RSS

- مشاهدات سينمائية 3 - سوق المتعة - -Hell or High Water - The Artist – la doulos - The Seven Year Itch



سوق المتعة - 2000

يفتتح سمير سيف فيلمه بمشهد داخل السجن حيث التلفاز يعرض جلسة لمجلس الشعب يتناقش بها عضو اسلامي واخر علماني حول حرمانية استيراد الخمور وضرورتها للاقتصاد، هذه الافتتاحية يقول بها سيف والكاتب وحيد حامد إن الفيلم أكبر وأعمق من مجرد عرض حالة إنسانية كالتي شاهدناها، نعم هو موفق بتصوير سلوكيات أحمد (اداء مبهر جدا من محمود عبد العزيز) ونقل فكرة إن الإنسان لا يخسر في السجن حريته وسنين عمره فقط بل يخسر معها إنسانيته التي لا يمكن للملايين أن تعوضها، بعد 20 سنة سجن ظلم يعرض المتسببين بسجن أحمد 8 مليون جنيه كتعويض عن الظلم الذي وقع عليه، ولكن هل يمكن للملايين أن تجعل من اعتاد 20 سنة أن يبول بالسطل أن تجعله يعتاد قضاء حاجته بمرحاض ؟، أو أن يشعر بالراحة على سرير وثير وهو معتاد النوم على البلاط قرب الحمام،؟ أن يشعر بلذة الطعام وهو من اعتاد أن يأكل بوقت معين وجبة معينة لا يختارها وهو لا يستطيع الاعتراض عليها ،؟ أن يشعر بلذة معاشرة إمرأة وهو من اعتاد إطفاء حرارة جسده بالاستمناء على الصور الجامدة؟، والأهم هل سيستطيع أن يشعر بإنسانيته وأن ينال إحترام ذاته وهو الذي شرب وأكل المهانة طيلة 20 سنة؟، الفيلم رائع جدا بتصوير معنى أن يكون السجن داخل الإنسان أن يغادر السجن ولكن السجن لا يغادره، ربما يعتقد المشاهد إن حل القصة هو أن يرتكب أحمد جرما جديدا يعيده للسجن وهو الذي اشتاق له بدل أن يبني سجنا خاصا ولكن هذا لا ينفع، أحمد يتعارض به نقيضان الرغبة بالاستمتاع بالملايين التي جاءته وأن يعيش حريته من خلالها وأن يعود إلى النظام الذي عاش عليه وألفه فكان خياره الغريب ببناء سجن خاص ليس سوى تعبير عن التخبط والضياع الذي تعيشه الشخصية.
كعادة أفلام سمير سيف ووحيد حامد فالقصة أعمق مما شاهدناه ومليئة بالرمزيات، الاحداث يفترض إنها تدور بمطلع القرن الحالي أو بنهاية التسعينات ويفترض إن أحمد سجن بنهاية السبعينات أو مطلع الثمانينات، رمزية الزمان هامة جدا فهي فترة إنتقال مصر من النظام الإشتراكي إلى النظام الرأسمالي وإنفتاح السوق على اقتصاد الاستثمارات والشركات الذي أفاد فئة قليلة جدا على حساب الأغلبية، الفيلم يطرح تساؤل هل من الممكن أن ينجح إنقلاب إقتصادي بهذا الشكل السريع ويقلب حياة البلاد رأسا على عقب دون أن يترك أثاره السلبية على المواطن والوطن، هل من الممكن أن تستجيب البلاد لهذا التغير الجوهري وتنساب معه بشكل طبيعي دون تشوهات، أحمد لم يكن يرمز سوى للمواطن