RSS

The Discreet Charm of the Bourgeoisie (1972)


الإسباني لويس بونويل في فيلمه الفائز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي يأخذنا برحلة سريالية داخل عقول شخصياته، نجول بين أحلامها وكوابيسها المتداخلة فيما بينها والمتشابكة مع الواقع بطريقة يصعب التمييز بينها، الذكاء في منجز بونويل هو في قدرته على خداع المشاهد، العمل لديه خطط قصصي واضح، القصة ليست عشوائية، تبدأ بطريقة اعتيادية قصة مشوقة عن ستة أصدقاء يحاولون قضاء سهرة عشاء وفي كل مرة يحصل معهم موقف غرائبي يعيق مشروعهم، الأمور بالتدريج تزداد تشويشاً وإرباكاً وتتعرض القصة للتخلخل عندها يدرك المشاهد أن كل ما كان يراه سلسلة أحلام ولم يعلم متى تبدأ ومتى تنتهي وإلى مدى هي حقيقية وخيالية، هو تجسيد سينمائي ممتاز جداً لترجمة الحلم او الكابوس، لا اظن احد جارا بونويل فيها سوا ديفيد لينش، الحلم يبدأ من المنتصف بطريقة اعتيادية مستنداً إلى حدث حقيقي، ثم تأخذ الأمور مساراً غرايبياً يختل معها مفهوم الواقع، يتورط معها الحالم - أو المشاهد هنا - لا يعرف كيف يفسرها أو يتفاعل معها ولا يدرك أنه كان يحلم إلا بعد الاستيقاظ.
بونويل لا يكتفي بجعل فيلمه تحليل لمفهوم الحلم بل يجعله بوابة لفهم عقلية الحالم ومنه لفهم طبيعة طبقة اجتماعية من المتنفذين المنافقين الذين اعتاد بونويل مهاجتهم بأعماله، لذلك يتسع من دائرة الشخصيات الرئيسية الستة (الصحبة) إلى شخصيات أكثر تنوعاً، يدخلنا بونويل إلى لاوعي تلك الشخصيات، يرينا أن الجميع لديه جانب يخفيه، حقيقة وحشية أو وضيعة لا يظهرها، الجميع يعيش أسير مخاوفه وماضيه وهمومه، الجميع يخاف من شيء ويحلم بشيء لن يحدث.
في رحلة بونويل سنرى قساً يحلم بالانتقام ولا يستطيع الغفران، رجل قانون يعيش بعالم خيالي من المغامرات التي تجسد رجال السلطة كزومبي ساديين يتلذذون بالقتل وخرق القانون، وسفير يستغل حصانته ليصبح صاحب الكلمة العليا في البلد التي يمثل بها رداً على العنصرية والاستخفاف التي يُعامل بها، ويؤرقه دوماً كابوس عن إرهابيين من بلده (ثوار) يطاردونه لاغتياله، ورجل برجوازي يشعر أنه تحت المجهر ودمية بيد غيره، أشخاص يلتقون بأحبائهم بعد الموت، آخرون تسيطر عليهم عقد الطفولة، وغيرهم يخوض مغامرات جنسية بلا ضوابط، وبعضهم يحلم بالشباب الدائم.
في عمق هذه الأحلام وتلك العلاقات المتداخلة يكشف بونويل إلى حد تشكل الطبقة البرجوازية خطراً على المجتمع ومنبعاً للفساد والفوضى فيه، هم أباطرة المخدرات وتجار الحروب، هم أصل الديكتاتورية والفساد ورعاة القمع، هم المتحكمين بالدين ومصائر شباب يرمونهم بحروب ومعارك غرضها الوحيد زيادة سلطتهم وثروتهم، علاقاتهم منحطة، مشاعرهم باردة، لا يتفاعلون مع مصائب الآخرين ولا تهمهم.
الفيلم هو هجاء عميق لعلاقة المجتمع الغربي بدول العالم الثالث، تدخله بتلك الدول دون أن يفهمها أو يهمه أن يفهمها، وزرعه للفوضى والعنف فيها تحت مسمى نشر الحرية ووأديه لأي حرية حقيقية فيها ومعاملة الشرفاء على أنهم مجرمين حتى داخل بلدانهم، بونويل تنبؤي بهذا العمل، يحذر من أن الفوضى التي يزرعها الغرب في الخارج سترتد عليه ولكنه بنفس الوقت تشاؤمي وساخر، فتلك الطبقة البرجوازية تعرف كيف تحمي نفسها وجعل غيرها يدفع ضربائها وأن تبقى - كما اثبت التاريخ دوماً - محصنةً من العقاب وهذا هو السحر الخفي للبرجوازية، القدرة على الإفلات من كل الخطايا والجرائم.
ولكن أين العدالة بهذه التركيبة؟ هل من المنطقي أن يبقى المجرمون بلا عقاب؟ بونويل يصنع جحيماً خاصاً لتلك الطبقة، جحيماً في عقولهم وأحلامهم، حين تختفي كل الضجة والصخب وتنحسر الأضواء سيتهاجمهم الكوابيس وسيظيهم عقلهم عقاباً قاسياً لا رحمة فيه.
١٠/١٠

tag

0 التعليقات:

إرسال تعليق