RSS

مشاهدات (2) - Song to Song - Offside - The Cow - The Passion of Anna - Baby Driver - The Lobster

Song to Song - 2017

 


واحد من الأسرار التي ستبقى عصية على الفهم هي كيف يصنع تيرانس ماليك أفلامه؟، كيف يجعلها منبثقة من دواخل الشخصيات وأفكارها ومخاوفها وهواجسها وأحلامها؟ ، كيف يجعل أفلامه جزء من الحياة الواقعية كأنك تتابع تسجيلات منزلية يدوية لحياة الشخصيات وتسمع تعليقهم الداخلي؟ ، كأنك شخص إضافي كنت معهم تراقبهم أو كأنك تجول ضمن ذاكرتهم تلاحق صور من ماضيهم ونسمع حكمهم عليها.
لم أتوقع شيء اقل من هذا من ماليك في فيلمه الجديد song to song ، كل ما نحبه في سينما الرجل سنراه هنا، الروحانية المفرطة، نبذ العدوانية والوحشية البشرية، التمسك بالأرض والطبيعة، السمة الصوفية الإنسانية التي تصبغ أفلامه، حب الحياة والتمسك بها دون إفراط يحولها إلى سم يفقدنا مذاقها.
ماليك لا ينتقد المدينة وحياة الموسيقى ويهاجمها، يصورها جميلة وساحرة بشكل خاص، ولكنه يهاجم الإنغماس بها، التعلق بها ونبذ أي شيء عداها، يهاجم الغرائزية والحيوانية الإنسانية التي تحيل أي شيء إلى جحيم مهما كان جميلا" وساحرا".
الدور الذي يلعبه مايكل فاسبندر كمنتج موسيقي غارق بالشهوات هو تعبير من ماليك عن تلك الحيوانية التي تحيل الإنسان إلى شيطان يدمر نفسه ومن حوله ويحول أحلام الجميع إلى كوابيس، طوال الفيلم وشخصية فاسبندر تنحدر وتسحب من حولها معها، يلعب بالجميع وبمشاعرهم وأحلامهم وعواطفهم ومخاوفهم بلا شفقة، ككائن طفيلي يتغذى على بواطن الأخرين، يستنزفهم و نفسه، وخسارته هو الأكبر، باقي الشخصيات تعاني حتى بعد أن تبتعد عنه، تبقى تحمل ندوبها منه، تخوض رحلتها الخاصة من المعاناة لتتحرر وتتطهر من الآلم الذي سببها له، تعود إلى جذورها وأصولها، تستلهم القوى من ماضيها وأرضها، لتكتشف أن النعيم ليس بأضواء الشهرة بل بضوء أشعة الشمس على العشب المصفر في يوم صيف.
الاداءات بالعمل جبارة، روني مارا ورايان غوسلينغ ومايكل فاسبندر ونتالي بورتمان يسحرون العين ويأسرون القلب، حضور جميل لكيت بلانشيت، استخدام رائع للموسيقى والأغاني، تصوير يخطف الأبصار.
قد يعاب على الفيلم إنه في القسم الثاني أصابه بعض التشتت وسوء بتوزيع المشاهد بين الشخصيات بعد افتراقها مما سبب بالغياب الطويل لبعض الشخصيات ولكن الفيلم خرج متماسكا"، قد لا تعجب أفلام ماليك الجميع وهذا سبب الإنقسام النقدي الدائم حولها، البعض يعيب عليها روحانيتها ووعظيتها ولا يتقبلون ما يسموه تنظير المخرج عليهم، لأجل هؤلاء أقول جميع المخرجين الكبار يصنعون الفيلم كما يريدون له أن يكون هو رسالته للجمهور، لا يصنع الفيلم حسب توصيات الجمهور، مالك ليس من مخرجي القوالب الجاهزة الفارغة التي ترضي الجميع وتتصدر البوكس أوفس ثم ينساها الزمن، أفلامه للزمن، يصنعها كبوح ذاتي ورسالة فنية أو فكرية يريد تقديمها للعالم وتقبلها من عدمه أمر يعود للمشاهد.
The Cow


