RSS

The fault in our stars – 2014


مشكلة بعض أنواع الأفلام (الرعب والرومانسية تحديداً) إنها في الغالب استهلكت كل عوامل التجديد أو التأثير المطلوب منها بعد تكرار تقديمها وتقليدها والتعويل عليها في النجاح السينمائي بعد مضي أكثر من قرن من ابتكار السينما، ولذلك فإن تقديم أي فيلم جديد منها من الممكن عده مغامرة بحد ذاتها، فيلم الخطأ بحظوظنا للمخرج جوش بون هو ربما أكثر تلك الأنواع ضعفاً، قصة حب عن المراهقين، لا يوجد موضوع مستهلك لدرجة الابتذال أكثر من هذا، فرغم الغنى الدرامي لمرحلة الانتقال من المراهقة إلى النضج ولكن ابتعاد أغلب المخرجين عن التعمق بهذا الغنى والاكتفاء بشفافية وبراءة المشاعر الظاهرية خوفاً من ابتعاد السواد الأعظم من جمهور الفيلم (المراهقين) يجعل من تلك الأفلام في أغلب الأحيان عبارة عن تكرار لنفس الشريط السينمائي في عدة أحيان حتى لو كان عن مصاصي الدماء.


لا يوجد في الفيلم ما يثير الحماس للمشاهدة لا يوجد أسماء كبيرة بالبطولة والإخراج والرواية غير معروفة في العالم العربي – هي ربما هامة في أمريكا – ولكن الدعاية المكثفة للفيلم وتصدره شباك التذاكر والمديح النقدي الذي حازه بالأخص لأداء شايلي وود دفعني لمشاهدته، وبصراحة استطيع أن أقول إن من امتنع عن مشاهدته فوت عليه الكثير من المتعة والجمال والرقة والشفافية السينمائية.
قصة الفيلم رائعة عن (هيزل لانكستر – شايلي وود) الفتاة المراهقة المصابة بسرطان الرئة منذ أن كان عمرها 13 عاماً ، حالتها مستقرة ولكنها بانشغالها بمرضها فوتت عليها الكثير من حياة الشباب، وهاجس الموت وما سيحل بعائلتها وكيف سيتذكرها الناس بعد موتها يؤرقانها لدرجة الاكتئاب، تلتحق بأحد مراكز الدعم المعنوي لمرضى السرطان تتعرف هناك على غاز (انسيل الغورت) ناجي من السرطان بعد أن فتك بساقه يعيش بإيجابية عالية ورغبة بأن يكون مؤثراً بحياة الجميع، يقع بإعجاب هيزل وتطورت العلاقة بينهما إلى حب شديد العذوبة.
الرائع في الفيلم والذي جعله مميز بنظري هو تعامل المخرج مع حالة عاطفية معرضة بأي لحظة لأن تنتهي، حالة هشة قابلة للتلاشي بلا سابق إنذار، هيزل تدرك ذلك ولا تريد المضي أكثر ولكن غاز يدفعها للاستمرار، فرصة ليجعلها تعيش جميع تجارب الحياة قبل أن تشتعل أضواء الخطر، يبدو حباً جديد الشفافية ولكن يخيم عليه ظلال الموت، ورغم ذلك فلشخصيات تحاول مجابهة هذا الظل بإيجابية عالية، يتعاملون معه بتقبل وكأنه أمر طبيعي جداً لا يبعث على الكآبة يتناقشون بشأنه ويقرءون عنه ويبدو المستقبل الوحيد الذي ينتظرهم هو حالة ما بعد الموت، ومن هذا المنطلق يبدو فيه الحب الفرصة الوحيدة المضمونة للخلود بالنسبة لهم، أن يستمروا بالحياة بعد رحيلهم من خلال بقائهم بذاكرة من أحبوهم، ولا يبدو هنا هاجس الموت هو المسيطر على عقولهم بل هاجس النسيان وهاجس إن وجودهم بحد ذاته لم يكن يعني شيئاً لأحد إلا من خلال ما يمثلوه بالنسبة للآخرين كأبناء أو أصدقاء ولكن لا يوجد حسرة لخسارة هذا الشخص بحد ذاته كإنسان مستقل، لذلك يبدو وجود الحبيب بحياتهم ضرورة الذي يتقبلهم كما هم ويرى فيهم ما لا يراه الآخرين ويحزن على خسارتهم كثروة إنسانية بحد ذاتها لا كصفة كانت تعطي قيمة للشخص الأخر.
