RSS

Logan – 2017


هذا العمل له خصوصية تميزه عن غيره من أعمال الكوميكس، تصنيفه الرقابي المرتفع، وكونه يأتي ثالثاً لسلسلة متهالكة أصلاً أعتمدت بنجاحها على أفلام السلسلة الأصلية المشتقة عنها، والأهم إنك تدخله وأنت تعلم أنه ليس فقط الأخير بل الوداعي وبه ستنتهي حياة شخصية سينمائية شعبية ومحبوبة جداً عاش معها الجمهور 17 سنة.
هذه العوامل المميزة فرضت على العمل أن يكون بشخصية مميزة، الوداع لهذه شخصية يجب أن يكون على مستوى يليق بها وبجمهورها العريض، وبنفس الوقت تمحي سمعة السلسلة السيئة، وكون العمل بتصنيف R فهذا لا يعني حسب قول المخرج جيمس مانغولد فقط أن يكون العمل مبالغاً بدمويته وعنفه، بل يعني أن القصة ستكون أكثر نضجاً وتعقيداً ودرامية وسوداوية، والمراهنة على الشكل الجديد للقصة الدرامية هو الخيار الوحيد للمخرج لصنع فيلم وداعي مبهر بميزانية شحيحة لا تسمح بوجود مؤثرات بصرية براقة ومضللة كأفلام الكوميكس الأخرى.



جيمس مانغولد نجح إلى حد بعيد بصنع قيمة وعمق درامي حقيقي لعمله وخيارات فنية ذكية في فيلم كوميكس ترفيهي، هو يوازن بين مشاهد الأكشن وحبكة الإثارة المشوقة وبين الدراسة النفسية لشخصية البطل الخارق في آخر أيامه بشكل لم نره بهذه القوة منذ ثلاثية باتمان لنولان، فكل أفلام الكوميكس الأخرى إما بالغت بالدرامية مثل زاك سنايدر لدرجة قتلت روح الترفيه، أو بالغت بالترفيه كأفلام مارفل لدرجة الخفة، الإثارة تفيد الجانب الدرامي في العمل وتغذيه جداً، الافتتاحية والمشهد القتالي الأولي لا يبدو فقط لإثارة حماس الجمهور وجذبه منذ المشهد الأول بل لنرى الحالة الضعيفة التي أصبح عليها البطل ولفرين – لوغان الذي كان لا يقهر والذي دارت عليه الأيام لدرجة إنه أصبح لا يستطيع الصمود أمام مجموعة من لصوص الشارع.
لاحقاً يركز على مانغولد على شخصياته وعوالم فيلمه ، يهتم بتفاصيل الشخصيات بشكل ممتاز جداً، لوغان العجوز الذي لم يعد بقوته السابقة، قدرة الشفاء لديه تتداعى، مادة الادمانتيوم التي تغذي قوته وقدرته العلاجية تسممه، انتهت أيام مجده ويعيش منعزلاً مع معلمه وصديقه البروفيسور إكسافير والمتحول المتعقب كاليبان بعد أن خسر كل إصدقائه السابقين، في أيامه الأخيرة يتساءل عن المغزة من الحياة الطويلة التي عاشها، عن الفارق الذي حققه، أشباح أعماله السابقة تلاحقه وتعاقبه بشكل أقوى وأكثر عنفاً، وفي هذه المرحلة يبدو إن الغاية الوحيدة لاستمراره على قيد الحياة هو أن لا يجعل اكسافير يعي للكارثة التي تسببها ويعيش مثله في عذاب الضمير القاتل وأن يجمع ثمن يخت يهربا به من كل العالم.
شخصية اكسافير صادمة جداً بالتحول الذي مرت به، العقل الأذكى بالعالم أصابه الخرف مع وصوله للتسعين وتحول إلى سلاح دمار شامل، مشتت ومضحك وضعيف ومثير للإشفاق ككل العجائز أصحاب الماضي البطولي، يبدو صادماً جداً للمشاهد أن يكون الضمور العقلي الذي أصاب إكسافير هو سبب فناء كل المتحولين، لم أتقبل هذا في المشاهدة الأولى، توقعت أن تكون هناك يد خفية تدخلت لتحول إكسافير إلى سلاح يفني المتحولين (كفيلم X2) أو كما في الكوميكس الأصل للفيلم (لوغان العجوز) حين تلاعب الأشرار بلوغان وحولوه إلى سلاح ضد صحبه، هنا مانغولد يصر على أن المرض فقط سبب الكارثة التي أحدثها إكسافير، وتقبلت الأمر بالمشاهدة الثانية وشعرت إنه جريء جداً بهذا ومفيد للعمل لصنع شخصية بطولية ببعد إنساني عالي، فيلم كوميكس واقعي جداً يصاب به أذكى شخصية بالعالم بالخرف ويتسبب بفناء فريقه ويصل لحالة مزرية لا يستطيع بها أن يملك زمام أمره.