فيلم درويش مهراجي العظيم هذا يدور ضمن قرية صغيرة في الريف الإيراني، يعالج من خلال قصة بسيطة جدا" أفكار معقدة عن سلطان الخوف وتخاذل المجتمع، والحياة ضمن الوهم والرغبة المكبوتة لدى شخوص المجتمعات المحافظة بالتحرر وأن تكون ذاتها، فيلم صنع زمن الشاه حيث الرقابة الحكومة كانت متهاونة، ولكن كونه يدور في بيئة ريفية محافظة فهذا يجعله تحت مجهر رقابة مجتمعية هي في كثير من الأحيان أشد وطئة من الرقابة الحكومية، إلا إن هذا لم يمنع مهرجاي من صنع عمل حاز على رضى الجمهور المحلي والإعجاب الدولي فنال جوائز تكريمية مختلفة في مهرجاني برلين وفينيسا .
القصة تدور في قرية فقيرة عن حسين الذي يعتاش من بقرته ومعلقا" بها تعلقه بالحياة، تنفق البقرة بشكل مفاجئ مع تلميحات أن يكون تم قتلها على يد عصابة شعبية تثير الرعب بالأنحاء، مما يصيب حسين بالجنون فيتهيء له أنه هو البقرة ويتعامل معه أهل القرية كمجنون.
مهراجي يؤسس فيلمه بشكل ممتاز بتصويره حالة الهيام التي يكنها حسين لبقرته وكأنها جزء من عائلته ومزاوجتها مع حالة الخوف من عصابة اللصوص، في الفيلم لا نرى هذه العصابة تقوم بأي جريمة، هي تظهر فقط من بعيد ولكن سمعتها هي التي تهيمن على القرية، تبدو أشبه بالفزاعة التي يعلق عليها الجميع أخطاءهم وبعضهم يستغلها ليحقق لنفسه نفوذ كشخصية قريبهم الذي يعيث فسادا" بالقرية بلا حسيب أو رقيب، حتى موت بقرة حسين لا يبدو واضحا" إنه بسببهم - ولا أي جريمة أخرى - ربما نبتة سامة أكلتها وربما خطأ من زوجته أدى لموتها ولكن الجميع نسبع للعصابة تهربا" من المسؤوليةحتى حسين نفسه.
الجنون الذي يصيب حسين يبدو كرد فعل غاضبة على موقف أهل قريته الذين حاولوا إخفاء الحادثة عنه وعدم التحقيق بشأنها خشية دخول المشاكل إليهم، وربما تعبير عن غضبه من نفسه لإهماله أكثر ما يحبه لدرجة خسارته وعدم قدرته على الدفاع عنه، هو صرخة غضب بوجه هذه المجتمعات الخائفة الجبانة، ثورته هذه تحرك شيء من النخوة لدى أهل قريته فينهضون للمرة الأولى للتصدي للصوص ولكن هذا لا يكفي فيقررون التخلص من حسين الذي يشكل وصمة العار على جبينهم جميعا".
مهراجي يقول إن فيلمه يمكن تفسيره من وجهة نظر أخرى إنه تعبير عن تمرد الفرد على قوانين مجتمعه ورغبته بأن يعيش ذاته وحياته الخاصة، من زاوية معينة يمكن أن يكون هذا صحيحا" وعبر عنها مهراجي بشكل رمزي من خلال الجنون وانتحال شخصية البقرة وإلحاح أهل القرية على عودة حسين إلى شخصيته القديمة الوديعة المسالمة - الجنون في القرية الصغيرة أقدم أشكال رمزية ثورة الحرية في كل الفنون-
الفنيات السينمائية في العمل جبارة ، زواية التصوير ودرجات الأبيض والأسود والمونتاج والموسيقى على أعلى مستوى أما أداء عزت الله انتظامي لدور حسين فهو باعتقادي من أفضل الأداءات السينمائية التي شاهدتها 

 Offside - 2006
.