الذي دفع ضريبة التغيير و عصابة المخدرات هي التي استفادت وبنت أمجادها على حسابه، وحين جاءت لتعوضه بالفتات عن الثمن الباهظ الذي دفعه لم يعرف ماذا يفعل به فساقوه نحو الرذيلة والشهوات وسوق المتعة شرط ألا يسأل ولا يعترض ولا يستفسر عن الحقائق الغائبة بقصته ، تلك الفئة الحاكمة لم تحاول أن تبني للمواطن إقتصاد قوي وأن تنمي وعيه وتدله إلى مصلحته وتساعده على بناء نفسه، ساقت الشعب لتحقيق كل شهواته ورغباته وتعويضه عن الكبت بأرخص الأثمان حتى تشتري سكوته فزادته ضياعا على ضياع.
يلتقي أحمد بأحلام (أداء جيد جدا من إلهام شاهين) نموذج بائعة هوى فريد من نوعه يحبها ويرغب الزواج بها ولكنها ترفضه ﻻن السجن بداخله وهي تحب الحرية، شخصية أحلام مليئة بالرموز، تسجيد لعامة الشعب المفتقد للبوصلة بين الإنفتاح والتقاليد والقيم، أحلام تتحدث عن نفسها إنها لا تقبل معاشرة أي شخص ولا تعاشره إلا بشروطها بعد أن تختاره، هي تفعل ذلك بالخفاء لتحافظ على سمعتها وتظهر للمجتمع بشكل الإمرأة الرزينة الوقورة العفيفة وهي تمارس الرذيلة للعثور على المتعة ولتحافظ على شيء من الحياة المتقدة بداخلها وبنفس الوقت حتى تستطيع تأمين مبلغ من المال يعينها للعثور على الزوج الذي يرضيها وعندها ستكون أعف زوجة وأحن أم وستعيش بالرضى ولن تمارس البغاء مجددا، هي ضائعة، تعترف بذلك إنها ضائعة بين رغبتها بالمتعة وخوفها من المستقبل وتمسكها بالقيم وتحاول أن توازن بينهم ، اسم الشخصية (أحلام) ليس سوى رمز لأحلام أجيال مشوهة وضائعة ومشتتة بين شبق جنسي مسعور فجره الإنفتاح الحديث وما جر معه من رغبات ووسائل لذة لم تعرفها المجتمعات المحافظة، هي رمز لمجتمع ضائع بين رغبته باقتناص الحياة وتمسكه بالموروث الأخلاقي القيمي ومحاولاته اليائسة لصنع مستقبل أمن، وتبدو نظرة حامد وسيف سوداوية بإظهار جميع الشخصيات بلا استثناء تركع وتبيع مبادئها وحريتها حتى مقابل المال وكأنه بالمجتمع المعاصر لم يعد البغاء يقتصر على أحلام وممارستها للرذيلة، بل أصبح للبغاء مئة وجه ووجه في كل طبقات المجتمع وأصبح (أكل عيش)
كعادة كل أفلام وحيد حامد سواء مع سمير سيف أو غيره أشعر إن هناك استشفاف للمستقبل الذي نعيشه حاليا، المجتمع الذي عاش عقودا بالديكتاتوريا والاسر والاضطهاد لا يمكن له التأقلم مع الحرية سريعا سيعاني جدا، حين أصبح لأحمد حرية اختيار سكنه اختار بناء سجن والمجتمع العربي حين ثار لينال حريته صنع ديكتاتوريات جديدة بدل القديمة التي اسقطها ، حامد كما في كل أفلامه يتنبئ إنه ستقع ثورة ثورة سيدفع ثمنها الإنسان البسيط ولكنه على الأقل سيموت (بني آدم مش حطب محروق)
 
