RSS

Django unchained - 2012


نور الدين النجار
في فيلمه الثامن يخوض صانع الأفلام الأكثر تطرفاً في زماننا (كوينتن تارانتينو) غمار سينما الوسترن بشكل مباشر وهي التي لطالما غازلها واستوحى منها في أفلامه السبع السابقة، يقوم كما فعل قبل ثلاث أعوام في رائعته (أوغاد مجهولون) باستحضار أحد الأفلام التجارية الناجحة التي عشقها في الستينات وشكلت لديه بداية هووسه في السينما ويعيد تصنيعها و إظهارها بالشكل التي شاهدتها به عينا عقله، بالطريقة التي أحب أن تكون عليها والتي يتخيل كيف ستكون لو صنعت بالزمن الحالي، حتى إنه يبالغ بالاقتباس ويفكك الفيلم والشخصيات والأحداث ويعيد نسجها من البداية لتصبح عملاً جديداً أصلياً.
 
كوينتن تارانتينو منذ بداياته السينمائية درج على عادة الاقتباسات السينمائية وتحية الأفلام والموسيقى الرائجة في الستينات والسبعينات أبدع بذلك في أفلام بولب فيكشن وأقتل بيل بجزأيه، وفي الأوغاد المجهولون كان التحول ليكون العمل بالكامل اقتباس لفيلم سابق لا استعارات واقتباسات من مجموعة أفلام سابقة، الفيلم حقق نجاح كبير خرج بجائزة أفضل ممثل في كان للألماني كريستوفر والتز والذي نال عن الدور أيضاً غولدن غلوب وبافتا وأوسكار والفيلم أعاد تارانتيو لترشيحات الأوسكار بعد غياب 15 سنة ، تارنتينو أراد تكرار الحدث مجدداً جلب ثيمة حظه من الفيلم السابق كريستوفر والتز وجمعه برمز أفلامه سامويل جاكسون وبدل نجمه الأشقر من براد بيت إلى ليوناردو دي كابريو محققاً بذلك تارانتينو أحد أحلامه بالعمل مع النجم الذي رفض سابقاً دور الضابط الألماني في الأوغاد المجهولون، وأحضر نجماً شعبياً آخر أسود جيمي فوكس ليكون بطل عمله، وللمرة الثانية منذ جاكي براون لا تكون النجمة أحد شقراواته كأوما ثورمان أو دايان كروغر بل السمراء كيري واشنطن ، تارانتينو قام بكل ما عليه، قدم سينماه التي أعتدنا عليها وأحببناها بكل جديدها و طقوسها المجنونة وسرياليتها وعنفها و موسيقاها وأغانيها وحواراتها وأدائها الخارج عن المألوف، ولكن هذه المرة لم ينجح الأمر، لا استطيع أن أقول إن الفيلم سيء بل فيه الكثير والكثير من نقاط القوة، ولكنه ليس تحفة جديدة من تارانتينو على غرار بولب فيكشن وأقتل بيل والأوغاد المجهولون ، ليس من الأعمال  التي أتوقع أن تبقى محفوظة في الذاكرة ولكنه يبقى من الأعمال الجيدة التي تستحق الإشادة .
الفيلم عن جانغو (جيمي فوكس) العبد الأسود الذي يحرره طبيب أسنان وصائد جوائز ألماني الدكتور شوالتز(كريستوفر والتز) ليساعده على القضاء على أسياده القدماء المطلوبين للعدالة مقابل منحه حريته ، جانغو يتحول إلى شريك لـشوالتز ويعقد معه صفقة لصيد عصابة خطيرة مقابل تحرير زوجته هيلدا (كيرا واشنطن) العبدة عند أكثر تجار النخاسة نذالة كليفن كاندي (ليوناردو دي كابريو) ، يقرران خداعه لشرائها بثمن بخس ولكن ستيفن (سامويل جاكسون) العبد الأسود العجوز العنصري ضد الزنوج يكتشف الخطة وتأخذ الأمور منحىً شديد الدموية والعنف.
