RSS

The Avengers - 2012


فيلم الأحلام .... هذا هو اللقب الذي اُطلق على مشروع مارفيل الأخير قبل البدأ بتصويره حتى ومنذ طرحه كفكرة على المنتجين، فيلم يجمع شخصيات الكوميكس الشهيرة سوية في مواجهة ضد قوى الشر، المشروع ليس مبتكراً هو موجود سابقاً في صفحات قصص الكوميكس كثيراً وفي مسلسلات الأنيميشين التلفزيونية الأمريكية، ولكن فكرة نقله إلى الشاشة الكبيرة جعل الأمر حدثاً سينمائياً هاماً ليس فقط لعشاق هذا النوع بل لكل المتابعين بشكل عام مع تخيل حجم الضخامة الانتاجية التي يحويها العمل وتوقعات اسماء الممثلين الذين سيقومون بأدوار البطولة الرئيسية ثم المراهنة على النص الذي سيشكل أساس القصة ، هل سيكون نصاً ضعيفاً تقليدياً يجمع مجرد الابطال المشهورين في استعراض قتالي بصري مبهر فارغ كفيلم The Expandable  الشهير لسيلفستر ستالون الذي جمع فيه نجوم أفلام الحركة الثمانينية في عمل حركي قتالي ممتع وفارغ المضمون، أم إنه سيكون أحد النقط الفنية المضيئة في مسيرة مارفيل كأفلام هالك لأنغ لي و إيرون مان لجون فافرو وثور لكينث برانا، هذه الأمور كانت هي أسئلة مشروعة طرحها الجمهور منذ اللحظة الاولى للإعلان عن الفكرة.
مارفيل أعدت لمشروع عمرها جيداً ويبدو إنه منذ عشر سنين والفكرة تراودها بالأخص مع ثورة الكوميكس الحديثة التي اطلقها إنغ لي عام 2003 حين حول إيريك بانا إلى عملاق أخضر غاضب في فيلم تباينت الآراء حوله بين السلب والإيجاب، ومع النجاحات المتتالية لقصص الكوميكس بالأخص لأسطورة كريستوفر نولان باتمان في Batman Begins و The Dark Knight  عامي 2005 و 2008 والمديح العارم الذي ناله فيلم أحد  شخصيات الـ  Avengers  الرئيسية إيرون مان عام 2008 مع قبول جيد للجزء الثاني من هالك ( شخصية أخرى هامة من شخصيات   Avengers  )  في نفس العام جعل الصورة للمشروع النهائي أكثر وضوحاً .
المشروع أصبح أمراً واقعاً عام 2010 مع نجاح الجزء الثاني من إيرون مان وتراجع فافرو وروبيرت داوني جونيور عن تصريحاتهما إن شخصية إيرون مان لن تكون موجودة في العمل الجديد المنتظر وإن وجدت لن يكون داوني جونيور هو البطل، ثم كان نجاح فيلمي كابتن أمريكا وثور عام 2011 والظهور الخاطف لهوك أي في ثور والشكل القصصي الذي ختم به العملين كتمهيد للمشروع القادم، أمور زادت الحماس للعمل القادم وجعلته أحد أكثر الأعمال المنتظرة لعام 2012 في جدول أفلام يحوي اسماء The Dark Knight Rises  و Men in Black 3  و The Hobbit و Twilightو Hunger Games و Dark Shadows، النجاح التجاري للعمل أمر مضمون ، الجمهور لم يسبق له أن خذل أبطاله المفضلين على شباك التذاكر، لذلك كان المفروض لمارفيل أن تراهن على الشكل الفني للعمل وهذا ما قامت به .
في الشهر الخامس لعام 2012 أصبح الحلم حقيقة، ملحمة مارفيل المنتظرة أصبحت في دور العرض، ورغم العاصفة التي أحدثها Hunger Games في الأشهر السابقة ولكن الـ Avengers حطموا كل شيء، أفضل افتتاحية في تاريخ السينما مع رقم تجاوز الـ 200 مليون دولار كافتتاحية في اليوم الأول في أمريكا وحدها، ورضا جماهيري عام جعلت العمل سريعاً يحوز على تقييمات عالية على مواقع التصويت الشعبية ورافقه إعجاب نقدي كبير مع مديح لخصه موقع الـ Rotten Tommato  النقدي الشهير بـرقم 93 % وهكذا أصبح هذا الفيلم سريعاً ظاهرة العام السينمائية .