يتحدث الفيلم عن محاولة مجموعة من الفتيات كسر حظر اختلاط الفتيات بالشبان في إيران وحضور مباراة بين منتخبي إيران والبحرين التي سيتوقف عليها تأهل إيران لكأس العالم في ألمانيا 2006، الفيلم من إخراج جعفر بناهي وكغيره من أفلام المخرج لم يعرض في إيران ولكن هذا لم يمنعه من نيل جائزة الدب الفضي في برلين ، بناهي من المخرجين المغضوب عليهم في الجمهورية الإسلامية لإشكالية المواضيع التي يتطرق لها، منع عدة مرات من الإخراج وحاليا" هو أسير الإقامة الجبرية ولكن ذلك لم يمنعه من إخراج تاكسي طهران الحائز على دب برلين الذهبي 2015.
الفيلم يسير بخط من الكوميدية السوداء الرائعة، هو لا يصور أولئك الفتيات كناشطات ثوريات لحقوق المرأة، هن فتيات عاديات جدا" يعشن ككل بنات جيلهن بحماس وطيش المراهقة، لم تتشكل لديهن بعد الصورة الكاملة عن معنى الحرية والمساواة، إندفاعهن للمباراة هو لممارسة حقهن بعيش الشباب، للمشاركة بتلك الحالة الوطنية والاحتفاء بنصر منتخب بلادهن.
من خلال هذه الكوميدية الجميلة يعرض بناهي بذكاء فكرة الازمة التي تثيرها خلو القوانين من مضامينها في البلدان الشمولية، حين لا يفهم الفرد مغزى القوانين وأهميتها ومعناها ويرى تناقضات الدولة بتطبقيها فتفقد قوتها الإلزامية بالنسبة له ويصبح همه خرقها ليعيش حياته.
مشاهد عديدة في العمل لا تنسى بالعمل كسؤال إحدى الفتيات للعسكري عن سبب منع الاختلاط فيخبرها حتى لا يسمعن السباب وفي نفس الوقت هناك عسكري أخر يسب ويلعن بسبب المباراة، وحين يبرر العسكري إنه مسموح للبحرينيات والأجانب حضور المباراة حتى لا تثير الحكومة أزمة إعلامية مع اقتراب الانتخابات.
بناهي أعطى حرية كاملة لممثلاته المغمورات الموهوبات ليرسموا شخصياتهن بأنفسهن حتى يسهل عليهن التواصل معهن، وهذا كان له الفضل بتقديم حالة أدائية عفوية مذهلة.
في أحد أعظم مشاهد العمل تبكي إحدى الفتيات بعد الفوز يسالنها عن السبب، لماذا تبكي رغم الفوز؟ فتخبرهن إنها لا تهتم بالمباراة ولكن حبيبها كان ممن قتلوا بحوادث شغب المباراة السابقة وكان سيود حضور المباراة لذلك خاطرت بالقدوم إكراما" لذكراه، هنا يتحول الاحتفال من فرحا" بالفوز إلى إحتفالا" بالحب، ويختم بناهي فيلمه بحالة وطنية جميلة غير مبتذلة حين يدخل الجمهور المحتفل بالشارع إلى سيارة نقل المساجين ويخرجن الفتيات والسجانين ويرقصون جميعا" مع جمهور الشارع على أنغام النشيد الوطني الإيراني، كتعبير من بناهي على أن ما يوحد الإيرانيين هو الولاء للبلاد ولا يجوز أعتبار أي طرف له رأي معارض للنظام وقوانيه بأنه خائن 
.
The Passion of Anna - 1968

