RSS

The Hobbit: An Unexpected Journey (2012)



نور الدين النجار
عام 2001 انطلق بيتر جاكسون بمغامرة مبهرة مجنونة في عالم فنتازي يموج بالجن والسحرة والأقزام والبشر لإحراق خاتم سحري يحمل قوة الشر كاملة بعبارات منقوشة عليه، الفيلم اصبح ظاهرة جماهرية ونقدية عالمية ، من الأعمال الفنتازية النادرة التي وصلت لجوائز البافتا وترشيحات الأوسكار، ولم يكد الجمهور يصحو من مراقبة الزمالة حتى صعد البرجان وهلل لعودة الملك وحرق فرودو للخاتم في تحفة حازت على 11 جائزة أوسكار من أصل 11 ترشيح وأصبح الفيلم الأفضل للعقد الماضي وحولت جاكسون إلى أحد أكثر الشخصيات في هوليوود نفوذاً ، ومع وجود رواية أخرى لتولكين سابقة لثلاثية الخواتم وفي نفس عوالمه السحرية اشتاق الجمهور لرؤيتها على الشاشة، جاكسون كان لديه مشاريع أخرى ، في البداية حقق حلمه بصنع ريميك رائع للكلاسيكية الشهيرة كينغ كونغ ثم بدأ بالتحضير لمشروع الهوبيت الذي عانى الكثير من العثرات حتى رأى النور.

