RSS

Quiz Show - 1994




رغم أهميته غير قابلة للجدل كممثل فإن روبيرت ريدفورد المخرج لا يقل أهمية عن ريدفورد الممثل، مشكلته الحقيقية هي بعلاقته مع الجمهور، هناك شيء من سوء الحظ يلاحقه، فوزه بالأوسكار عن عمله البديع (أناس عادييون) عام ١٩٨٠ جاء على حساب تحفة سكورسيزي (الثور الهائج) مما جعل فيلمه محط كره واستخفاف الجمهور لمجرد قيمة المنافس، مجردين العمل من قيمته الفنية ومبتعدين بتقييمه عن الموضوعية - نفس لعنة أفلام أخرى هامة مثل كم كان أخضراً الوادي وروكي و كريمر بمواجهة كريمر و رقص مع الذئاب وخطاب الملك - فيلمه هذا أيضاً تعرض لسوء الحظ لوجوده في قائمة منافسة أوسكارية شرسة شملت بولب فيكشن وفورست غومب وإصلاحية شوشانك والكوميدية الإنكليزية الشعبية جداً بزمانها أربع حفلات زفاف وجنازة، مما جعله أحد روائع هوليوود التسعينية المنسية.
الفيلم يروي أحداث فضيحة برنامج المسابقات ٢١ الذي انتجته NBC في خمسينيات القرن الماضي، العمل مستند إلى كتاب الشخصية الرئيسية ريتشارد غودوين وكيفه للسينما باول اتاناسيو في أول أعماله للسينما والذي اكسبه ترشيح للأوسكار اتبعه بثان عام ١٩٩٧ عن دوني براسكو وهما أهم ما قدمه بمسيرته.
نص اتاناسيو يبدو هاماً جداً بصياغته للصراع الأزلي بين القيمة المادية والإخلاقية، ويحوله إلى سلسلة مواجهات مدعومة بحوار ممتاز جداً وممتع وعال الذكاء حول مادية الأشياء وضريبتها الأخلاقية، ينتقل بسلاسة بين عدة طبقات للصراع تخدم هذه الفكرة، الشخصيات الرئيسية الثلاث لها نزاعاتها الخاصة حول إثبات ذاتها بمحيطها تتجسد ببرنامج المسابقات، الشخصيات مختلفة بظاهرها وخلفيتها وتجمعها العبقرية ورغبة تحقيق القيمة في مجتمع يذهب نحو تسليع كل شيء، سواء أن يكون الشخص محبوباً في مجتمعه مثل ستيمبل أو يخرج من ظل والده مثل فون دورن أو تحقيق غودون لإنجاز مهني يتناسب مع مؤهلاته وعبقريته.
هذه الصراعات الذاتية للشخصيات مبنية بطريقة جيدة تدفع الحدث للأمام، عميقة بالدرجة الكافية التي تحتاجها الفكرة وتنتج عنها صراعات وعلاقات ثانوية جيدة، إحساس ستيمبل بالدونة من فون دورن وحسده أو إعجاب غودوين به.
القصة والصراعات تذهب باتجاه جيد حيث تكون الغاية في البداية المنفعة المادية ثم تصبح المادة منفعة جانبية أمام قيمة أكبر حققتها لهم برنامج المسابقات وتصبح القيمة المادية هي التجسيد للقيمة الحقيقية للشخصيات، أو يصبحون سلعة لها ثمنها وتزداد قيمتهم بغلو السعر، وهنا ينتقل العمل إلى طبقة أعمق وهي تسليع الأشياء، تسليع الطب والإعلام والقضاء والتعليم والثقافة والأخلاق، تسليع الحلم الأمريكي الذي يبدو متاحاً فقط لأشخاص لهم صفاتهم الخاصة التي تتناسب مع الصورة التي يصدرها الإعلام وهي صورة بغاية الصرامة المثالية وتتناسب مع أحلام الجماهير، ليبدو كل شيء مجرد وهم وكذبة اتفق عليها الجميع الجمهور والرعاة والمتسابقين، ويلقي الضوء على هيمنة وقوة شركات الإعلام والأعمال على المجتمع (الدولة العميقة) وتحويل الجمهور إلى قطيع وإدمان الشهرة والأضواء، ولو إن هذين المحورين ليسا بثقل أفلام مشابهة مثل (الشبكة) و(ماغنوليا) ولكن كانا جيدين بخدمة الفكرة.
هو فيلم هوليوودي نموذجي مصنوع على المسطرة، وربما يكون هذا الوصف سبباً لعدم حصول الفيلم على الاحترام الكافي من الجمهور - رغم أني لا أظنه وصفاً معيباً نظراً للنتيجة الجيدة - روبيرت ريدفورد قدم أداءً إخراجياً جيد جداً بتركيزه على تفاصيل الحقبة وما وراء كواليس برامج المسابقات والهروب من مسرحة الحدث والمواجهات الحوارية إلى صورية سينمائية تعبيرية جيدة وإدارة ممتازة للممثلين بمن فيهم سكورسيزي الذي ظهر بدور قصير جيد.
العمل تصدر بطولته اثنان من أهم الاسماء الصاعدة في التسعينات جون تورتورو القادم من رائعة الكوينز بارتون فينك وراف فينز بعد عام واحد على أداءه الرفيع بتحفة سبلبيرغ قائمة تشاندلار وقدم كلاهما أداءين رفيعين ومعهما روب مورو و القدير الأوسكاري باول سكوفيلد بأداء عظيم أعاده لترشيحات الأوسكار بعد غياب ٢٨ عاماً منذ فوزه عن تحفة فريد زينمان A man for all Seasons .
9/10

0 التعليقات:

إرسال تعليق