RSS

The Hunger Games - 2012


أول أفلام 2012 الناجحة بشكل كبير والتي بدأ معها الحديث مبكراً جداً عن مرشح محتمل للأوسكار القادم، فيلم توقع الكثيرون له أن يكون مجرد فيلم مثير للمراهقين بالأخص أن قصته تعود لرواية ألفتها سوزان كولينز مؤلفة تولايت الشهير ويتصدى لبطولته مجموعة من الممثلين الشباب ومخرجه متخصص بنوعية أفلام المراهقين الناجحة، مع اقتراب عرض الفيلم والدعاية له بدأ الحديث يختلف ومن شاهد الفيلم مبكراً من النقاد وصفه أنه شديد الجدّية والعنف أكثر من مستوى سينما مراهقين، ومع عرضه في الشهر الثالث في أمريكا وتصدره لشباك التذاكر لخمس أسابيع على التوالي بأرباح خيالية وما رفقه من ثناء نقدي كبير بدأت الفكرة حول العمل تتغير.
في هذه القصة نتجه إلى عالم المستقبل بعد ثورة شعبية أمريكية أدت إلى حرب أهلية ثم صعود سلطة دكتاتوريا قامت بتقسيم أمريكا إلى 12 قطاع أشبه بسجون ضخمة لمواطنيها وكعقاب للشعب على ثورته قامت بتنظيم لعبة الـThe Hunger Games  التي يتم اختيار بها 24 متسابق بين الـ 12 و 25 سنة أثنين من كل مقاطعة في مسابقة تلفزيون واقع لا يقبل بها سوى ناجي واحد يجب أن يربح على حساب فناء بقية المتسابقين بشتى الطرق حتى لو كان قتلهم ، مسابقة تقوم على فكرة البقاء على قيد الحياة على حساب حياة الآخرين .
فكرة المسابقة هي كما يتم إعلانها التذكير بالبطولة والشجاعة التي أنهت الحرب ولكنها بحقيقتها وسيلة قمعية أخرى تعتمدها السلطة الدكتاتورية على الشعوب، إعطاء شيء من الانتصارات الوهمية للمقاطعات حتى تنشغل عن فكرة المقاومة، صنع مادة ترفيهية تغازل مشاعر وغرائز المشاهد حتى تلهيهم عن واقعهم، تعزيز فكرة الانفصالية بين المقاطعات حين تلجأ كل مقاطعة لتشجيع منافسيها على الفوز (بالبقاء على قيد الحياة وقتل بقية المتنافسين من بقية المقاطعات) مما سيعزز بلا وعي الشعوب فكرة عدم التعاون مجدداً على ثورة على النظام.
الفيلم رغم ما تم التسويق له أنه فيلم إثارة للمراهقين ولكن في طياتها أفكار أكبر وأهم من ذلك بكثير ، فكرة الديكاتورية المتحكمة بمصير الشعب، فكرة صراع الطبقات، فكرة التخدير الإعلامي، خطورة تلفزيون الواقع وتأثيره على حياة ومصائر دول بحالها، أفكار يتم تلخيصها وعرضها من خلال مسابقة دموية لا ترحم وقد تم توليفها بشكل ممتاز جداً، ولكن أكثر ما شدني للعمل هو فكرة غريزة البقاء الإنسانية، إلى حد الإنسان متمسك بهذه الحياة وإلى أي مدى قد يصل للحفاظ عليها، هل من الممكن أن يتحول إلى وحش لا يرحم حتى يبقى حياً، الفيلم يبدع بمناقشة هذه الفكرة وليتماشى معها يقدم عرضاً بغاية العنف والجرأة والدموية.
في بداية العمل هناك تمهيد لواقع البطلة (كاتنيس افيردين) ومعها واقع حياة المقاطعة 12 المأساوي حيث تعيش بالطرق البدائية ، تربطها قصة حب بشاب من مقاطعتها ومع اقتراب موعد المسابقة يبدأ الخوف يشغل بال الشباب وأهلهم من احتمال أن يقع الاختيار عليهم للذهاب إلى تلك العقوبة، صديق كاتنيس يقترح عليها فكرة الهرب والعيش بالبراري ويتساءل كيف يمكن هزيمة النظام؟، هل تعاون أهل المقاطعة على مقاطعة مشاهدة تلك المسابقة سيكون كفيلاً بإيقافها؟، من ناحية أخرى شقيقة كاتنيس الصغيرة تراودها كوابيس من اختيارها بعد أن أصبحت ضمن سن الألعاب تحاول شقيقتها طمأنتها ولكن كوابيسها تنقلب على واقع فتتطوع هي لتكون مكانها ويختارون معها بيتا الشاب المعجب بها سراّ منذ زمن.
