RSS

أفضل 10 أفلام لعام 2016


باعتقادي إن هناك إجماع على إنه كان عاماً سينمائياً قوياً، ممتعاً جداً بمتابعة إصدارات السينما حول العالم في القارات الخمس، ثري جداً بالنوعية المقدمة، وخرجنا منه بعدة كلاسيكيات سنذكرها طويلاً، كان لأحدها الفضل بتقديم واحدة من أكثر المواهب غير المقدرة إلى الصفوف الأولى (كيسي أفليك) ، وأخر أعاد إحياء السينما الاستعراضية ، ومنها كان له الفضل بإخراج الأسطورة جاك نيكلسون من إعتزاله بمشروع إعادة تحويل توني إردمان إلى فيلم أمريكي .
بداية العام لم تحمل أفلاماً قوية بقدر ما حملت للأسف رحيل جماعي لمجموعة من عمالقة السينما حول العالم، الإيراني عباس كيورستامي و المصري أحمد خان و الإيطالي مايكل شيمينو والأمريكي كرتس هانسون والساحر المصري محمود عبد العزيز وفنان الشعب السوري رفيق سبيعي الزهرة الفرنسية إمانويلا ريفا والبيغ برزر الأنكليزي جون هرت ، وبالمقابل احتفلت السينما العالمية بالذكرى المائة لميلاد الأسطورة الكلاسيكية كيرك دوغلاس.





العام الفائت له علامتين فارقتين الأولى بسينما الأنيميشين، هناك كمية كبيرة من الأعمال الممتازة والمفارقة إن أغلب الاستديوهات كانت تصنع أعمالها بروح استديو بيكسار (زوتوبيا مثلاً فيلم ديزني الأكثر بيكسارية بينما فيلم الحياة السرية للحيوانات الأليفة ففيه الكثير والكثير من حكاية لعبة) بينما بلمقابل فإن بيكسار كانت الأقل تجديدية في الجزء الثاني الذي قدمته لكلاسيكيتها البحث عن نيمو والمتمحور عن السمكة الزرقاء دوري ليس بقيمة سابقه وليس من نخبة أعمالها، تقليدي جداً ولا يحمل روح التجديد الذي اعتدنا عليها من الاستديو الخلاق ولكن ليس سيء أبداً، في المقابل حلق استديو لايكا بعيداً عن أسلوبية بيكسار وديزني بصنع نهج خاص مزيج بين حكايات قبل النوم الأمريكية والموروث الياباني ضمن السلوموشن بالرائع كوبو ، وسيث روغان أخذ الأنيميشن إلى زاوية سينما الراشدين بفيلم حفلة النقانق.


العلامة الفارقة الثانية طبعاً هي سينما الكوميكس، أصبح هناك تنافس حقيقي بين الاقتباسات السينمائية لمنشورات دي سي ومارفل، فكلاهما قدم فيلمين عن صراع الأبطال الخارقين (فجر العدالة والحرب الأهلية) وكلا الفيلمين بنفس السيناريو تقريباً وبنفس الميزات ونفس العيوب، والغريب إن النقاد مدحوا فيلم مارفل لنفس الأسباب التي هاجموا لأجلها فيلم دي سي، ولكن الذي صنع الفارق هو إن فيلم مارفل أكثر خفة وأكثر حركة و فيه بهجة حقيقية وتقديم ممتاز للشكل الجديد لبطلها الخارق الأكثر شعبية سبايدر مان ، في حين دي سي حاولت من خلال نزاع باتمان وسوبرمان أن تجعل فيلمها أكثر فلسفية يحوي نظرة جادة وقاتمة للميثيولوجيا المعاصرة ونقل الفيلم من حيز الترفيه إلى فكرة مناقشة صراع البشري مع الخارق، تحدي الإنسان للآله مع نزوع سنايدر كما في كل أفلامه السابقة لأن يكون الفيلم اقتباساً حرفياً من الكوميكس لا إعادة صياغة له، طبعاً الإعلانات ورفع حجم التوقعات والتضخيم بالحملة الإعلامية أضر الفيلم ولم يفيده ولم يكن محتاج لكل هذا التضخيم فاسماء الشخصيات تكفي لوحدها لصنع دعاية عالمية، أنا أحببت الفيلمين وأميل أكثر لفيلم سنايدر، شاهدته عدة مرات وأحببته رغم العيوب التي لا يمكن التغاضي عنها بالأخص المبالغة بالسوداوية بفيلم يفترض إنه ترفيهي بالدرجة الأولى .
الأستديوهان قدما أيضاً فيلمين عن شخصيتين جديدتين دكتور سترينج التقليدي لمارفل و الفرقة الانتحارية السيء لمارفل، شركة فوكس قدمت هي الأخرى اقتباساتها للنصف الذي تملك حقوقه من منشورات مارفل، ديدبول الثوري بسينما الكوميكس وأحد أفضل أفلام الصنف والجزء الثالث من سلسلة أكس بعنوان أبوكاليبس السيئ والمؤسف صنعه بعد الجزئيين السابقين الممتازين.