(
الصامتون هم الأكثر ألما")
لم أكن يوما" من المفتونين بالسويدي انغمار برغمان، لدي مشكلة مع أفلامه، أشعر إنها ثقيلة جدا" متعبة جدا" مؤلمة جدا"، تصيبني بالإرهاق حتى على الصعيد النفسي، ليست سيئة على الإطلاق، على العكس فيها درر وجواهر ونفائس على صعيد السيناريو والتمثيل والفكرة والشكل البصري الذي تظهر عليه سواء" كانت أبيض وأسود أو ملونة، بل إن قدرة أفلامه على إنهاك المشاهد فكريا" ونفسيا" وعاطفيا" هو ما يجعلها عظيمة، الآلم الذي لا بد منه كما يقول صديقي فراس محمد، لذلك فأنا لا انكب على مشاهدتها، مشاهدتي لبرغمان قليلة ومتباعدة ولكن كلما شاهدت له شيء أشعر إنني فعلا" مقصر بحق مخرج هو على مرتبة واحدة مع كوبريك وفلليني وهيتشكوك مدرسة بحد ذاته.
فيلمه هذا - The Passion of Anna وأفضل استخدام العنوان السويدي The Passion - هو ثالث فيلم لبرغمان ضمن ثلاثية العزلة بعد The Hour of wolf و Shame عام 1968 ، هو ثاني فيلم ملون له ،و ككل أفلامه السابقة واللاحقة يقدم لنا برغمان شخصيات منهكة في عالم صعب ومنهك، يصور لنا يومياتها ويلاحق من خلال تفاصيل حياتها العنف والعزلة واحتقار الذات وإدمان الألم، يصور المعاناة الإنسانية في كثير من الأحيان على إنها من أصل الفطرة البشرية، جوهر أزمتها الوجودية غير المرتبطة بالضرورة بالحياة الحديثة أو القديمة، بل الآلم والكآبة شيء متأصل بالطبيعة البشرية، ربما هو ما يجعلنا أكثر بشرية أو ربما هو ما يجعلنا متصالحين أكثر مع غرائزنا الحيوانية ومتمردين على السلوكيات الحضارية الحديثة.
الفيلم عن اندرياس الهارب من شيء مجهول والذي يعيش ضمن عزلة خانقة سئمها ويحاول كسرها من خلال علاقته بآنا وصديقيها أليس وإيفا،)أنا) خارجة حديثا" من حدادها على زوجها وابنها الذين فقدتهم في حادث سير ، أليس وإيفا يمثلان الزواج العصري الهش الكاذب المنعدم العاطفة والقائم على المظاهر الاجتماعية، الشخصيات الاربعة من الظاهر تبدو مثالية جميلة، أنيقة، مثقفة، ولكن حقيقتها عفنة قبيحة ، حياتهم قائمة على الكذب والنفاق والخداع وإنعدام الأخلاقيات، يبدون الاربعة صورة مصغرة عن عالم اليوم الحضاري المثالي النظيف في ظاهره والمنحل المتهالك في أعماقه.
علاقة اندرياس وأنا هي أشبه بإعادة الكرة لعلاقة أنا بزوجها السابق اندرياس وعلاقة أندرياس بخطيبته السابقة، وينتهي العمل عند نفس نقطة البداية، ليس تجريبا" فقط من برغمان بقدر ماهو ضروري لتوضيح فكرة الشخصيات التي تسجن نفسها بدائرة من أخطاء ماضيها وآلامه وعقده حتى لا تستطيع الخروج منها فتكررها دون وعي، هو من أعظم الأفلام التي صورت حالة أدمان العزلة، العزلة تتحول إلى مرض يسبب الإدمان بحد ذاته وبرغمان يجسد تلك الفكرة بنجاح من خلال شخصية اندرياس الذي من خلالها أيضا" قدم بريغمان تحليله الوافي لنفسية الإنسان المقبل على الانتحار، يشرحها ويفصصها كما لم تفعل مئات الكتب والمراجع النفسية.
برغمان أحد أفضل كتاب السيناريو في تاريخ السينما ليس فقط بفضل مونولوجاته العظيمة بل لقدرته على تطويعها في المكان المناسب ضمن حبكة وسياق قصصي مبهرين وتكون وافية لشرح دواخل شخصياته المبنية بعناية والمؤداة بشكل جبار من طاقمه الأثير ماكس فون سيداو وليف اولمان وبيبي اندرسون وايرلاند جوسيفسون، صحيح إن عوامل القوة هذه مرجعها خلفية برغمان المسرحية ولكن في كل مرة يستطيع كسرها برؤيته البصرية، فيلمه الملون الثاني هذا فيه إبداع باستخدام الألوان، الأحمر تحديدا" ، وإعطاءه أبعاد دلالية وجمالية جدا"، شيء سيكرره بعظمة بفيلمه الأهم صرخات وهمسات بعد ثلاث أعوام.
الفيلم لم يخل من غمز برغمان المحبب عن صمت الرب أمام كل هذه المعاناة، ربما لم تكن هذه الجزئية طاغية كأفلامه الأخرى ولكنها موجودة وبقوة هنا ومعبرة جدا" بمكانها عن حالة المعاناة الوجودية التي تعيشها الشخصيات.