10/10

Hell or High Water (2016)
 
في افلام النيو ويسترن هناك دوما رثاء لحضارة الغرب الاصيل وهجاء للحضارة الأمريكية الرأسمالية الحديثة، هذا الفيلم يحافظ على الرثاء ولكنه يتجاوز الهجاء فيجعل الرثاء مزدوجا حيث يرثي كذلك الحضارة الامريكية التي تتداعى وتنهار بمطارق أهلها، فيلم عظيم عن الفوارق بين القانون والعدالة، فيصور لنا ما فعله بطلا الفيلم إنه يتجاوز الإجرام ليصبح ثورة، ثورة تستعر بصدور الطبقة الكادحة وهي تأخذ شكل حوادث متفرقة تحظى بموافقة البيئة الشعبية والتحريض عليها ودعمها ولو بشكل مبطن ولا أحد يدري متى قد تصبح عاصفة تطيح بالجميع، الفريد إن بطلينا ليسا ثوريين بالمعنى الفلسفي ولا يدركان حتى إن ما يقوما به ثورة ولا يتعامل معهم احد بشكل صريح بهذه الصفة أو يتم تكريمهم عاساسها ، فيقتل أحدهما بيد ابناؤ بيئته شركاءه بالظلم ويسير الثاني على خطوات ليخرج من بيئته ويصبح من الرأسماليين، ففكرة الثورة لم تختمر بعد وبطلينا تحركهما غرائزهما الاصلية التي تسعى للعدل كحاجة إنسانية أصلية وترفع عن نفسها الظلم وتخرج نفسها من مأزق ، هما ليسا مجرمين لديهما مبادئ سرقة مبلغ معين من الجهة التي سلبت أموال عائلتهما ليخرجا أنفسهما من ورطة، وحتى الشريف رغم التزامه بتنفيذ القانون ولكنه يشعر بداخله بشيء من التضامن مع قضيتهما وهو الذي سبق وان طالته سياط هذا النظام فياتي ليزور الاخ الاصغر ليس ليبحث عن دليل كما تحجج بل ليبرر له قتله لأخيه، هو يقول له إنه لم يكن سيتوقف سيستمر حتى يوقعهم لقد انقذه بقتله، شيء من روح التمرد وإدمان الحرية لدى الأخ الأكبر دفعه لتلك المغامرة لم يكن موجودا لدى الصغير الذي تحركه مسؤوليته نحو عائلته - وربما أيضا رغبة مستترة بالانتقام وشهوة الحرية والتمرد - لذلك فدى الأخ الأكبر شقيقه بحياته ليحظى هو بموته البطولي ويعطي لأخيه فرصة للعيش، الأخ الأصغر يقول والدي كان فقير ووالده كان فقير إنه أمر متوارث ولكن لن أورثه لأولادي ، هذه الجملة هي أشبه بصيحة كفى نطقها الغرب أخيرا بوجه الجور الذي مارسه ضدهم النظام الرأسمالي ، جور وقع على أهل الغرب البسطاء منذ الحرب الأهلية وما زال مستمرا ويحمل معه ذنب الهنود الحمر والحضارة الاصلية الذي لاحقهم كلعنة وتصفية حسابات قدرية فنالت حضارة الدم الامريكية قصاصها على يد ابنائها ولكن الأمر لن يتوقف حتى تقع المذبحة الكبرى (اتعرف ماذا يعني الكومياتشي .... ؟ يعني اعداء الجميع
-
اتعرف ماذا يجعلني هذا ؟
-
يجعلك عدو
-
بل يجعلني كومياتشي

