RSS

The Double Life of Véronique - 1991


ماقدمه كيشلوفسكي في رباعية التسعينات اكثر من مجرد افلام شي يشبه المقطوعات الموسيقية الروحية التي تطهر النفس وتدفعها لرؤية الحياة وتقبلها بكامل تناقضاتها محزنها ومفرحها بل والوقوع في حبها، فيلم يجعلك تنظر في ذاتك وترى ان في حياتك كما في حياة كل من حولك قصة غريبة يجب ان تروى وان الحياة ليست سوى موزاييك من القصص الغريبة ، افلامه شاعرية روحانية بريئة عاطفية فلسفية دون ملل ، ربما لا يشبه أحد اليوم سوى بيدرو المودوفار هو بالنسبة لي تتمة البولندي الراحل في روعة الالوان وطغيان الانوثة بطولةً وطابعاً وغرابة القصص والنظرة السريالية العبثية المغلفة بالواقع للحياة باختلاف فصولها.

الحياة المزدوجة لفيرونيكا هو فيلم يحتفي بالحياة قصة فتاتان تدعا فيرونيكا (إيرين جاكوب) كل منهما ولدت بمدينة ولكن كان هناك دوماً خيط روحي لا تفهمها يجمعهما، حب الموسيقى ويتم الأم وتميز العلاقة مع الأب ربطهما وبعض العادات الغريبة التي يمارسانها، حياتهما تتداخل بالأحلام ويكون الصدام حين تموت فيرونيكا البولندية فتوقظ بنظيرتها الفرنسية حزناً وشعوراً بالفقد لا تفهمه وتولد فراغاً روحياً لا تستطيع ملأه سوى بملاحقة وهم حب مع كاتب قصص أطفال ولاعب دمة غريب الأطوار يقودها دون أن يعلم نحو الحقيقة ونحو إكمال ما كانت فيرونيكا قد بدأته وإعادة ملأ ما أفرغه رحيل فيرونيكا الأخرى بمن حولها.
العمل لو كان أمريكياً أو لو كان بيد مخرج غير كيشلوفسكي لدخل بمتاهات سيريالية وعبثية ممتعة ربما ولكن مفتقدة للعمق الروحي الذي زرعه البولندي الكبير، هي نظرة إلى فرادة كل إنسان وأهميته بعالمه وقيمته فيه، هو رحلة خاصة لاكتشاف الذات واكتشاف الدور الذي يجب على كل إنسان أن يلعبه، هو صرخة الحياة للديمومة والاستمرارية وتحدي الموت ولو بطرق خادعة، هو يعمل يمجد الموسيقى ويجعلها صوت الحياة والروح الذي لا تموت، هو عمل يخلد الإنسان بالفن وبالموسيقى تحديداً صوت الملائكة ويمجد الطبيعة وألوانها، رغم إنه عمل يدور بالمدينة ولكنه يحتفي بالطبيعة الموجودة بذات كل إنسان بمشاعره التي تتبدل بتبدل الفصول بالألوان التي تحصر تنوع جمال الطبيعة والكون، هو بذلك يمجد الإنسان والأنثى منه تحديداً، يمجد عواطفها ومشاعرها وتأثيرها، كما مجد القدماء الأنثى وجعلوها ربى فهو هنا هو يعبد الانثى بطريقته بإظهار مدى إنسجام عواطفها مع الطبيعة وكم كونها الإنعكاس الناطق والمختصر للكون الموجود حولنا، كيشلوفسكي الذي أبدع بعد هذا العمل ثلاثية الألوان لا يمكن إنكار أن ألوانه كانت ممزوجة كلها هنا، تحدي الموت والخلود بالموسيقى وفرصة الحياة الأخرى والتطهير وتداخل أقدار وحيوات البشر.
عظمة أعمال كيشلوفسكي ليست دوماً بخاتمتها أو بحكمتها أو بما تريد أن تقوله، العظمة الأكبر بتفاصيلها وبكيفية نطقها لما تقوله، هي كما أفلام ألمودوفار سينما للسينما، تحتفي بالإنسان والأنثى والطبيعة وتحتفي كذلك بالسينما وعظمتها كفن، هذا العمل جذاب جداً بتسلسل أحداثه وتطورها وتركيبها، بتفاصيل السيناريو الداخلية بتحولات القصة بالحوارات البسيطة السريعة الموجودة، هو رائع جداً بألوانه بتصويره بمونتاجه بتصميم مشاهده حركة كاميرته الموسيقى المستخدمة، قيمة العمل وفكرته لا تبدو واضحة وغير منطوقة بصراحة هي تجميع من مكونات عظمته الإبداعية الفنية ، ربما لا يدرك المشاهد الفكرة بوضوح منها ولكنه سيشعر بها، سيشعر بالنشوة في نهاية العمل وبالتطهير الروحي كما وكأنه يحضر عرضاً أوبرالياً، فحتى وإن لم يستطع أن يدرك الفكرة فتبهره وتاسره التفاصيل الفنية والحبكة غير التقليدية الاستثنائية التي يصنعها بها، بالأخص مع الأداء المتكامل من إيرين جاكوب بدور شديد الروحية والغوص بمشاعر الإنسان المتناقضة وحيرته وهو يعيش في عالمين ويتنقل بين الموت والحياة ويبحث عن ذاته المشوشة ودوره غير التقليدية وغير المفهوم، فيلم مبهر عن الإنسان والموسيقى والفن والطبيعة والقدر والحياة والموت وتوحدهم بذات واحدة.

9/10

0 التعليقات:

إرسال تعليق