RSS

Chronicle - 2012




فيلم Chronicle للمخرج الشاب جداً (جوش ترانك 27 سنة) في أول عمل سينمائي له تحول باكراً إلى أحد أنجح أفلام 2012 وأكثرها إثارة لحماس الجمهور وإعجابه رغم إن كل ما يقدمه تقليدي وسبق مشاهدته، قصص مراهقين خارقين ، مشاكل الثانوية وتفكك العائلات، أسلوب تصوير وثائقي بكاميرا ديجيتال منزلية وبميزانية منخفضة، مواضيع مكررة في التلفزيون والسينما الأمريكية ولكن مع ذلك عرف ترانك كيف يوظفها ليصنع أحد أفضل أفلام الخيال العلمي الحديثة.
صناعة فيلم خيال علمي بأسلوب وثائقي بواسطة كاميرا منزلية لتقديم أقرب ما يمكن للواقعية الصرفة أمر ليس جديد أبداً، فيلم الرعب الشهير مشروع الساحر بلير عام 1998 هو أول فيلم استعمل تلك التقنية وأحدث ثورة سينمائية بها بالأخص مع أسلوب الدعاية  الاستثنائي المعتمد على شبكة الأنترنيت والبعد عن الدعاية السينمائية الضخمة ليتحول الفيلم إلى أيقونة السينما المستقلة الحديثة، الفكرة تكررت عام 2006 مع فيلم الخيال العلمي كلوفرفيلد وعام 2009 وصل فيلم خيال علمي يعتمد نفس الأسلوب District 9 إلى ترشيحات الأوسكار وهو نفس العام الذي شهد انطلاقة أحدث سلاسل أفلام الرعب الحديثة بارانورمال اكتفيفي الذي أعتمد نفس التقنية، والآن ينضم Chronicle – السجل إلى تلك القائمة بل هو ربما أحد أفضل الأفلام التي استعملت هذا الأسلوب.
ريادة فيلم Chronicle تأتي مستحقة لعدة أسباب على صعيد التقنية والسيناريو، في البداية الجانب التقني فجوش ترانك كان له الجرأة ليتجاوز العيوب التقنية بسينما الديجيتال ويقوم بالمزج بين الشكل الوثائقي والشكل الروائي دون أن تشعر بأي تفاوت أو تباين أو انتقال بصري، سلاسة خالصة بصناعة الصورة والمشهد جعلت للفيلم رونقه وجماليته الخاصة، الكثير من المخرجين قبل ترانك أصروا على الحفاظ على العيوب التقنية لسينما الديجيتال لأنها بنظرهم تزيد من واقعية أفلامهم المفترض إنها توثيقية لأحداث خيالية، ولكن يبدو إن لترانك رأي أخر، الفيلم خيالي وليس واقعي والجمهور يدرك ذلك فلا فائدة من خداعه أو التذاكي عليه، المهم إبهاره بالشكل العام للفيلم وللمستوى التجريبي الذي يريد أن يصل إليه والذي يتجاوز مجرد صورة مهتزة وصوت غير واضح ممزوجة بمؤثرات رفيعة المستوى ليقدم شيء أكثر أهمية وقيمة على الصعيد الدرامي.
العمل منذ بدايته يقدمه ترانك على إنه مصور بكاميرا منزلية ولكنه لا يلتزم بذلك دوماً، في بعض المشاهد تخلى عن الكاميرا نهائياً وفي مشاهد أخرى أخلص لها ووضعها بزواية مخفية، تيرانك استفاد من قصة فيلمه عن مراهقين يملكون قوة خارقة التحكم عن بعد بالأشياء ليضع كاميراته بزواية بصرية براقة و ليتحكم بالصورة بشكل يعطيها بعد روائي، ترانك ألغى الاهتزاز من التصوير بنسبة 90 % حافظ على نقاء الصوت، وزّع بالزوايا، أهتم بالمونتاج وركّز عليه وعلى الجمالية التي يقدمها للعمل، استغنى عن الرقم والتاريخ والدائرة الحمراء التي تظهر على لوحة تلك الكاميرات، استغنى بنسبة 96 % عن الذبذبات والتشويش الذي يرافق هذه الأفلام ولكنه بنفس الوقت حافظ على روح الكاميرا الوثائقية وكان لها هنا ميزة وجاذبية خاصة بالعمل .