شهدنا 2016 عروض أفلام للكوينز وسبلبيرغ وودي ألين و إيستوود وألمودوفار ، وللأسف لم ترقى لمستوى صناعها ، وحده سكورسيزي من جيل العمالقة مستمر بتقديم التحف وجارموش لم يخيب أمل مريديه برائعته بترسون ، تمثيلياً هو عام إيمي أدمز مجدداً كما 2013 بتألقها بأفلام وحوش ليلية والقادم والمفاجئ عدم نيلها ترشيح جديد للأوسكار، كذلك أندرو غارفليد تابع طريقه كأحد أهم الوجوه الشابة بتجسيده الممتاز لوجهين متناقضين للمسيح بفيلمي غيبسون هاكسو ريدج و سكورسيزي صمت، عام 2016 تابعنا جزء جديد ممتاز لحرب النجوم و بداية لا بأس بها للسلسلة الجديدة من عوالم جي كي رولينغ مبدعة هاري بوتير .


من المثير بهذا العام موضوع الأوسكار، أزمة العنصرية عام 2015 جعلت مونلايت يخطف الأوسكار كأفضل فيلم مع جائزتين اثنتين فقط في التمثيل والسيناريو رغم وجود اللالا لاند الذي نال ست جوائز في نفس الحفل منها الإخراج وجائزة تمثيل وكان أكثر فيلماً بالعام مديحاً وحظوة بنيل جوائز المهرجانات السينمائية المختلفة، صحيح إنني أحب أن يكون للأوسكار جوائزه المعاكسة لموسم الجوائز ليعزز قيمته كجائزة أكاديمية رفيعة مستقلة عن باقي جوائز الجمعيات والنقابات والأكاديميات ويخرج اسم الفائز عن دوامة موسم الجوائز التي تحول الأوسكار إلى ما يشبه نهائيات تصفيات كأس العالم، ولكن هذه المرة شعرت إن جوائز حفل الأوسكار تحكمها اعتبارات بعيدة عن السينمائية و الخطأ المضحك بإعلان الفائز سواءً كان عفوي أو المقصود كشف الفائز الأحق عن غير قصد، بالأخص حين منحت الأكاديمية جائزتها كأفضل فيلم الأجنبي لفيلم من إيران لا لتوني إردمان الأكثر مديحاً وتوقعاً رداً على قرار ترامب بحظر دخول حاملي الجنسية الإبرانية إلى أمريكا، ومنح ميرل ستريب ترشيحها العشرون على حساب أدمز الأكثر أحقية وتوقعاًً بعد هجومها على ترامب بحفل الغولدن غلوب ورد ذاك بهجوم مضحك بتغريدة تويتر، وعموماً فإن حفل 2016 استحوذت عليه أفلام أغلبها متوسط المستوى ومنها السيء وتجاهل أفلاماً أكثر أهمية باستثناء الثلاثة الكبار وإلى حد ما الجحيم أو الطوفان.


مفضلاتي لعام 2016 هي :
أفضل مخرج : كينيث لونرغان Manchester by the sea
أفضل ممثل : كيسي أفليك Manchester by the sea
أفضل ممثلة : كيم ماين هي The Handmaiden
أفضل ممثل مساعد : فريد ساجدي حسيني The Salesman
أفضل ممثلة مساعدة : فيولا ديفيز Fences
أفضل طاقم تمثيلي : Moonlight
أفضل سيناريو أصلي : كينيث لونرغان Manchester by the sea
أفضل سيناريو مقتبس : باري جينكيز Moonlight
أفضل مونتاج : Manchester by the sea
أفضل تصوير : Silence
أفضل موسيقى : La La Land
أفضل أنيميشن : Zootopia
أفضل مؤثرات : Kubo and the two Strings
10 أفلام تستحق التقدير:
 - Zootopia - Hell or high water - Nocturnal Animals - Kubo and the two Strings -  - Monster calls -  10 Cloverfaild lane -  Captain Fantastic -  Sing Street – Elle - Tanna