 Baby Driver - 2017


من خلال مشاهدتي لأربعة من أفلام الإنكليزي إيدغار رايت من أصل خمسة طويلة أخرجها منذ عام2004 فإن الشيء الذي لا يمكنني إنكاره إن تلميذ تارانتينو النجيب لم يستطع فقط الحفاظ على مستوى واحد من الجودة في تقديم إعماله، بل إنه مع كل عمل يزداد نضجاً ويطور أدواته ويعزز أسلوبيته الخاصة حتى أصبح له هويته الخاصة المميزة في كل أعماله، يلعن بنجاح بزاوية تقديم أفلام كوميدية وحركية فيها الكثير من التحية والوفاء والأحياء لكلاسيكيات النوع دون أن يقع بفخ السطحية والإبتذال والتكرار بل أفلامه دوماً لها هويتها وطابعها الخاص وقوتها التي تفرض نفسه على المشاهد.
رايت نجح من خلال Baby Driver أن يقدم أنضج أعماله، فيلمه الأقل كوميدية والأكثر درامية ولكن بنفس روح البهجة والسرعة التي اعتدناها وأحببناها، يعلن منذ المشهد الأول عن هوية فيلمه، تحية لأفلام السيارات والسرعة والعصابات (وتحديداً أفلام مارتن سكورسيزي) ولموسيقى الروك الكلاسيكية، النسخة الأكثر بهجة من فيلم نيكولاس وايد ريفين (Drive) ، يصنع من خلال بيبي (أنسل ألغورت) شخصية متينة ومميزة جداً، شاب أنحرف في دروب الجريمة بعد كارثة عائلية كنوع من التعويض والعثور على عالم يحتويه ويقدره ووصل الآن لمرحلة يريد الإنسحاب وتغير نمط حياته ولكنه لم يعثر على العالم البديل حتى دخلت بحياته ديبورا (ليلي جيمز) وأعطته تصور عن مستقبل أخر بعيداً عن الجريمة، مستقبل لن يكون من السهل أبداً أن يحصل عليه.
أنسل ألغورت الذي سبق له وأن شارك شايلي وود بالفيلم الرومانسي الجميل (Fault in our Stars) يقدم هنا أداء ممتاز جداً حركي ودرامي ويعطي شخصية بيبي عمقها الدرامي المطلوب ويجعلها حية على الشاشة سواءً من هدوءه وسيطرته وراء المقود أو إنجرافه مع الموسيقى وإنفجاره بالحياة معها وإظهار حزنه العميق الدفين على والدته ورغبته بالانعتاق وانفتانه بديبورا وصنعه كيمياء ممتازة مع الساندرلا ليلي جيمز.
إيدغار رايت مبدع ومبهج جداً بصنع عوالم الشخصية وبرسم الشخصيات الثانوية من حوله، يستعين بطاقم تمثيلي قدير (كيفين سبيسي، جيمي فوكس، جون بيرنثال، والنجم التلفزيوني جون هام) ويعطي لكل شخصية مساحتها الخاصة ويصنع لها عالمها الخاص وخلفية مهمة للعمل وينجحون بتعزيز عوالم الشخصية الرئيسية ودفع الحبكة للأمام وتصعيد الصراع، الصراع في الفيلم لا يهدء ويتصاعد للأمام وصولاً لذروة ممتازة على صعيد الدراما وعلى صعيد مشاهد الحركة ممتازة الصنع جداً والممتعة، ويرافقه حوارات جميلة جداً وذكية