جيمس مانغولد لا يعرض مشهد الكارثة التي تسبب بها إكسافير ولا حتى بفلاش باك، والسبب على الأغلب شح الميزانية لأن مشهد كهذا يعني الاستعانة بطقم النجوم القدامى للسلسلة كهالي باري، ولكن مانغولد عوضه بمشهد ذكي جداً في منتصف العمل في الفندق حين تصيب البروفيسور إكسافير نوبة صرع مع هجوم المرتزقة عليه، المشهد نجح فيه مانغولد بأن يتلاعب على الميزانية ويعطينا صورة عن الكارثة القديمة، وبنفس الوقت فاد العمل بمشهد تشويقي مثير جداً ، وهذا المشهد جزء من حيل مانغولد بالعمل، كالشكل الغبي المستفز الذي ظهر به المرتزق دونالد المتعمد ليبرر تدخل مدير الشركة وسلاحه الفتاك X24  لمطاردة لوغان واكسافير.
حبكة العمل تتعقد مع دخول إيزابيلا الممرضة القديمة بشركة طبية إلى حياة لوغان حاملةً معها سراً صادماً له يتمثل بفتاة مستنسخة منه بنفس قدراته، هي x23  أو لورا، التي تعتبرجزء من جيل متحولين جدد صنعتهم الشركة بمعاملها سراً من جينات المتحولين القدامى لتجعلهم جنود ولكنها فقدت السيطرة عليهم، هي نفسها الشركة التي كانت بحوثها الجينية التطويرية للقدرات البشرية وتسميمها المياه والغذاء سبباً للقضاء على جينات المتحولين ومنع ولادة أي متحول جديد منذ 25 سنة، ومانغولد لا يستغل هذه الحبكة لتصعيد الإثارة بالعمل فحسب بل يستفيد منها ليصعد الدراما بشكل ممتاز جداً.
الرحلة التي يخوضها الثلاثة لوغان وإكسافير ولورا مهمة جداً على الصعيد الدرامي، هنا يبدو وجود إكسافير بالعمل مفيد جداً ليس فقط لصنع تشبيه لحبكة كوميكس (لوغان العجوز) بل هو يلعب دور مهم جداً كالنصاح والمرشد للوغان، رغم خرفه وجنونه ولكن ما زال بأعماقه هو نفسه بريفسور أكس الذي نعرفه، والذي يعتبر أب وصديق للوغان، يصر على هذه الرحلة وعلى الاستمرار بها رغم كل الصعوبات، ليس فقط لإنقاذ الأمل الأخير للمتحولين، بل لإعطاء فرصة أخيرة للوغان للقيام بمهمة نبيلة بحياته، لإحياء الأمل الأخير داخله بأنه يوجد في هذه الحياة ما يستحق أن يعاش لأجله، لمنحه العائلة التي طالما سعى إليها وهربت منه ليحصل على خلاصه الذي يستحقه، كما إن إكسافير يلعب دوراً مهماً بأن يقدم للورا الأمان والدفئ العالي الذي تحتاجه ويبني معها علاقة مميزة.
في الفيلم وقت استراحة جميل حين يبيت الثلاثة في منزل عائلة يلتقون بها على الطريق، هو مشهد كلاسيكي ومكرر جداً ولكنه مفيد جداً في هذا العمل، هو المشهد الوحيد الذي يبتسم به لوغان، ويلمس جمال العائلة ويشعر إنه يوجد في هذا العالم شيء يستحق العيش لأجله ، ولكن بعد أن يصل لوغان للمصالحة النفسية الذاتية يصل المرتزقة ومعهم الـX24 ، وتقع مجزرة تذهب العائلة المضيفة اللطيفة ضحيتها، وهذا أيضاً متعمد، ليشرح لنا مانغولد المعاناة الأزلية للوغان – الولفرين الذي يجلب المآسي والكوارث في أي مكان يحل به ولأي أناس يلتقي بهم.