أفضل 10 أفلام لعام 2016

-10-
Toni Erdmann

أحد مشاهدي المفضلة في الفيلم هو مشهد غناء الأبنة مع والدها، أغنية عن الشباب وطموحاتهم والبحث عن القدوة والمثل، الأب الذي يسعى لدخول حياة أبنته وتغييرها يعزف على البيانو وهي تغني على ألحانه كما كانت تفعل بصغرها، تبدأ تغني بصوت ناعم طفولي ثم تعلي النبرة حين تتنقل كلمات الأغنية إلى مقطع عن رغبة الشباب بالتحرر من القيود، يصبح غناؤها مزعجاً ومارن أده بهذا المشهد تقدم تعبيرية جميلة عن أبنة تريد الخروج من عباءة والدها وصنع ذاتها، عن جيل يريد أن يبني هويته بعيداً عن الجيل القديم، أن يصنع شخصيته الخاصة وعالمه الخاص، عالم لن يفهمه الاب البسيط المنتمي لجيل آخر وعقلية أخرى، والأبنة التي تحمل خصائص جيلها من برود وقسوة وجلد ذات وطموح أعمى لن تفهم أبداً ما يقوله والدها عن بساطة الحياة والسعادة الصافية وهي التي لا تفهم السعادة سوى بمعيار تصنيفها في السجل الوظيفي، فيلم ألماني عظيم عن هوية العالم الحديث والعولمة وسباق الشركات العابرة للقارات التي تحطم الذات الإنسانية في سبيل طموحات مادية جامدة تتقنع بأنها السعادة في حين إن السعادة والراحة النفسية هي أول ضريبة يدفعها الجيل الجديد المقتحم للعالم المادي الحديث .

-9-
The Handmaiden

منذ تحفته Old Boy ونحن ننتظر عمل كهذا من الكوري الجنوبي بارك شوون ووك، صحيح إن إنتاجاته السابقة أغلبها جيد ولكنه مع ذلك بقي عالق في تحفته العتيقة واعتقد إنه نجح الخروج منها أخيراً بفضل الخادمة، اقتباس مبهر جداً لرواية إنكليزية نقلها إلى الطقووس الآسيوية الشرقية بين كوريا واليابان، عمل مبهر جداً بصرياً ، سينما أصيلة حقيقية آسرة، لوحات رائعة صنعها بتصويره وديكوراته وأزياءه مع موسيقى عظيمة وسرد مشوق جداً ومحكوم لقصة فيلمه الممتازة، ووك الذي كان من الواضح تأثره برائعة ديفيد فينشر GONE GIRL لم يمنعه ذلك من أن يكون له رؤيته الخاصة وهويته الخاصة وينجح كعادته بممارسة هوايته بالتلاعب بالمشاهد وقيادته نحو الدروب التي يريدها من القصة دون إدعاء أو تذاكي، قصة مشوقة جداً مصنوعة بنفس إثارة عالي مضبوط ممتاز مع دراما حقيقية عن أربع علاقات متشابكة ومعقدة وأداءات تمثيلية ممتازة جداً .

-8-
I, Danial Blake

رغم إن فوز فيلم كين لوتش هذا بجائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان لم يرضي الكثيرين بوجود أفلام أخرى ربما تكون أكثر أحقية منه ولكن هذا لا ينفي جودة هذا العمل الإنكليزي وأهميته الكبيرة، فيلم فيه الكثير من الآلم والقسوة عن مآساة حقيقية تعيشها المجتمعات الحديثة التي حولت الإنسان إلى سلعة ورقم ضائع الحقوق بمجتمع قاسي ربحي لا يحمل أي ذرة عاطفة أو شفقة ولا يعنيه سوى مستوى الفائدة الذي يقدمه الفرد للسلطات الواقعة تحت هيمنة الشركات الاقتصادية العملاقة، مآساة دانيال بليك ربما تصيب أي إنسان وهنا الرعب الحقيقي بالفيلم إنه لا يقدم شخصيات استثنائية ولا أحداث استثنائية، الشخصيات حقيقية جداً ومعاناتها واقعية جداً وربما تصيب أي إنسان بأي مكان في العالم وللأسف إن العالم كله يرى هذه المعاناة يومياً ويتعاطف مع شخوصها واي إنسان يعلم إنه يمكن أن يكون دانيال بليك القادم ولكن لا يحاول أن يقوم بشيء للتغير ولفعل شيء يدرء فيه عن نفسه الكارثة.

