواري بتفاصيل شخصيتهما فقط باستثناء باقي الشخصيات، فالممثل الإرلندي القدير غابريال بورن أدى دور دين كيتين الشرطي الذي تحول إلى مجرم ثم ترك الجريمة وقرر العودة إلى الحياة المدنية السابقة ولكن سمعته الرديئة بقيت تلاحقه وجعلته يقوم بأخطر عمل بحياته، لم أشاهد لغابريال بورن سوى هذا الفلم والفلم المظلوم إعلامياً جداً والرائع جداً وجداً (جسور سان لويس) مع روبيرت دي نيرو وكاثي بيتس وموراي إبراهام، أداء بورن لشخصية كان متقن بشدة وصادق إلى أبعد الحدود استغرب عدم ترشيح غابريال لأي جائزة عن هذا الدور في فصيلة أفضل ممثل رئيسي، ربما بسبب وجود الممثل كيفن سبيسي بالعمل وتغطيته بأداءه العبقري على الجميع، كيفن سبيسي أدى دور فابريال كنت المجرم الأحمق الأعرج الضعيف الشخصية، الشخصية من هذا المنطلق البسيط وبعيدة عن العقد والتركيب كان لا بد لها أن تتحول إلى أسهل شخصية سينمائية ولكنها وخلال العمل ستمر بتحولات تجعلها من أعقد الشخصيات السينمائية، ففابريال كنت سيصبح الشاهد الوحيد على المجزرة التي ذهب ضحيتها أكثر من ستين عضو عصابة هنغاري والمشتبه الوحيد بهذه المجزرة هو كايزر سوزي المجرم الشبح الذي ليسوا متأكدين من وجوده حتى، كيف سينقذ كنت نفسه من هذا المأزق وكيف سيحمي نفسه من سيطرة رجال الشرطة عليه وبالأخص أنه بين يدي المحقق الخبيث كيفن كوجاك، الحل الوحيد هو بإخفاء نقطة ضعفه وهي الحمق والضعف وذلك بإدعاء الذكاء، هنا تدخل الشخصية طور التعقيد فكيفن سبيسي عليه أن لا يكون الأحمق المطلق أو الذكي المطلق بل أحمق يدعي الذكاء ، فعليه أن يطلق الحكم وكأنه فيتو كارليون ولكن مع ملامح حمقاء ونظرة شبه غبية وبعض الارتجاف، ولكن هذا لن يستمر فعلى كنت أن ينهار تدريجياً ويصبح خاضعاً للمحقق وهذه أيضاً ليس بسيطاً بل معقداً أيضاً بالأخص أن سبيسي كان عليه عند أداء الدور اللعب على حبلين الحبل النفسي والحبل الجسدي، فكان عليه أن يحافظ على ارتجافه وعرجته طوال العمل (الجانب الجسدي) وأن يبقى محافظاً على لهجته المترددة وعلى نظرة الحماقة والغباء (الجانب النفسي)، وكذلك كان على سبيسي أن ينسجم مع كل الحالات النفسية التي تمر بها الشخصية بدءً من ادعاءه الذكاء في البداية ثم لهجة الإجلال عند حديثه عن دين كيتن مثله الأعلى ولهجة الخوف عند ذكره اسم كايزر سوزي وانهياره الأخير المثير للشفقة عندما يبدأ المحقق بكيل الاتهامات نحو دين كيتن، سبيسي أمسك بالدور من كل جوانبه لا يوجد بالأداء ثغرة واحدة أو لحظة ضعف أداء متوازن على طول العمل، وحتى لو لم نصدم بنهاية كنت لبقي أداء سبيسي بنفس القوة والأهمية ولكن النهاية جعلت لدوره أكثر شعبية، أهم مشهدين قدمها سبيسي هو مشهد البداية والنهاية، راقب الاختلاف في نظرة العيون ولهجة الكلام وطريقة المشي وستعرف عندها قيمة أداء سبيسي الذي نال الأوسكار كأفضل ممثل مساعد عن الدور ولا أحد يناقش أبداً عن أحقيته للأوسكار ، فسبيسي لم