بالنسبة لي ورغم إن الفيلم كان من أكثر الأعمال الحديثة منتظراً بالنسبة لي كحال غالبية الجمهور السينمائي، ولكني كنت أحمل الكثير من الحذر حوله، ربما لأني منذ طفولتي لم أحب قصص البطولات الجماعية، قصص البطل الفردي لها تفضيل أكثر بالنسبة لي، كنت -  وما زلت – أشعر إن اجتماع الأبطال جميعاً يفقد هوية البطل التي انسجمنا معه في القصص الفردية ، وزحمة الشخصيات تجعل منه ضائعاً ومحدود الدور أو سيكون التركيز كله على بطل واحد والباقي مجرد مساعدين له وهذا أمر يفقد فيلم الكوميكس نكهته، القضية هنا ليست كـ X-Men ذاك الأخير هو منذ البداية فريق أبطال أما The Avengers  فأبطاله مجموعين من قصص متعددة في عمل واحد، الخوف بالنسبة لي كان أن يتحول العمل إلى ما يشبه جولة مصارعة حرة بالأخص إنه ورغم وجود جميع الممثلين الرئيسين من الأفلام السابقة في هذا العمل (باستثناء شخصية هالك التي تصدى لها مارك رافيللو بدلاً عن ايرك بانا وإدوارد نورتان نجما الفيلمين السابقين) ولكن اسم المخرج لم يكن عامل جذب بالنسبة لي، تمنيت أن يكون جون فافرو أو إنغ لي أو كينث برانا هو من يجلس على كرسي الإخراج بالأخص بعد إنجازاتهما الإخراجية المميزة في أعمال الكوميكس الخاصة بهم وفيلم كهذا صعب لا يعتمد فقط على كاريزما أبطاله أو البذخ الإنتاجي وإنما أيضاً على رؤية المخرج، ربما هي خطوة حكيمة من مارفيل التي لم تشأ أن يكون في الإخراج رجل ارتبط اسمه ببطل معين، تريد رؤية جديدة ولكن هل جوس ويدون بتاريخه الإخراجي المحدود (هذا عمله السينمائي الأول وقبله كان أحد مخرجي التلفزيون الشهيرين بعد نجاحات مسلسلات بافي وانجيل وغلي و اوفيس ومشاركته بكتابة نص فيلم  Toy Story  الذي أكسبه ترشيح للأوسكار  ) ، بعد مشاهدة العمل بإمكاني أن أقول إن ويدون كان موفقاً إلى حد بعيد .
مع نهاية الأفلام السابقة تتشكل حبكة الفيلم الجديد بروس بانر (هالك) اعتزل العالم المتحضر وهو يعيش معزولاً في أحد قرى أمريكا الجنوبية، توني ستريك (إيرون مان) اكتشف منظمة S.H.I.E.L.D وانتسب لها، كابتن أمريكا انتقل عبر الزمن من الأربعينات إلى الألفية المعاصرة ويبحث عن طريق للعودة، ثور (البطل الوحيد غير البشري) استحق عرشه على مملكة أسكارد وأخاه لوكي المتبنى المنبوذ عاد إلى شعبه وهو يبحث عن الانتقام من ثور وتأسيس مملكة جديدة خاصة به مركزها الأرض بالاستعانة بمكعب الطاقة الأسطوري الذي كان سبب نقل كابتن أمريكا حول العالم والذي يشكل هدفاً لمنظمة S.H.I.E.L.D  لتأسس سلاحها الخارق الجديد لمواجهة المخاطر على الأرض وعواقب انفتاح العوالم على بعضها ومع غزو لوكي للأرض يجتمع فريق الـ Avengers لمواجهة أخطر حرب بتاريخ البشرية.