كان من الممكن لمانغولد أن يختيار شخصية سيبرتوث شقيق لوغان والعدو الأزلي له في الكوميكس وفي فيلم ولفرين الأول كالعدو الرئيسي بهذا العمل، أو شخصية جديدة كداكين ابن ولفرين في الكوميكس وأخطر أعدائه، ولكنه اختار الX24 كالعدو الرئيسي بل وأصر على أن يكون هيو جاكمان هو ممثل الشخصية ليس فقط بسبب ضعف الميزانية، بل باعتقادي إنه خيار درامي ممتاز جداً، فلوغان الذي وصل لأخر أيامه وتطارده أشباح الماضي وآثامه السابقة يناسبه جداً في رحلة التطهير أن يواجه ذاته مواجهة مباشرة، X24 هو ولفرين الذي يعذب لوغان، بشكله الشاب وقدراته الجبارة وعدم وعيه وسيطرة غريزة القتل عليه والمجازر التي يرتكبها إينما حل، هو التجسيد الحقيقي لماضي لوغان وذنوبه وآثامه الذي يطمح للتخلص منه وتجاوزه.
رغم كل جمالية العمل وقوته ولكن نهايته تعاني من الخلل، لم استطع تقبل شكل المستعمرة التي صنعها المتحولون الصغار في عدن، رسم شخصية لورا منطقي جداً ككائن حيواني غير اجتماعي ولا تتقن الإنكليزية كونها عاشت طول عمرها داخل المشفى والمختبرات الطبية برعاية ممرضة مكسيكية، ولكن من غير المنطقي أن يكون أصدقائها الذين عاشوا بنفس ظروفها كائنات اجتماعية وذكية ويتكلمون الإنكليزية وينشئون مستعمرة ويتواصلون مع الحكومة الكندية لتأمين الهرب واللجوء حتى ولو كانوا أكبر بالسن بعض الشيء وبينهم مستنسخ ماغنيتو الذي لم يرث فقط قوة والده بل وصفاته القيادية، كما إني لا أظن إن شركة بقوة ووحشية التي شاهدناها بالعمل ستعيقها الحدود عن متابعة هدفها.
رغم الخلل الذي يحدث هنا ولكن مانغولد يشوش عليه بصنع لحظة مجابهة مثيرة جداً ومشوقة، ويقدم ختام في غاية التأثير لشخصية لوغان ووداع يستحقه ومشهد جنازة عظيم ومحرك جداً للمشاعر يجعلك تتقبل العمل وتعجب به جداً رغم الخلل الذي يضربه في الثلث الأخير.

العمل يحير بانتمائه لأي خط زمني وأي سلسلة، هل هو جزء من سلسلة أكس القديمة أم الجديدة، ففي الحوارات هناك إشارات لأفلام أكس الأولى، ولكن مشروع الـX23  شاهدناه يبدأ بفيلم أبوكاليبس العام الماضي من السلسلة الجديدة ذات الخط الزمني المعدل التي لغت أحداث الأجزاء الأولى.
جيمس مانغولد كان ببداية القرن أحد أهم الاسماء الإخراجية الواعدة ، صنع فيلم ويسترن عصري هوcop land  في نهاية التسعينات، وأوصل أنجلينا جولي للأوسكار في درما Girl, interrupted  وقدم فيلم البيوغرافيا الجميل walk the line  عن قصة حب جوني كاش لجون كارتر (وأغاني جوني كاش حاضرة بهذا الفيلم) والويسترن الممتاز 3:10 ليوما، انحرفت مسيرته بعد الشيء مع اتجاهه لسينما الأكشن بالأخص مع الجزء الثاني من ولفرين السيء عام 2013، ليأتي هذا الفيلم ليس فقط كوداع مستحق للوغان بل وعودة قوية لمانغولد، صنعه بروح سينما الويسترن حتى تكاد تنسى إنه كوميكس، الدراما محبوكة جداً ومؤثرة رغم بعض الهنات، ومشاهد الأكشن على أعلى مستوى ومتنوعة ومرضية لعشاق الحركة من مشاهد مواجهات جسدية ومواجهات نارية ومطاردات سيارات، والشخصيات جذابة جداً على صعيد الرسم والتفاعل والحوارات، تبدو روح كلاسيكيات شاين ولا يغتفر و تيرمنيتور الجزء الثاني حاضرة جداً هنا ، مع أداءات مبهرة وثقيلة من هيو جاكمان وباتريك ستيورات غير معتادة بأفلام الحركة والكوميكس يضخان في العمل روح درامية قوية، جاكمان بدور لوغان ولفرين الذي وصل لنهاية العمر ويختبر الضعف والموت لأول مرة مع الحسرة على العمر الفائت وأخطاء الماضي وفقدان الأمل بالتعويض، يجعلك تشعر بالآلم النفسي والجسدي الذي تعاني الشخصية مع صراعاته التي لا تتوقف مع شياطينه، وستيورات بدور البروفيسور أكس وهو بأرذل العمر، خرف ومجنون ويحمل ذنب رهيب لا يستطيع تقبله، ورغم الأنهيار الذي يعيشه ولكن ستيورات ينجح بأن يجعل المشاهد يشعر إنه تحت هذا الكيان المهلل ما زال البروفيسور أكس بذكائه وألمعيته وحنانه الأبوي وروحه القيادية موجودة وتكافح للحياة وتوجه العمل وتؤثر بالأحداث ، هو ليس مجرد فيلم كوميكيس مميز، هو الوداع المشرف لشخصية محبوبة، فيلم جميل عن دوران الأيام ، عن آلام الماضي، عن الأمل بمستقبل أكثر هدوءً وبعيداً عن القتل فيلم عن الخلاص والتطهير الذاتي من الذنوب التي تلاحقنا حتى لحظات حياتنا الأخيرة.

8.5/10

0 التعليقات:

إرسال تعليق