RSS

28 Days Later (2002)


في السنوات العشر الأخيرة ورغم تضائل أهية فن الرعب كأحد العناصر السينمائية الأساسية بقيت هناك أفلام في كل فترة وأخرى تعرض وتعيد تذكيرنا بمدى جمالية وعظمة هذا الصنف، أهم الأسماء التي عرضت حديثاً Paranormal activity 2009  و Saw 2004  و The Others 2002  ومعه في نفس العام فيلمنا هذا لداني بويل الذي يستحق صفة أحد أعظم أفلام الرعب في زمننا الحديث.
فيلم (بعد 28 يوم) هو من أفلام الزومبي ولكنه ليس أبداً فيلم اعتيادي أو تقليدي، فيلم يحاول به المخرج البريطاني الشهير  أن يصنع شيء جديد ، شيء تجريبي بحت (وهو أحد أكثر المخرجين التجريبيين والتجديديين المعاصرين في الزمن الحديث)، يمارس به حرفته المفضلة بصنع إثارة سينمائية أصيلة غير اعتيادي ضمن عمل يحوي فكرة هامة لا مجرد فيلم فارغ مضمون، يبدأ العمل بأحد المختبرات العلمية التي تجري تجاربها على القرود، تدخل جماعة من أنصار البيئة لتحريرهم، أحد العلماء يخبرهم إن القرود خطيرة وتحمل مرض غريب ومعدي ولكنهم لا يصدقوه وبعد تحرير القرود تهاجم أحد المقتحمين وتصيبه بالفايروس، تنتقل الأحداث إلى بعد 28 يوم، جيم ساعي البريد الذي كان ضمن المشفى يعاني من كوما بسبب حادث سير أصابه يصحو ليرى العالم وقد تعرض للفناء، يتجول في شوارع لندن المهجورة ثم يدخل كنيسة حيث تهاجمه جماعة من الموتى الأحياء وينجو منهم بمساعدة مارك وسيلينا وتبدأ مغامرته الخطرة بالبحث عن النجاة.
الفيلم ليس قصة بطولة تقليدية أو قصة رعب تقليدية، بطل العمل لا يحمل الصفات البطولية ولا يسعى لإنقاذ لعالم ولا يقوم بدور القائد للقلة الناجية، صفاته إنسانية بحتة شخص يبحث عن الخلاص وكل الشخصيات كذلك، تحكمها نوازع بشرية سلبية وإيجابية وتسعى لنجاتها الخاصة بشتى السبل، هو عمل عن غريزة البقاء الإنسانية، عن أخطر التهديدات التي تتعرض الحضارة الإنسانية، الفناء وكيف يمكن التعامل معه وكيف يمكن النجاة منه، هو عمل رعب في ظاهره ولكنه يدخل عميقاً بالنفس الإنسانية بمخاوفها ورغباتها بمواجهتها للفناء والموت ويصل بهذه النقطة إلى أكثر اللحظات الإنسانية الغرائزية قسوة ووحشية ودموية.
بويل ينجح بتحويل عمله من فيلم زومبي تقليدي إلى فيلم عن الغرائز الوحشية الإنسانية، منذ اللحظة الأولى التي يجري بها البشر تجارب على القرود خلقت ذلك المرض ولتهدئة أعصابهم يعرضون لهم مشاهد حقيقة لعنف إنساني من الاشتباكات والحروب والقمع والمظاهرات، ثم التركيز على فكرة التخلص من الإنسان فور إصابته بالمرض بلا رحمة مهما كانت درجة القربة له وسهولة إطلاق الغريزة الوحشة من أجل النجاة ، وتصوير فكرة النجاة الإنسانية على التخلص من الأخر بأي طريقة ممكنة، الفيلم يطرح فكرة هل هذا المرض أطلق الإنسان على حقيقته وبماذا يختلف الإنسان الصحيح عن المصاب، ولكن مشكلة العمل تكمن بهذه النقطة بالذات ، فبويل لم ينجح بصنع التوازن بين الإثارة والفكرة بالأخص مع انشغاله وتركيزه على تشكيل صورة العمل البصرية، الفكرة لا تبدو واضحة جداً ببداية العمل ثم وبنهايته هناك تكثيف على تلك الفكرة بشكل غير متوازن مع بدايته .
