RSS

Prometheus - 2012


في أحدث أفلام المخرج ريدلي سكوت – وما يصلح  بتسميته آخر روائعه – يعود للبحث عن أصل الإنسان من خلال العودة إلى المجال الذي بدأ به وأبدع منذ أكثر من 30 سنة مجال الخيال العلمي وعوالم الفضاء والسايبورغ، ريدلي سكوت حقق شهرة واسعة عام 1979 بإخراجه لرائعة الفضاء Alien  وعام 1982 أخرج ما يعتبر أشهر أفلام الخيال العلمي Blade Runner  عن شوق السايبورغ للروح البشرية، بعد هذا العمل توجه سكوت لإخراج مختلف الصنوف السينمائية فقدم الجريمة في ثيلما ولويس 1991 واتجه إلى التاريخ في الملحمة الأوسكارية المصارع عام 2000 وخاض حرب الصومال في سقوط النسر الأسود عام 2001 وقدم الجريمة والرعب نفس العام في هانيبال، وعالم العصابات في رجل العصابات الأمريكي عام 2007 ومنذ ذلك العام لم يقدم أي شيء هام حقيقي سوى الجبار -
Prometheus
بروميسيوث اسم مستوحى عن أسطورة أغريقية عن آلهة أرادت أن تجعل الإنسان يقارع آلهة اليونان وعوقب بالنفي من جبل أولمبيك، اليوم بروميسيوث هي سيفينة فضائية تعبر المجرات للوصول إلى الكوكب الذي يتوقع إنه أصل الإنسان الحقيقي، حيث يمكث هناك الأرباب - المهندسين المخلوقات الفضائية الأكثر تطوراً التي ابتكرت الإنسان ثم  تخلت عنه، الرحلة تتأمل أن تعثر على أجوبة الأسئلة الوجودية الأهم في التاريخ البشري عن غاية الوجود وبدايته وما المرحلة القادمة وحين يصلون لا يعثرون على غايتهم بلقاء – المهندسين – بل يعثرون هناك على خطر يهدد البشرية بالكامل.
هذا العمل أعلن به سكوت فور بداية تصويره إنه عودة إلى بداية أسطورة Alien  ، رائعة الخيال العلمي السبعينة التي تعتبر من كلاسيكيات السينما وتبعها ثلاث أجزاء على يد ثلاث مخرجين كل واحد منهم قدمها بأسلوبه الخاص (جيمس كاميرون 1986 و ديفيد فينشر 1992 و جويل شوميخر 1997 ) ولم ينجح أي جزء منهم بأن يوازي عظمة الأول سوى رائعة كاميرون الملحمية بينما سقطت أجزاء التسعينات ، سكوت الذي اكتفى بمراقبة الأجزاء السابقة قبل أن يعود ليقدم أضافته عليها بخبرة السنين الطويلة التي قضاها بين الصعود والهبوط نجح بجعل هذا العمل رائعة جديدة من روائعه وأن يعيده إلى الساحة مجدداً بعد سقوطه المؤلم في روبين هود قبل عامين ، هنا سكوت يصنع ملحمة خيال علمي حقيقية قد لا توازي – على الأقل بالوقت الحالي – عظمة ما قدمه في السبعينات – بالأخص مع الاستقبال النقدي والجماهيري الفاتر الغريب لعمله هذا – ولكنه - بالنسبة لي على الأقل – أحد أكثر أفلام الخيال العلمي الجدلية الحديثة، سكوت ينجح هذا باقتدار بالمزج بين الإثارة المفرطة وعمق الفكرة الهامة، العمل يتصاعد نحو الذروة بشكل مدروس ومبني بعناية ويجذب المشاهد ويثير تشويقه وبنفس الوقت يدفعه بالتفكير العميق حول أصل الإنسان والأديان والمصير نظرة جديدة لنظرية داروين عن النشوء والتطور عن علاقة الإنسان بخالقه عن نزوع الإنسان الحثيث والجنوني نحو مصيره و حقيقته والمعرفة مهما كانت الضريبة، سكوت كاد مرات عديدة أن يسقط بفخ القفز عن الجانب الفكري والإنغماس بالإثارة والأكشن الموجود بالعمل ولكنه باللحظة المناسبة كان يعود ليحافظ على التوازي بين الفكرة والإمتاع.
إذا استطاع الإنسان أن يقابل الخالق ماذا سيطلب منه؟، وإذا استطاع الإنسان أن يتحرر من خالقه ومن الشروط التي فرضها عليه فماذا سيفعل؟ أي تلك الرغبات هي الأهم بداخل الإنسان رغبة الخلود أم رغبة معرفة الحقيقية بعد الموت، وهل الإنسان قادر على أن يكون خالق؟؟، هل هو حلقة من سلسلة تطور علمية ابتكرتها أشياء مخلوقة قبله وهل سيلحقه على سلم التطور السايبورغ الآلي؟، هل الإنسان كلما غالا بالتطور كلما انعدمت الروح عنده حتى يكاد يكون سايبورغ هو أيضاً وما هي حقيقة الروح الإنسانية؟؟ سكوت طرح العديد من الأسئلة الوجودية المعقدة بعمله هذا ولكنه لم يقدم أي جواب أو رأي اكتفى بترك الأمور معلقة والنهاية مفتوحة وغامضة وربما هذه ثغرة العمل، المشاهد رغم كل الزخم الفكري بالعمل ولكنه لم يشعر بالإشباع من الأفكار التي قدمها ، هي خطوط عريضة وطروحات دون أجوبة أو حلول أو على الأقل أراء توازي تعقيد تلك الأسئلة، ربما هذا مبرر بحكم تعقيد تلك الأسئلة المطروحة ولكن الشكل الذي شاهدنا عليه ما يفترض أنهم مهندسين لا يوحي أبداً بمنطقية تلك الطروح والأفكار ويهدمها دون مبرر ويجعلهم بشكل أقرب للبدائية – كوحش Predator  - من أن يكونوا أكثر رقي فكري كما يفترض بأن يكون ما يتم تقديمهم على أنهم مهندسي الوجود البشري وهذا جعل النهاية ضعيفة أمام المستوى العام للعمل.