-7-
Paterson

من المخجل جداً والمضحك إن مخرج مثل جيم جارموش ليس في سجله أي ترشيح للأوسكار ولا حتى غولدن غلوب بينما يتم الاحتفاء بمخرجين أقل منه موهبة بكثير، جارموش يعطينا سر السعادة الحقيقية، السعادة ليست بما تملك وإنما بما لا تملك، باترسون الناسك عرف كيف يقتنص السعادة، تكفيه زوجته المحبة رغم غرابة أطوارها واللحظات التي يسرقها لكتابة الشعر أو مع اصحابه في الحانة حتى يعقد سلام دائم مع العالم، السلام الداخلي والهدوء هو ما يغني عن كل الأموال وكل المناصب ويكفي بترسون ليقضي حياة هادئة روتينية ولكن مرضية، هو ليس شخص مستسلم وإنما شخص أدرك إن لا شيء في العالم يستحق الغضب والنزاع والحزن لأجله، فيلم روحاني رائع جداً منعش للنفس والروح يجعل أي شخص مهما ملك من نفوذ ومال ومظاهر يحسد باترسون على حياته ويتمنى لو يحظى بشيء يسير من راحة باله.

-6-
Graduation

في المشهد الأخير يقف طلاب الثانوية المتخرجين ليلتقطوا صور ثانوية وابتسامة كاذبة على وجوههم، الجيل الواعد الجديد الذي نشئ في مجتمع مشوه منافق ككل مجتمعات العالم الثالث والذي يحمّل عليه الجيل القديم آمالهم ليبنوا غداً أفضل رغم إنهم أنشئوهم على نفس العادات الملتوية التي تسير عليها مجتمعاتهم، يجعلك تتسائل هل فعلاً هناك أمل بالمستقبل؟، وهل هذا الجيل قادر فعلاً على إحداث تغيير حقيقي في مجتمع متهالك كهذا؟ فيلم  روماني عظيم يلعب على مستويين بين قصة صراع بين الاب والأبنة حول من يقرر مستقبلها ، وصراع اجتماعي أعم بين  الأخلاقيات والقيم وبين المصلحة وكيف إنه لا يمكن لك أن تعبر عبر المستقنع إلى البر الآمن دون أن تتسخ ثيابك، أنت بإمكانك أن تفهم جيداً سعي الأب ليجعل ابنته تسافر خارج رومانيا لإكمال دراستها وتتعاطف معه بالكامل، الأب المهزوم الذي تمنى أن يحقق جيله تغيير حقيقي بعد الحرب الباردة وفشل، أدرك إنه لا أمل بالتغيير فأراد أن يخلص ابنته من هذا المستنقع، حين يبرر سبب رغبته بسفر ابنته يقول لا يوجد هنا شيء لتبقى لأجله، والمخرج كرستيان مونجيو يشعرك فعلاً بإحساس اليأس من بلد كرومانيا وإنها فعلاً تدفع ابنائها نحو طريقين إما السير بركب الفساد الاجتماعي أو السفر للخارج، المشاهد لا يرضى أبداً بالأساليب التي يتبعها ماريو لأجل تسهيل سفر أبنته ولكن حين ترى للصورة العامة، لحجم الهزيمة التي تعيش بها هذه المجتمعات (الشبيهة جداً بمجتمعاتنا) والتي تنعكس ظلالها حتى على الحياة داخل المنازل يجعلك تقول في سرك إنه لو كنت مكان ماريو لفعلت مثله بلا أي شك.