الفيلم مع فكرته يحمل نفس إثارة ورعب شديد الأصالة والتشويق، داني بويل لا يهتم بمشاهد تمزيق الأوصال واللحظات المقرفة بل يركز اهتمامه على لحظات التوتر والقلق على إدخال المشاهد بجو العمل وإحساسه بالخوف والرعب المرتقب ، الفيلم يسكنه جو كبير من التوتر، الخوف من الخطر المحيط ومن الخطر الموجود داخل الشخصيات ، بويل يلعب على لحظة ما قبل هجوم الخطر والتمهيد له بشكل أكثر إخافة من لحظة الهجوم ذاتها وينجح بجعل المشاهد متصل دوماً مع عمله ومستمتع جداً بمشاهدته.
 العمل ربما لا يحمل نصاً قوياً، النص جديد وجيد ولكن عادي وليس بالثوري، الكثير من أحداثه تقليدية ومتوقعة بالأخص ببداية العمل ويبدو فيه شيء من التبسيط أو الاستسهال لا يتناسب مع أهمية الفكرة، قيمة الفيلم الحقيقية تبدو من الإدارة الإخراجية العظيمة من داني بويل، التركيز على ما يريده من العمل ليقدمه من حيث الفكرة وصنع أجواء إثارة رائعة مع تجريبيته البصرية المحببة، ألوانه المنتقلة من الداكنة للفاقعة وزوايا تصويره الاستثنائية، انتقال الأجواء بين التوتر الخفي إلى العنف المنفجر، والمونتاج الاستثنائي العبثي العشوائي ولكن بطريقة متزنة، مع موسيقى رائعة جداً رافقت أجواء الفيلم بين الروك الصاخب إلى كلاسيكية الكمان الحزينة، وأجواء وتشكيلات بصرية بغاية المتانة والجمالية والثورية ولوحات بصرية إخراجية لا أفهم كيف تمكن بويل من صنعها صانعاً من العمل فيلم رعب وإثارة غير اعتيادي أبداً مع فكرة بغاية العمق والأهمية ، داني بويل الذي سبق تقديمه لهذا العمل أن قدم دراما المخدرات الشهيرة (Trainspotting ) عام 1996 ثم فيلم الدراما الوجودي الشاطئ 1999 أثبت بهذا العمل إنه أحد أكثر الأسماء أهمية بعالم الإخراج وصاحب أسلوب خاص بصنع فن الإثارة والعنف وتطويع هذا الفن بخدمة أي نوعية يعمل بها ولم يحتج إلى أكثر من ست سنين حتى ينقل أسمه إلى صدارة المخرجين بالعالم حين صنع فيلم رومانسي هندي بغاية الشاعرية وبغاية الإثارة والأهمية وحائز على ثمان جوائز أوسكار وأحد أكثر الأفلام شعبية بزماننا Slumdog millionaire  وتبعه بعد سنتين بدراما وجودية بغاية الإثارة أيضاً ومرشحة لأربع جوائز أوسكار 127 Hours.
الفيلم أصبح سريعاً من الأعمال الملهمة بسينما الرعب، حاولت بعض الأفلام مجاراته كـ(Down of dead) و Iam legend  و   The Road وظهر له جزء ثاني لم يحقق نجاح يوازي الأول، بعض الأفلام جارته بشكل كوميدي كـShoun of dead   و Zombieland، فيلمنا هذا قام ببطولته كيليان ميرف بأداء شديد القوى ونقله هذا العمل إلى أحد أكثر الأسماء الأوروبية الشابة أهمية عالمياً فقدم فيلم الإثارة Red eye عام 2005 وفيلم كين لوكاش الفائز بكان 2006 الريح التي تهز الشعير ومشاركته الأهم هي مع كريستوفر نولان في Batman Begins - 2005     و Inception - 2010   التقييم : 9 / 10
 
    

0 التعليقات:

إرسال تعليق