The Lobster - 2016


اليوناني يورغوس لانثيموس أحد أمهر مستخدمي الرمز في سينما اليوم ليعبر عن الهموم المعقدة التي تعترض الإنسان المعاصر، سواء من نزاع داخلي بين الإنسان وذاته لاكتشاف نفسه وجسمه وهواجسه ومخاوفه وتصوراته تجاه الجنس الأخر، أو نزاع الإنسان للتحرر والتخلص من هيمنة الأنظمة القمعية ، وفلسفة تلك الأنظمة وممارساتها، ضمن جرعة من العنف الانفجاري المرعب والصادم.
لانثيموس قدم أسلوبيته وأفكاره برائعته المرشحة للأوسكار كافضل فيلم أجنبي Dogtooth، ومع خروجه من اليونان إلى نافذة السينما الأوروبية للعالم (السينما البريطانية) وعمله مع كبار نجوم بريطانيا وهوليوود أعاد تقديم تلك الخلطة ضمن فيلم خيال علمي عالي التكلفة دون أن يفقد سيطرته على الفيلم ونظرته السينمائية وهذا شيء يحسب له ومهم جدا"، لأنه بذلك نجا من الفخ الذي يقع به أغلب المخرجيين خارج منظومة اللغة الأنكليزية الذين يطرقون أبواب بريطانية وهوليوود وينجرون مع الموجة العالمية ويفقدون ما ميزهم بالأصل هويتهم ونظرتهم السينمائية.
في رائعته الثانية هذه The lobster - السلطعون ، الفائزة بجائزة لجنة تحكيم كان 2015 ومرشحة لأوسكار أفضل سيناريو 2016 يقدم في ظاهره قصة خيالية بروح كوميدية سوداء عن مجتمع افتراضي لا يقبل بالعزوبة ويعرض أفراده من عزاب أو مطلقين أو أرامل لتجربة الإقامة في فندق للعثور على شريك خلال شهر وفي حال الفشل سيتم تحويل الفرد إلى حيوان ما يختاره.
في عمق القصة هناك تعبير عن مخاوف الإنسان الحديث من الوحدة وعن تعقيدات العلاقات العاطفية - والاجتماعية الحديثة بشكل عام - وعبثيتها ونفاقها -، وعن قوانين المجتمع وأحكامه الصارمة ونظرته القاسية تجاه الإنسان الوحيد التي تتحول إلى قيد تجبر الإنسان على القبول بأي حل حتى على حساب راحته وذاته حتى لا يتعرض لحكم المجتمع القاسي الذي قد يعامله كإنسان مريض أو ربما يجرده من إنسانيته، مما يسبب تشوه في العلاقات الاجتماعية والعاطفية ويجردها من معناها ويحولها من غاية بحد ذاتها إلى وسيلة للإندماج الاجتماعي ومظهر أخر ضروري من مظاهر الحياة المعاصرة.
مع استمرار الفيلم وبالتعمق به أكثر يقدم لانثيموس معالجة بغاية الذكاء لرغبة الإنسان الفطرية من التحرر من قيود الأنظمة مهما كانت متناقضة (سواء كانت أنظمة تقليدية محافظة أو تحررية تقدمية، اشتراكية أو رأسمالية، شرقية أو غربية، غنية أو فقيرة) والتي تجمعها نفس الدكتاتورية والسلطوية وقمع الذات الفردية وتقييدها، صراع ذكي جدا" مليء بالهرب والعنف والرغبة الفطرية بالتحرر التي لا يمكن تقييدها ولا إرضاءها بأنصاف الحلول أو الحلول المقنعة طالما هناك سلطة عليا توجه الفرد وتسيره وتنزع إنسانيته وتعامله كحيوان ، ليختم العمل بطريقة عبقرية تطرح عدة أسئلة بوقت واحد حول إلى أين يمكن أن يصل الإنسان بالعنف والحيوانية؟ إلى أي مدة مستعد أن يضحي بذاته ليبقى مع الشخص الذي يحبه؟ماهو الثمن الذي يمكن أن يدفعه ليحقق حريته؟
لانثيموس مبهر بضبط إيقاع عمله ، حيوي جدا"، مثير وذكي ومهم وكوميدياه على سوداويتها ممتعة جدا"، يقدم واحد من أذكى وأمتع النصوص المعاصرة و أجواء بصرية رائعة جدا" ، إدارة الممثلين لها خصوصية مهمة هنا وانتجت أداءات جماعية ممتازة جدا" من كولين فاريل وراشيل وويز وليا سيدوكس وجون سي رايلي، وكله تظافر لينتج فيلما" استثنائيا" يجعلني بغاية الحماس لمشاهدة فيلم لانثيموس القادم The Killing of a Sacred Deer الفائز بجائزة كان الأخيرة كافضل سيناريو

0 التعليقات:

إرسال تعليق