مع التحضيرات للمسابقة يبدو واضحاً التركيز على فكرة تلفزيون الواقع وتأثيره، مع المتسابقين هناك ابرناثي  الفائز الوحيد في تلك الألعاب عن المقاطعة 12 والذي تحول الآن إلى مستشار للمتسابقين ويعطيهم نصيحة واحدة (النجاة هي بأن تحظي بإعجاب الجمهور مما يعني دعم المنتجين) هنا يدخل العمل بقوة بفكرة تحويل الإنسان إلى سلعة استهلاكية للبقاء، اختراع قصة حب جذابة بين المتسابقين، محاولة استعراض قوتهما ليكونا محببين للجمهور وتزداد احتمال فوزهما، الظهور الجذاب في المقابلات، ثم تبدأ المسابقات بمعركة دموية عنيفة بين المتسابقين.
فكرة الطبقية والسلطوية لا تغادر أي مشهد للعمل، المسابقة تحولها افيردين إلى مواجهة مع النظام الذي يحاول تحطيمها بشتى الوسائل، والمسابقة لا تتحول فقط إلى معركة نجاة بل على معركة بين الثروة والفقر ، متسابقي المقاطعة الأولى الأكثر ثراءً وقوة والذين يتطوعون عمداً بعد أن يدخلوا مدارس خاصة للإعداد للمسابقة لن يرضوا أن يغلبهم متسابقي المقاطعة 12 الأكثر فقراً ودونية وبالنسبة لهم المسابقة هي سبيل لفخر مقاطعتهم بهم ووسيلة لتحقيق إنجاز مهم بالحياة لن يتخلوا عنه بسهولة.
الطبقية ، الإعلام، الديكتاتورية تحول المتسابقين إلى وحوش حتى ينجون، ويرتكبون كل ما هو أخلاقي وغير أخلاقي لأجل ذلك، وروس يلعب على فكرة تصويرهم كضحايا لذلك النظام ولكنه لا يلمسها سوى جزئياً وبالمشهد الأخير ربما أما ببقية المشاهد فهم يصورهم كأشرار حقيقيين ويوجه الجمهور للتعاطف مع بطلته التي يتم تصويرها بشيء من الملائكية المنضبطة ويصبح هم العمل الجاهد أن لا تتلوث فيما تلوث به بقية المتسابقين وأن تكون هي الضحية وهذه الفكرة أفلتت منه في بعض المراحل وما عاب العمل أيضاً هو اهتمامه بتسليط الضوء أكثر على شخصية افيردين والتعمق بها على حساب باقي الشخصيات التي عانت سطحية بالمعالجة، في العمل ندخل بقصة رومانسية جيدة ومضبوطة ومتصاعدة بشكل ممتاز، والعمل أجمالاً يحمل رتم تصاعدي مميز جداً ومضبوط حتى النهاية ومثير وممتع حتى أخر اللحظات مع دراما مآساوية جيدة جداً وبعيدة عن التلاعب بالعواطف وقصة عاطفية جيدة لنصل إلى النهاية ونحن راضين تماماً عن العمل ومنتظرين للجزء القادم.
العمل قامت ببطولته جينفر لورانس ذات الـ 22 عاماً والمرشحة للأوسكار عن فيلم عظمة الشتاء 2010 وتبدو مؤهلة لنيل ترشيح آخر عن هذا العمل عن الأداء الرائع جداً الذي قدمته والذي تجاوزت به سنها لتبدو به بغاية الاحترافية والقوة والتحكم بالدور، شارك معها جوش هتسيرشون بدور بيتا بأداء عادي، اليزابث بانكس و ستانلي توتشي و وودي هارليسون و دونالد ساذرلاند قدموا حضوراً سريعاً طيباً.
الإخراج تولاه كاتب السيناريو والمخرج المرشح للأوسكار أربع مرات غاري روس والذي سبق له أن تعامل مع قصص المراهقين بشكل جاد وجيد في أفلام Big  و بلاسنتفيل و Seabiscuit المرشح لسبع جوائز أوسكار منها أفضل فيلم عام 2003 ، فيلمه هذا الجديد يبدو أفضل أعماله عن جدارة، الخروج عن إطار القصة الشبابية الطفولية المليئة بالشغف والعنف والتبحر بفضائات فكرية معقدة وهامة وتقديمها بشكل شديد الجودة والجدية مع الحفاظ على طابع الإثارة والقوة  ، هناك الكثير من السوداوية والعنف والرثائية المضبوطة التي يقدمها والصناعة البصرية الراقية في العمل بالأخص الأجواء والموسيقى المميزة جداً كله ساهم بصنع عمل ممتاز جداً ويستحق التقدير .
التقييم : 8.5 / 10      
 

1 التعليقات:

Ahmed Osman يقول...

ممتاز .. تحليل رائع لـ افضل فيلم ف2012 حتى الآن من وجهة نظرى .. تقيمى للفيلم 8.5 كما ذكرت

ولكن هل تعتقد جديـ،ـا ان جينفير لورانس قد تصل الى ترشيح فى الأوسكـ،ـار كـ افضل ممثلة

شخصيا ارى انه قد نرى فيلم العاب الجوع فى فئه افضل فيلم .. اعتقد ان سيكون من افضل 10 افلام هذا العام

إرسال تعليق