جانب الإثارة والتشويق بالعمل مبني أيضاً بشكل ممتاز رغم إن سكوت يلجأ إلى حيل الإثارة القديمة في Alien  ولكنه مع ذلك يصنعا بتكنيك جديد موفق أيضاً وناجح وجود الآلي المتطور الوحوش الغريبة الحصار من قبل المخلوقات التي يحتضنها الجسد البشري، أجواء الخوف والترقب والحذر والشك، عناصر صنع بها سكوت تحفة في السبعينات وهنا يعود لاستعمالها بشكل موفق جداً رغم إن العمل على مستوى الإثارة والتشويق ليس على مستوى Alien  ولكن سكوت يقوم هنا بعمل موفق جداً ، تبقى بالعمل بعض الأسئلة المتعلقة بالحبكة، إذا كان فعلاً هنا نشأة الإنسان فكيف وصل إلى الأرض ولماذا صنعه المهندسين ولماذا أرادوا تدميره، تلك الأسئلة لا يجيب عنها سكوت، هل كان الإنسان بمرحلة معينة خادم كديفيد السايبورغ وهل أراد التمرد وتحدي الآلهة حتى قرروا تدميره، أجوبة يلمح لها سكوت وينجح بإثارتها لدى المشاهد ولكنه لا يصرح بها لسبب مجهول غير مفهوم ولكنه يستغل ذلك ليصنع مساحة وصورة مميزة لشخصية السايبورغ ديفيد مختلفة ومتطورة عن أي شخصية سايبورغ سبق وأن شاهدناها وإجمالاً فبناء الشخصيات وعلاقاتها كان موفقاً جداً وممتازاً.
ولكن أكبر عيوب الفيلم هي برأي ربطه بسلسلة Alien لا أفهم السبب أو كيفية الربط الذي كان مقحماً، لو ابقى سكوت على فيلمه مستقل بأفكار لكان أفضل من عودته لسلسلة الأصلية بالأخص بالنسبة لجماهيريه التي لا جماهيرياً قارنت بين الفيلمين وهي مقارنة خاسرة لصالح الكلاسيكي، ربما الربط كان سببه تجارياً بشكل ساذج أو محاولة لتبرير إعادة استخدام سكوت لحيله القديمة من رائعته الأولى.
أكثر ما أحبه بسكوت هو أكثر ما أبغضه فيه بنفس الوقت، سكوت رغم تجاوزه الستين ما زال يتعامل مع السينما بأسلوب الهاوي والمتواضع، حبه الشديد لأفلام ملهميه ممن سبقوه كستانلي كوبريك بالأخص أو أفلام معاصريه كسبلبيرغ و سكورسيزي و كاميرون يجعله يصنع أفلامه بشغف أولئك الصناع العظام لدرجة يفقد بها هويته وبصمته وينغمس بهويته ملهمه ولكنه بنفس الوقت يصنع الفيلم بنفس جودة وقوة فيلم من ألهمه وكأن كوبريك هو من أخرج بلايد رانر و سبلبيرغ هو من أخرج سقوط النسر الأسود وسكورسيزي هو من أخرج رجل العصابات الأمريكي، هذا أمر ليس سهل ولكنه نقطة ضعف حين يفقد المخرج شخصيته وأسلوبه بفيلمه، لا أذكر إني شاهدت فيلماً لسكوت شعرت به بوجود بصمة خاصة له رغم لمسي التمييز بكل زاوية من زواية فنه على عكس ملهميه الذين يمكن ملاحظة بصمتهم الخاصة بكل لقطة من لقطات أعمالهم.
سكوت مهووس بشكل خاص بكوبريك ولطالما كان واضحاً بأعماله الخيالية شغفه لينصع شيء يوازي تحفة كوبريك أوديسا الفضاء، هنا يقترب من ذلك أكثر من اي وقت مضى ويبدو مع انتمائه وولائه الكامل لكوبريك شديد الإعجاب بما قدمه كاميرون في أفاتار لذلك صنع ما يشبه نقيض كوكب باندورا من خلال بروميسيوث ولكن بشكل يكاد يوازي القوة البصرية والتقنية بالأخص تفاصيل المركبات والمؤثرات والمخلوقات الفضائية والكوكب والعالم المتطور علمياً وصنعه العمل بشكل ثلاثي الأبعاد ومشاهد الأكشن والحركة الممتازة ومشاهد الإثارة والتشويق وأفضل المشاهد مشهد الختام الرائع وبداية الأسطورة الشهيرة، الفيلم ممتاز جداً تقنياً وعالي الإبهار بشكل يوازي الإبهار النصّي به وأداء الممثلين موفق جداً تشارليز ثيرون الحائزة على الأوسكار ومايكل فاسبندر صاحب الشهرة الواسعة بدوره الجدلي في  Sham يقدمون أداءات صلبة جداً وممتازة وكذلك السويدية نعومي راياباس (نجمة النسخة السويدية من فتاة بوشم التنين) و لوغان مارشل غرين، الفيلم شارك به النجم غاي بيرس (أحد المشاركين بالفيلمين الأوسكاريين  the hurt locker و The kings speech ولكن ادائه سيئ ومكياج الشخصية أكثر سوءً. 
9 / 10

0 التعليقات:

إرسال تعليق