The Artist – 2011

بعد المشاهدة الثانية للعمل خلال خمس سنوات اقتنعت جدا إن هذا فيلم عظيم جدا ، عام 2011 كنت مبهورا بقضية إنه فيلم صامت ابيض وأسود في زمن ال3D وكانت زحمة احداث وافلام 2011 بين روائع ماليك وسكورسيزي و باين لم تترك لي المجال لاتعمق به ، بعد المشاهدة الثانية تذكرت كلمتي التي قلتها فور مشاهدتي الأولى إنه تذكرة رحلة عبر الزمن ، يسرقك من ضوضاء السينما التقنية وإبهار الصورة الثلاثية الإبعاد إلى سينما بسيطة أصيلة نقية وينسيك إنك في سنة 2011 ليعيدك إلى 1931 ، هو فعلا كذلك وهذا شيء عظيم بالعمل،وبالمشاهدة الثانية تتكرر هذه الرحلة المبهرة ومجددا تستمتع بالعمل وتنسجم معه تماما بل وتنبهر بمحتواه، الجديد بالمشاهدة الثانية انني بهرت هذا العمل ك(فيلم) بحد ذاته بدون جزئية الأبيض والأسود والصامت، هو هارب من كلاسيكيات تلك الأيام إلى زمننا.
الفيلم ليس فقط تحية لزمن السينما الصامتة وحنين لها وليس مجرد قصة انهيار فنان السينما الصامتة بعد دخول الصوت، القصة أعمق من ذلك ، الفيلم يتحدث عن جورج فالنتاين كشخص لا كممثل ومشكلة تعاطيه بمن حوله برفضه الانصات لغيره أو الإفصاح بما في داخله، شخصية منغلقة متعجرفة...، غروره يمنعه من التنازل ليتواصل مع أحد أو يتفاعل مع أحد وهو ما جعله يصر على موقفه برفض الصوت في السينما، القضية لدى فلنتاين ليس وفاء للفن الصامت بل وفاء لغروره وقصته مع الصوت في السينما وإنهيار مسيرته ليست سوى تجسيد لهذا النزاع الداخلي بحياته، مخرج العمل ميشيل (لا اعرف نطق اسمه الثاني) يركز عمشاهد انعدام تواصل فالنتاين مع العاملين معه وتعامله معهم من زاوية عجرفته وغروره وكأنه الملك مستفيدا من موقعه الفني كملك على الشاشة الفضية وعلى انعدام تواصله مع زوجته وإنهيار علاقته معها والعظيم إنه يصنع هذا العمق والمضمون بمنظور السينما الصامتة ببساطتها ونقائها وقربها للمشاهد دون كلام ابدا ودون تفلسف جاعلا العمل طقسا امتاعيا لا يخلو من الابداع والعمق البسيط ولكن وافي دون قصور، انت طوال الوقت تدرك إن فالانتاين مغرور ومتعجرف ولكنك تحبه وتتعاطف معه كما تحب وتتعاطف مع كل نجوم السينما المحبوبين ، والفيلم ورغم محتواه العميق ولكن يبقى لطيفا وجذابا ومليئا بالأمل ، في المشاهدة الماضية استهجنت هذا اللطف، استهجنت كيف يؤسس المخرج لنجاة بطله من الموت بفضل وفاء كلب، وكيف لا تتنكر له بيتي او يتخلى عنه سائقه، ولكن هذه المشاهدة تقبلت ذلك كله، لأنني نظرت للعمل بمنظور سينما تلك الأيام لا بمنظور سينما ايامنا، المخرج يؤسس لذلك منذ المشهد الأول حين يعرض مشهد من احد افلام فالانتاين وهو أسير عند الاعداء وينقذه كلب، هو منذ المشهد الاول بقول هذا فيلم من ايام العشرينات تعامل معه هكذا.
بالتعمق بالعمل تلمس عظمة صناعة السينما الصامتة وإنها ورغم بساطتها الظاهرة ولكنها تتطلب جهد وفن حقيقي، المخرج ابهرني باساليبه السردية المبدعة والمنسجمة مع سينما العشرينات، التقديم الجميل للشخصيات وبناء عوالمها وتأسيس القصة، الكاريزما الرائعة بين فالنتاين وبيتي وبناء العلاقة الجميل بينهما ، واللغة السردية التي يتبعها ليقدم قصته بأساليب تعوض عن الصوت والحوار، مشهد البداية من احد افلام فالانتاين وهو يتعذب ليعترف وبصيح لن اتكلم ، المشهد العظيم حين تحتضن بيتي معطف فالانتيان، ومشهد صعود بيتي بمسيرتها من خلال موقع اسمها على تترات افلامها، ثم لقائها بفالنتاين وهي تصعد على درجات الاستديو وهو ينزل كتعبير عن صعودها وهبوطه، ومشهد مقابلتها الصحفية وهي بقمة عزها ونجاحها وهو خلفها مع سائقة منبوذ وغير معروف، هي مشدودة الظهر وهو محني ومتعب، ومشهد صناعته لأخر افلامه والمونتاج العظيم بذلك المشهد بقطع الصورة بين توقيعه للشيكات وحالة تخطبه بالتصوير والتركيز على مشهد حصاره من قبل بدائين قتلى ومشهد عرض الفيلم وخلو القاعة من الجمهور وازدحامهم بالصالة التي تعرض فيلم بيتي والتركيز على مشهد في فيلمه وهو يغرق في الرمال المتحركة كتعبير عن نهاية فلانتاين الفنية والشخصية ومشاهد اخرى عديدة.
الفيلم مليء بالتفاصيل البصرية الرائعة من ديكورات وملابس، الموسيقى لا تهدئ ومبدعة والاداء من جان ديجاردان وبيرينش بيجو فوق الابداع يحملان العمل ويتصرفان كنجوم سينما صامتة يعتمدان على الكاريزما واللطف والجمال ومواهب بالتمثيل والرقص و تقديم الانفعالات بملامح الوجه دون ابتذال او تصنع ، عام 2012 استهجنت حصول العمل على خمس اوسكارات بوجود اعمال مفضلة اكثر لدي لكن بعد المشاهدة الثانية اقتنعت ان الفيلم من الروائع المعاصرة، حالة خاصة لن تتكرر، ربما لا يوجد حالة مشابهة له بتفردها سوى boyhood ونحن كمتابعي سينما محظوظين اننا عشنا بزمن فيه هذين الحالتين الابداعيتين الفريدتين.  10/10