الفيلم مليء جداً جداً بالإثارة ، لا يهدأ على مدى ساعتين وربع تقريباً، والمشاهد سيشعر بإنسجام كبير معه ، ما فعلته مارفيل قبل سنوات بأن بدأت بعرض قصص أبطالها فرادة قبل جمعهم بهذه الملحمة أتى ثماره، فالمشاهد أصبح لديه أرضية محكمة عن شخصياته الكثيرة وينتظر هذا العمل كتتمة لكل الأفلام السابقة وهذا وفر فترة التمهيد للعمل وجعل المشاهد يدخل سريعاً بالأحداث ويتابع ما سيجري معها في هذه المرحلة المنتظرة، وما فعله ويدون هنا يستحق الاحترام، الرجل متفهم جيداً لقصص الكوميكس ولحقيقة أبطاله ونجح بنصه الجيد وإخراجه الموفق أن لا يجعل من العمل مجرد استعراض بطولات ومثاليات بل إنه جعل من العمل وشخصياته  إنسانية إلى حد بعيد وأعطى العمل عمق درامي جيد جداً ولكنه غير طاغي على الجانب الإثاري فيه وإنما شديد الانسجام معه ومناسب له ويدخل في صلب القصة، جاذبية شخصيات الـ Avengers هو في تناقضاتها، ليست فقط المهارية وإنما التكوينية، إيرون مان الذي يمثل القوى الميكانيكية التقنية، كابتن أمريكا الذي يمثل القوى الجينية العلمية، ثور رمز قوة الطبيعة والأسطورة، هالك الطفرة العلمية الخارجة عن السيطرة، بلاك ويدو و هوك أي البطلان الأكثر بشرية وإنسانية وبعداً عن التلاعب الجيني أو العلمي أو التقني، هذه التناقضات في صلب الشخصيات شكلت مساحة ممتازة للتناقضات بطبيعتها والنزاعات بينها ، توني ستريك أو إيرون مان الملياردير الماجن الذي لا تشكل له البطولة سوى لعبة ترفيهية تفنية جديدة له دون أي مثاليات بطولية على عكس كابتن أمريكا المصر على الحفاظ على غموض شخصيته والتمسك بقيم البطولة وإيمانه بأهمية تلك القيم المثالية لإنقاذ العالم مما يشكل نظرة للصراع بين أمريكا الحرب العالمية الثانية ذات الجانب البطولي وأمريكا العصر الحديث ذات الهيمنة الاستعراضية الفارغة، لدينا ثور الذي يحمل على عاتقه حكم العوالم والتوازن بينها وإعادة لملمة شمل عائلته، بروس بانير (هالك) صاحب النزاعات الداخلية بين قوته المنفلتة التي تخيفه وتكاد تدمره دون أن يستطيع إخضاعها ، بلاك ويدو التي تريد إثبات ذاتها بين عالم الذكور ، هوك أي الذي يحمل عبئ خيانته، ولوكي الحاقد الساعي للانتقام والخروج عن ظل ثور القديم.
مع الاجتماع الأول لفريق الـ Avengers تكون لتلك التناقضات مساحة هامة في تشكيل حبكة العمل، وهذا يصنع حبكة قصصية ممتازة ولكن بنفس الوقت هناك ضعف إلى حد ما بحبكة الإثارة والمعركة عوضها ويدون بمشاهد حركة وقتال شديدة التشويق والجمالية والإتقان، والأهم إنه مع جمع تلك الشخصيات الخارقة سويةً كنّا بحاجة لعدو مثالي على مستوى ذلك التحدي وهنا عرف كيف يلعب على شخصية لوكي ويضخمها بالشكل المطلوب أفضل مما كانت عليه بفيلم ثور لتكون التحدي الحقيقي مع جيشه لفريق الخارقين، ويدون قام بحركة جيدة بأن صنع هوية عمله الخاصة من مزيج هويات الأعمال السابقة الكوميدية والطرافة من إيرون مان، التراجيدية من هالك، المثالية من كابتن أمريكا، الشكسبيرية من ثور، وازن بين تلك الميزات بطريقة يستحق عليها الاحترام دون أن يجعل لجانب يطغى على آخر ومعه وازن بين شخصيات عمله الأسطورية، نجح بأن يجعل الفيلم فيلم الـ Avengers لا فيلم بطل معين بحد ذاته وهذا إنجاز يستحق التقدير جداً وهو الركن الرئيسي لنجاح العمل، هنا لا يوجد شخصية مهيمنة، لا يوجد شخصية ألغت الآخرين، الشخصيات جميعها لها مساحة متوازنة ودور فاعل بالمعركة مهم ولا يمكن للمشاهد أن يشعر أن هناك شخصية ظلمت أبداً (باستثناء تغيب هوك أي في نصف العمل الأول) ويدون قدم ما يحب الجمهور أن يشاهده قدم إنسانية الشخصيات قدم ميزاتهم وبطولاتهم أدخلهم في بعض مراحل العمل في نزاع قتالي فيما بينها ثم جمعهم في معركة مبهرة بمواجهة عدو بغاية الخطورة وكل ذلك دون أن يكون ما قدمه شيء سطحي أو مبتذل.