-5-
La La Land

هذا العمل يعيد للذاكرة إحياء كل الأسباب التي لأجلها أحببنا السينما والتي صنعت من السينما الكلاسيكية العصر الذهبي، القصة البسيطة الشخصيات البسيطة العقبات البسيطة الحلول البسيطة عدم التكلف أو التذاكي الممثلين القريبين للقلب روح البهجة في العمل والحزن الحقيقي البريء المستتر، الكمال في الديكورات والتصوير والأزياء والملابس ، الإبداع في الموسيقى والأغاني، هو فيلم لإحياء القلب وإنعاش الروح، مثل Artist  قبل ست سنوات، فن صافي من زمن الفن العظيم والأهم إن له هويته الخاصة وشخصيته الخاصة، منذ مشهد الافتتاح وحتى الخاتمة والفيلم ينقلنا بين فصول البهجة والحزن ضمن قصة رائعة عن الطموح والحلم وصدامهما مع الواقع، فيلم لكل الحالمين الذين لا يكفيهم الحلم في عالم قاسي، عن صعوبة أن تكون نجم حتى لو كنت فنان أصيل في مدينة تعج بالممثلين وعن معانات النضال من أجل إحياء فن حقيقي يحتضر ونبذ من غالبية الناس، فيلم عن الشغف في الفن الذي يحرق الفنان قبل أن يجعله ينهض من تحت الرماد وعن الضريبة التي يدفعها من أجل هذا النهوض والسطوع، فيلم عن تلك الأمتار القليلة التي تفصلنا عن تحقيق كل ما نحلم به والتي أعيانا التعب عن مشيها وعن تلك اللحظات التي نتأمل بها تلك الأمتار بعد مرور الزمن وإحساس داخلي يقول لنا لقد كنت استطيع مشي تلك الأمتار لماذا توقفت؟ فيلم سيعيش مع المشاهد طويلاً بعد إنتهاء مشاهدته بفضل أغانيه التي تعلق بالأذن وأجوائه التي لا تفارق الذاكرى وإحساسه الذي يعشعش في القلب.

-4-
Silence

أخر روائع سكورسيزي والأكثر غرابة عنه والأكثر صعوبة والأكثر آلماً والأكثر إثارة للفكر والأكثر شغفاً في نفس الوقت وللأسف الأكثر تجاهلاً ولكن هذه الجزئية لا تهم كثيراً لأن الفيلم لا يحتاج  لجائزة فهو جائزة سكورسيزي لكل أنصاره وعشاق فنه، الفيلم الحلم الذي كان يريد صنعه منذ حوالي أربعين سنة وتعثر المشروع طويلاً وخلال الأربعين سنة صنع التحفة تلو التحفة، شوارع قذرة ، سائق التكسي ، الثور الهائج ، ملك الكوميدية ، الإغواء الاخير للمسيح، صحبة جيدة، عصر البراءة، عصابات نيويورك ، الطيار ، الراحل ، هيوغو، في كل هذه الأفلام هناك ملامح من صمت سكورسيزي، هناك التناقض ، الشك، البحث عن المثل الأعلى ، الرغبة بصنع القيمة، صراع البيئة، تشكيل الهوية، البحث عن الصورة الحقيقية للمسيح وما تحمله من قيمة وغفران وتطهير وسمو روحاني، فيلم تضيع الكلمات وأنت تحاول تفنيد ما قدمه سكورسيزي من خلاله ، يجعلك تتساءل عن معنى التدين، هل فعلاً الشكليات والنذور والطقوس تكفي لتجعل الشخص متديناً؟ هل يجب أن يرتبط التدين بالآلم؟ هل شكل التدين هو الإغواء والامتحان الحقيقي الذي يعيشه المؤمن؟ هل الرب يستلذ بعذاب عباده؟ وهل هو فعلاً يريد ذلك العذاب ويرضاه لهم؟ آلا يمكن العثور على الرب بدون الآلم؟ وهل يجب على المؤمن أن يسير بدرب من الحصى ويضع تاج الشوك ويحمل صليب حتى يعثر على الرضى الرب؟ هل الرب فعلاً صامت أم إننا نحن الذين لم نسمع صوته أو نفهم لغته ؟ فيلم صعب جداً جداً جداً ويثير الكثير من الأسئلة الروحانية لكل إنسان أكثر مما يجيب عنها فيلم عن الشعرة الرفيعة التي تفصل بين معنى أن تكون رجل دين أو متدين حقيقي.