la doulos - 1963
 
بين زحمة أفلام الأوسكار كان لي استراحة مع رائعة جان بير ميلفيل هذه، فيلم يعطيك كل الاجوبة حول سبب كون النوار هو أحد أكثر الصنوف تقديرا" بتاريخ السينما، أتى ميلفيل في ذروة الموجة الفرنسية ليقدم فيلم نوار كلاسيكي على الطراز الأمريكي ومع ذلك ينجح ويحجز اسمه بين روائع السينما الفرنسية في الستينات، فيلم ذكي جدا" ومحير حبكة معقدة تشد المشاهد حتى النهاية، يتحدث عن من كان اسمهم القبعة وهم العملاء المزدوجون بين العصابات والشرطة حيث لا تعرف عن الشخص سوى وجه واحد من حقيقته ويلعب الفيلم على هذه الجزئية حيث يعطيك طوال الوقت وجه واحد للحقيقة ويجعلك تحتار بحقيقة ما يدور ويجري حولك حتى خاتمة المكاشفة المذهلة، ملفيل يحضر لذلك جيدا" حيث يسلط الأضواء منذ المشهد الافتتاحي على شخصية واحدة ويركز الحبكة حولها طوال ثلث العمل قبل أن يسبح البساط من تحتها إلى شخصية أخرى هي الشخصية الرئيسية التي تمسك بكل خيوط العمل، وتحت الحبكة الممتازة هناك قصة رائعة عن شخصيات تريد النجاة، طوي صفحة الماضي والبدء من الجديد ويمزج ميلفيل ذلك بذكاء بفكرة العواقب ليجعله فيلما" ممتازا" عن الافعال والنواية وعن استحالة أن يسبح الشخص بالطين ثم يخرج نظيفا"، ذكاء الفيلم وعمق افكاره يجعله كلاسيكيا" صالحا" لكل زمان والصورة التي يقدمها ميلفيل بواسطة الابيض والاسود واللعب المبهر بالإضاءة والظلال والإنعكاسات على المرايا والزجاج تجعله فرجة بصرية ممتعة جدا" بالأخص مع مونتاج خدم العمل جدا" وموسيقى كلاسيكية أسرة.
في زمن أعاد فيه داميان شازيل التقدير للميوزكل اتمنى ان يأتي شخص بنفس شغفه واجتهاده ويعيد التقدير لسينما النوار التي اشتقنا لها جداً

The Seven Year Itch (1955)

