RSS

Alien – 1979





باعتقادي إنه يوجد ثلاث أفلام يجب على كل من ينوي صنع فيلم إثارة أن يشاهدها عدة مرات هي Psycho - 1960 هيتشكوك، Jaws - 1975 سبلبيرغ ، و Alien  ريدلي سكوت، ليس فقط لأنها الأفضل، بل لأن مراقبة تفاصيلها تعطيك درس مجاني بصناعة فيلم إثارة ناجح ويعيش.


بعد عمله سنوات كمخرج تلفزيوني انتقل البريطاني ريدلي سكوت إلى السينما بفيلم The Duellists (1977 – المتبارزان الذي اكسبه جائزة أفضل عمل أول في مهرجان كان، بعده مباشرةً قدم هذا عمله الذي نقله إلى مرتبة نخبة ابناء جيله بين المخرجين، فيلمه جاء في الوقت المناسب بعد أن فتح جورج لوكاس الباب على سينما الفضاء بحرب النجوم 1977 وقدم سبلبيرغ نظرته التفاؤلية عن علاقة الإنسان بالمخلوقات الفضائية بلقاءات قريبة من النوع الثالث عام 1978، سكوت استفاد من إقبال الجمهور على سينما الفضاء والمخلوقات الفضاء ليقدم هذا العمل المغاير جداً لتلك الأعمال الناجحة، هو النقيض التام لهما، أعاد الفضاء إلى الأصل الذي قدمه به معلمه كوبريك كمكان معزول وموحش ومخيف واستغل ما فعله المعلم الأخر هيتشكوك في طيور وبعده سبلبيرغ في فكاك بالابتعاد عن جعل الرعب مصدره مخلوقات ميتافيزيقية أو خرافية – مصاصوا دماء زومبي ذئاب متحولة أشباح -  وجعله يأتي من مخلوق بيولوجي - رغم إنه خيالي ولكن ممكن وجوده في الفضاء - .

الفيلم كان صادماً جداً في زمانه، تحول سريعاً إلى ظاهرة شعبية وتجارية ناجحة ونال أوسكار للمؤثرات البصرية، تم اعتباره كأحد أهم كلاسيكيات الرعب والخيال العلمي، صدرت له أجزاء عديدة أخرها هذا العام من إخراج سكوت نفسه، ولكن جميعها عجزت عن مجاراة الأول بقيمته وتأثيره باستثناء الثاني الذي أخرجه جيمس كاميرون، اطلق نجومية إيان هولم وسيغورني ويفر و جون هرت، وفتح الباب أمام سينما وحوش الفضاء مثل The Thing  لجون كاربنتر و Predator لجون ماكتيرنان عامي 1982 و 1987.
الفيلم غني عن التعريف، مركبة تجارية فضائية بين الكواكب تتلقى نداء استغاثة من كوكب مجهول، تهبط على الكوكب استجابةً للنداء وهناك يصطدمون بمخلوق فضائي متوحش غريب ويدخلون معه بلعبة قط وفأر دموية، ريدلي سكوت يمزج بإبداع بين أجواء أوديسا كوبريك و تشويق هيتشكوك، درس حقيقي بصنع سينما الإثارة والخيال، كل مشهد وتفصيل بعمله يستحق التأمل وكله مدروس وموضوع بعناية شديدة، هو فيلم بصري بالدرجة الأولى ولكنه في نفس الوقت يستند على ورق ذكي جداً من دان أوبانون أهتم بملئ شخصياته بتفاصيل شديدة الإنسانية على التوازي مع صياغة حبكة قصصية محكمة.

ريدلي سكوت يروي بصرياً فيلمه بقوة، تفاصيل الإخراج الفني هي ربما مع الأوديسا الأفضل بتصوير المركبات الفضائية ويضيف عليها تفاصيل غنية للكوكب المهجور، التصوير ممتاز جداً وسوداوي وغير مريح أبداً ويعتمد على إعطاء إحساس بوحشة المكان وضيقه، والموسيقى المرافقة للعمل تلعب دوراً مهماً بزرع التوتر بالمشاهد.
سكوت يفتتح فيلمه بتصوير لمركبة فضائية تخترق الفضاء، ثم يعطي المشاهد جولة داخل هذه المركبة شبه الفارغة مع دخول طاقمها بالسبات، ينجح منذ اللحظة الأولى بجعل المكان بطل في القصة، يعطينا إحساس بعزلته وضيقه وجعله موحش ، ثم يقدم لنا شخصياته التي تعمد على ألا يسندها لاسماء شعبية ولنجوم معروفين ليجعل مشاهدي تلك الأيام يتعاملون معهم بحيادية مطلقة، وحتى بمنظور هذه الأيام فلا يوجد أي شخصية تملك صفات جسمانية وشكلية بطولية يمكن أن تسرق المشهد من الباقي.
نتعرف على الشخصيات بعد صحوتها من السبات، نراهم تمارس أعمالها اليومية ويخوضون أحاديث عادية، التعامل بين الممثلين عفوي جداً وسكوت يعطي مساحة جيدة لحياتهم الروتينية في الفضاء مانحاً فيلمه الخيالي إحساساً عالياً بالإنسانية بالأخص مع تساوي توزيع الحوارات ومساحة ظهور الشخصيات في المرحلة الأولى التي يجعلنا نحتار أي منهم هو البطل ونهتم بكل واحد منهم بنفس القدر.