-3-
Moonlight

هذا إنجاز سينمائي عظيم، عن المجتمع المهمش الذي يعيد إنتاج نفسه بلا توقف، عن حلم الاختلاف والتغيير الذي يداعب الإنسان ومحاولته أن يعيش مع ذاته بسلام، عن الناس المنسيين وأحلامهم المحطمة وذاتهم المكسورة، الصورة رائعة جداً ، استخدام الألوان عظيم ، الأرجواني في القصة الأولى الأزرق في القصة الثانية تدرجات الأصفر الداكن في القصة الثالثة ، كل منها له دلالته الخاصة ، عنف الطفولة ، مرحلة البحث عن الذات والحزن بالمراهقة ، السوداوية والاستسلام بمرحلة النضج ، الصورة تتعشق بالمكان وتجعله بطلاً للعمل وتجعلك تنتمي للبيئة وتشعر بأنك تعيش بها ، مساحات الصمت والتأمل ، لحظات الصفاء في الليل وعلى البحر ، مشاهد البدر القليلة المبهجة ، التركيز على تصوير شارون أغلب العمل بعيداً عن التجمعات ككائن معزول في قوقعة لوحده غير مرئي ، الموسيقى المؤلمة الاستخدام العظيم للأغاني ، مشاهد الأحلام ، الصورة المهتزة والضبابية حين تظهر أم شارون المدمنة، بل حتى استخدام تقطيع القصة وتسمية الفصول له دلالته في القصة الفصل الأول يسميه الصغير والفصل الثاني يسميه شارون والثالث يسميه بلاك فشارون كان (الصغير) المضطهد الضعيف الضائع و حين كبر بالسن أراد أن يكون ذاته (شارون) ولكن المجتمع لم يتقبله واضطهده واعتصره فتحول إلى (بلاك)، بلاك كذلك هو اللقب الذي كان يناديه فيه كيفين حب طفولته الذي بقي مختبئاً تحت جلده ولم يمت كما يخبئ أسنانه الحقيقية تحت البذلة الذهبية.

-2-
The Salesman

العام الماضي كونت علاقة صداقة مع السينما الإيرانية ويبدو إنها ستدوم طويلاً بفضل وجود أصغر فرهادي وحمله شعلة هذا الفن، فيلمه الرائع الأخير (البائع) يستحق فعلاً كل المديح الذي ناله بدءً من كان وإنتهاءً بالأوسكار رغم إن فوزه لعبت فيه إعتبارات سياسية عديدة ولكن هذا لا يمنع رضاي الكامل عن فوزه، كأفلامه السابقة يقدم فرهادي شخصيات إنسانية بمبادئ أخلاقية عالية تتعرض لإمتحان مزلزل، يضع المبادئ والقيم وجهاً لوجه مع الطبيعة والغرائز البشرية، يقوم بلعبته المفضلة بتوريط المشاهد مع شخصياته وحبكته وتركه مع الكثير من الحيرة والكثير من الحسرة، يلعب بمساحته المفضلة في القصص اليومية العادية، ضمن البيوت المغلقة خلف الأبواب والستائر بين خلافات الأزواج وتعارضهم وشجارهم، يقدم الكثير من النزاعات والكثير من المشاكل من خلال الأحاديث الهامشية بالنظرات بنبرة الصوت بالصمت، يترك لنا مساحة واسعة بين السطور وعلى الهوامش لنملأها بأحكامنا وانطباعاتنا الخاصة حول الشخصيات والحبكة والقصة.

-1-
Manchester by the sea

هذه جوهرة سينما 2016 في العديد من مشاهد العمل نرى لي تشاندلار يجلس وحيداً أمام التلفاز يتابع الرياضة ويشرب البيرة حتى الثمالة ووجه يتفجر من الآلم، في أحد المشاهد الاسترجاعية يحمل تشاندلار ابنه ويقول له لو إننا لم ننجبك لقضيت طول الوقت بمشاهدة المباريات وشرب البيرة، هو فيلم عن تلك الكلمات التي ننطقها بلا وعي والتي بعد حصول الكارثة تذبحنا أكثر من الكارثة، عن التصرفات البسيطة التي لا نرمي لها بالاً فتكون كالشرارة التي تشعل حريقاً يلتهمنا للأبد، فيلم عن الآلم، يفجر لدى المشاهد كل الأوجاع القديمة التي لم تندمل والتي لا يمكن تعويضها، آلمه معذب ولكن مطهر للمشاهد وينساب بسلاسة عجيبة من الشاشة للمتلقي بفضل السيناريو العظيم والأماكن الحية والموسيقى الشجية و والمونتاج المدروس جداً والتمثيل العفوي الواقعي الممتاز، الشخصيات حقيقية جداً وطقوس العمل بغاية الواقعية، لا يشبه أي شيء شاهدته سابقاً بدراما مشابهة، لا يوجد كثافة بالدموع ولا إنفجارات درامية سوى بالحد الأدنى، فيلم يهتم بالتفاصيل الحياتية وما يختبئ ورائها من آلام نفسية عميقة، فيلم عن الأحاديث الجانبية، عن الحوارات المجتزئة، عن النظرات المكسورة، عن الأصوات المتعبة وما تحمله من ذكريات قاتلة تدور في عقل المشاهد وتغلي في روحه وتشعلها ليتعذب بلا توقف، أحد أفضل الإنجازات الدرامية الحديثة بلا أي شك.


0 التعليقات:

إرسال تعليق