باعتقادي إن هناك مجموعة معدودة من الاسماء تدين لهم هوليوود بهيمنتها السينمائية العالمية ومن أوائل هذه الاسماء هو بيلي وايلدر، الرجل صنع منذ الأربعينات وحتى الستينات تحفة تلو الأخرى ضربت بعمق صناعة السينما كقيمة فنية وفكرية وتجارية خاض بها غمار مواضيع لم يخضها أحد قبله وخرج لها بأساليب معالجة يمكن اعتبارها ثورية بزمانها و مرجعية بزماننا ، فيلم هرشة السبع سنين أحد أكثر أفلامه شعبية وارتباطا بذاكرة الجمهور بفضل الحضور المبهر لمارلين مونرو والمشهد الشهير حين تطير تنورة الفستان، هذا صحيح ولكن تلخيص الفيلم بالممثلة والمشهد هو تسخيف له، الفيلم أعمق وأهم من ذلك بكثير، على صعيد الفكرة هناك معالجة رائعة لقضية أزمة منتصف العمر والبرود الجنسي بحياة الرجل والمراهقة بعد الأربعين والتأثيرات النفسية للحياة الملتزمة المنضبطة، والمميز بالعمل إن معالجة هذه الفكرة تتم بأسلوب كوميدي مبهر جدا" ولا أبالغ إن وصفته بأحد أفضل الأعمال الكوميدية بالتاريخ دون أن ينفي عن الفكرة قيمة المعالجة ولا يعطيها حقها، وايلدر يحصر بطله ريتشارد بشقته 90% من وقت العمل ولكنه مع ذلك يجعل المكان رحبا" جدا" ويعتمد على سيناريو رشيق يمزج بين الخيال والحقيقة ويجعل الهلاوس الجنسية الطريفة جزء" أساسيا" من العمل التي تبدو متعارضة مع تصميم شخصية البطل وهذا التعارض هو ما يجعلها بغاية الطرافة وهذا يحمل فضله الممثل القدير توم اويل الذي كان شكله لوحده بنظراته وتشنجه وتوتره الجنسي المستمر سببا" رئيسيا" ليجعل العمل صاخبا" بالكوميدية فكيف حين يرميه بين أنياب مارلين مونرو التي يتعمد وايلدر بإظهارها بشكل مبالغ وغير واقعي من ناحية الجمال والإغراء، يعطيها من كل شيء الكثير إلا العقل ينزعه منها فيجعلها غير مدركة لإثارتها البالغة وغير مدركة إن الناس طامعين بها وهذا يمنح الشخصية فرصة لتتصرف بأقصى عفوية ممكنة، عفوية تبدو قاتلة بالنسبة لشخصية مثل ريتشارد والتناقض بين هاتين الشخصيتين يجعل الفيلم مجنونا" دون الحاجة إلى مفارقات خارجية أو شخصيات دخيلة أو حركات مفتعلة ووايلدر أدرك ذلك فاكتفى برمي النار والبارود جنب بعض ويجعلنا نراقب الانفجار ويبدع حين يستغل الزمن القصير للأحداث وضيق المكان وطبيعة الشخصيات لأقصاها وينقذه من الرتابة والتكرار أو من المبالغة فكان حيويا" جدا" جدا" ومنعشا" .
من ناحية أخرى الفيلم يبدو تجسيد وإستفادة لظاهرة مارلين مونرو في الخمسينات، يظهر جمالها وفتنتها لأقصاها ويجعل الفيلم يبدو خارجا" من الخيالات الجنسية لرجال الأربعينات وإنعكاسا" لهلاوسهم وتجسيدا" لخيالاتهم ، ومارلين مونرو تعطي الكثير للدور ليس فقط من حيث الجمال والإغراء بل من حيث العفوية والطرافة والحضور وروح الفكاهة ، وايلدر جدد تعاونه مع مونرو عام 59 بالفيلم الشهير some like it hot .. وكلا الفيلمين يعتبران من كلاسيكيات الكوميدية ومن الأعمال الأكثر تأثيرا" بسينما هوليوود، فيلم هرشة السبع سنين ينتهي نهاية مريحة تناسب جمهور الخمسينات والنهاية جيدة متناسبة مع روح العمل وليست مجرد مهرب من المحظورات الرقابية للخمسينات ومع ذلك تأثيره فاق الخمسينات من الممكن أن تعتبره نموذج اولي لجمال أمريكي وملهم له ومن الممكن ملاحظة الكثير من التشابه ونقاط الإلتقاء بين العملين لدرجة إنه يمكن إعتبار إن روح وايلدر وفيلمه هذا كانت ملهمة لمنديز بصنع رائعته التسعينية

0 التعليقات:

إرسال تعليق