المميز أيضاً بالفيلم كمية المشاعر الصادقة الموجودة فيه والقدرة العالية على التأثير والوصول للمشاهد مع أقل نسبة من استدراج العواطف وافتعالها، بون ابتعد قدر المستطاع عن كل ما يمكن أن يجعل فيله مبتذل عاطفياً وحافظ على أعلى قدر من الشاعرية العفوية والانسجام الرائع بين ممثليه لدرجة صدق العواطف بينهم، يبدو في كثير من الأحيان فيلماً عاطفياً غريباً من غرابة حالة شخوصه، يوجد نزهة ولكن ليست رومانسية إلى بلد احتضن أشهر قصص الحب ويوجد قبلة أولى في مكان خاص ولكن ليس حديقة غناء بالزهور، لا يوجد قراءة كتب رومانسية مؤثرة ولا مشاهدة أفلام عاطفية ولا قصائد ولا أغاني عاطفية، لا يوجد مفاجآت عاطفية وحركات مجنونة سوى بالقدر الأقل منها والأكثر واقعية ، ولا يوجد شخصيات رمزية و أسطورية بمثاليتها وبطولتها، الشخصيات واقعية جداً وتدعي المثالية كقناع ولكن جميعها لها الفرصة بالانهيار والوصول إلى أدنى نقاط الضعف.
مشكلة الفيلم هو إنه ككل الأفلام الرومانسية الشبابية الأخرى من الممكن أن ينتهي تأثيره سريعاً بعد المشاهدة مثل (Walk to remember) ولكنه قادر على أن يحتفظ على شريحة جمهور واسعة تتزايد مع الأيام بالأخص بالنسبة للمراهقين ربما من الصعب أن يكون مثل المليونير المتشرد وقصة حب، فهو نزح أقصى ما يمكن نحو تصوير الحالة الشاعرية العاطفية للعلاقة ونجح بإيصالها للجمهور بشكل عفوي وممتاز ولكن غلّب ذلك على الفكرة الهامة وهي معضلة الخلود لدى الشخصيات وأفلام من هذه النوع فرصة خلودها هي بصنع الحالة الشعرية وموازنتها بالحالة الفكرية (كحالة الحب الذي يحاول النجاة في مجتمع قائم على المطاردة المسعورة للمادية في المليونير المتشرد أو حالة الحب التي تتحدى الفروق الطبقية من قصة حب) حالة الموازنة المفقودة بهذا النوع من الأفلام يجعل الفيلم يكسب الكثير من الجمهور العاطفي الذي يعيش حالة التأثر ولكن يفقد حماس الجمهور الراشد له الذي سيعجبه جداً لحظة المشاهدة ثم ينساه سريعاً بعد انتهائه، الفيلم بالنسبة لي ممتاز جداً، رغم إن الأفكار التي قدمها لم تحظى بالتعمق المطلوب بالمعالجة وشخصيات الأهل كانت مغيبة وتبدو غير مهمة سوى كديكور للقصة وأداء الغورت ليس على مستوى العمل ولا على مستوى زميلته شايلي وود التي قدمت أداء شديد الروعة – رغم الكيمياء الممتازة بينهما - ولكن ما يشفع له هو الحالة العاطفية الاستثنائية والممتازة التي يصنعها والعفوية الصادقة بصناعته ووصوله السريع للمشاهد وقدرته على أن يوصل المشاهد لأقصى حالات التأثير ويجعله كرحلة تطهيرية رائعة ،مع صورة إخراجية أنيقة محببة وحوارات جميلة جداً وحضور سريع وجيد لويليام ديفو، هو عمل رائع كحالة ومشاعر ومتوسط المستوى كفكرة ومعالجة ومعضلة درامية ولذلك ربما يتعرض للنسيان ولا ينال حظه من الخلود السينمائي الكلاسيكي، وربما يحظى بذلك بعد مضي عدة سنوات من خلال جمهور المراهقين ، ولكن بالنسبة لي فقد أثر بي جداً ونال إعجابي جداً واستطيع أن أعتبره مرشح قوي ليكون من بين أفضل أفلام العام .
9/10


0 التعليقات:

إرسال تعليق