رغم إن تارانتينو اعتاد الاستعارة من أفلام الوسترن لصنع أفلامه ولكنه لم يتوقف عن الاستعارات حين صنع فيلم وسترن، أفلام العصور الرومانية مثل سبارتكوس بين هور و المصارع كانت موجودة وحاضرة بفيلمه وتم استخدامها بشكل جيد مع مزجها بعناصر أفلام الوسترن مع أكشن الثمانينات والتسعينات، وهذه التركيبة التارانتونية الغريبة جعلته أكثر أعمال الوسترن غرابة عن النوع حتى يكاد لا يمكن معرفة إنه فيلم وسترن سوى من الملابس والديكورات، الفيلم ربما يحوي أحد أكثر الحوارات التي كتبها تارنتينو طرافة وهي الإيجابية الأولى في العمل ، ورسم الشخصيات هستيري ولكن لا يوجد أي شخصية تمكنت من الاستحواذ على المشهد والحدث مثل شخصية لادا في الأوغاد المغمورين، عنصر البطولة النسائي غائب ومكمل فقط للبطولة العامة، تارانتينو أبدع بهذا العمل كعادته بالتقديم للشخصيات الشريرة وصنع لها حضور أول طاغ، ويبدو العمل أيضاً أحد أكثر أفلام تارنتينو عنفاً ودموية بدرجة قد تبدو مبالغة بعض الشيء ومليء بالمشاهد القاسية والكثير الكثير من المقاطع الحوارية العنصرية.
الفيلم يحوي تحولات مفاجأة وممتعة ضمن الحدث وتصميم مشاهد مميز وقريب من العبثية الكوميدية الطريفة على عادة تارانتينو، الأداء التمثيلي هنا هو ربما أحد أفضل الأداءات الجماعية في أفلامه جيمي فوكس ممتاز بالدور ومناسب جداً له الممثل الفائز بالأوسكار عن راي اعتاد أن يقدم كل بضع سنوات دور جيد يثبت إنه ممثل مميز، فعلها عام 2006 في فتيات الأحلام ويعيدها هذا العام في جانغو، كريستوفر والتز في حضوره الثاني مع تارانتينو ينال ترشيحه الثاني معه وهو قريب للفوز بعد فوزه بالغولدن غلوب، أداءه ممتاز والشخصية مرسومة خصيصاً له الثرثار المفاوض الذكي الخادع ، شخصيته تحوي أكثر المقاطع الحوارية طرافة وذكاء بالعمل وهو يعطيها جاذبيتها الخاصة، ليوناردو دي كابريو يقدم هنا أحد أفضل أداءاته، شخصية نذلة شريرة بالكامل من رأسه حتى أخمص قدميه لها عوالمها الخاصة المهووس بالفرنسية والذي يعيش بطراز فرنسي رغم عدم اتقانه اللغة ولكنه محافظ على العقلية العنصرية الوحشية التي تميز رجال الجنوب البيض كان يستحق الترشيح للأوسكار ، سامويل جاكسون كان يستحق المزيد من المديح والإشادة ، أدائه ممتاز جداً وربما أحد أفضل أدواره على الإطلاق ضمن شخصية غريبة وغير معتادة وجريئة جداً العبد الأسود العجوز المحتقر للسود أكثر من البيض ، وهو الشيء الأكثر تميزاً وحفظاً للذاكرة وجدلية في العمل، الفيلم يحوي عوامل بصرية ممتازة التصوير ومؤثرات الصوت والديكورات والمونتاج والأزياء والمكياج، استخدام الموسيقى بهذا العمل رائع أغاني الروك الستينية والسبعينية ومزجها بأغاني الهيب بوب والراب كان ممتاز وأعطى للعمل جاذبية خاصة، في النهاية عمل جيد ويستحق المتابعة .
8/ 10

0 التعليقات:

إرسال تعليق