على جانب آخر فإن ويدون لم يشأ لمشاهده أن يحتاج لمشاهدة أربع أو خمس أعمال قبل أن يشاهد هذا الفيلم، صنعه بروح مستقلة وهوية خاصة ونجح بذلك، ولكن ذلك أفقد العمل ما يمكن أن نسميه مذاق الملحمة الختامية وهذه الثغرة الحقيقية فيه، هناك أمور عديدة من الأفلام السابقة بقيت معلقة هنا كنت أتمنى مشاهدة حلول لها، قضية عودة كابتن أمريكا إلى زمنه أو تاقلمه مع الزمن الجديد أصبحت ثانوية جداً ومغيبة، تطورات علاقة توني ستريك ببوتس لم يكن لها دور هنا مما سبب تهميش لشخصية بوتس التي أدتها غوينث بالترو ببراعة بالأجزاء السابقة لأيرون مان، اجتماع ثور مع محبوبته جين فوستر لم يكن لها وجود وهذا الشيء أدى إلى غياب ناتالي بورتمان التي حملت الدور بجاذبية شديدة في الفيلم السابق، علاقة هالك بـبيتي روس (أدتها سابقاً جينفر كونلي ثم ليف تايلر) لم يتطرق لها العمل أبداً وغياب تلك الشخصيات النسائية الثلاث أدى إلى أفقاد العمل الجانب العاطفي فيه وهو جانب مهم جداً في أفلام الكوميكس، بالمقابل فإن ويدن ركز على أمور أخرى عوض بذلك شيء من القصور السابق فيه، تناقضات الشخصيات وعلاقتها فيما بينها، توسيع مساحة دور لوكي، نضج شخصية ثور ، تطور شخصية إيرون مان، الاهتمام أكثر بشخصية بلاك ويدو على عكس المحدودية التي عانتها في إيرون مان 2 وإعطائها مشاحة واسعة حملت به غياب العنصر النسائي عن العمل، وصنع شخصية هوك اي رغم إنه لم يكن موفقاً تماماً بالنسبة لي .
بصرياً العمل أكثر من ممتاز تقنيات ومؤثرات رائعة جداً وتصوير ومونتاج وموسيقى شديد الاحترافية بالأخص المونتاج الذي عرف كيف يوزان بين شخصيات عمله وبنفس الوقت كيف يصنع مشاهد أكشن شديدة التشويق والإمتاع ، النص جيد جداً والتمثيل رائع أعلى من مستوى فيلم كوميكس وهذه نقطة مضيئة للعمل فلم يركز على كاريزما ممثليه وإنما على أدائهم، روبيرت داوني جونيور مستمر بإعطاء شخصية إيرون مان جاذبيتها الخاصة وهي العنصر الرئيسي لنجاح العمل، كريس همثورس أعطى لشخصية ثور النضج المطلوب الذي تحتاجه، كريس ايفنز تجاوز المثالية السطحية لشخصية كابتن أمريكا في الفيلم السابق السيء ليعطي أداء جيد لشخصية تحمل على عاتقها هم البطولة وقيمها الضائعة في الزمن الحديث مع حنين مبطن لزمنه الأصلي، مارك رافيللو تغلب على بانا ونورتان وقدم تناقضات شخصية بروس بانير هالك الرائعة بشكل يستحق عليه التقدير ضمن أفضل أداء في العمل، توم هيدلستون بدور لوكي تجاوز أيضاً السطحية الطفولية والانفعالية الساذجة في فيلم ثور ليعطي الشخصية الثقل المطلوب ويظهرها فعلاً على مستوى تحدي فريق الخارقين ، سكارليت جوهانسن بدور بلاك ويدو قدمت أداء بغاية الجودة وكذلك جيرمي رينر – الذي يحجز موقعه كأحد أفضل مؤذي الأدوار الرجولية الصلبة حالياً بعد أدواره في The Hurt Locker  و The Town  و Mission Impossible : Ghost Protocol -   (جندي في العراق ، رجل عصابات سادي ، عميل في مخابرات) – قدم أداء جيد في هوك أي رغم إن ضعف الشخصية أعاقه أحياناً ، سامويل جاكسون حافظ على الكاريزما المطلوبة بدور رئيس المنظمة ومشاركته بهذا العمل عزّزت موقعه كأحد أكثر الممثلين الأفارقة أهمية حالياً والقاسم المشترك بين مجموعة من أكثر الأفلام نجاحاً بزمننا الحديث.
الفيلم هو بكل بساطة ليس فقط أحد أفضل الأعمال التجارية الشعبية حالياً بل هو إنجاز فني يستحق التقدير، هو فيلم كوميكس مثالي جداً وشديد الأهمية ويشكل ذلك التحدي الذي صنعه فيلم إيرون مان عام 2008 أمام كريستوفر نولان وThe Dark Knight بصنع فيلم كوميكس مثالي ويبقى أمامنا الانتظار للشهر السابع حتى نرى إن كان نولان و The Dark Knight Rises  لن يتجاوز فقط النجاح الأسطوري لـ.The Dark Knight وإنما أيضاً النجاح الضخم لتحفة مارفيل هذه .
التقييم : 9 / 10

0 التعليقات:

إرسال تعليق