الإنجاز التقني الآخر الذي يحسب للعمل هو ليس فقط شكل الصورة الوثائقي – الروائي المصنوع به، بل شكل وحجم المؤثرات البصرية والصوتية الموضوعة فيه، المؤثرات التي قدمها العمل تصلح لفيلم روائي ضخم الميزانية، ترانك تجاوز ضئالة ميزانية العمل والصعوبات التي يفرضها الشكل الوثائقي المعمول به ليصنع عمل بصري ضخم حقيقي، المؤثرات فيه من شكل النيزك الفضائي الغريب إلى الألعاب البسيطة التي يكتشف بها الفتيان قدراتهم ثم مشاهد الطيران وفيما بعد المواجهات بينهم وصولاً إلى المعركة الختامية الرائعة وصعبة الصنع كانت جميعها على سوية عالية جداً ومبهرة والأهم – وهو ما يرمي له المخرج – شديدة الواقعية، مشهد المعركة الختامي يستحق التأمل والإعجاب، تصوير أصرّ به المخرج أكثر من أي مرحلة من مراحل العمل على الشكل الوثائقي فيه ومع ذلك كانت المعركة حماسية ومشوقة ومتقنة الصنع جداً وآسرة.
التمييز الحقيقي للعمل يأتي من القصة والدراما العظيمة المصنوعة فيه، هنا نحن لسنا أمام قصة بسيطة عن فتية يحصلون على قوة خارقة، هنا يوجد بناء درامي سوداوي عالي المستوى عن أبعاد امتلاك الإنسان للقوة الخارقة وماذا يمكن أن يفعل بها، هل يمكن ترويضها واستغلالها بشكل جيد أم إنها ستسيطر عليه وتحوله لوحش، أفلام الديجيتال التقليدية – باستثناء District 9 - كانت تهتم بالشكل البصري الواقعي للعمل على حساب عمق النص أغلب الأحيان، هنا ترانك يركز على عمق القصة أكثر من أي شيء آخر، يبدأ عمله متعمداً بشكل تقليدي، يعرفنا ببساطة شديدة على شخصياته الرئيسية الثلاثة ثم يرمي عليهم القوة الخارقة أيضاً ببساطة شديدة ومقبولة وبدون تعقيد ويبدأ بعدها بدراسة نتائج امتلاكهم لتلك القوة الخارقة، يدخل العمل بجو واقعي صرف حين يرينا كيف يتعاملون مع قواهم بشكل لا يختلف عن تعامل أي شاب مع تلك القوة في حال امتلاكها وبخطوات مدروسة يصعد الأحداث وصولاً إلى لحظة التحول الخاصة بأندرو المقدمة بدقة متناهية ورمّيه بمواجهة وحشية مع زملائه والعالم.
البناء الدرامي للعمل بسيط ولكن شديد الإتقان ومهتم بإنسانية الشخصيات ، ربما هو تقليدي بعض الشيء ولكن قيمته تكمن إن ترانك قدمه من خلال الصورة الوثائقية دون أن يخل بأسلوبية السرد الوثائقي ولكنه في نفس الوقت بنى الشخصية بإتقان الأفلام الروائية، بناء شخصية أندرو يستحق التصفيق دراسة واقعه وحياته ومشاكله وعلاقته بصحبه وعائله ثم تداخل عالمه الهش مع القوة الخارقة التي حصل عليها وتفاعل النقائض سويةً، إعطاء ذلك الشاب المهمش المضطهد فرصة للانتقام من العالم كله وتقديم عالمه وفلسفته ونظرته وصراعاته بشكل وافي جداً وشديد المتانة ليحوله أندرو إلى أحد أكثر الشخصيات عمقاً وتماسكاً في الزمن الحديث، ربما الشكل الوثائقي للعمل أعاق الشخصية في بعض المراحل عن الوصول الكامل للمشاهد ولكنها وصلت بنسبة 90 % ومع أداء الشاب دان داهان بإمكاننا أن نقول إن العمل حافظ على نسق درامي متصاعد ومتين جداً ومبهر في نفس الوقت.
فيلم كهذا كان يمكن أن يتم تصنيفه كأحد الحلقات الممتازة لمسلسل سوبرناتشنرال على سبيل المثال، ولكن أهمية وقوة البناء الدرامي أخرجه من جانب الخفة التلفزيونية إلى ثقل وقوة السينما الروائية – على عكس المطب الذي وقع به الشفرة الرقمية العام الماضي - ، ربما لم يستطع أن يتحول إلى تحفة كلاسيكية أو علامة فارقة ولكنه فيلم على سوية فنية ومستوى شديد الامتياز، ترانك كسر به كل الجوانب التقليدية، لم يحول شخصياته إلى أبطال يريدون تغيير العالم، لم يرمهم بصراع مع مؤسسات الدولة أو أشرار خارقين أو غزاة من عوالم أخرى، بل أدخلهم بصراع مع أنفسهم، مع رغباتهم وصراعاتهم ومخاوفهم ، جعلهم إنسانيين بشكل بندر مشاهدته بأفلام مشابهة، بنفس الوقت هو ليس سوداوي بالكامل هناك لحظات كوميدية رائعة جداً وعفوية والحفاظ على النسق المتصاعد المتزن بالعمل مع ابتعاده عن الحشو وطول المدة والشكل البصري الممتاز يجعله ممتازاً  جداً وربما أفضل فيلم خيال علمي منذ Inception
التقييم : 9 / 10


0 التعليقات:

إرسال تعليق