يقدم فقط أهم دور ثانوي لعام 1995 بل قدم أيضاً أحد أهم الشخصيات الثانوية في التسعينات إذ لا يتفوق عليه على طول العقد في مجال الشخصيات الثانوية سوى جيني هيكمان (عديم الرحمة) و مايكل كين (قواعد منزل عصير التفاح)، ولكني مع ذلك لا استطيع أن أقول أن كيفن سبيسي قدم أهم دور له في التسعينات بفضل وجود دوره الرائع لدور الشخص الذي يعاني أزمة منتصف العمر في رائعة سام منديز جمال أمريكي عام 1999 والذي أكسبه الأوسكار للمرة الثانية ولكن هذه المرة كأفضل ممثل بدور رئيسي والذي اعتبره ثاني أقوى أداء رئيسي على طول التسعينات بعد أداء العبقري أل باتشينو في عطر امرأة ، إن أداء ممثل واحد لدورين مركبين بهذه الدرجة في عقد واحد لا بد أن يحوله إلى أهم وأقوى ممثلين عصره وإذا نظرنا إلى أهم الممثلين على طول عقد التسعينات فسنرى أن أفضل ممثلان كانا توم هانكس وكيفين سبيسي، فتوم هانكس أثبت أنه ممثل ذكي جداً وناجح باختيار الأدوار المحببة للجمهور والنقاد على حد سواء فقدم عدة أعمال بالتسعينات تعد من أهم أعمال العقد على الإطلاق بدءً من الكوميديا الرومانسية أرق في سياتل مروراً في الدراما المميزة فيلادلفيا ثم الدراما الرائعة فورست غومب والدراما المؤثرة أبولو 13 والميل الأخضر وأهم وأضخم عمل حربي في التسعينات (وربما على طول تاريخ السينما) إنقاذ الجندي راين، بالإضافة إلى تقديم أحد أهم أعمال الأنميشين حكاية لعبة، أما سبيسي فإن اعتباري له كثاني أهم ممثل على طول التسعينات لا يأتي فقط من أداءه الرائع في المشتبهون الإعتياديون وجمال أمريكي ، بل بقدرته على البروز بين باقي الطاقم التمثيلي الذي يعمل معه، فسبيسي يختار معظم أدواره في أفلام من بطولة جماعية وكان ناجحاً بهذا الاختيار منذ بداية مشواره التمثيلي في السينما بعد أن أنهك المسرح بالعديد من المسرحيات الناجحة جداً، وسبيسي بدأ يلمس الشهرة عام 1992 بمشاركته بفلم Glengarry Glen Ross مع جيك ليمون وأل باتشينو إد هاريس ، ثم كان ظهوره في العمل الوحيد الذي أخرجه أل باتشينو (البحث عن ريتشارد العاشر) وكانت فرصته الأفضل عام 1995 بظهوره باثنين من أهم أعمال ذلك العام وهو فيلم الجريمة الفلسفي سبعة مع مورغان فريمان وبراد بيت وغوينث بالترو والفلم الذي نحن بصدده المشتبهون الإعتياديون وبعد عامين قدم الفلم الشهير سري لوس أنجلوس مع راسل كرو وكيم بازنغر وداني دي فيتو وأدى بالعمل دور الشرطي المستهتر بإتقان ومرح شديد، وفي عام 1999 قدم أهم أعماله جمال أمريكي مع طاقم تمثيلي رائع جداً وموهوب هو أنيت بيننغ وتورا بيرش وويز بينتل ومينا ساوفاري وكريس كوبر وبيتر غالاغير وأليسون جانني.


باقي طاقم التمثيل في المشتبهون الإعتياديون لم يقدم الكثير وأداؤهم عادي جداً رغم أن الدور قد قدم فرصة لبينستو ديل تورو ليصبح نجماً بأداءه المضحك لدور العملاق صاحب الصوت الضعيف، شارك بالعمل ستيفن بالدوين وكيفن بولوك وشاز بالمنكري.
الإخراج تولاه براين سينغر في أول تجربة إخراجية حقيقية له ، براين سينغر صديق كريستوفر ماكواري نشأة سويةً بحي واحد وكان هذا هو العمل الأول لهما، ولكن الفرق أن براين سينغر لم يبدع بقدر صديقه ، فإخراجه للعمل عادي جداً لا يوجد فيه أي أبداع أو تجديد ولكنه مع ذلك ليس بسيئ فسينغر حاول جاهداً أن يقدم بصمة خاصة له بالعمل عن طريق تلاعبه بالصوت وتقديم المعارك بصورة واقعية جداً بعيداً عن المبالغة، وتحسب نقطة لصالح سينغر هو نجاحه بتضليلنا بشأن معرفة حقيقة كايزر سوزي عن الطريقة الصورة فقط إن كان من المعطف والقبعة السوداويين اللذان لبسهما طوال الوقت ومشهد ظهوره الوحيد الحقيقي حيث جعل أغلب المشاهد تصور ظهره فقط وعندما يضطر لتصويره من الأمام كان قد أحتاط لهذا فجعل له شعراً طويل جداً وذقن وشاربان غطت أغلب ملامحه
استغرب من الذين يقارون بين هذا الفلم وفلم لب الخيال فالعملان يختلفان 180 درجة لا يتشابهان إطلاقاً ولا حتى بالشكل العام ولو أن هناك بعض الملامح في بالمشتبهون الإعتياديون قد تذكرنا بلب الخيال كاللهجة الحوار الشعبية القذرة والتلاعب بالزمن ولكن هذا لا يبرر المقارنة بينهما فلب الخيال هو واحد من افضل الأفلام التي قدمتها السينما على مدى تاريخها الطويل، فيلم كان عظيماً بموازنته بين العمق الهائل والإثارة المفرطة، في حين أن المشتبهون الإعتياديون لا يحتل حتى المراتب الأولى بسنته فعليه أن يتنازل عنها راضياً لصالح أفلام حرارة وقلب شجاع وأبولو 13 والإحساس والمعقولية و12 قرد وسبعة، برأي إن كان علينا أن نقارن المشتبهون الإعتياديون بفلم أخر فهو فلم (Memento) الشهير أحد أفضل أفلام العام 2000 وبالمقارنة بينهما ستكون الغلبة لصالح المشتبهون الإعتياديون ففي حين أن تذكار يخلو من أي قيمة سينمائية مجرد إثارة وحسب فإن المشتبهون الإعتياديون يملك شيئاً من القيمة ولكن غطت عليها الإثارة وهمشتها كما ذكرت سابقاً.
العمق في قصة المشتبهون الإعتياديون يبرز من خلال محاولته تسليط الضوء على فساد النظام الأمني الأمريكي وتوجيه سهام النقد له فما أن تقع جريمة حتى تكون قائمة المشتبهين بارتكابها جاهزة سلفاً فلا يزعج المحقق نفسه بالبحث والتنقيب عن الأدلة بل يبادرون إلى جمع أولئك المشتبهين الذين يذهبون إلى التحقيق وكأنهم ذاهبين على نزهة فيمازحون رجال الشرطة ويجيبون على الأسئلة الموجهة إليهم وكأنهم ضيوف ببرنامج أوبرا وينفري فيمزحون ويضحكون ويسخرون وقد حفظوا الأسئلة عن ظهر قلب وفي نهاية الأمر لا يصل التحقيق إلى نتيجة فيقوم المحقق عندها بإتباع أساليب الضغط المختلفة لإجبار أحد أولئك المشتبهين على الاعتراف بالجريمة ولكن حتى وسائل الضغط تفشل لأن المشتبهين قد اعتادوا عليها وأتقنوها، وإذا نظرنا إلى زاوية أخرى فسنرى كم كانت تلك السياسية الأمنية البليدة تسبب الأذى لحياة المشتبهين الذي كانوا مجرمين ثم تركوا الجريمة وعادوا إلى الحياة الآمنة ولكن استمرار اشتباههم بشكل أو بأخر بكل جريمة تقع صغيرة أو كبيرة سيؤدي إلى أحداث بلبلة بحياتهم وقد يدمرها ويجبرهم إلى العودة إلى حياة الإجرام ليس فقط لغاية الجريمة وحسب بل لغاية أهم هي الانتقام من رجال الشرطة وذلك من خلال القيام بعملية تجعل منهم سخرية.
الفلم ببدايته يكون متوازناً بين الإثارة والعمق مشهد البداية نرى قيام مجزرة على سطح أحد القوارب ثم تعود بنا الكمايرا بأسلوب الفلاش باك لنرى قبض الشرطة على مجموعة من المشتبهين في تهمة سرقة سيارة مليئة بالأسلحة والتحقيق معهم ثم تنتقل الكاميرا إلى المستقبل لنرى عثور رجال الشرطة على ضحايا المجزرة الذين بلغ عددهم حوالي الستين عضواً من أعضاء العصابات الهنغارية ويكون الناجي الوحيد هو فيربال كنت الذي يقول أن قصة المجزرة بدأت لحظة القبض عليه مع المشتبهين في تهمة سرقة السيارة وأنهم بعد انتهاء التحقيق قرروا الانتقام من الشرطة بعملية سطو كبيرة، هنا تبدأ أحداث العمل تفلت من يد كريستوفر ماكواري ليغطي عليها طابع الإثارة ويختفي العمق والمضمون نهائياً، ولكن ذلك لا يصيب العمل بالعطب بل يأخذه باتجاه أخر اتجاه أكثر إثارة وتشويق وذكاء ويحافظ على تماسك أحداثه بشكل شديد الإذهال، نص العمل يقوم على لغز هو من أرتكب المجزرة ببداية العمل ثم لا يلبث أن يتفرع اللغز إلى مجموعة ألغاز صغيرة لن نهتم لحل الواحد منها عندما يبرز اللغز التالي فعندما يأتي حل اللغز يمر بصورة عادية دون أن نكترث له حتى لأن المشاهد يكون متشوقاً للغز الثاني الأكثر تعقيداً ، حيث سنتساءل بالبداية عن من سرق الشاحنة، ثم ماهية خطة الانتقام من الشرطة ثم ماذا يريد منهم كايزر سوزي ولماذا يريد كايزر سوزي هذا العمل ومن هو كايزر سوزي وهل كايزر سوزي شخصية حقيقية أم أنه فزاعة يستغلها المجرمون لإخافة بعضهم أم شماعة يعلق المجرمون أخطاءهم، ولا يلبث أن يصبح كايزر سوزي محور العمل بأكمله رغم أنه لم يظهر سوى بمشهد واحد فقط بل حتى أنه يطغى على المجزرة التي يلاحق العمل حوادثها ومرتكبيها سنرى بالعمل أن معظم حديث الشخصيات تتحدث عنه وتناقش مسألة وجوده من عدمها ومعظمهم يميل إلى اعتبار كايزر سوزي شخصية خيالية فهم لا يستطيعون تخيل وجود شخص بهذه الوحشية والقسوة وتلك القدرة على القيام بكل تلك الفظائع لوحده لدرجة أن فيربال عندما يسأله المحقق هل تؤمن بوجود كايزر سوزي ؟ يرد عليه :
(
أنا أؤمن بالله ولكن الوحيد الذي أخاف منه هو كايزر سوزي)
برأيي إن أعظم إنجاز لكريستوفر ماكواري بنص فلمه هذا هو صنعه لشخصية كايزر سوزي، فكان خليط بين شخصيتي هانيبال لكتر (صمت الحملان) وبين ليتل بيل (عديم الرحمة) فرأينا غموض وحشية لكتر مع قوة وهيبة ليتل بيل ، سيكون لدينا ببداية العمل تشوق كبير لمعرفة هذه الشخصية، فالأحاديث الكثيرة التي تدور حولها وتغير ملامح الشخصيات عند ذكر اسم كايزر سوزي ثم القصص المخيفة التي يروها عنه ستجعل المشاهد يقشعر بدنه بشكل غير إرادي عندما يشعر باقترابه للظهور، ماكواري استعمل أسلوب توماس هاريس كاتب نص صمت الحملان واستعمل أسلوب ديفيد ويب بيبولز كاتب نص عديم الرحمة وذلك بالتأثير على المشاهدين من خلال الحوارات، ففي صمت الحملان سيكون هناك شوق كبير لمقابلة هانيبال لكتر من شدة الأحاديث والقصص التي ذكرها مدير المشفى عنه لجودي فوستر وفي عديم الرحمة سنصاب بالخوف من وليام ماني من شدة وحشية القصص التي يتحدث بها الناس عنه، وكذلك الحال يجري في المشتبهون الإعتياديون حيث يقوم ماكواري بتحويل كايزر سوزي إلى شخصية أسطورية من خلال الحوارات بالعمل ومهمة ماكواري أصعب من سابقيه بسبب أن كايزر سوزي لا يظهر سوى باللحظات الأخيرة ولكن مع ذلك ماكواري ينجح بمهمته بامتياز بفضل الجمل الرنانة القوية التي يحويها عمله كما عندما يسأل المحقق فابريال كنت عن سبب عدم إطلاقه النار على كايزر سوزي من الخلف عندما سنحت له الفرصة فيرد عليه وهو يرتجف :

(
أتريديني أن أطلق النار على كايزر سوزي من الخلف ....... إنه كايزر سوزي ...... ماذا إذا لم أصبه) .
قمة الذكاء القصصي لدى ماكواري يبرز خلال لحظة الكشف عن شخصية كايزر سوزي الحقيقية، حيث سيكون الجميع مشتبهين والجميع أبرياء في نفس الوقت، بل وحتى احتمالات وجود كايزر سوزي واحتمالات كونه خرافة متساوية بنفس الدرجة، هذا سيربك المشاهد الذي سيكون لديه عدة فرضيات غير متأكد من صحتها ، إن أهمية نص ماكواري يبرز بهذه النهاية وبقدرته على إيصال المشاهد إلى قمة الإثارة والتشويش بالوقت نفسه وحتى لو أن ماكواري لم يقم بصدمنا بنهاية العمل وترك حقيقة كايزر سوزي مجهولة وترك المشاهد مشوشاً لكان بقي العمل محافظاً على ذكائه وقوته بل ربما أصبح أكثر ذكاءً وجمالاً وأهمية .

0 التعليقات:

إرسال تعليق