بداية عثرات مشروع الهوبيت كانت بالسيناريو، جاكسون كان يريد فيلم واحد وفي أحسن الأحوال فيلمين ولكن لأسباب انتاجية وافق على صنع ثلاثية بالأخص بعد العثرة التي لاقاها إخراجياً في فيلم العظام المحببة عام 2009 ، جاكسون كان يريد البقاء كمنتج للعمل وإسناد الإخراج لغيليرمو ديل تورو (مخرج هيل بوي و متاهة فون) ولكن الخلافات على الرؤية الفنية للعمل بين رؤية جاكسون المحببة ورؤية ديل تورو الأكثر سوداوية جعلت ديل تورو ينسحب رغم إنه بدأ بمرحلة الإعداد للعمل وعودة جاكسون للإخراج بعد غياب أربع سنين قضاها في الإنتاج وصنع فيها عمليين ممتازين المنطقة 9 المرشح لأوسكار أفضل فيلم والأنيميشن تان تان الفائز بغولدن غلوب أفضل فيلم رسومي.
العودة لمشاهدة فصل جديد من فصول مغامرة الأرض الوسطى كان بالنسبة لي له وقع خاص، ربما لهووسي بالسلسلة التي اعتبر جزئها الثالث أفضل فيلم شاهدته وشاهدته خلال تسع سنين أكثر من أربعين مرة وأحفظ  كل تفاصيله وشخوصه وأعشقها، وهذا جعل الفيلم الجديد بالنسبة لي أشبه بصديق القديم ألتقيه بعد غياب سنوات، مع بداية مشاهدتي للعمل الجديد كانت نوبة هائلة من المشاعر تجتاحني، فهمت جيداً شعور عشاق حرب النجوم الذين التقوا سلسلتهم الجديدة بعد انقطاع خمسة عشر سنة، كنت أعيش تلك المشاعر الغريبة من الشوق لدرجة إحصاء الأيام تنازلياً لبدأ العمل، كانت لدي مخاوف مسبقة من أن يتكرر سيناريو حرب النجوم وآلا يكون الجزء الجديد من السلسلة على مستوى السلسلة القديمة وبالأخص إن رواية الهوبيت أقل أهمية وجودة من روايات سيد الخواتم وأكثر طفولية ولا تحتمل أن تكون ثلاث أفلام وبأفضل الأحوال فيلمين والمشاكل التي عانى منها العمل أثناء صناعته جعلتني أتخوف منه ولكن كان يكفيني العودة لأعيش مجدداً في عوالم جاكسون وتولكين الأسطوري حتى يحقق العمل نتيجة مرضية بالنسبة لي .
ما برع فيه جاكسون بهذا العمل هو تعامله الاحترافي والجدي لموضوع القصة الفنتازي الأسطوري وجذبه اهتمام المشاهد الكامل وإمتاعه حتى آخر لحظة، وصنعه لعالم خيالي فنتازي بكافة تفاصيله ونسجه مغامرات لاهثة وممتعة وقادرة على سرق اهتمام المشاهد حتى لا يكاد يشعر بلحظة ملل خلاله وأن يتفاعل بكافة مشاعره ويتحمس لكل مشهد وينتهي وهو يشتاق للمزيد وينتظر الجزء القادم .
جاكسون برع بضخ جرعة من الحميمية التي يشعر بها الجمهور للسلسلة وجعله تتمة وبداية لها بنفس الوقت ، ولكن ما نجح فيه من نسج المغامرات وصنع المشاهد التقنية والأجواء البصرية قابله الكثير من القصور على عدّة محاور ، نقطة الضعف  الأولى في هذا العمل جاءت على النقيض من نقطة القوى في السلسلة الأولى وهي الشخصيات، شخصيات الأقزام الثلاث عشر كانت سطحية وكرتونية جداً لم يكن هناك اي شخصية مميزة أو مهمة للمشاهد أو يمكن حفظ اسمها على عكس الصناعة الرائعة للشخصيات الرئيسية في السلسلة الأولى التي تجاوزت العشرين، باستثناء شخصية ثورين التي تقاطعت ملامحها كثيراً مع آراغون .
شخصية بالبو الشخصية المحورية في العمل عانت من قصور شديد، التأسيس لها غائب ودوافع خوضها المغامرة معدومة ولكن جاكسون عاد وحافظ على توازنه مع صنع دوافع عودته بعد محاولته الهرب والتركيز على أهميته في الأحداث ولكن الممثل لم يقنعني جداً كأليشا وود بشخصية فرودو، شخصية غاندالف هي الأفضل لم يشرح جاكسون في البداية سبب تبنيه لقضية الأقزام واختياره لبالبو ولكن في مشهد واحد هو أفضل مشاهد العمل يربط به جاكسون بإبداع بين الهوبيت وسلسلة الخواتم يقدم شرحاً وافياً لغاندالف ودوافعه ، مشاهد ظهور سميغل القصيرة في العمل رائعة وتعيدنا لندخل جو سيد الخواتم ، ولكن بالمقابل لم نشعر بخطورة أعداء الأقزام في هذه الرحلة، لم يكن للتنين سموغ ذلك الحضور الشرير الطاغي الذي كان لسارومان والأوكس كانوا مقزّمين أمام خطورة الأورك وأسيادهم والأشباح وفرسان النازغول في السلسلة السابقة .
العمل فيع تقاطعات عديدة مع زمالة الخاتم الرحلة والمغامرات وتصاعدها واللجوء لمملكة الجن التي تحوي أسرار أسطورية وتبدو بخلودها ذاكرة حيّة لشعوب المنطقة، وخلافات الأقزام والجن والتشتت أمام الأخطار المحدقة، بالمقابل هناك إبداع بصنع التشويق والمغامرة والمشاهد القتالية وتفاصيل العالم الأسطوري ينجح بجعلنا نتجاوز ثغرات النص وأن يتجاوز حاجز تحويل الرواية القصيرة إلى ثلاثية فهو يستغرق الحدث ويعطيه تفاصيله دون أن نشعر بالحشو أو ملل بل تشويق وإمتاع لا ينقطع ، صحيح إن جاكسون لم ينجح بصنع فيلم مثالي على مستوى زمالة الخاتم ولكن بإمكاني القول إنه نجح بصنع بداية جيدة لسلسلة قابلة بالارتقاء بالأجزاء القادمة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق