RSS

It Happened one night - 1934



قد يعتبر الأمر إنه من الجنون العودة لمشاهدة فيلم أبيض وأسود يعود عمره لثمانين سنة تقريباً في زمن الـ 3D  و الملحمات الضخمة أو في زمن دراميات سكورسيزي وفينشر وأرنوفسكي ،  لكن هناك العديد من الأمور المغرية حوله ، فيلم يعتبر الأنجح تجارياً بزمنه، الفائز الخامس بالأوسكار على مدى تاريخ الجائزة، الفيلم الأول والوحيد بين ثلاثة أفلام جمع الجوائز الخمسة الرئيسية (أفضل فيلم ومخرج وممثل وممثلة وسيناريو) والمصنف بين أفضل مئة فيلم في التاريخ ، والسبب الأهم إن الإخراج بتوقيع فرانك كابرا والتمثيل تصدره كلارك غيبل أحد أهم رموز صناعة الأفلام الأمريكية الكلاسيكية.


يتحدث الفيلم عن إلين أليونيز الابنة المدللة لملياردير صارم تتزوج بالسر من طيار مغامر و وصولي ورغم رفض والدها وحصاره لها إلا إنها تنجح بالهرب من مركبه في ميامي وتشق طريقها نحو نيويورك للاجتماع بزوجها، في الطريق تلتقي بالصحفي السكير الجامح بيتر وارن الذي يقدم لها يد المساعدة طمعاً بالحصول على مقال صحفي يعيده إلى عمله، وفي الطريق بين نيوريورك وميامي يتعرض الاثنان للعديد من المواقف والصدمات في طريقهما ويقعان في الحب وينتهي الفيلم بإلغاء زفاف إلين من زوجها والزواج ببيتر.
قصة الفيلم بغاية البساطة وشاهدناها مئات المرات وأنتجت منها السينما آلاف النسخ على مدى السنوات السابقة، حبكته معروفة ونهايته متوقعة جداً ولا يمكن أن تكون إلا كما شاهدناها، ولكن يبقى لهذا الفيلم وقعه الخاص، حين تشاهده اليوم تشعر بأصالته وقيمته الكلاسيكية وتستمتع جداً به وتنسجم معه إلى أبعد الحدود وهنا القيمة الحقيقية للعمل بالنسبة لمشاهد اليوم عدم القدرة على إشعاره بالملل رغم مضي العقود عليه بينما كان بالنسبة لمشاهد تلك الأيام بمثابة التايتنك أو المريض الإنكليزي، الفيلم أنيق جداً بالسيناريو الذي يحمله مرتب بعناية وتطوراته بسيطة ومدروسة ومقنعة، هو تجسيد للفيلم الكلاسيكي المثالي قصة حب عن شخصيات متعارضة من بيئات متعارضة ضمن أجواء من المغامرات والكوميدية الجيدة ثم ينتصر الحب بالنهاية لا يوجد أي تشعبات أو تعقيدات نفسية أو مشاكل جادة أبداً يعيدنا لبداية السينما حين كانت بكراً وبريئة ووسيلة امتاعية راقية، حيث كانت فعلاً تتجه للمشاهد لتمتعه وترضيه دون أن تسخر منه، تهتم له ولما يحب أن يشاهده دون أن تستخف بعقله، الحب في الفيلم ليس مبتذل المغامرات ليست خارجة عن المألوف الكوميدية ليست تهريجية قصة يمكن أن تقع لأي كان وبسيطة جداً ومنطقية وتتحرك ضمن نفسيات الشخصية وبنائها ومرضية جداً لمن يشاهدها.
العمل الرائع الذي يقدمه فرانك كابرا هو بكل بساطة بصنع فيلم ترفيهي يرضي الجمهور ويمتعه ومنطقي جداً بنفس الوقت، يهتم جداً بدوافع الشخصيات والأسباب التي تدفعها لفعل ما تفعله وصنع نهاية مرضية للجميع رغم تقليديتها ولكنه يقدمها بشكل غير تقليدي لا يوجد لقاء تحت المطر أو على الشاطئ وإنزال شاشة العرض على قبلة بين البطلين، بل نهاية مضحكة ورومانسية في نفس الوقت منسجمة مع هوية العمل، كابرا يعمل على صنع شخصياته بشكل يتعاطف معها المشاهد ويبرر ما تقوم به بالأخص إن مواضيع الزواج السري والهرب من العائلة ثم الهروب من الزواج لا تبدو محبذة جداً لمشاهدي تلك الأيام المحافظين، ألينوي ليست فتاة مدللة كما يفترض أن تكون هي تعيش ضمن ضغوط وقيود وأسر عائلتها زواجها من ويسلي كينغ ليس سوى هرب من واقعها ثم تكتشف الحب الحقيقي عند بيتر الشخص السكير ولكنه يحمل صفات الرجل ذا المبادئ بكل ما تحمله الكلمة من معنى والذي يحمل القدر الكافي من الحنان والقوة ويمكن الاعتماد عليه بينما ويسلي مجرد محتال يريد استغلال عائلة ألينوي.
فرانك كابرا يصنع نصف فيلمه الأول بجو من الكوميدية والمغامرات مع التأسيس المنطقي والجيد للحب وحين يصل الحب للذروة يصنع تحولات دراماتيكية مضبوطة ولكن دون مبالغة أو إغراق العمل بالرثائية وخنق الكوميدية فيه ويقود المشاهد بشكل متسلسل وسلس – كما صنع طوال عمله – نحو النهاية الجيدة ومشهد الخاتمة الممتاز، الأداءات بالعمل ممتازة جداً هناك تركيز على عفوية الممثلين وانسجامهم وجاذبيتهم للمشاهد أكثر من أداءاتهم، بالأخص إن الشخصيات لا تحمل العمق الدرامي الشكسبيري المعقد الذي يتطلب أنماط معقدة من الأداء، كلارك غيبل ربما لا يكون أفضل ممثلي جيله أو أحد أفضل ممثلي التاريخ ولكنه أكثر ممثل مرّ على الإطلاق قادر على استغلال وسامته وكاريزماه الخاصة وعفويته بصناعة شخصياته وينجح بإعطائها بأدائه الكلاسيكي الروح المطلوبة وهنا ينجح بذلك إلى حد بعيد ومنسجماً جداً مع نجمة العمل كلوديت كولبيرت التي قدمت أيضاً أداءً شديد الإقناع والعفوية.

9 / 10

0 التعليقات:

إرسال تعليق