تحولات القصة بسيطة جداً ووافية، يأتي نداء استغاثة من كوكب مهجور تحط عليه المركبة وتبدأ الأحداث بالتصاعد، ورغم هذه البساطة الظاهرة فسكوت يملؤها بالتفاصيل التي تجعل الفيلم مشوقاً ومثيراً للاهتمام حتى قبل ظهور الوحش، في البداية العامل البشري مهم جداً، إنقسام الطاقم بين الراغبين بالاستجابة للنداء المريب وبين الرافضين ثم رضوخهم، لا يهمل العامل الإنساني حتى بأدق التفاصيل، أمور بسيطة يركز عليها سكوت تغني الحدث وتجعله مثيراً للاهتمام، كصعوبات الهبوط وألاعيب الإفزاع الكلاسيكية من الأمور البسيطة العادية والمفيدة جداً هنا بفضل جو التوتر والغموض الذي يصنعه ، ثم الاهتمام بتفاصيل الكوكب الغريب والمريب جداً يجعل اهتمام المشاهد كاملاً على هذا الكوكب وينساق معه.
أهم وأنجح ما يفعله سكوت إن الشخصيات لا تعلم شيء عن القادم أكثر مما يعلم المشاهد، حالة الجهل بالقادم مشتركة بين المشاهد والشخصيات، ويحافظ سكوت على هذا الجهل حتى النهاية، وفي نفس الوقت فإن أي معلومة تكتسبها الشخصيات تتقاسمها فوراً مع المشاهد، ومزج حالة الجهل مع أنسنة الشخصيات تجعل المشاهد بطلاً إضافياً في العمل يرتاب معهم يتعاطف معهم، يخاف مثلهم حين يجب أن يكون هناك خوف، يغضب من ريبلاي حين تمتنع عن إدخال كين ويعجب بأش حين يتحدى أوامرها، يتقاسم الصدمة مع الشخصيات، ينحاز مثلهم لغريزة النجاة وعدم الإندفاع بمواجهة خطر لا يعرفه، وحين تبدأ ريبلاي تشك بأش يكون المشاهد قد بدأ يشك فيه أيضاً ومثلها سيصدم بحقيقته.
حتى منتصف العمل لا يوجد شخصية رئيسية وبطولية، مساحات الشخصيات تتسع مع تراكم الحدث وتطوره، ومع ذلك ولا شخصية يدفعها الحس البطولي لمواجهة الوحش، الخوف الإنساني يتحكم بالشخصيات ولا يجعلها بطولية، والمواجهات مع الوحش تحركها غريزة البقاء والنجاة والدفاع لا الهجوم، مما يجعل الفيلم أكثر منطقية، وخلال المواجهات سنرى الشخصيات تستسلم، تبكي و تجبن .


سكوت يتحكم بإيقاع العمل بقوة رهيبة، فبعد أن جعلنا تركيزنا كاملاً عن الكوكب يجعلنا ننساه ونحول تركيزنا على الكائن الغريب الذي عثروا عليه، ويصبح الكائن مثيراً للاهتمام ومرعباً مع الكشف المتتالي عن خصائصه المرعبة وصعوبة قتله، سكوت يكرر ما فعله سبلبيرغ في فكاك حين لا يجعل جسم الوحش واضحاً ولا يعرضه كاملاً سوى سريعاً وبالمشهد الأخير، فعرض أجزاء منه جعله أكثر غموضاً وإخافة وأعطى مساحة واسعة لخيال المشاهد ليكون صورة مبالغ بوحشيتها عنه.
في العمل لا يوجد مشهد ذروة واحد، هناك ثلاثة مشاهد، وثلاثتها أصبحت كلاسيكية ومن أشهر مشاهد الذروة أو الصدمة في تاريخ السينما، مشهد إنفجار بطن كين، كشف حقيقة أش الآلية، والمواجهة الأخيرة بين ريبلاي و الوحش، سكوت صادم جداً بهذه المشاهد ومؤثر وملهم حتى اليوم، ولكن الصدمة الحقيقية التي أوقع بها المشاهد هي بإصراره على أن تكون ريبلاي هي بطلة العمل، أمر كان غير مألوف بمنح بطولة فيلم خيال علمي لشخصية أنثوية، هذا أفاد العمل جداً بجعله غير مألوف وغير متوقع للمشاهد، وسيغورني ويفر ملئت الدور بطريقة ممتازة وأدته ببراعة وأصبحت إيقونة سينمائية مع الوحش وصنع نجوميتها، والصادم أكثر ليس أنثوية البطلة بل كونها أكثر شخصية سلبية وغير مريحة للمشاهد بتصرفاتها المتزمتة التي أدرك الجمهور صوابها في النهاية .
الفيلم وجبة سينمائية ممتعة جداً، كلاسيكي حقيقي من روائع السبعينات، لم ينل تقديره المستحق فور عرضة رغم الاعتراف بأهميته، من أوائل الأفلام التي مزجت الرعب بالخيال العلمي وجعلته صنف مستقل أمر كرره سكوت بعد ثلاث سنوات حين ابتكر صنف النوار الخيال العلمي في أفضل أعماله Blade Runner، يمكن اعتبار الفيلم أحد أفضل 10 أفلام رعب ويمكن أعتباره أحد أفضل 10 أفلام خيال علمي، فيلم يجب على كل صانع سينما مشاهدته والتعلم منه.
10 / 10




نور الدين النجار

0 التعليقات:

إرسال تعليق